ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تسكين
الصدر المتوحش سانفورد
ف. كوڤين القدس – هل يمكن
للموسيقى أن تكون آلة للسلام؟
هذا ما يأمله برنامج القدس
للموسيقى، حيث أنه يقدم بعض
أفضل الموسيقى الحية لهذا الفصل
في المدينة. يجمع المهرجان معاً
75 من أفضل الموسيقيين
الأوروبيين والإسرائيليين
والعرب في أكثر من عشرين حفل
موسيقى أمام خليط من المشاهدين
في مجموعة واسعة من الأماكن:
كنائس في القدس القديمة ومواقع
تاريخية في القدس الغربية وقرى
فلسطينية. ورغم الصعوبات
الواضحة الناتجة عن تنظيم حفلات
موسيقية على جانبي الخط الأخضر،
إلا أن المهرجان، الذي يستمر
حتى الخامس من تموز/يوليو يقدم
فرصة لائقة بين الثقافات لليهود
والمسيحيين والعرب للتشارك في
الجو الذي لا تفصله حدود،
للموسيقى في أفضل حالاتها. الشخص وراء هذه
المبادرة هو عازف التشيلو
النمساوي إريك أوسكر هويتر.
باشر هذا الموسيقي الموهوب
والمتميز بتمويل من الاتحاد
الأوروبي، مستحيلة ظاهرياً
لجمع الإسرائيليين
والفلسطينيين معاً من خلال
الأصوات الموسيقية التي تعلو
على انعدام حاسة السمع لدى
السياسيين في المنطقة. إنها
مهمة من النوع الذي يتطلب صبراً
مطولاً وإصراراً ودعماً مالياً
متواصلاً. لم تتمكن عشرات
البرامج العربية الإسرائيلية
مسبقاً من تحقيق امكانياتها لأن
هذه الميزات نفسها لم تكن
متواجدة بشكل معقول. يقول هويتر أنه يرى
البهجة التي تولدها الموسيقى
كوسيلة لتحطيم الحواجز بين
الأفراد والشعوب. من تجربتي
الشخصية وكمقيم بشكل متقطع في
القدس منذ 38 سنة، أستطيع أن أشهد
بحقيقة أن هويتر على وشك تحقيق
شيء ما. قبل اندلاع الانتفاضة
الأولى وخلال عدة سنوات في
سبعينات وثمانينات القرن
الماضي، كنت أعزف على
الكلارينيت والساكسفون مع فرقة
جاز رباعية خلال فصل الصيف في
بار الطابق الأرضي في فندق
الأميريكان كولوني. كنا جميعنا
نحن الموسيقيين يهوداً، ولكن
الحضور شديدو الحماسة الذين
اكتظ بهم البار في الليالي التي
كنا نعزف بها كانوا فلسطينيين
وإسرائيليين على حد سواء. كنا
نجلس معاً أثناء فترة الاستراحة
نتناول الشراب ونتحدث عن
الموسيقى والسياسة، وهو أمر وفر
لنا فرصة نادرة لنتعرف على
بعضنا بعضاً في هذه المدينة
المنقسمة ثقافياً. إلا أنه بعد
بدء الانتفاضة جرى تثبيط همة
القيام بحفلات موسيقية عامة في
القدس الشرقية، فأنهى الفندق
عقدنا معه. اليوم، وبعد مرور
أكثر من عقدين من الزمان، لم
تظهر موسيقى الجاز حتى الآن مرة
أخرى في فندق الأميريكان
كولوني، رغم وجود تقارير
بإمكانية أن يتغير ذلك. رأيت في حياتي كمتخصص
في العلوم وطبيب، كيف يمكن
للعرب واليهود أن يعملوا معاً
رغم كافة خلافاتهم السياسية
والثقافية. بدأ مركز الأمراض
المعدية والاستوائية الذي قمت
بتأسيسه عام 1974 في الجامعة
العبرية بالقدس أول تبادل علمي
إقليمي تعاوني بين إسرائيل
ودولة عربية عندما هدد مرض يدعى
حمى الانهدام الشرق الأوسط عام
1979. عبر عدد من السنوات قتل هذا
"الطاعون الحادي عشر" آلاف
المصريين إضافة إلى أكثر من
مليوني رأس من الماشية. ولكن
اتفاقية السلام بين مصر
وإسرائيل جعلت من الممكن
للعلماء من مركز كوڤين
بالجامعة العبرية وجامعة عين
شمس بالقاهرة أن يعملوا معاً كل
في مختبره، واستضافة مؤتمرات
دولية في كلا الدولتين، وأن
ينشرا معاً وبشكل مشترك أكثر من
خمسين دراسة قام الزملاء
بمراجعتها، وهم يقومون
بالسيطرة على هذا الوباء. منذ
ذلك الحين شارك مركز كوڤين في
برامج تعاونية ناجحة مع جامعات
وكليات طلب في تونس والمغرب
والأردن ومع الفلسطينيين. والآن وقد أصبح
السلام مع الدول العربية
المحيطة بارداً، انخفض عدد
الروابط الثقافية إلى أضعف
الحدود. ما زالت العديد من
الهيئات المهنية العربية تمنع
التبادل الثقافي مع إسرائيل.
هذه غلطة رهيبة تدمر العلاقات
العلمية التي تملك القدرة
المحتملة على إفادة المنطقة
بأسرها والعالم. لو تُرِكنا
لآلاتنا الخاصة بنا، نستطيع نحن
الموسيقيين أن نتسامى عن
السياسة ونستمر في إيجاد طريقة
للتلاقي والتشارك في مصالحنا
المشتركة. على سبيل المثال، وفي
العام 1982 أثناء حرب لبنان
الأولى لم يتوقف برنامج مركز
كوڤين التعاوني مع مصر لحظة
واحدة، كما أنه لم يفقد حتى
يوماً واحداً من التعاون العلمي
أثناء الانتفاضة الأولى أو
المفاوضات الشائكة مع مصر حول
طابا. هكذا يمكن لبرنامج
مثل صوت القدس أن يوفر فرصة
نادرة للحضور في هذه المنطقة،
ليس بسبب النوعية الممتازة
للموسيقى التي يجري عزفها. في
واحدة من الحفلات الموسيقية في
بداية هذا الشهر في نزل
الهوسبيس النمساوي في القدس
القديمة، حيث شهدنا الرباعية
الوترية رقم 2 للمؤلف ليو
جاناسيك تلعبها فرقة Meta4
الفنلندية الوترية، صادفت مفكر
فلسطين بارز أعرفه. في اليوم
التالي تباحثنا في الحفل
الموسيقي ونحن نشرب فنجان قهوة
واتفقنا على أنه رغم أننا سمعنا
نفس الأصوات قد نكون نحن وغيرنا
من المسلمين واليهود
والمسيحيين في الجمهور قد
سمعناها بشكل مختلف، وقد يستغرق
الأمر العديد من العقود أو أطول
لتشكل هذه الأصوات من القدس
جسراً حقيقياً نحو السلام. ولكن
حتى عندما يتم تفسير الأصوات
بشكل مختلف يمكن للموسيقى أن
تكون منتجة أكثر من أية عملية
سلمية. عندما أوجدت أول فحص
لجسم مضاد للملاريا عام 1960
اعتقدت أنه من المؤكد أن طعماً
فاعلاً ضد الملاريا أصبح قريباً.
الآن وبعد مرور 48 سنة ما زال لا
يوجد طعم فاعل لهذا المرض.
بالمثل، كان لما تسميه عملية
السلام بدايات وتوقعات، ولحظات
كلها أمل وأخرى من اليأس خلال
السنوات الثلاثين الماضية. ولكن
تماماً مثل طُعم الملاريا أو
علاج لمرض الإيدز ما زال النجاح
بعيد عن مرمى النظر. هل نستسلم؟
أبداً. لا تشكل فترة ثلاثين سنة
سوى رمشة عين من الزمان، وأنا
واثق من نتيجة سلمية في كافة
المجالات والأماكن من هذه
المنطقة، إذا أخذنا بعين
الاعتبار الغريزة الإنسانية
للعاطفة والإصرار لرؤية هذه
الأهداف وقد تحققت. ----------------------- *
سانفورد كوڤين الحائز على
شهادة الطب هو المؤسس والرئيس
الدولي لمركز كوڤين لدراسة
الأمراض المعدية والأوبئة
الاستوائية في الجامعة العبرية
بالقدس. تقوم
خدمة Common Ground
الإخبارية بتوزيع هذا المقال
الذي يمكن الحصول عليه من
الموقع www.commongroundnews.org مصدر
المقال: هآارتس، 27 حزيران/يونيو
2008 تم
الحصول على حقوق نشر هذا المقال. ---------------- نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |