-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العالم
من "ثقب إبرة" الترابي عريب
الرنتاوي تثير
مواقف المفكر والسياسي
السوداني حسن الترابي الأخيرة
الكثير من الحيرة والارتباك،
وهي تبدو عصية على الفهم
والهضم، حتى للذين تابعوا
تبدلات الرجل وتتبعوا "تقلّب
وجهه في الأرض والسماء"،
فالرجل الذي يخوض صراع الرمق
الأخير على السلطة، فقد بوصلته
وأسقط ثوابته...تنكر لمكانته
وموقعه وتحالفاته، وارتد على كل
ما بشّر به وعمل لأجله، نقول ذلك
من موقع الراصد لسيرة الرجل
وتحالفاته، وليس من موقع
التأييد أو الحنين لمواقفه
السابقة أو الحالية، فنحن في
الأصل، لسنا أعضاء في نادي
معجيه ومريديه. ما أن
انفضت شراكته مع نظام
"الإنقاذ" وافترق عن رئيسه
عمر حسن البشير، حتى بدأ الرجل
رحلة البحث عن بدائل، أية
بدائل، لكأنه في سباق مع الزمن،
أو لكأنه يريد أن يصفي حساباته
مع خصومه، كل خصومه، فيما تبق له
من عمر – أمد الله في عمره. أولى
تبدلات الترابي بدأت من جنيف،
حين لوّح بورقة الجنوبيين
وميليشيات جون جارنغ، وهو الذي
قال فيهم وفي تحالفاتهم
ومواقعهم ومواقفهم، ما لم يقله
مالك في الخمر، وعندما قطع
"نظام الإنقاذ" الطريق
عليه، وأبرم اتفاقية سلام مع
الجنوبيين مقتسما معهم الحكم
والثروة فيما بعد، انتقل
الترابي إلى "ملف دارفور"،
وما فيه في حسابات وأجندات
وتدخلات أجنبية وحسابات دولية
وإقليمية، تحالف مع المليشات
الانفصالية، بمن فيها تلك التي
شرّعت أبوابها لكل أشكال التدخل
والتسليح والتدريب الآتي من
إسرائيل، وطالما أن الهدف إضعاف
النظام المركزي في الخرطوم،
والإطاحة بحكم "الانقاذ"،
و"رد التحية للبشير بمثلها،
طالما أن "الغاية تبرر
الوسيلة"، فلا بأس من التحالف
من الشيطان ؟!. إلى أن
وصلنا إلى ملف محكمة الجنايات
الدولية ومذكرة أوكامبو، حيث
وجد الترابي ضالته، وخرج شامتا
على الملأ، يعلن ارتياحه للحكم
ودفاعه عن المحكمة وينبري مفندا
كل الشكوك والاتهامات التي تقول
بتسييس المحكمة وتحولها إلى
ذراع للاستراتيجيات الدولية في
تلك المنطقة، وليطالب البشير
بتسليم نفسه طواعية للمحكمة بعد
أن تسبب بكل هذه "الفضيحة"
للسودان، والحقيقة أني لم استمع
أو أقرأ لرجل متحمس لجلب البشير
للمثول أمام محكمة الجنايات
الدولية مثل أوكامبو والترابي. بخلاف
الإجماع السوداني والعربي
والأفريقي، لم يكلف الترابي
نفسه عناء التفكير بتداعيات
القرار واستهدافاته وخلفياته،
ولا بأثره على السلم الأهلي
والاستقرار الاجتماعي في
بلاده، فكل ما كان يهم الترابي
ويحرك غرائزه ورغباته الدفينة
المفعمة بروح الثأر والانتقام،
هو رؤية غريمة في قفص الاتهام،
لكأني بالترابي المعروف بسعة
علمه ومعرفته، لم يعد يرى
العالم إلا من "ثقب إبرة"
خلافه الشخصي مع الرئيس البشير. وتبلغ
الكوميديا السوداء ذروتها،
عندما يشرع الترابي في نقد
التجربة السودانية السابقة،
وتحميل النظام المسؤولية عنها،
حتى في تلك الحقبة التي كان
شريكا في قيادتها، من الألف إلى
الياء، ومن موقع المسؤولية
الأولى، فقد أتى زمن على
السودان، كان فيه للترابي من
الصلاحيات، ما يفوق صلاحيات
رئيس البلاد، وهو شخصيا مسؤول
أكثر من غيره، عن تأزم علاقات
السودان مع جواره العربي
والإقليمي وحتى مع المحيط
الدولي. والحقيقة
أن الترابي فيما يفعل اليوم،
يبدو وفيا لإرثه التاريخي، وهو
أرث حافل بالانقلابات
والتقلبات، زاخر بالتحالفات
والارتداد عليها، والصداقات
التي تتحول إلى عداوات، إرث
مديد ومرير، من اللعب على كل
الحبال وانتهاز كل الفرص،
والانقضاض على الثوابت والخطوط
الحمراء، كان الله في عون
السودان. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |