-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إسرائيل
وجماعات التطرف صبحي
غندور* تواصل إسرائيل، و"أدواتها"
المتعدّدة في الأوساط الغربية،
محاولات إقناع الرأي العام
الغربي، أن عدوَّه هو العالم
الإسلامي، وبأنَّ هذا
"العدو" يحمل مخاطر أمنية
وسياسية وثقافية، تماماً كما
كان الحال مع عدوه السابق،
الشيوعية. وقد نجحت إسرائيل في العقدين الماضيين
بتشويه صورة الإسلام في العديد
من وسائل الإعلام الغربية، وفي
إعطاء "نماذج" سيئة عن
المجتمعات الإسلامية، وفي
التركيز على ظواهر سلبية في
العالم الإسلامي من أجل بناء
ملامح صورة "العدو الجديد"
للغرب. وكانت أحداث 11 سبتمبر 2001
فرصة مناسبة لجعل واقع
أفغانستان تحت حكم نظام طالبان،
وكأنَّه النموذج عن العالم
الإسلامي ككل، وعن كيفية فهم
الدين الإسلامي وتشريعاته
الاجتماعية. طبعاً، واقع العالم الإسلامي ليس
بجنََّات عدن، لكن حتماً تجربة
أفغانستان لم تكن تمثّل إلا
نفسها، ولم توجد حالة شبيهة لها
في دول العالم الإسلامي الأخرى،
ورغم ذلك فإنَّ الرأي العام
الغربي رأى الإسلام من خلال
"عيون أفغانية"، ورأى
"العرب الأفغان" الأسوأ في
هذه التجربة الأفغانية من خلال
التركيز على دورهم في مجموعة
"القاعدة"، بحيث أصبح
الإسلام في نظر العديد من
الغربيين مزيجاً من "التخلّف
الأفغاني" و"الإرهاب
العربي"!! وأصبحت الهويّة
الإسلامية والعربية موسومة
بالتخلّف والإرهاب حتى لو كان
هذا "المسلم" أو ذاك
"العربي" يعيش في الغرب
لعقودٍ طويلة أو كان
"مواطناً" في بلدٍ غربي ..
وكأنَّ التخلّف والإرهاب هما
سمات جينية تنتقل بين المسلمين
والعرب بالوراثة!! ويظهر عمق الجهل الغربي بالمسلمين والعرب
عموماً في عدم التفريق بين
"المسلم" و"العربي"،
فكلاهما واحد بنظره، على الرغم
من أنَّ عشرات الملايين من
العرب هم من غير المسلمين،
ومئات الملايين من المسلمين هم
من غير العرب!. ولا أعلم لِمَ انتظر أسامة بن لادن حتى
السنوات القليلة الماضية لكي
يتحدّث عن القضية الفلسطينية
وعن الصراع العربي الإسرائيلي،
إذ أن كل تصريحاته في حقبة
الثمانينات كانت عن "الجهاد
في أفغانستان" ضدّ الشيوعية
ثم في التسعينات كانت فقط عن
الدعوة لخروج القوات الأميركية
من الجزيرة العربية، ولم تكن
القضية الفلسطينية في أيٍّ من
اهتماماته المعلنة؟ فلماذا لم
يبادر بن لادن عام 1982 إلى
التوجّه للبنان ومقاتلة
الإسرائيليين بعد احتلال بيروت
بدلاً من الذهاب لأفغانستان حيث
أمضى حقبة الثمانينات مع عدد من
أنصاره في مقاتلة الجيش الروسي
بالتعاون مع المخابرات
الأميركية؟ ولماذا لم يجمع بن
لادن (وغيره من قادة جماعات
"القاعدة") الأنصار
والأموال لمقاتلة إسرائيل
بجنوب لبنان وفي فلسطين طيلة
الثمانينات والتسعينات؟ لقد عملت إسرائيل منذ 11 سبتمبر 2001 على
استغلال الهجمات الإرهابية
التي وقعت في أميركا، من أجل
خدمة عدَّة غاياتٍ حاولت منذ
مطلع التسعينات تحقيقها. فمنذ
انتهاء الحرب الباردة، تحاول
إسرائيل تأكيد أهمية دورها
الأمني بالنسبة للغرب عموماً،
ولأميركا خصوصاً، بعدما تحجَّم
هذا الدور حصيلة انهيار الاتحاد
السوفييتي واستفراد أميركا
بموقع "الدولة الأعظم" في
العالم. فإذا كانت معظم دول
منطقة الشرق الأوسط هي في حال
معاهدات صداقة وتعاون مع أميركا
والغرب، وإذا كانت البوارج
الأميركية تحيط بكلِّ شواطئ
المنطقة، فما الحاجة الأمنية
الغربية لإسرائيل في المنطقة؟
سؤال وجدت إسرائيل الإجابة عنه
في إدخال الغرب بحالة حربٍ مع
"الإرهاب العربي
والإسلامي" بحيث يكون
لإسرائيل دور هام في هذه الحرب
المفتوحة زمانياً ومكانياً. فكيف كان يمكن لإسرائيل أن تحقق ذلك؟ خلال حقبة الحرب الباردة، كانت ألمانيا
الشرقية تلعب دوراً أمنياً
كبيراً وسط الجماعات والمنظمات
الشيوعية الدولية التي تقصد
موسكو من أجل الحصول على دعمٍ
وتدريباتٍ وتوجيهات. وكانت
موسكو ترسل هذه الجماعات إلى
برلين من أجل تنسيق العلاقات
الاستخباراتية وتدريب الكوادر
وتوجيهها. وعقب سقوط الاتحاد
السوفييتي وانهيار النظام
الشيوعي في ألمانيا الشرقية،
تبيَّن أنَّ رئيس الاستخبارات
فيها واسمه (ماركوس وولف) كان
عميلاً مزدوجاً مع إسرائيل التي
طالبت بعدم محاكمته في ألمانيا
وقدَّمت له حقّ اللجوء السياسي
لإسرائيل. ومن المعروف أنَّ
ماركوس وولف كان يشرف على تدريب
وتوجيه كوادر في منظماتٍ عربية
شيوعية قام بعضها بعملياتٍ خطف
طائراتٍ مدنية وتفجيراتٍ حدثت
في مدنٍ أوروبية!. فماذا يمنع أن تكون المخابرات
الإسرائيلية قد جنَّدت أيضاً
مجموعة من العملاء المزدوجين
(مثل حالة ماركوس وولف) لتأسيس
أو لتدريب وتوجيه حركات أو
منظمات تحمل أسماءً
"إسلامية" تماشياً مع
مرحلة ما بعد الحرب الباردة
وبدء الصراع بين الغرب
و"العدو الإسلامي" الجديد
المصطنع؟!. يكفي أن نستعيد تاريخ الممارسات
الإسرائيلية في الستين سنة
الماضية، ومن ضمنها ما حاوله
عملاء إسرائيليون في عقد
الخمسينات بالقاهرة من تفجير
مؤسساتٍ أميركية وبريطانية من
أجل تأزيم العلاقات مع مصر عبد
الناصر. ثم هل يجوز تناسي ظاهرة كوهين العميل
الإسرائيلي الذي استطاع الوصول
إلى مواقع رسمية سوريّة مسؤولة
في مطلع الستينات من القرن
الماضي؟ وهل ينسى اللبنانيون والفلسطينيون
الأعداد الكبيرة من العملاء
الإسرائيليين الذين كشفوا عن
أنفسهم مع الاجتياح الإسرائيلي
عام 1982، وبينهم من كان مرافقاً
لياسر عرفات في مقرّه الأمني في
بيروت، وآخرون من العملاء الذين
تبرّأت منهم أحزاب لبنانية
ومنظمات فلسطينية وجرى أواخر
العام 1982 نشر أسمائهم في الصحف
اللبنانية. فإذا كانت إسرائيل وأجهزتها الأمنية
تتسلّل إلى أهمّ المواقع
السياسية والأمنية في دول كبرى
ومنها الحليف الأكبر لها
أميركا، فلِمَ لا تفعل ذلك مع
أعدائها المحيطين بها؟ إذ رغم
كلّ العلاقات الخاصّة يين
أميركا وإسرائيل، فإنّ واشنطن
ترفض الإفراج عن جيمس بولارد
الأميركي اليهودي الذي يقضي منذ
العام 1986 عقوبة السجن بتهمة
التجسّس لإسرائيل، وقد انضمّ
إليه مؤخّراً عملاء جدد كانوا
يعملون لصالح إسرائيل في مواقع
أمنية أميركية، ومن خلال
علاقتهم مع منظمة
"الإيباك"، اللوبي
الإسرائيلي المعروف بواشنطن. كذلك كشفت السلطات المصرية عدّة مرات عن
شبكات تجسّس إسرائيلية وما زال
بعض عناصر هذه الشبكات معتقلاً،
رغم وجود علاقات طبيعيّة بين
إسرائيل ومصر... *** على الطرف العربي والإسلامي، كان هناك
عرب ومسلمون يقومون أيضاً بخوض
"معارك إسرائيليّة" تحت
"رايات وطنيّة أو عربيّة أو
إسلاميّة"، وعمليّاً يحقّقون
ما كان يندرج في خانة
"المشاريع الإسرائيليّة"
للمنطقة من تقسيم طائفي ومذهبي
وعرقي يهدم وحدة الكيانات
الوطنيّة ويقيم حواجز دم بين
أبناء الأمّة الواحدة. أليس
مشروعاً إسرائيلياً تفتيت
المنطقة العربيّة إلى دويلات
متناحرة؟ أما هي بمصلحة
إسرائيليّة كاملة نتاج ما جرى
في العراق من سعي لهدم لوحدته
الوطنية، وما حدث في الحرب
الأهلية اللبنانية، وما حدث
ويحدث الآن في السودان؟! فهذا "الوباء الإسرائيلي" التقسيمي
لا يعرف حدوداً، كما هي دولة
إسرائيل بلا حدود، وكما هم
العاملون من أجلها في العالم
كلّه. ثم هل كانت مصادفة زمنيّة أن يكون العام
2001 هو عام بدء حكم "المحافظين
الجدد" في أميركا مع ما هم
كانوا عليه من صفة تطرّف عقائدي
بطابع ديني مسيحي، وعام وصول
شارون لرئاسة حكم إسرائيل على
قاعدة تطرّف ديني يهودي، ثم
بروز "القاعدة" ووقوع
أحداث الإرهاب في أميركا على
أيدي جماعات متطرّفة بطابع ديني
إسلامي؟ ما عاشه العالم في السنوات الماضية لم يكن
بحرب على الإرهاب ولا ب"غزوات
إسلامية"، بل كانت حروب
التَّطرّف المؤججة إسرائيلياً. ــــــــــ *مدير "مركز الحوار
العربي" في واشنطن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |