-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بسم
الله الرحمن الرحيم الدكتور
حسن هويدي رحمه الله نجم
أفل وداعية رحل د.عطية
الوهيبي / أبو حفص ودعاً
أبا محمد، فقد توالت الأنباء
على أسماعنا بما يشق، موشحةً
بسواد الأحزان، تبللها دموع
الأشجان، تنقل إلينا نعيك
واستئثار رحمة الله تعالى بك،
بعيداً عن الأوطان التي وهبت
لها كل ما تملك لتحيا في ظلال
القرآن وأكناف الإيمان. فكان
الخطب جسيماً، والرزء عظيماً،
والمصاب أليماً. ولا يسعنا إلا
الصبر والاحتساب، (ولنبلونكم
بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من
الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين الذين إذا اصابتهم
مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه
راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من
ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون). رحمك
الله تعالى أبا محمد، رحلت عن
دنيانا، ففقدت أمة الإسلام
برحيلك داعيةً من دعاتها
الربانيين، وعالماً من علمائها
المجاهدين، ومربياً من
رجالاتها البارزين، وخطيباً من
خطبائها اللامعين، وقائداً من
قادتها الميامين، وسياسياً من
ساستها البارعين، ونجماً ساطعا
غاب وأفل، وكان ملء القلوب
والأسماع والمقل: سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة
الظلماء يفتقد البدر ومن حقك
علي أيها الأستاذ الحبيب الأريب
أن أقول فيك كلمةً تدرج على
استحياء، يزجيها الحب والوفاء،
والإخلاص والإخاء، من غير مطمح
ولا مطمع، وقد سبقتنا إلى دار
الخلود والبقاء، ولا نزال في
دار الابتلاء والفناء التي تمور
بالفتن والمحن والأهواء. رحمك
الله تعالى أبا محمد، إذ أكرمك
الله جل في علاه في الانضمام إلى
ركب جماعة الإخوان المسلمين منذ
نعومة اظفارك فنشأت في رياضها
الزاهرة، ومغانيها الناضرة،
وربوعها الطاهرة، وتعرفت إلى
حقائق الإسلام الكبرى،
وتشريعاته العظمى، ومقاصده
السامية الجليلة، وغاياته
الوضيئة النبيلة، وعشت في ظلاله
الوارفات، تتشوق إلى إخراج
البشرية مما هي فيه من تيهٍ
وضياعٍ وضلالات، ولله در هذه
الجماعة الربانية المباركة
الشماء، فكم انجبت من علماء
ونسلت من عظماء، وربت من
مجاهدين بسلاء، وخرجت من دعاة
وربانيين وصلحاء، قضوا حياتهم
في خدمة الشريعة الإسلامية
السمحة الغراء. رحمك
الله تعالى أبا محمد، لقد درست
الطب في جامعة دمشق وكنت فارساً
مجلياً في علمك، بارعاً في
تخصصك، نابهاً في دراستك،
مبرزاً في شخصيتك، متفوقاً على
أقرانك، وتخرجت فيها بدرجة(جيد)،
وهي درجةٌ مرموقة، لا يحصل
عليها يومئذٍ إلا النبهاء
النبغاء، وكنت مشعلاً وقَاداً
في التمسك بدينك، والحرص عليه،
والدعوة إليه في سعير الشهوات،
وملكة الشبهات، ودياجير
الظلمات. رحمك
الله تعالى أبا محمد، فقد قضيت
سوادك وبياضك في رحاب الإسلام
العظيم تؤمن به وتدعو إليه
بحالك ومقالك، وكريم خصالك،
وجميل خلالك، وكنت نسيج وحدك في
صدق لهجتك، وقوة عزيمتك، ومضاء
شكيمتك، وعلو همتك، وغيرتك على
قضايا أمتك، وتفانيك في نصرة
دعوتك التي تغلغلت في سويداء
جنانك، واستحوذت على جميع ذرات
كيانك. رحمك
الله تعالى أبا محمد، كنت
خطيباً مفوهاً مصقعاً تعتلي
أعواد المنابر، وتزأر في وجه
الباطل، وتبصر الجماهير خطوها،
وتجلي لها الحق، وتكشف عن روعته
وجماله، وبهائه وكماله، وعظمته
وجلاله، وكان كلامك جذوةً من
روحك المتوقدة بالإيمان،
وقبساً من نفسك المتطلعة إلى
المغفرة والرضوان، وقلبك
الممتلىء بحقائق الإيمان
وروائع القرآن، وبيانه عن
الحياة والكون والإنسان، فكان
لكلماتك الهاديات المبصرات
ابلغ الأثر في العقل والقلب
والوجدان وكنت تؤمن بأن
الجماهير عماد التغيير، وأن
الشعوب سناد التحرير، ووقود
الجهاد عند النفير، والسور
المنيع الذي يحمي الديار
ويصونها من العدو المتربص
المغير، فتعساً وسحقاً لمن
اداروا لها ظهورهم، وساموها سوء
العذاب، وكانوا كالبوم ينعق في
الخراب، ونأوا بها عن عقائد
الإسلام وشرائعه وشعائره،
وقادوها في شعاب الضلال
والغواية، وتنكبوا جادة
الهداية، وركنوا إلى اعداء
الأمة يبتغون العزة والبقاء
والتمكين، ولله العزة جميعاً. رحمك
الله تعالى أبا محمد، لقد جاهدت
باللسان والسنان والقلم، وكنت
تأمل أن تعود امتك إلى قيادة
الأمم، تغسل عنها الذل والعار
والألم، فصال قلمك السيال وجال،
فحبر مؤلفاتٍ نفيسة جادت بها
قريحتك، وتفتقت عنها عبقريتك،
منها: (الوجود الحق)، و(الشورى في
الإسلام)، و(من نفحات الهدى)،
وغيرها، وخط المقالات الحسان
التي تفيض بالعلم والحكمة
والفقه والإيمان على صفحات مجلة
(حضارة الإسلام) التي اسكت صوتها
المجرمون الشانئون والخصوم
اللد المتربصون، وكنت تجلي
حقائق الإسلام الخالدة، وأمجاد
أهله الطريفة والتالدة، وتلحب
الطريق أمام الأجيال المؤمنة
الصاعدة، ولله در هذه المجلة
الغراء فكم ذرت من ضياء، وأذاعت
من بحوث دقيقة في الثقافة
والفقه والسياسة والاجتماع،
وذادت عن قضايا المسلمين في شتى
البقاع والأصقاع. رحمك
الله تعالى أبا محمد، زج بك
أعداء الله تعالى وأعداء الحياة
والنور والفضائل، وحلفاء الشر
وجنود الشيطان وأحلاس الرذائل
في غياهب السجون والمعتقلات في
عامي 1967 و1973 ميلادي ليقتلوا بين
جوانحك الإباء والمكرمات،
وليذلوا الحق الذي ترفع لواءه،
ويميتوا فيك الإرادة والثبات،
فما وهنت لك عزيمة، ولا استكانت
لك شكيمة، ولا لانت لك قناة،
وإنما ازددت إيماناً بالحق الذي
سجنت من أجله، وامتلاءً به،
وولاءً له، وتضحيةً في سبيله،
ورحلت عن الدنيا وعلى هامتك
السارجة بنوره وسناه أوسمة
السؤدد وآثار السجود، وعلى صدرك
شارات الشموخ والشمم والصمود،
وفي عينيك بريق الأمل ليوم
النصر المرتقب الموعود، فطب
نفساً، وقرِ عيناً بإذن الله في
جنات الخلود (من المؤمنين رجال
صدقوا ما عاهدوا الله عليه
فمنهم من قضى نحبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديلا). رحمك
الله تعالى أبا محمد، كنت
استاذا كبيراً من اساتذة الجيل،
من الرعيل الأول الذي سمت نفسه
فوق الدنيا وشهواتها، وتشبعت
بحقائق هذه الدعوة الربانية
وهداياتها، فحمل أعباءها،
وأعلى راياتها، وسعدت أيما
سعادةٍ بصحبة أستاذ الأساتذة
والمجاهدين الشيخ الدكتور
مصطفى السباعي رحمه الله، وطيب
ثراه، وجعل الفراديس العلا
مسكنه ومأواه، وكنت عوناً له
وسنداً وردءاً ومدداً وهو يقود
مواكب العلم والدعوة والجهاد في
بلاد الشام، ويصوغ الأجيال
ويربيها على الإسلام، فإذا هي
تدلف وراءه
إلى أرض الإسراء والمعراج
تطوي السهول والنجاد والفجاج،
تتسعر فيها سوح القتال، وتتلهب
بعزماتها ميادين النضال، وتقرع
أبواب الجنان بجماجم اليهود
القتلة الأنذال إن في أضلاعنـا أفئدة تعشق
العز وتأبى أن تضاما رحمك
الله تعالى أبا محمد، لقد حلبت
من الدهر أشطره وعجمت عودك
الأيام وعجمتها، وحنكتك
التجارب، فخضت غمار الدعوة
والجهاد بجراءة الشباب
وإقدامهم وفتوتهم وحكمة الشيوخ
وبصيرتهم ودرايتهم، وكنت نجماً
لامعاً في سماء جماعة الإخوان
المسلمين، وقطباً من أقطابها،
وقائداً ميموناً من قادتها،
ومعلماً بارزاً في مسيرتها،
براً بها، وفياً لها، حريصاً
عليها، تترسم خطى قادتها الغر
الميامين، ومؤسسيها المجاهدين
المخلصين: الإمام الشهيد حسن
البنا، والشيخ القاضي حسن
الهضيبي، والأستاذ الدكتور
مصطفى السباعي وغيرهم من
العمالقة والقمم الشامخة
الشاهقة، وتقتفي آثارهم في
الوسائل والأهداف والغايات،
وما احوجنا إليها في هذه الأيام
الحوالك الداجيات، ولطالما
توليت قيادة هذه الجماعة
المباركة، واستحوذت على ثقة
إخوانك بك، وحبهم وإكبارهم
وإجلالهم لك، فكنت المراقب
العام للإخوان المسلمين في
سوريا غير مرةٍ، ونائباً للمرشد
العام للجماعة، وقدت السفينة في
خضم الأمواج المتلاطمة،
والأعاصير الهائجة، ومؤامرات
الأعداء ومكايدهم العاتية،
وكنت الرائد الذي لا يكذب أهله
والربان الماهر الخبير الذي
يسير بها إلى شواطىء العزة
والظفر، لا تفرط بشيء من
ثوابتها الأصيلة، وتمضي بها نحو
غاياتها النبيلة، تهزم داجي
الظلم وغيهبه ببصرك الثاقب
وفهمك الصائب، وعملك الدائب،
فلا عجب أن يكون المصاب بك جللاً وإذا أصبت مصيبةً تشجى بها
فاذكر مصابك
بالنبي محمد وسقياً
لتلك الأيام التي كنت تلقانا
فيها ونلقاك على مأدبة الإيمان
والتواصي بالحق والتواصي
بالصبر، فتلقي علينا أبلغ
المواعظ، واجمل العبر، وأروع
الكلمات، فتوجل القلوب، وتهدأ
الخواطر، وتسيل العبرات، إي
والله لقد كنت نطاسياً بارعاً
وآسياً حاذقاً، تمتص رضاب الصبر
والمصابرة والثبات، وتزجيه
لإخوانك في اللزبات، غذاءً
لعقولهم، وزاداً لنفوسهم،
فتوري عزمهم، وتوقد حزمهم،
وتأسو آلامهم وجراحهم، وتبرأ
بإذن الله تعالى أوجاعهم
وأتراحهم، وتبين لهم أن الدرب
طويل أصيل، وأن الهدف سامٍ
نبيل، وأن العدو حقود موتور
تؤزه الترات والذحول وحزازات
الصدور التي لم تنطفىء على مر
العصور وتتلو على أسماعنا قول
الله تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
واتقوا الله لعلكم تفلحون)، فما
ألقيت الحسام حتى استله منك
الحمام، ولا نزعت عنك لأمة
المصاولة والكفاح على الرغم من
كثرة الآلام والجراح حتى
استأثرت بك رحمه الله تعالى
فالق الإصباح، هكذا عهدناك
وعرفناك، ولا نزكيك على الله
تعالى، والله حسيبك. رحمك
الله تعالى أبا محمد، كنت
عالماً ثبتاً محققاً، إذا تكلمت
في أمر من الأمور او مسألةٍ من
المسائل عرضتها بأسلوب العالم
البصير، والفقيه النحرير،
والسياسي الخبير، والقائد
الناصح الغيور، وفصلت فيها
القول تفصيلاً دقيقاً،
وأشبعتها تمحيصا وتحقيقاً،
وكنت بذلك خليقاً، فتنقاد إليك
النفوس، وتستجيب العقول
والحجى، ويسكن البلبال. وأما
فصاحة لسانك وقوة بيانك، فهي
فصاحة اللغوي البارع وبيان
الأديب الماتع الذي اطلع على
كتب اللغة والأدب، وتضلع منها،
وتشبع بها، وعاش في أجوائها،
واستظل بأفيائها، ودرى
اسرارها، وسبر أغوارها،
فانقادت له عباراتها، وازدحمت
ببابه كلماتها، فاجتمعت له قوة
التعبير وروعة التصوير. رحمك
الله تعالى أبا محمد، لقد عز
علينا ألا نسير في جنازتك، والا
نكون في ذلك الموكب المهيب
السائر إلى دار الخلود، وليت
شعري هل درى حاملوك ما على النعش
من عفاف وجود؟! وما أكثر إخوانك
وأحبائك وتلاميذك الذين تشوقت
نفوسهم إلى ذلك، وقد ساروا خلفك
بأرواحهم الرضية تعانق روحك
الزكية، ونفوسهم الأوابة
الأبية تصافح نفسك التقية
النقية، على بعد الدار وشط
المزار، وصلوا عليك صلاة
الغائب، ولهجت ألسنتهم بأصدق
الدعوات، وفاضت أعينهم بأغزر
العبرات، وسالت نفوسهم على فقدك
حسرات، وهم يعاهدون الله تعالى
جل في علاه على أن تظل القافلة
سائرة على الطريق اللاحب
القويم، تهتدي بأنوار الكتاب
والسنة، تتقيل خطى قادتها
الأبرار المجاهدين الذين سبقوك
بإذن الله تعالى إلى عليين، لا
يضيرها من خذلها، ولا من عاداها
وتربص بها، (فأما الزبد فيذهب
جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث
في الأرض)، وأختم مقالي فيك أيها
الشيخ الحبيب بما قاله شاعر
الدعوة الإسلامية الكبير
الأستاذ الأديب القدير محمد
الحسناوي، طيب الله تعالى ثراه،
وجعل الفردوس الأعلى في الجنة
مسكنه ومأواه؛ لاهم إن جماعــة الإخـوان جمعت
القلوب ونضرت حلم الورى هل تستقيل من الجهاد شعارها وفخارها
أو يســتقيل أخو
القرى هل تسـتقيل الشمس من عليائها
أو يسـتقيل البدر إن طال
السرى اللهم
ارحم عبدك أبا محمد، واجعله في
درجة المهديين، واخلفه في عقبه
في الغابرين، واجزه خير ما جزيت
صالحاً عن امته، وصل وسلم وبارك
على صفوة رسلك وإمام أنبيائك
سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد
لله رب العالمين. صنعاء
25/4/1430 20/4/2009 ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |