-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أمي الحبيبة ؛ أنت في قلبي الدكتور
: عثمان قدري مكانسي مما
شوّقني لأمي – وذكراها في قلبي
وفؤادي مرتسمة – أنني قرأت قبل
مغرب اليوم قصة ترويها إحداهن
بطريقة شائقة ، فإذا بنبضات
قلبي ترتفع وتيرتها – وأنا ابن
الثانية والستين – وأحسّ بنفَس
أمي رحمها الله تعالى يلامس
وجهي ، وتتراءى عيناها
الباسمتان ووجهها المشرق ،
فيرتفع صدري ويهبط ، وتتساقط
الدموع من عينيّ سخينة، ويرتفع
النشيج شيئاً فشيئاً
تلقائياً ،
أو قلْ : إن النشيج كان
متساوقاً مع حرارة شوقي للحبيبة
الراحلة التي فارقتنا منذ تسع
سنين ... قمت
لصلاة المغرب بعد هذا ، ووقفت
زوجتي ورائي تصلي ، ولم أدر أنني
بدأت بعد قراءة الفاتحة أرتل
قوله تعالى من سورة الإسراء :
" وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا
إياه وبالوالدين إحساناً ... " وسلمت
بعد ذلك وأنا أذرف الدمع وأترحم
على الحبيبين الراحلين ، على
الوالدين الكريمين ، على سبب
وجودي بعد الله تعالى ، على من
وصّانا المولى بتكريمهما وطلب
رضاهما والدعاء لهما . والتفتّ
إلى زوجتي التي كانت تنظر إليّ
مشفقة حائرة : فقلت لها : اتصلي
بأمك واسألي عنها . قالت :
كلمتها قبل يومين ، وهي بصحة
وعافية . قلت :
كلميها – رحمك الله وأجزل لك
الثواب – واسأليها
أن تدعوَ لي ، ولئن فقدت أمي إن
اتصالك بأمك ورضاها عنك يشرح
صدري ، ويُقرّ بلابلي . كلمَتها
، وسألتها رضاها ، فدعَت لها بما
تدعو الأم لابنتها من دعاء جامع
ينال الإنسان به البركات ،
ودَعَت لي كذلك . إذا مات
الأم نزل ملَك من السماء يقول :
ياابن آدم ماتت التي كنا نكرمك
لأجلها ، فاعمل لأجلك نكرمْك . ولعلي
إذ أدعو لوالدتي بالرحمة في
عالم البرزخ ، وهي بين يدي الله
تعالى الراحم بعباده ، الغفور
لهم تسأله تعالى أن يكتبني من
البارين بها في الحياة وبعد
الممات ، فيستجيب لها ، وأكون
بدعائها ورضائها من سعداء
الدارين ... اللهم ارحم والديّ
رحمة واسعة فأنت بهما وبعبادك
المحبين رحيم ودود .
أما
القصة التي قرأتها ، فكانت سبب
ما أنا فيه من شوق للحبيبين ،
الغائبَين الحاضرَين فقد روتها
إحداهن قائلة : كانا
زوجي في مجلس أحد أصحابه حين رن
هاتف أحد الحاضرين . رد
الرجل على المكالمة بصوت عال
فيه كثير من الخشونة : إيه ! ، ليس
الآن .... أقول
لك أغلقي الهاتف ، لا أريد أن
تكلميني الآن ... بعد ذلك ، بعد
ذلك . هكذا
توالت الكلمات قلنا لعله يخاطب
زوجته ، أو أخته ، أو إحدى
قريباته. أغلق
الرجل هاتفه وقال : أزعجتنا
العجوز!!
مَن تلك العجوز ؟!
إنها أمه !! ما أقبح
ما قاله وما فعله !، لم يتلطف
معها في الكلام ولم يكن في وصفها
مؤدّباً ! سكت ..
وسكت الحاضرون ثم سمعنا بكاء
خفياً ،
إنه أحد الحاضرين موصوفاً
بالصبر والرجولة ، وكنا نعرفه
رجل المواقف
في مواطن الابتلاء نظرنا
إليه بدهشة فدمع الرجال ليس
هَيناً ، فلما أحسّ أننا ننظر
إليه متعجبين
قال متحسراً متألماً ليتني
رأيت أمي ، وليتها كانت على قيد
الحياة ، فأتمتع بحديثها ،
والنظر إليها ، وتقبيلي يديها
ورجليها . ..
كي أقول لها : مريني بما
يرضيك ؛ يا أغلى أم في الدنيا ،
ويا أعظم مخلوق فيها ، ويا أكرم
إنسان عليّ ! وقع
صاحبنا ذاك في حرج حين سمع هذه
الكلمات ، وحاول الدفاع عن نفسه
، بتأتأة وفأفأة . فقاطعه
الحاضرون دفعة واحدة قائلين : لا
تعتذر مما فعلتَ ، فما لك من عذر
.. خلّ المجلس سريعاً وانطلق إلى
أمك ، واسترضها ، قبل رأسها ،
وقدميها ، واذرف الدموع بحضرتها
علها تنسى أو تتناسى ما فهت به .
ولعلها الآن – بعد ما سمعت منك
هجر القول – حزينة ، ففرّج عنها
وكن باراً بها . أما من
بكى فقد توفيت أمه
بعد ولادته فورا، ففاته
حنان الأم ورأفتها ، ومما زاد في
ألمه أنه كان يعتبر وجوده سبب
وفاتها ، إذ فارقت فور دخوله
الحياة نشأ وهو
صغير يسمع الأطفال تنادي
أمهاتها ، وتحتمي بهنّ ، وتفزع
إليهنّ ،
وتعتمد عليهنّ . يبكون فيجدون
أمهاتهم يسارعن إليهم متلهّفات
حانيات ، يضممنهم ، ويطعمنهم ،
وينظفنهم ، ويحملنهم . وهو بعيد
عن كل هذا ، فينفجر بركان الأسى
في داخله ، وينزوي في إحدى زوايا
البيت يبكي بكاء مرّاً. قرأت
هذه القصة ، فبكى في داخلي طفل
كبير ، ما يزال يرى نفسه ظمآن
لعطف أمه ، راغباً في رضاها ، أذكر
أنني – وكنت في دبيّ أعمل
مدرساً – اشتقت
أمي – في حلب – إحدى الليالي ،
فلم أنم حتى كلمتها ، وسألتها ،
رضاها ، ففعلت - رحمها الله
ورفعها في عليين - ، فجلست أخط
شوقي لها قائلاً :
وكتبت
أخرى أبياتاً بثثتها فيها بعض
شوقي وتقديري :
وهذا
ديواني الشعري الأول " نبضاتُ
قلب " أهديتُه
الوالدة ، فقلت في إهدائه : يا من
زرعتِ الخيرَ في داري وسقيتِ
بالتحنـانِ أشـجاري وروَيـتِ
بالإيمـان أفكـاري أهديك
– أمي – بِكرَ أشعاري 07-04-2009 الحب :
عثمان
------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |