-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عندما
سقطت بغداد كنت هناك مشاهدات
حية على جريمة احتلال العراق (5،
6) رشيد
شاهين لقد وقع
الانفجار في صهريج للنفط بينما
كان ينوي التوقف عند الاشارة
الضوئية، والحقيقة ان لا احد
يستطيع ان يحدد ما الذي حدث، هل
كان الصهريج مفخخا ام انه انفجر
تلقائيا، ام ان صاروخا ضربه،
لان الذين تجمعوا حول الصهريج
لم يكونوا خبراء متفجرات ولا
متخصصين، بل
اناس عاديون مثلي وغيري، ما
اريد ان اقول هو ان هذا الحادث
وتوجيه اللوم الى الاميريكيين
في اسبابه، انما كان نموذجا
لهذا الغضب المتنامي في الصدور
على قوات الاحتلال الاميريكي
باعتبارها سببا لكل الام ومصائب
العراق. لقد
سمعت الكثير من القصص المشابهة
خلال فترة وجودي في العراق بعد
الاحتلال. فمثلا، هناك من يؤكد
ان الكثير من السيارات التي
يقال انها مفخخة او ان انتحاريا
كان يقودها هي من فعل
الاميريكيين، وان ما يقال
ويتردد عن تفجيرات في هذا
المكان او هذا الحي او ذاك انما
يقف وراءه قوات الاحتلال
الاميريكي وعملاء الاحتلال
وخاصة الذين اتوا معهم من اجل
تعميق الفجوة بين ابناء الشعب
الواحد. فبالنسبة
للسيارات المفخخة التي يتم
تفجيرها في الاسواق والاماكن
المكتظة او في الاحياء السكنية
مستهدفة المدنييين الابرياء،
يعتقد الكثير من العراقيين ان
من يقف وراءها هم قوات
الاحتلال، حيث يقول هؤلاء ان
الاميريكيين بامكانهم ان
يتحركوا بحرية وبسهولة، ولا احد
يستطيع ان يمنعهم من فعل ما
يشاؤون، ويتابع هؤلاء انهم
شاهدوا الكثير من السيارات
العراقية التي يتم جرها من قبل
الاميريكيين الى داخل
معسكراتهم، ويتساءل هؤلاء، من
يقول انهم لا يقومون بتفخيخ تلك
السيارات ومن ثم وضعها في
الشوارع او الاسواق او حيثنما
شاؤوا؟، او ليس هم من يتسيد
الشارع خلال ساعات منع التجول
ليلا؟ او ليس لهم من العملاء
الكثير؟ لماذا لا يقوم هؤلاء
العملاء بايقاف تلك السيارات
حيث يطلب منهم ومن ثم يتم
تفجيرها.؟ اما عن
السيارات التي يقال انها فجرت
من قبل انتحاريين، فيقول هؤلاء
ان هذا ليس بالضرورة هو الصحيح،
حيث وفي احيان كثيرة يقيم الجيش
الاميريكي نقاط تفتيش او حواجز
داخل العاصمة او خارجها،
واحيانا لا يتم السماح لمن يقود
السيارة بالنزول منها خلال
عمليات التفتيش، ويتابع هؤلاء
من يستطيع ان يمنع القوات
الاميريكية بوضع المتفجرات في
صندوق السيارة في غفلة من
سائقها، الذي يكون همه هو ان يمر
عبر هذا الحاجز، وبعد ان يامروه
بالمغادرة يتم تقجير ما تم وضعه
في الصندوق بواسطة التحكم عن
بعد، والحقيقة ان هذه القصة
ترددت كثيرا في بغداد بعيدا عن
ما اكده الكثير من العراقيين
الذين قالوا انهم شاهدوا سيارات
تنفجر بعد ان تعبر الحواجز
بمسافة ليست بعيدة. يتفق
الكثير من المراقبين على ان
انطلاقة المقاومة العراقية
كانت ربما الأسرع في التاريخ
المعاصر، لا بل انها بدأت قبل ان
يستقر المقام لهذا المحتل في
ارض الرافدين، ويستشهد هؤلاء
بما قامت به سيديتين عراقيتين
قبل ان يكتمل الاحتلال
الاميريكي للعراق وقبل ان تسكت
المدافع، وكما
هو معلوم للجميع فان القاعدة
تقول انه ما دام هنالك احتلال
فلا بد من وجود مقاومة، فقد طبقت
هذه القاعدة بشكل مبكر في
العراق. لم
تقتصر المقاومة في العراق على
قسم منه او على طائفة بعينها كما
يعتقد او يقول الكثير من
المهتمين بالشان العراقي، فهي
وان كانت تتفاوت من مكان الى اخر
وبرغم تفاوت قوتها بين هذه
المنطقة او تلك من ارض العراق،
وبرغم انها قد تكون بنسبة اكبر
بين ابناء احد مكونات الشعب
العراقي من مكون اخر، الا انها
موجودة في كل الاراضي العراقية
وهي كذلك مفتوحة ويتم المشاركة
بها من جميع ابناء الشعب لعراقي. بعد ان
انتهت الحرب على العراق وبعد ان
اتمت قوات الاحتلال السيطرة على
هذا البلد من قبل الغزاة، كان لا
بد لي من التوجه الى الاردن
للغرض ذاته الذي زرت عمان من
اجله قبل بداية الحرب الا وهو
طمانة الاهل والاصدقاء بانني لا
ازال بخير، وقد سافرت بعد اقل من
ثلاثة اسابيع على وجود
الاحتلال، وكانت حالة من
التقيتهم في الاردن من التردي
بحيث صار علي ان اواسيهم بدلا من
ان يفعلوا هم ذلك، وكان السؤال
الدائم، ماذا عن المقاومة؟ وكان
ردي الذي لا تراجع عنه،
المقاومة ستنتصر وهذا الاحتلال
الى زوال، لا بل لقد جاء هذا
الاحتلال ليفتح عصرا جديدا سوف
يمرغ وجه اميريكا بالتراب،
وستسود المقاومة وستهزم
اميريكا في العراق، انني ارى
هزيمة اميريكا في العراق حقيقة
واضحة، انها ليست سوى مسالة وقت
وهو وقت لن يطول على اي حال. بعد
عودتي الى العراق كان لا بد لي
ان اعيش حياتي كما هي، وسارت
الحياة بحلوها ومرها، وكنت اعيش
دوما حالة من التفاؤل الذي لم
اعشه من قبل فيما يتعلق
بالمقاومات العربية المختلفة،
الا ان مشاهداتي كانت تجعلني
اشعر بان هذا التفاؤل بازدياد
برغم كل الاحداث التي قد تكون
سببا في الاحباط لدى الاخرين. ان
محاولة البعض تجيير المقاومة
الباسلة في العراق لهذا الفصيل
او ذاك، او لهذه الجهة اوتلك
انما يحمل في طياته الكثير من
الغبن والتحيز، وربما الجهل او
التعصب الاعمى الذي لا مبرر له،
خاصة وان المقاومة تضم الجميع
وان من العيب كما الظلم عدم
الاعتراف بادوار المقاومين من
كل الجهات. شارع
حيفا لا
اعتقد ان احدا لم يسمع بشارع
حيفا، انه احد اكثر الشوارع
التي ذاع صيتها خلال فترة
الاحتلال ومن ثم عرف عنه انه
الشارع المقاوم في قلب العاصمة
العراقية. عند الحديث عن هذا
الشارع فان البعض وربما
الكثيرين قد يعتقدون انه مجرد
شارع كما بقية الشوارع في
العاصمة بغداد او في اي عاصمة او
مدينة عربية او غير عربية.
والحقيقة انه عندما تتحدث وسائل
الاعلام عن هذا الشارع فانما
المقصود منطقة شاسعة في وسط
بغداد، وحيث ان هذا الشارع هو
الاكثر تميزا فانه يتم ذكره
عندما يتم الحديث عن تلك
المنطقة، لقد كان لي مع شارع
حيفا هذا العديد من القصص
والذكريات التي لا اعتقد انها
سوف تمحى مع مرور الوقت. شارع
حيفا يقع في قلب منطقة تمتد على
عدة كيلومترا من بغداد،
فالمنطقة تضم العلاوي
والرحمانية والكرخ والشواكة
وجزء من الصالحية القريبة من
وزارة الاعلام وغيرها، وهذه تضم
عشرات الآلاف من السكان كما
انها تقع في قلب العاصمة، ولا
تبعد الا عدة مئات من الامتار
عما اصبح يعرف بالمنطقة الخضراء
التي تقع بداخلها السفارتان
الاميريكية والبريطانية كما
عدة سفارات اخرى، اضافة الى
اشهر فنادق بغداد وهو فندق
الرشيد الذي تم قصفه من قبل
القوات الاميريكية في الحرب
الاولى على العراق كما بعدها
وذلك عنما تم توجيه تهمة للعراق
بانه وراء التخطيط لمحاولة
لاغتيال الرئيس الاميريكي جورج
بوش الاب خلال زيارته للكويت،
والذي كانت على مدخله صورة
للرئيس الاميريكي الاسبق بوش
الاب، حيث كان لا بد للداخل اليه
ان يدوس على وجه بوش في صورة
رمزية ارادها العراقيون
للدلالة على ما يحملونه تجاه
هذا الكاوبوي المتعجرف. كنت
وابني محمد متجهين باتجاه باب
المعظم عندما صرنا في وسط شارع
حيفا، واذا بالعديد من السيارات
ترتد على اعقابها وتسير بعكس
اتجاه السير، ولما استفسرت عن
الامر قيل لي انهم "المجاهدين"
وقد نصبوا نقطة تفتيش عند ساحة
الطلائع في نهاية الشارع يدققون
في هويات الناس، وقد اكملت سيري
باتجاههم برغم ان محمدا وقد كان
في العاشرة من عمره عندئذ، طلب
مني العودة كما يفعل الاخرون،
وعندما وصلت اليهم وكانوا حوالي
ستة من الشباب، هؤلاء الذين
يقفون امامي مباشرة، الا انني
استطعت ان الاحظ العديد الاخرين
منهم وهم منتشرون بجانب
العمارات السكنية وفي زوايا
الساحة المختلفة، كانوا مسلحين
بالبنادق والمسدسات وقذائف ال
آر بي جي، وقد طلب هؤلاء مني
الهوية وعندما تحدثت اليهم
بلهجتي غير العراقية تلك اللهجة
التي اتقنها تقريبا، رحبوا بي
بحرارة وتمنوا لي الموفقية. بعد ان
غادرنا نقطة
تفتيش "المجاهدين" سالني
ابني لماذا هذا الاصرار على ان
اكمل طريقي وان
امر عبرهم، وكان ردي له ان
هؤلاء من المقاومة التي لا يمكن
ان تتعرض لي او لغيري، عدا عن
انني لم افعل شيئا قد يسيء
اليهم، وهم لا يمكن ان يعتدوا
على الناس هكذا لمجرد انهم اناس
عاديون، قال لي محمد: يا ابي لقد
افزعتني، لقد شعرت انني لا
استطيع ان اسيطر على نفسي، ان
اسناني لا تزالان تصطكان من
الخوف ورجلاي لا تقويا على حملي
برغم انني اجلس على مقعد
السيارة، قلت له انظر الى الخلف
الا ترى اننا لسنا الوحيدين
الذين عبرنا نقطة السيطرة، ان
هنالك العديد من الناس يعبرونها
بدون اية مشكلة. في نفس
المكان تقريبا في نفس الشارع
وفي مرة اخرى لكن بالاتجاه
المعاكس، اي انني كنت قادما من
باب المعظم باتجاه العلاوي ومن
ثم الى المنصور فالبياع فالى
الشقة في حي صدام، كنت لا ازال
في بداية شارع حيفا اي قرب ساحة
الطلائع، واذا بي اسمع اطلاق
للرصاص كثيف، لقد كان على بعد
مئات الامتار مني، ولما استمريت
بالتوجه اماما وصلت الى العلاوي
وقد توقف اطلاق النار. لقد
وصلت حيث كان الحادث قد وقع،
انها سيارة رباعية الدفع كان
بالامكان ملاحظة ان كل ما سمعته
من اطلاقات كان في السيارة، لان
المنطقة من الازدحام بحيث لو ان
هذا الاطلاق كان على الناس
لحدثت مجزرة، في السيارة شخصان
او على الاصح جثتين لشخصين وقد
تعرضا الى عشرات الرصاصات التي
اخترقت جسديهما، لقد كانا احد
المدراء العامين وسائقه،
العملية لم تكن متميزة عن غيرها
باي شيء ربما، سوى في دقة
المعلومات الاستخبارية
والمتابعة الدقيقة والتوقيت
وهذا الاقدام والجرأة في
التنفيذ لدى رجال المقاومة
الذين كمنوا في المنطقة في ساعة
ازدحام شديد لا يستطيع السائق
الا ان يسوق ببطيء شديد، لقد
نفذوا العملية بكل يسر وسهولة
وانسحبوا دون اي مشكلة تذكر
ودون ان يعترضهم احد ابدا. عندما
كنت اسلك شارع حيفا كانت
تعتريني الكثير من المشاعر
المتناقضة لم يكن من السهل
التمييز بين الشعور بالقلق او
الرهبة وحتى الخوف احيانا وبين
الشعور بالزهو لمناظر الشبان او
"المجاهدين" كما يفضل
العراقيين مناداتهم، وهم
منتشرون في جنبات الشارع في
حالة من الاستنفار والاستعداد
عالية لمواجهة الغزاة
وعصاباتهم، وانا شخصيا اعتبر ان
الخوف او القلق شعور انساني
مبرر وليس من العيب الشعور به،
هذا القلق او الخوف ربما،
الناجم عن ان الواحد منا قد
يتعرض الى رصاصة طائشة من هنا او
عبوة ناسفة تنفجر في اللحظة
الخطأ وفي المكان الخطأ واقصد
هنا اذا ما انفجرت لحظة مروري في
ذالك المكان. لقد
كانت رؤية الجثث وهي ملقاة في
الشوارع البغدادية تزداد مع
تقدم الوقت، ليس من السهل ان ترى
الانسان وهو مجرد جثة ملقاة على
قارعة الطريق، خاصة اذا ما رايت
الكلاب الضالة تحوم حول تلك
الجثث، حيث بالامكان عندئذ ان
تدرك ان هذه الجثث سوف تنهش من
قبل هذه الكلاب بعد حين. في شارع
حيفا ايضا كنت اسير بالقرب من
ساحة الطلائع وقد صعدت على جسر
مدينة الطب، جسر مدينة الطب هذا
يصل ما بين باب المعظم وشارع
حيفا وفي نهايته باتجاه باب
المعظم توجد وزراة الدفاع التي
تم نهبها من قبل الرعاع ولم يتم
اعادة استعمالها من قبل الجيش
العراقي الجديد الا بعد حوالي
عامين من الاحتلال، وفي الجهة
المقابلة للوزارة توجد مدينة
صدام الطبية وهي صرح طبي ضخم تم
بناؤه في عهد صدام حسين. لاحظت
خلال سيري على الجسر ان هنالك
جثة ملقاة على الجهة الاخرى من
الشارع- الجسر- وكانت السيارات
لا تتوقف بل تستمر بالسير،
الجثة كانت ممددة تقريبا في وسط
الشارع، ولا تبعد عمليا عن
مدينة الطب الا عشرات الامتار،
الا ان احدا لم يجرؤ على الوقوف
لابعادها او ازاحتها على جانب
الطريق، وبعد ان مكثت اكثر من
ساعتين في المكان الذي كنت
اقصده عدت من نفس المكان
وبرفقتي احد الاصدقاء، لقد
فوجئت ان الجثة لا تزال في
المكان، وعندما رغبت بالتوقف
لازاحتها قال لي ان علي ان اواصل
السير لانني اذا توقفت فان
الجنود المتمترسين على اسطح
الوزارة لن يترددوا في اطلاق
النار علي، وهكذا اكملت طريقي
وانا اشعر بقهر شديد. كنت
مضطرا لان اسلك شارع حيفا بشكل
شبه يومي لقضاء بعض الاعمال،
وقد كان الشارع لا يخلو من حدث،
فبينما كنت اسير فيه واذا
بمجموعة من الشبان- المجاهدين-
يستوقفونني ولكن بشكل مفاجئ،
وعندما تحدثوا الي واكتشفوا
انني عربي حيث تحدثت اليهم
بلهجة عربية وليس عراقية، طلبوا
مني النزول من السيارة، وعندما
استفسرت عن السبب قالوا لي ان
علي معاينة جثة كانت ملقاة على
جانب الشارع قيل انها لشخص عربي. كان
الوقت عصرا عندما وقع ذلك، لقد
كشفوا لي عن وجه القتيل، كان
يبدو انه قتل منذ فترة قصيرة،
شاب في العشرينات من العمر قمحي
اللون ذو شارب رفيع وملابس
عادية لا تشير الى ما هو غير
عادي. قلت لهم انني لا اعرفه،
شكروني وسمحوا لي بالمغادرة، ما
اثارني حول هذه الجثة انني وفي
اليوم التالي وبينما كنت امر من
نفس المكان وبعد اربع وعشرين
ساعة لا تزال الجثة في عين
المكان، برغم ان مدينة الطب لا
تبعد اكثر من مئات قليلة من
الامتار. هذا
الواقع الذي يعيشه اهالي شارع
حيفا هو في الحقيقة نموذج لما هي
عليه بقية المناطق في بغداد
برغم ان هذا الشارع قد تميز
نسبيا عن بقية المناطق، والحديث
عن احداث مشابهة لا يتوقف ولا
ينتهي، ففي الاعظمية تدور احداث
اكثر حدة واكثر دموية، وفي
العامرية والغزالية وغيرهما
تتشابه القصص وتتكرر
السيناريوهات لاحداث اكثر
غرابة. تكتم
على الخسائر كان من
ضمن ما يلفت انتباهي وغيري من
اهل بغداد من عرب وعراقيين هذا
التكتم الاعلامي الشديد على
العمليات اليومية التي تجري في
بغداد، ان بامكان اي مقيم في
بغداد وبالضرورة في بقية ارجاء
العراق ان يسمع اصوات
الانفجارات التي تقع بين الفينة
والفينة في انحاء المدن
المختلفة كما في العاصمة
العراقية، الا ان ما يتم
الاعلان عنه هو تلك الانفجارات
التي تستطيع وسائل الاعلام
الوصول اليها او سماعها ربما،
فلقد كنا نسمع العديد من
الانفجارات وخاصة تلك التي تقع
اثناء ليل بغداد الحزين والمليء
بالقصص المرعبة، الا ان هذه
الانفجارات لا يتم الحديث عنها
او ذكرها في وسائل الاعلام
المختلفة. لقد صرت
احاول ان اوثق بطريقتي الخاصة
عدد الانفجارات التي نسمعها
بشكل شبه ليلي، كما احاول توثيق
ما اسمعه عن احداث او انفجارات
او عمليات اغتيال وقتل، هذه
الاحاديث التي يتناقلها الناس
او الاصدقاء او الاقارب
والجيران، وعندما اقول توثيق
فانني لا اعني الطريقة
التقليدية بالتوثيق، بل من خلال
مقارنة عدد ما اسمع من انفجارات
او عمليات او ما ينقل الي من
الاصدقاء والمعارف الثقات وتلك
التي يتم الحديث عنها في وسائل
الاعلام المختلفة، وقد كنت
الاحظ الفرق الشاسع فيما هو
واقع على الارض وما يتم الاعلان
عنه، ولا اعتقد ان ذلك الفرق بين
هذا وذاك كان بمحض الصدفة او
مجرد خطأ غير مقصود، لقد كان ما
يحدث من تعتيم سياسة واضحة
وممنهجة، ولا يمكن اعتبارها الا
انها سياسة يقصد من خلالها
اخفاء الواقع الحقيقي لما
هو جار على الارض. مع
استمرار الوجود الاميريكي في
العراق تزداد وتيرة المقاومة
وبالتالي تزداد الخسائر الي يتم
الحاقها بقوات الاحتلال،
واستطيع القول انه واهم من
يعتقد ان بامكان القوات
الاميريكية هزيمة المقاومة
العراقية، او ان تستطيع حكومة
الدمى في بغداد ان تهزم
المقاومة، لان هذه المقاومة
تنبع من الام وجراحات العراقيين
الذين لم يقبلوا ابدا بوجود هذه
القوات، ولان العراقي بطبعه
وفطرته ترعرع على الكبرياء
والنخوة والشهامة، ان القوات
الاميريكية لا تستطيع دخول شارع
حيفا على سبيل المثال الا في
المدرعات والدبابات والسيارات
عالية التصفيح، ولم يحدث ان
رايت اي من سيارات الهمر او
الهمفي في شارع حيفا، وان حصل
فلا بد ان تكون مصحوبة بعشرات
المدرعات والدبابات، اي
باختصار وببساطة اعادة احتلال.
نعم لقد كان يتم اعادة احتلال
هذا الشارع بشكل اسبوعي
تقريبا، والمقصود هنا ارسال
عشرات الدبابات والمدرعات
ومئات الجنود اليه بينما تحلق
الطائرات المروحية وغير
المروحية في اجواء المنطقة. اما اذا
تم الحديث عن قوات للمشاة في هذا
الشارع فلا بد ان تكون اعدادهم
بالمئات، واستطيع هنا ان اؤكد
انني عندما كنت اشاهد هؤلاء
الجنود فانني في كل مرة كنت
اراهم بالمئات برغم انهم قد
يتجولون في مناطق اخرى من بغداد
على شكل مجموعات قليلة، اما
حكومة الدمى القابعة خلف اسوار
ما يسمى بالمنطقة الخضراء، فان
من الصعب ان لم يكن من المستحيل
رؤية اي من دماها خارج تلك
المنطقة، واذا ما حصلت بعض
الاستثناءات فان ذلك يتم تحت
حراسة مشددة لا يمكن وصفها. اسوار
وميليشيات تبحث عن انتصارات
فارغة ان
سيطرة القوات الاميريكية على
العراق واحتلاله ومحاولات
الترويج الاعلامي التي قامت بها
ماكينة الاعلام الغربية
الجبارة بقصد تشويه صورة
الانسان العراقي، وانه يرحب
بهذا الاحتلال، نجحت الى حد
كبير في ذلك، وقد استطاع هذا
الاعلام ان يرسم صورة قاتمة في
نفوس وعقول الكثير من الناس ليس
البسطاء منهم وحسب لا بل
والمثقفين كذلك، وما يدفع على
الحيرة والدهشة ان هؤلاء الناس
وخاصة المثقفين منهم وقعوا في
فخ هذه الدعاية واصبح الكل اسير
نفس النغمة التي يتم ترديدها في
الاعلام الغربي كما والاعلام
المشبوه، ولم يحاول هؤلاء ان
يتساءلوا عن اذا ما كان الشعب
العراقي يتسم بذلك وانه اذا كان
يرحب فعلا بالاحتلال اذن لماذا
تتحول بغداد الى قلعة حصينة؟
فاينما تتلفت تجد الموانع
الاسمنتية المسلحة وبارتفاعات
تصل في كثير من الاحيان ان لم
يكن في اغلبها الى ثمانية او ستة
امتار. لقد
اراد هؤلاء الافاقين ان يصوروا
ان العراقيين لا علاقة لهم
بالمقاومة، كما رغبوا ان ينزعوا
عن شعب العراق العربي الأبي صفة
الوطنية والانتماء، كما ارادوا
ان يَسِموه بِسِمَة التخاذل
وغير المقاوم وهذا ما لا يمكن
قبوله. ليس ذلك فحسب، لا بل
وارادوا ان يقولوا وما زالوا
يزدادون اصراراً على ان ما يحدث
في ارض الرافدين انما هو بفعل
فاعل، وهم يؤكدون على ان هذا
الفاعل ليس عراقيا، وان من
يفعل ذلك هم اولئك الذين اتوا من
خلف الحدود، وعندما يتحدث هؤلاء
عن العنف والارهاب والقتل فانما
يقصدون المقاومة، في محاولة
منهم للقول ان الانسان العراقي
قد قبل بمصيره وبقدره وانه يرحب
بهذا الاحتلال والامتهان
والاستباحة للارض العراقية كما
الكرامة والسيادة الوطنية وهو
لا يرغب في مقاومة هذا لاحتلال. هذه
المحاولات البائسة لتصوير
العراقي على انه لا وطني وانه لا
مقاوم، تدحضها العمليات
الجريئة والجسورة كما المستمرة
واللامنتهية التي يتم تنفيذها
بشكل يومي، وعندما نتحدث هنا
فانما نتحدث عن العمليات التي
تستهدف القوات الغازية وعملاء
الاحتلال، لان لا احد يمكن ان
يقبل بكل هذا القتل غير المبرر
للابرياء في الشوارع والاسواق،
وان المحاولات اليائسة لتصوير
ما يحدث بانه ياتي من وراء
الحدود ثبت فشلها وعقمها، وذلك
من خلال الارقام والاحصائيات
التي يوردها هؤلاء الافاقين
انفسهم، فقد قال احد المتحدثين
الرسميين باسم حكومة الدمى انه
من بين ما يقارب 500 معتقل تم
اعتقالهم في احدى الحملات في
بغداد تم اعتقال 8 من جنسيات
عربية. ان
الحديث عن الجنسيات العربية هو
في واقع الامر حديث فيه الكثير
من التضليل والخداع، فهنالك
عشرات الالاف من العرب المقيمين
في العراق، ومن بين هؤلاء هناك
الالاف ممن
يقيمون في بغداد، وقد حصل في
اكثر من واقعة ان من يتم اعتقاله
ليس له علاقة لا بالارهاب ولا
بالمقاومة، انهم اناس بسطاء
يقيمون في العراق منذ ما يزيد
على عقود ثلاثة، ومحاولات الزج
بهم وانهم متورطون في ما يسميه
الاحتلال ارهابا ثبت فشلها
وعقمها، لان اغلبهم يتم الافراج
عنهم بعد فترة قليلة اذا ما
وقع هؤلاء بيد قوات
الاحتلال، وكثير ممن يتم
اعتقالهم على ايدي القوات
الحكومية تتم تصفيتهم ورميهم
على قارعة الطريق. القضية
الاخرى الهامة التي استفاد منها
هؤلاء في بدايات الاحتلال
واستثمروها بشكل جيد، هي محاولة
الناس بشكل عام النأي بانفسهم
عن النظام السابق بكل ما فيه
سواء اجهزته الامنية او
الحزبية، بحيث صار التنصل من كل
ما يمت للنظام والحقبة السابقة
هي السمة الغالبة، وصارت اي
محاولة للدعوة للمقاومة تفسر
على انها محاولة لدعم النظام
السابق واستعادته الى السلطة،
وهكذا استطاع هؤلاء ان ينشروا
ثقافة تتسم بالتخويف والترهيب
وهذا ما أخّر بشكل او بآخر
انطلاقة اكثر قوة للمقاومة
العراقية، اضف الى ذلك تخاذل
المرجعيات الدينية وخاصة
المرجعيات الدينية الشيعية
المنحدرة من اصول فارسية او غير
عربية عندما لم تدع الى قتال
الغزاة. لقد حول
هؤلاء الغزاة المدينة الى قلعة
حصينة، بحيث صارت الشوارع التي
يمنع على الساكن في بغداد ان
يسلكها اكثر بكثير من تلك التي
يسمح له في استعمالها، وصار كل
قوم وحزب من هؤلاء الذين قدموا
من الخارج يقيم ما يشبه
معزولته، مغتصبته او مستعمرته
او ربما يمكن تسميتها "الغيتو"
الخاص به، حيث يقيم مع
المجموعات المخلصة له فيها.
ويقوم هؤلاء بوضع الحواجز
الاسمنتية حول كل زاوية وشارع
قد يؤدي اليهم، ويُبقون على
مدخل او مدخلين تكون محروسة
بشكل يصعب اختراقه، هذه المداخل
عليها عشرات من الحراس الذين لا
يمكن ان يترددوا في القتل في اي
لحظة من لحظات الشك. هذه "المغتصبات
او الغيتوات" هي في حقيقة
الامر عبارة عن قصور وفلل
وممتلكات كبار القادة في النظام
السابق، وقد اتى هؤلاء التابعين
للاجنبي وسيطروا عليها بدون
حسيب او رقيب، واقاموا حولها ما
اقاموه من تحصينات دون اي رادع
حيث لا قانون في البلد، وقد
استفاد هؤلاء من حالة الفلتان
وغياب سيادة الدولة، ليمارسوا
كل الموبقات وكل الممنوعات،
وهذا ليس بغريب على هؤلاء اذا ما
وجدنا ان سيدهم الاميريكي والذي
اتى بهم الى هذه البلاد كان قد
سمح لنفسه بالسيطرة على منطقة
واسعة من بغداد واطلق عليها اسم
المنطقة الخضراء وهي في الحقيقة
منطقة تمثل السيادة او جزء من
السيادة العراقية، حيث تضم
المجمع الرئاسي او احد المجمعات
الرئاسية للنظام السابق واحتمى
خلفها بجدران اسمنتية من كل
الجهات حتى تلك التي تشرف على
النهر برغم ان النهر يعتبر
حاجزا طبيعيا. ليس هذا
فقط، بل وزيادة في الحرص او في
الحقيقة الخوف والهلع وللتأكد
من مزيد من الحماية، فقد تم منع
العراقيين اهل البلاد من سلوك
الكثير من الطرق، وهذا ما جعل من
بغداد بعد الاحتلال اكثر
العواصم ازدحاما ربما في
العالم، ولم يكتف الاحتلال
بذلك، فقد تمت احاطة كل الجسور
وخاصة تلك الجسور الواقعة على
الطرق السريعة بشبك من الاسلاك
خوفا من عمليات المقاومة
الباسلة التي أرّقت ولا زالت
ليل المحتل ومن تحالف معه من
العراقيين وغير العراقيين. لقد تم
حرمان العراقيين من الكثير من
المناطق الجميلة التي كانوا
يتمتعون بها على ضفاف النهر في
بغداد، كما ضيقوا عليهم الخناق
بحيث صارت قيادة السيارة في
بغداد بعد ان كانت متعة
للراغبين، صارت تشكل ضغطا نفسيا
كبيرا على كل من يجد نفسه مضطرا
للسفر بسيارته في شوارع بغداد،
والحقيقة انه اذا كان الحديث في
العهد السابق يدور عن مضايقات
للناس اذا ما حصل لهم عطل او
اضطروا للوقوف في بعض الشوارع
لخلل ما، فان الامور الان هي
اسوا بكثير مما كانت عليه سابقا. يتبع ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |