-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  28/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بسم الله الرحمن الرحيم

وقر عيناً بالإياب المسافر

طعمه عبدالله طعمه

كنت طالباً في بداية المرحلة الثانوية بمدينة حلب الشهباء أواسط ستينيات القرن الماضي، وفي زيارةٍ لصديق ٍ لي ناولني كتاب "الوجود الحق" ونصحني بقراءته.

استهوتني مقدمة الكتاب وقصة تأليفه وطباعته، وشدَتني معلوماته الرصينة وأسلوبه الرفيع، فلم ادعه حتى أتممته.

تلك كانت صلتي الأولى بفضيلة الدكتور حسن الهويدي رحمه الله، ثم صرنا طلابا في جامعة دمشق، وتابعت "مجلة حضارة الإسلام" وفيها كنت أقرأ للعلامة الهويدي أبحاثاً بين الطب والشريعة، ولازلت أذكر له بحثاً قيماً قرأته فيها حول الآيات الكريمة من سورة الطارق "فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماءٍ دافق يخرج من بين الصلب والترائب" وهو يفصَل ويمحَص بأسلوب الطبيب الباحث والمفسر المتمكَن؛ ما المقصود بقوله تعالى"يخرج من بين الصلب والترائب".كان  ذلك في بداية سبعينيات القرن الماضي.

ثم دار الزمان وبعد عقد وقعت المحنة، وشردنا في أرض الله الواسعة، وإذ بالدكتور حسن هويدي على رأس الجماعة المباركة التي انتمي إليها، ولم يكن يخطر ببالي أنني بعد عامين أو ثلاثة سأكون قريباً منه أو أحد العاملين معه لسنين وفي بلدان متفرقة.

كان رحمه الله هادئ الطبع، رضيَ النفس، أذا قام للصلاة أطال وأحسن ، وإذا جلس للذكر مكث، يتلو كتاب الله بصوتٍ محبب. يحرص على أداء السنن والنوافل حتى في السفر، يهتم بصحته أيما اهتمام، ما رأيته إلا حسن السمت والمظهر وكأنه شامة.

ما التقى بأخ أو بمجموعة من أخوانه في أي مكان من بلاد الله التي كان يزورها، إلا وعظهم أحسن الوعظ، وحببهم بالعبادة، وذكرهم بالالتزام بأخلاق الإسلام، والتمسك بسيرة رسول الله"صلى الله عليه وسلم"وخصال الصحابة و السلف الصالح، ونهج رجال الدعوة الأوائل في مصر وسورية وغيرهما.

ابتلاه الله بالأسفار في سبيل الله وخدمة لدعوته، فما كان يقرَ له قرار، يشرق ويغرب، يجوب الآفاق، لا يهدأ حتى قبل أيام من وفاته رحمه الله، وكأن ابن زريق البغدادي الشاعر عناه بقوله:

ما آب من سفر إلا إلى سفر     كأنه مُوكَل بفضاء الله يذرعه

وسأقتصر- في مقالي هذا- على ثلاث وقفات لي معه رحمه الله:

1- كان رحمه الله بمعية شيخنا العلامة عبد الفتاح أبي غدة في زيارة لشبه القارة الهندية قبل عشرين عاماً، وكنت أرافقهما في تنقلاتهما هناك، فكان الشيخ أبو زاهد رحمه الله يقدم أخاه الدكتور أبا محمد للعلماء الذين كنا نزورهم بقوله : هذا أخي الدكتور حسن هويدي، هو أصلب مني عوداً، وأصفى مني ذهناً و.....فيرد أبو محمد بعبارات طيبة مماثلة بحق أبي زاهد، وهما يبتسمان، فأقول في نفسي : إنما يعرف الفضل لأهله ذووه.

2- رافقته مع بعض الأحبة في إحدى حجاته التي كان يحرص عليها كل عام ما أمكنه ذلك. ويالها من حجة! لن أنساها ما حييت. ذكراها لا تزال ماثلة في نفسي، سقى الله تلك الساعات؛ في عرفات وفي المزدلفة وفي منى والجمرات، ما توقف لسانه عن الدعاء، ونحن حوله وخلفه ندعو معه ونؤمن على دعائه، يطبق السنن في الصلاة وفي المناسك، يعلمنا وينبهنا ولا يشق على من معه خاصة وأن زوجاتنا كن معنا في تلك الحجة المباركة، فكان يختار أيسر السبل، ويحذرنا من سلوك أولئك الذين يريدون أن يحملوا الأمة كلها على المشاق والمصاعب دون مسوغ أو مبرر.

3- في السنوات الأخيرة كنت احرص على زيارته عقب عودته من كل سفر، وبمعية أخي أحمد رحيم سودان (أبي عاصم)؛ فإذا رآنا رحمه الله قال ووجهه ينطق بشراً: (جاء التوأمان) ثم يحدثنا عن أحوال المسلمين في البلاد التي زارها، وعن أحوال وأوضاع إخواننا هناك، ثم يسألنا عن أحوالنا وأعمالنا، فإذا حدثناه وسمع مني انهماكي في عملي الإداري وخدمة إخواني وشيئا من شكوى قال لي: ألم يقل ابن الوردي منذ قرون:

إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

فما بالك الآن؟ ويضحك رحمه الله.

كنت أتابع أخباره وأسأل عنه من بعيد في العام الأخير من حياته، وقبل وفاته بستة أيام سمعت من أخينا الأستاذ حسان الصفدي أن الدكتور حسن بدا عليه في المرحلة الأخيرة التعب والإرهاق، وأن الشيخوخة قد فعلت فعلها في جسمه ولكنه لازال متماسكا، وأنه يستعد لأسفار قادمة قريبة.

في صباح الجمعة -قبل أسبوعين- وبعد وفاته بساعات جاءني النبأ الفاجعة، أخبرني الأستاذ يمان حسناوي أن شيخنا الدكتور حسن قد فارق الدنيا وانتقل إلى جوار ربه! يالها من مصيبة!!

أحقاً أن ذلك الروح الوثاب قد فارق ذاك الجسد الذي لا يهدأ، إنها إرادة الله وسنته في الخلق، فقد ألقى أبو محمد عصا التسيار واستقر به المقام

ألقت عصاها واستقر بها النوى    وقر عيناً بالإياب المسـافر

تعازيَََ الحارة للوالدة الفاضلة أم محمد، ولأنجال شيخنا: د.محمد وخالد وعمر الذين أعرفهم، ولبقية أولاده وأحفاده وأشقائه وإخوانه حيثما كانوا.

وتعزية خاصة خالصة مني لأستاذي أبي إسراء د.محمد سعيد درويش الذي كان له فضل تعريفي بالمرحوم والعمل بجانبه.

"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، واحشرنا معه تحت لواء سيد المرسلين، يا رب العالمين.

طعمه عبدالله طعمه 

أبو أنــس

صنعاء في 1\4\1430 هـ - 27\3\2009م

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ