-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الحساب
مع أوباما .. بالمفرّق! صبحي
غندور* اعتاد الأميركيون، مع بدء أي
إدارة أميركية جديدة، على
التوقّف عند محطّة "المائة
يوم" كمناسبة لتقييم أعمال
الإدارة ومدى التزام الرئيس
الأميركي الجديد في الوعود التي
قطعها خلال الحملات الانتخابية
على نفسه. وقد أكّدت استطلاعات الرأي
العام الأميركي في الأيام
الماضية أنّ حوالي ثلثي
الأميركيين يثقون بقيادة
أوباما ويدعمون خططه وبرامجه
المتنوعة. طبعاً، القضية الأهم الآن
بالنسبة إلى الشعب الأميركي هي
تردّي الأوضاع الاقتصادية
وانعكاساتها الاجتماعية
السيّئة على عشرات الملايين من
الأميركيين، لكنّ ذلك لا يعني
تقليلاً من أهمّية القضايا
الأخرى الداخلية منها
والخارجية. فهناك مخاوف أميركية الآن من
انهيار الأوضاع في بلدان
متورّطة فيها أميركا عسكرياً،
وبخاصّة مع تطوّرات الأوضاع
الحالية في باكستان وأفغانستان
وفي العراق. ولعلّ تنوّع الأزمات التي
أورثتها الإدارة السابقة تجعل
من الصعب اختيار قضية واحدة
تصلح كمعيار لمحاسبة إدارة
أوباما بعد مرور مائة يوم على
استلامها الحكم. وتختلف أيضاً معايير
الأميركيين عن غيرهم من شعوب
العالم، حيث تكون السياسة
الخارجية هي الأهمّ لدى البلدان
الأخرى في مجال التقييم
والمحاسبة. بشكلٍ عام، فإنّ إدارة أوباما
أظهرت حتى الآن تعديلاً في
الخطاب الأميركي، وفي أساليب
التعامل مع الأزمات الدولية
الراهنة ومع الكثير من الحكومات
في العالم، إلا أنّ هذا التعديل
ما زال في حدود "الشكل" ولم
يصل بعد إلى جوهر ومضمون
القضايا الدولية المعنية
الولايات المتحدة بها . وهذا الأمر ليس بالمستغرب لأنّ
المسافة الزمنية من حكم إدارة
أوباما ما زالت قصيرة وفي
أشهرها الأولى، ولأنّه – وهذا
هو الأهم- لا يجوز أصلاً توقّع
انقلابات في المواقف والسياسات
تحت رئاسة باراك أوباما.
فانتصار أوباما بالانتخابات
الرئاسية الأميركية كان
تعبيراً عن رغبة أميركية
بالخلاص من نهج الإدارة السابقة
أكثر منه دعماً لتغيير جذري في
المجتمع الأميركي أو في السياسة
الخارجية. وحين وصل أوباما إلى
سدّة الرئاسة، دخل المجال
الحيوي لحركته السياسية في ثلاث
"مناطق": "المنطقة
الخضراء" والتي فيها
الصلاحيات الدستورية المعطاة
للرئيس في إصدار مراسيم تنفيذية
أو التي لا تشكّل مسّاً
بالمصالح الأميركية العامّة
المتوافق عليها داخل الحزبين
الديمقراطي والجمهوري ومن يقف
وراءهما من مؤسسات أميركية كبرى. "المنطقة" الثانية هي
المنطقة "الصفراء" التي
على الرئيس الأميركي التمهّل
قليلاً فيها قبل إصدار أحكامه
النهائية في القضايا المعنية
ضمن دائرة هذه المنطقة. أمّا "المنطفة" الحمراء،
فهي التي يعرف الرئيس أوباما
أنّها تستوجب منه التوقّف بشكل
كامل قبل أي تعديل أو تغيير في
مضامينها، فيكون التعامل مع
قضاياها بحذر وبحتمية مراجعة
مؤسسات الدولة الأميركية
وأقطاب الكونغرس قبل البتّ بأيّ
شأنٍ فيها. وقد كان قرار أوباما بإغلاق
معتقل غوانتامو مثالاً على
حرّية سيره في "المنطقة
الخضراء"، كذلك كان اختياره
لأركان إدارته ولقراره بشأن
حالات التعذيب التي مارستها
وكالة المخابرات الأميركية.
أيضاً، يدخل في حيّز "المنطقة
الخضراء" قرار أوباما بوقف
استخدام تعبير "الحرب على
الإرهاب" والخطاب
الأيديولوجي السلبي الذي كان
سائداً في إدارة بوش، خاصّةً
تجاه العالم الإسلامي. أمّا نماذج "المنطقة الصفراء"
في مسيرة إدارة أوباما، فكانت
واضحة في تراجع أوباما عن ترشيح
فيليس فريمان ليكون رئيساً
لمجلس وكالات المخابرات
الأميركية، بعد الحملة التي
قامت بها جماعات "اللوبي
الإسرائيلي" ضدّ هذا الترشيح. وربّما يمكن أيضاً إدخال قرار
أوباما بالانسحاب من العراق في
حيّز هذه "المنطقة الصفراء"،
حيث اضطرّ بعد استلامه الحكم
لتعديل البرنامج الزمني الذي
أعلنه بشأن الانسحاب من العراق
مع حرصه على تأكيد قرار
الانسحاب من حيث المبدأ. أيضاً، نجد أنّ أسلوب الرئيس
أوباما في تعامله مع الرئيس
الفنزويلي تشافيز وفي قضية
العلاقات مع
كوبا، يدخل في إطار هذه "الدائرة
الصفراء" حيث تحكم توجّهات
أوباما الجديدة مع أميركا
اللاتينية مجموعة من الضوابط
التي لا يستطيع تجاوزها. أمّا خير مثال على كيفيّة تعاطي
إدارة أوباما مع "المنطقة
الحمراء" فهو مؤتمر مكافحة
العنصرية في جنيف حيث قرّرت
واشنطن مقاطعة المؤتمر رغم أنّه
كان فرصة كبيرة وهامّة لإدارة
أوباما وللرئيس شخصياً
لاستخدام منبر هذا المؤتمر من
أجل تأكيد تجاوز أميركا
للعنصرية حينما اختارت أوباما
رئيساً لها، وهو الأميركي ذو
البشرة السوداء ابن المهاجر
الأفريقي المسلم. فمقاطعة المؤتمر كانت تعبيراً
عن حجم التأثير الإسرائيلي في
القرارات الأميركية، باعتبار
أنّ مؤتمر جنيف كان متواصلاً مع
المؤتمر الأول في جنوب أفريقيا
في العام 2001 والذي أدان معظم
المشاركين فيه الاحتلال
الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
ورأوا أنّ الصهيونية حركة
مساوية للعنصرية. كذلك، نلمس الحذر الشديد الذي
يتعامل فيه الرئيس أوباما مع
الملف الفلسطيني، رغم اختياره
الموفّق لموفده جورج ميتشل،
فالإدارة الأميركية الحالية
تبنّت الآن الشروط نفسها التي
وضعتها إدارة بوش على "حركة
حماس" من أجل الحوار معها أو
لتمثيلها في الحكومة
الفلسطينية القادمة. إنّ إدارة أوباما هي بلا شك
حالة مختلفة عن إدارة بوش
السابقة، وهي أشبه بسيّارة تسير
الآن في الاتجاه الصحيح لكن
أمامها الكثير من العقبات
والمطبّات، كما أنّها محكومة
بقوانين "السير الأميركية"
وباحترام "إشارات المرور"
أمامها!! إنّ الرئيس أوباما هو حالة
تصحيح لمسار أميركي شرد كثيراً
في السنوات الثماني الماضية،
وأضرّ بالمصالح الأميركية
عموماً، وطغت عليه الصبغة
الأيديولوجية
في مجتمع لا يستسيغ "الحكومات
العقائدية. فانتصار أوباما كان
نصراً لنهج الاعتدال بعد سنوات
من سياسة التطرّف وفشل مشروع
"الانفرادية" الأميركية في
تقرير مصير العالم. وإدراك أهمّية هذا التصحيح لم
يكن نابعاً من رؤية أوباما
الشخصية وبرنامجه الانتخابي
فحسب، بل كان ذلك واضحاً في "تقرير
بيكر/هاملتون" الذي صدر في
نهاية العام 2006 من قبل مجموعة
هامّة من الخبراء والسياسيين
الأميركيين المخضرمين في
الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ولقد وجد الذين ساهموا في إعداد
التقرير، وما يقف خلفهم من شبكة
ضخمة من المصالح والمؤسسات
الأميركية، في شخص باراك أوباما
وفي مواقفه ما يجعل منه "البطل"
الذي يقوم بتنفيذ ما ورد في هذا
التقرير من توصيات. وهو ما يقوم
به الآن فعلاً على أصعدة مختلفة
في السياسة الأميركية. إنّ الحساب مع إدارة أوباما يجب
أن يكون بالمفرّق وليس بالجملة.
كذلك معايير التقييم التي تفرض
التنوّع وليس الانحسار في قضية
واحدة مهما كانت أهمّيتها. وما حصل في الانتخابات
الأميركية الأخيرة من إسقاط
لنهج التطرّف يقتضي أيضاً إسقاط
التطرّف في كيفيّة رؤية باراك
أوباما. فلا يصحّ القول أن لا
فرق بين إدارة أميركية وأخرى،
كما من الخطأ الكبير التوهّم
أنّ إدارة أوباما هي حركة
انقلابية على المصالح
والسياسات العامّة الأميركية. ــــــــــــ *مدير
"مركز الحوار العربي" في
واشنطن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |