-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عن
الميثاق العربي لحقوق الإنسان حمـزة
خيـراني بعد
صدور مذكرة توقيف دولية من طرف
النائب العام لمحكمة الجنايات
الدولية في حق الرئيس السوداني
"عمر البشير" بحجة انتهاكه
لحقوق الإنسان بإقليم دارفور ،
فكرت أن أكتب عن الميثاق العربي
لحقوق الإنسان الذي يعتبر
الضامن الإقليمي لتلك الحقوق
والذي رغم وجوده فإن المنظمات
الإنسانية الدولية انتشرت
كالنار في الهشيم في "دارفور"
بدعوة حماية الحقوق المذكورة ،
الشيء الذي يجعلنا نطرح السؤال
عن فحوى هذا الميثاق وهل مذكرة
التوقيف تلك جاءت لتثبت انه حبر
على ورق مثله مثل قرارات جامعة
الدول العربية لا يتوفر على
آليات حقيقية لتنفيذه ؟. قصة
الميثاق تبدأ عندما استجابت
جامعة الدول العربية مبكرا
لنداء هيئة الأمم المتحدة سنة
1968 من أجل صياغة وثيقة إقليمية
عربية لحقوق الإنسان وذلك من
اجل دعم وتعزيز الإعلان العالمي
الذي أطفأ شمعته العشرين وقتها
، حيث أنشأت الجامعة اللجنة
العربية الدائمة لحقوق الإنسان
وكلفتها بتحضير مشروع الميثاق
العربي ، إلا أن هذا الأخير لم
ير النور إلا بعد مرور ربع قرن
من الزمن أي إلى غاية خريف 1994
وجاء متأخرا في الزمن مقارنة
بالمواثيق الإقليمية الأخرى –
الاتفاقية الأوروبية 04 نوفمبر
1950 – الاتفاقية الأمريكية 1969 –
الميثاق الإفريقي 1981 والإعلان
الإسلامي 1990 – وليت أن الميثاق
العربي جاء كاملا ووافيا بل ولد
أعرجا وبقي يتيما حيث لم تصادق
عليه أي دولة عربية طيلة عشرية
كاملة ، مما استدعى ضرورة
مراجعته وتحديثه وتحيينه ليتم
تبنيه في صورته الجديدة
بالعاصمة التونسية تونس في شهر
ماي من سنة 2004 .
في هذا المقال سنتعرض إلى
الأسباب التي حالت دون صدور
الميثاق في وقت مبكر ولماذا
فكرة المواثيق الإقليمية في حد
ذاتها مادام هناك إعلان عالمي
منذ 1948 ؟ ثم نعود إلى الميثاق
العربي لنجري مقارنة بين نسختيه
الأولى والثانية.
إن الأسباب التي أخرت صدور
الميثاق العربي في وقت مبكر
عديدة، فمنها الأسباب
الإيديولوجية التاريخية ومنها
السياسية وعدم توفر الإرادة
الحقيقية لدى الكثير من
الحكومات العربية. فالأسباب
الإيديولوجية التاريخية تتمثل
أساسا في فكرة حقوق الإنسان في
حد ذاتها كونها نشأت وتبلورت في
سياق غربي مسيحي ابتداءا من
الإعلان الأمريكي الأول مرورا
بالوثيق الفرنسية 1789 إلى غاية
الإعلان العالمي سنة 1948 الذي لم
تصادق عليه المملكة العربية
السعودية – الدولة العربية
الوحيدة الحاضرة وقتها- بحجة
تحفظها على المادة 18 من الإعلان
والمتعلقة بحرية المعتقد. فكون
جميع الدول العربية تدين
بالشريعة الإسلامية وكونها
استقلت في مجملها بعد عشر سنوات
على الأقل من إصدار الإعلان
العالمي فان تحفظها من أي فكرة
غربية وارد بقوة ، لأن درس
الاستعمار خلف ذهنية حساسة وسط
كامل الشعوب المستعمرة وجعلهم
يعتقدون بان أي فكرة تأتي من
الغرب إما أن تكون ميتة أو مميتة. أما
الأسباب السياسية التي أخرت
ميلاد الميثاق العربي فإنها
تتمثل بالدرجة الأولى في اغتصاب
الأراضي الفلسطينية من طرف
الحركة الصهيونية واحتلال أراض
عربية أخرى سنة 1967 مما جعل
اللجنة العربية الدائمة لحقوق
الإنسان تصب جل اهتمامها على
انتهاك حقوق الإنسان في تلك
الأراضي العربية رغم محاولة
إصدار إعلانا عربيا سنة 1971 محاك
للإعلان العالمي لسنة 1948 ، ولكن
المحاولة قوبلت بالتحفظ والرفض
من طرف أغلب دول الجامعة ، ومرت
عشر سنوات كاملة (1971-1981) دون أي
حركة تذكر إلى غاية 1982 أين تم
إعداد مشروع ميثاقا عربيا ، لكن
لم تستطع الجامعة العربية
مناقشته بسبب طلب تقدمت به بعض
الدول الأعضاء فحواه التريث حتى
يتم إصدار إعلان حقوق الإنسان
في الإسلام من طرف ندوة الدول
الإسلامية والذي تم إعلانه
بالقاهرة سنة 1990 واكتفت دول
الجامعة طيلة فترة الثمانينات
وبداية التسعينات بالعمل على
تكريس حقوق الانسان على المستوى
الداخلي لكل دولة حيث استحدثت
وزارات وكتابات دولة لحقوق
الإنسان وكذلك إنشاء مراصد لنفس
الحقوق. يبقى
السبب الأخير وهو عدم توفر
إرادة حقيقية لدى الكثير من
الحكومات العربية التي توجست
خيفة من التدخل الأجنبي في
شؤونها الداخلية تحت غطاء حقوق
الإنسان ، فجعلت تؤخر المشروع
إلى أقصى مدة ممكنة مستأنسة في
ذلك بالحرب الباردة وبتأييد
الاتحاد السوفياتي سابقا
لقناعاتها ، فاحتجت بالسيادة
الوطنية لدولها وعدم حاجتها
لاملاءات أجنبية لا تورث إلا
القلاقل السياسية داخل الدولة
الواحدة. والسؤال
الذي يطرح نفسه هو لماذا مواثيق
إقليمية لحقوق الإنسان مادام
هناك إعلان عالمي صدر سنة 1948 ؟ والجواب
نجده في طبيعة القانون الدولي
في حد ذاته والذي بني على أساس
عدم التدخل في شؤون الدول كون كل
دولة تتمتع بالسيادة الكاملة
على أراضيها وكذلك عدم توفره
على الإلزامية اللازمة ، كل هذا
جعل من عملية مراقبة تطبيق
مبادئ حقوق الإنسان وفق ما جاء
به الإعلان العالمي وما تبعه من
عهود أمرا صعب التحقيق ، أضف إلى
ذلك الخصوصيات الثقافية لكل
إقليم ، وبروز دول جديدة خاصة
بعد فترة انهيار جدار برلين ، كل
هذه الأسباب دعت إلى ضرورة
تقريب مبادئ الإعلان العالمي
إلى الدول في شكل مواثيق
إقليمية تستوحي جوهرها من نفس
الإعلان وتضفي عليه الطابع
المحلي للمنطقة وبعد أن يمضى
ويصادق على المواثيق المذكورة
تصبح أكثر إلزامية وبالتالي
ترجمتها في القوانين الداخلية
لدول الإقليم والحرص على
تطبيقها عن طريق التقارير
الدورية التي تقدم للمنظمة
المعنية ، هذا فضلا على إنشاء
محاكم لحقوق الإنسان على غرار
المحكمة الأوروبية بستراسبورغ. وكما
ورد في بداية المقال فإن
الميثاق العربي لسنة 1994 الخاص
بالإقليم العربي ولد أعرجا مما
دفع بالجامعة العربية إلى
مراجعته واللجوء إلى إصدار
ميثاق آخر سنة 2004 بالعاصمة
التونسية ، ولمعرفة دواعي تلك
المراجعة والتحديث، علينا أن
نتطرق إلى نظرة مقارنة بين
الميثاقين وذلك حسب دراستين
أكاديميتين عربيتين الأولى
للدكتور الطيب البكوش رئيس
المعهد العربي لحقوق الإنسان
بتونس ، والثانية للخبير
الدولي أحمد محيو. فمن حيث
الديباجة نجد أن ميثاق 1994 جاء
مبني على السعي إلى التوفيق بين
مرجعيات مختلفة " العلان
العالمي لحقوق الإنسان وأحكام
العهدين الدوليين للأمم
المتحدة ، وإعلان القاهرة حول
حقوق الإنسان في الإسلام" ،
مع تمجيد للأمة العربية ودورها
في بناء الحضارة الإنسانية عبر
الزمن بينما ديباجة ميثاق 2004
فقد أضافت ضرورة الحرص على حقوق
الإنسان ودولة القانون وأكدت في
الفقرة الرابعة على حق التمتع
بالحرية والعدالة والمساواة ،
وضرورة جعل حقوق الإنسان في قلب
اهتمام الدول العربية مع ضرورة
تعليمها بالوسائل اللازمة مع
اعتبار كل النصوص الدولية
متكاملة. أما من
ناحية الحقوق الجماعية فقد أخذت
مكانة معتبرة في ميثاق 2004
وميزته عن الميثاق السابق الذي
لم يخصص لها سوى مادتين أو ثلاثة
فقط، وأهم هذه الميزات هي أن
الميثاق الأخير انطلق من عمق
الواقع العربي وأكد في مادته
الثانية على حق الشعوب في
اختيار أنظمتها السياسية
والاقتصادية والثقافية ، كما
ذكرت المادة بحق تقرير المصير
مؤكدة بصراحة على القضية
الفلسطينية وملمحة للحالة
المزرية للعراق . والمادة 35 من
نفس الميثاق جاءت لتكريس الحق
النقابي والحق في الإضراب لتضع
الدول العربية- التي لا تعترف
بتلك الحقوق- على المحك وترغمها
على مراجعة قوانينها الداخلية
بالضرورة ، كما جاءت المادة 25
مؤكدة على حق الأقليات بالتمتع
بثقافتهم واستعمال لغتهم
وممارسة طقوسهم الدينية لتفصل
نهائيا في قضية كانت جد شائكة
وغير واضحة أمام الرأي العام
الدولي والتي عادة ما تتحول إلى
حصان طروادة من أجل التدخلات
الأجنبية في شؤون الدول العربية
والتي كانت آخرها دولة السودان. إلا أن
ما يسجل على ميثاق 2004 هو إلغاؤه
للمادة 19 من الميثاق السابق
التي تنص على أن الشعب هو مصدر
السلطات، رغم أن المادة كانت
جافة كونها لم تحدد آليات تحقيق
ذلك كالحديث عن الانتخاب أو
التعددية السياسية ، ولا عن
تكوين جمعيات كما هو معمول به في
كامل المواثيق الدولية
والإقليمية الأخرى. ومن
زاوية الحقوق السياسية
والمدنية فان المتمعن في
الميثاق الأول ليجزم بأنه تبنى
هذه الحقوق بقوة كونه خصص لها 38
مادة كاملة وكون هذه الحقوق
كانت من أهم أسباب تحفظ الدول
العربية وعدم مصادقتها على
الميثاق ، ولكن نفس الميثاق نقض
غزله حين أضاف في المادة
الرابعة انه يسمح للدول العربية
بالحد من الحقوق والحريات
الواردة في الميثاق عملا بما
تنص عليه قوانينها الداخلية و
هذا لحماية الأمن والاقتصاد
الوطنيين أو النظام العام
والصحة العامة...... والأدهى
من ذلك هو جواز التحلل من
الالتزام بالميثاق في حالة
الطوارئ العامة ، من أجل ذلك تمت
مراجعة هذه المادة في ميثاق 2004
وجاءت الحقوق السياسية
والمدنية فيه مطابقة الى حد
كبير المواثيق الدولية خاصة
الحق في الحياة والحرية والأمن
والحق في المحاكمة العادلة ومنع
التعذيب وفق عهد 1966
واتفاقية 1984 ، وحكم الإعدام
لم يتم إلغاؤه بعد بل دعت المادة
06 إلى جعله أكثر إنسانية وعدم
الحكم به في القضايا السياسية .
كما
تطرقت المادة 30 إلى الحرية
الدينية وفق ما نصت عليه المادة
18 من الإعلان العالمي وهذا عكس
المادة 27 من ميثاق سنة 1994 التي
كانت غامضة. كما عيب
على الميثاقين أنهما لم يجعلا
مكانا لواجبات الإنسان التي
أصبحت توضع جنبا إلى جنب مع
حقوقه ، كما لم يوصيا بإنشاء
محكمة عربية لحقوق الإنسان
واكتفيا بانتخاب لجنة خبراء
حقوق الإنسان من شأنها أن تدرس
التقارير التي تقدمها الدول
الأعضاء.
بقي في
الأخير أن نقول بأن هذا التماطل
العربي أدى إلى خسائر
إستراتيجية كثيرة آخرها هذه
المذكرة الدولية في حق رئيس
أكبر دولة عربية مساحة. وما دمنا
لا نستطيع مجابهة مجلس أمن غير
عادل في القضايا العربية خاصة
فلنلتزم على الأقل فيما بيننا
بالحد الأدنى لتطبيق القوانين
الدولية وعلى رأسها حقوق
الإنسان التي طلب منا أن نصوغها
بأيدينا وننفذها ونلتزم بها كما
وضعناها ، ولنتعظ في ذلك بدول
أمريكا اللاتينية والجنوبية
التي قطعت شوطا كبيرا في هذا
المجال ، وظروفها تعد شبيهة إلى
حد كبير بظروف الدول العربية
رغم بعد المسافة.فهذه الدول
كلها تعد دولا في طريق النمو
ومرت بفترة استعمار وكذلك
توحدها لغة واحدة التي هي
الاسبانية عدا البرازيل ، وما
القمة العربية
الأخيرة مع دول أمريكا
الجنوبية بالدوحة إلا مؤشرا
سليما على النهج الصحيح الواجب
اتخاذه منذ سنين مضت. وأخيرا
فإننا نقول مادام منطق القوة هو
السائد لحد الساعة وليست قوة
المنطق، ومادامت مؤسسات
العدالة الدولية تبدو منحازة،
وحق التدخل الإنساني صار واقعا
مفروضا باسم القانون بل يعتبر
القراءة الجديدة للفصلين
السادس والسابع من ميثاق الأمم
المتحدة فلنحافظ على السير
الحسن لمؤسساتنا العربية
ونفعلها في الاتجاه الصحيح حتى
نتفادى ما هو أدهى وأمر. وعلى
رأي الاقتصادي المصري جلال احمد
أمين "لنحافظ على السفينة
والشراع في حالة جيدة إلى غاية
هبوب الرياح المواتية". ـــــ *مهتم
بالثقافة – الجزائر. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |