-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فلسطين
ليست مصحّة عقلية سوسن
البرغوتي إن ما
يحدث في فلسطين المحتلة من
مجازر ومداهمات واعتقالات
ومواجهات يومية ليست ظاهرة
طارئة أو جديدة، فالتصعيد
الحاصل مبني على برنامج سياسي
مدروس واستراتيجية مخطط لها،
تمهيدًا لتصعيد متوقع من
الحكومة "الإسرائيلية"
القادمة. وما هدم بيوت
الفلسطينيين وطردهم منها، إلا
بداية سلسلة من الخطط وصولاً
لإعلان الدولة اليهودية
وعاصمتها الأبدية القدس. الأمر
إذن لا يقتصر على حركات متطرفين
يهود، بل هو
في صلب استراتيجية الكيان
الصهيوني وبحماية الحكومة
والشرطة "الإسرائيلية"،
وتأمين غطاء سياسي يبرر تلك
الممارسات ضد العرب، بالتالي من
الطبيعي أن يمنع المحتل أي
مظاهر ثقافية سلمية، ويتصدى لها
بالقمع والسلاح الحيّ. مرحلة
تشهد حملات تصعيد متتالية
مبرمجة ضد الوجود الفلسطيني،
وأخطر ما في الأمر، أنها تقابل
على اعتبار أنها حركات
عابرة من متطرفين لا أكثر، في
حين أن العقيدة الصهيو- يهودية،
منذ نشأة الكيان، قامت على
مرتكزات وبرتوكولات، مرجعيتها
ميثولوجيا توراتية استعمارية،
أهمها: ـ أرض
الميعاد والالتقاء. ـ أرض
بلا شعب، لشعب بلا أرض ـ شعب
الله المختار، والأغيار. ـ
الجيتو والجدر. ـ مزاعم
الهيكل (المعبد). -
ادعاءات المحرقة. هذه
الاعتبارات جوهر الاحتلال، لم
يتغير توجهها وخطّها منذ احتلال
فلسطين، بل تطوّر أكثر كون "إسرائيل"
دولة معترف بها عالميًا، تملك
القوة المسلحة والدعم، للفتك
بالسكان الأصليين. ما تقدم
عناوين رئيسة، يقابلها دعوات
مشبوهة لا تلتفت لمجريات
الأحداث الدامية وما هم بصدد
تنفيذه، تصرّ
على أن ثمة أمل بالتعايش السلمي
مع محتل الغائي، بفرض نظريات
وأفاعيل تؤكد
حسن النوايا، سواء الاجتماع
بالحركات اليسارية المحبة
للسلام بين الشعبين، أو ما ذهب
له أحدهم بالقول: إن الشعب
الفلسطيني ناضل من أجل دولة
واحدة أساسًا، أي النضال
المشترك من أجل مستقبل السلام
الموعود في غابة مفقودة. إلا أن
إفرازات حل الدولة الواحدة، أو
دولة ثنائية القومية، لم تتوقف
على توحد الشعبين ضد خطر خارجي
أو داخلي، بل انحرفت إلى زاوية
حادة، بتبني واضح وصريح "لشهداء
المحرقة"، ومعالجة المتضررين
الأحياء نفسيًا لإبعاد عامل
الخوف والقلق على مصير وجودهم
في فلسطين. النظرية
مفادها، أن اليهود دافعوا عن
الفلسطينيين وشعوب العالم ضد
الامبريالية، وقبلوا بقتل ستة
ملايين منهم في أوربا، باستعراض
جملة تناقضات تاريخية، منها أن
بريطانيا استغلت الحركة
الصهيونية، وهي المسؤولة عن
المحرقة، وأن اليهود تنازلوا عن
حقهم بدافع قيم أخلاقية
وإنسانية، لتشكيل هوية الغرب،
وأن روسيا والغرب وأمريكا
أنكروا المحرقة، أي أن العالم
كله تكالب عليهم، بما فيهم
مفكرون يهود داعمين لـ "إسرائيل"،
الذين سيطروا باستنتاجاتهم على
الرأي والضمير العالمي،
وبالتالي التقصير السلبي
للفلسطينيين تجاه "الشهداء"،
سلاح نفي الأحداث نفسها، تقوي
التعاطف مع الكيان المحتل، فهو
يفصل "إسرائيل" جملة
وتفصيلاً عن اليهود، وأن
الدعاية الصهيونية تتنكر لحقوق
الشعبين معاً، ويعتقد أن اليهود
ضحايا الكيان الذي بنا قوته
عليهم. منهجية
النظرية، تتطلب البحث والدراسة
والتمحيص في مركبات وعي الخصم
النفسية، لبناء
مقاومة فلسطينية تستدعي قوة
إرادة وأعصاب قوية، وبدلاً من
التمتع بأدبيات الرسول ودرويش
وبطولات عرفات، مع عدم وجود أي
رابط بينهم، فُرض على
الفلسطينيين تقفي أثر
الميثولوجيا اليهودية
والأدبيات الصهيونية، كونهم
المسؤولون الرئيسيون لعلاج
الخوف وعدم الشعور بالأمان.
فصاحبها لا يرفض المراجعة
التاريخية للمحرقة، بل يتبناها
ويتقمص أرواح ضحاياها، رغم أن
الإبادات الجماعية لم تكن جلّها
من اليهود، وإنما مواطنون في
الدولة النازية، ولم يُذكر أن
من "المحروقين" ينتمي
إلى قوميات أو أعراق أخرى،
ثم أن أفران الغاز لم تُكتشف
آنذاك، وهذه الحقيقة ليست محض
تخيّل، بقدر ما توصل له
الباحثون والمتخصصون العرب
والغربيون على حد سواء. وبما أن
النظرية تعتمد العامل النفسي،
فأغلب الظن أن صاحبها، ما زال
يعيش أسطورة في موطنها ويصدرها
ثانية في فلسطين، ليربط معاناة
الشعبين مرات ومرات. فالتضحية
اليهودية لإنقاذ البشرية،
ومنهم الشعب الفلسطيني، يجعل
منه ضحية مكررة للبرنامج
الاستعماري نفسه، ويخلص إلى
ضرورة إبطال مفعول إنكار
المحرقة، لأنها تنفي الحقوق
الفلسطينية، وأن اليهود
دفعوا ثمنًا باهظًا لآثام
وأطماع الأوربيين. يستنتج بناء
على ما طرحه من أفكار، ما يلي: ـ إن
النكبة التي حلّت بالشعب
الفلسطيني وكل ما يحدث لا يقاس
بالأحداث الرهيبة، التي مر بها
"شهداؤهم". ـ أن
محاولات إنكار المحرقة من الدول
الغربية وشعوب العالم كافة، يقع
على عاتق الفلسطيني، ونكران
الاعتراف بالتضحية التي قدمها
اليهود. يجنح في الوقت نفسه
بالاستفاضة بدراسة آلام
ومعاناة "الإسرائيلي"،
وهنا يقع في التناقض العجيب مع
نفسه، عندما يفصل الكيان عن
اليهود، وبالخلاصة يدعو إلى
تفهم هذا الخصم. ـ
المحرقة، السلاح المشهر في كل
وقت، للتخلص من مخلفات النازية
في النزعة الأوربية اللاسامية. مقتبسًا
جملة المفكر الاستشراقي إدوارد
سعيد: (أليس المفترض بالمثقف كما
قال جولين بندا أولاً, السير ضد
تيار المشاعر السائدة بدل
المتاجرة الديماغوجية بها).
وبالحديث الشريف (أفضل الجهاد
قول كلمة حق عند سلطان جائر)،
فما علاقة الحديث الشريف
بالاقتباس الأول، وهل التخبط
وابتداع نظريات خرقاء،
ثورة للسير عكس الحقائق
الثابتة الموثّقة بأن الكيان
المحتل، ليس دولة فلسطينية؟. ـ من
خلال تفهم النفسية المعذبة
للغريب، نستطيع القيام بعملية
إنقاذ جماعي. وكأنه
يطبق وصية السيناريو الجاهز،
ماضيًا بقناعة طوق النجاة (ههنا
قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة
واحدة)، والقتيل هنا الشعبان،
والقاتل لكليهما الصراع العربي-
"الإسرائيلي". لا أقول ذلك
تجنيًا على أحد، إنما تحليلاً
بالرد على ما ذكره صاحب النظرية
نفسه عدة مرات، كحبل سريّ يربط
بينه وبين درويش السياسي
والشاعر، الذي لم يكن هو نفسه
منذ زمن بعيد. لم
يكتفِ بشرح مفصل لمختصر ما
عرضته، بل أقام لإحياء يوم (الكارثة
العالمي) معرضًا
للصور بقرية نعلين، يوضح
فظاعة ما تعرض له اليهود في
أوروبا، ويقابلها بصور ما يتعرض
له الفلسطينيون، وفق معاييره
الغير متكافئة من حيث فداحة
الكارثة الكونية الأولى،
مؤكدًا على وجوب التحدث مع
الفلسطينيين عن طريق الصور،
وليس باستخدام السلاح للقضاء
على التأثير الحاد النفسي، بهدف
التعايش السويّ للضحيتين، وكسر
حاجز الخوف بينهما، فهل جاؤوا
مسالمين مستنجدين، أم جاؤوا
عصابات مدججة بأسلحة القتل
والتدمير وإبادة شعب، وهل
توصيات وفتاوى حاخاماتهم التي
تحرّض على قتل كل ما يتحرّك،
وتعذيب الأسرى من الفلسطينيين
في المعتقلات والمستشفيات،
ترياق العلاج من صدمة المحرقة
الأولى، أم استئصال الوجود
العربي واستكمال احتلالهم لأرض
بل شعب؟. هذه
الأفكار الشيطانية، لن تلقى
احتفالاً سريًا أو علنيًا بين
طرفي الصراع، وهي محاولة مكشوفة
مدفوعة من نشطاء السلام ويهود
يتوجسون خيفة من زوال "إسرائيل"،
وأطراف أخرى تطبيعية، من أجل
إيجاد سبل غريبة وشاذة وغير
واقعية لتبرير التعايش بين
نقيضين في دولة واحدة مهما كان
شكلها وهيكليتها، على تصوّر أن
ذلك سيحقق في نهاية المطاف
السلام في دولة ديمقراطية خالية
من "العنف". إن
إطلاق العنان لأقوال وأفعال
كهذه يدلّ على ضياع البوصلة
الوطنية، ويشكل تهديدًا للوجود
الفلسطيني بالكامل، ولا أستبعد
أن يجري العمل على فتح مصحّات
عقلية في أنحاء الوطن العربي،
للهدف نفسه. الحقيقة
الكبرى تتمثّل بمسؤولية سلطة
أوسلو عن هذه الظواهر المرضية،
نتيجة تداعياتها المدمّرة على
القضية والوعي الجمعي ومشروع
النضال التحرري برمته. ملاحظة:
كل ما ورد حول عرض التيه
الكارثي، بين مزدوجين. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |