-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ما
النكبة ؟ محمد
عمر * تقول
عجوز فلسطينية يقف الشيب على
مفرق عمرها كراية بيضاء لم
تستسلم لواقع ما جرى : "
النكبة نكتة يهودية لم تضحكنا
..نكتة تلاحق أبناءنا مثل لعنة
أزلية ".. ما
النكبة ..؟..أهي صرر الذكريات
المرة ..أم عربات اللاجئين
المحشوة بالمآسي والدموع
؟...أرواح من سلفوا ترفرف حول
شمعة الذكرى ...المدن التي تهاوت
والقرى ...أحلام المقاومة والوقع
المجلجل للمؤامرة الغربية
–الشرقية .. الطموحات
التي لقيت حتفها فوق شرفة
الزمان الثقيل .جنيهات الذهب
والقدور المطمورة ..ومواسم
الحصاد التي لم تأت ..وذلك البؤس
الراحل إلى اللامكان .. ألا كم
مضينا نغذ الخطى في تربة الدروب
المتعرجة المطاطية نحو طريق
واضح على الأرض ضبابي في
الرؤوس.. تطول قاماتنا فيطول
الطريق .ونمضي السنين على قارعة
جسر يطاول الستين عاماً دون أن
يدركه الوصول ..ما أطولك يا جسر
العودة ..ما أبعد المسافة بين
جناحيك .. وتنام
الأرض وتصحو على وقع آلات الحفر
والتهديم والتجريف..مستوطنات
تتعربش البطاح ..وبيوت
فلسطينيين تتهاوى ..أصحاب الأرض
الذين أكلت المواسم عمرهم يرمون
مثل رغيف ناشف على تلة تتناهبها
العقارب والأفاعي .. "إذا
كان قدرنا أن نحيا بكرامة فلتكن
الشهادة " يصرخ الدم النازف
نهراً بين النهر والبحر
.جغرافية الوجود الفلسطيني بين
الحقيقة والسراب ..نهر تنتصب على
ضفتيه صور الشهداء مثل حقل
للموت والجراح يرقب سنوات الخصب
القادمة ..وفي سماء النهر ترتفع
صرخات الأسرى المعذبون مثل صدى
بعيد آت من عالم النسيان .. هل ضل
الموت طريقه إلينا يوماً
؟..ولماذا تصبح الحياة الكريمة
ضريرة تخبط خبط عشواء في ربوع
عمرنا ؟..لماذا ؟.. أكلما
اجتاح الخرف رأس عجوز فلسطيني
لاجئ تحطم جدار اللجوء ؟.. العجوز
يعود إلى داره وطرقات ذاكرته
الأولى ..كما يعود العصفور إلى
عشه بعد انكشاف الصقيع .. عصي
تائهة تبحث عن طريق للوطن ..لم
تكن سيوفاً ،لكنها أنجبت مع
الوقت آلاف البنادق موسماً بعد
آخر .. كم
انطوى منهم في غمرة الغربة على
راديو خبأه بين جسده والكفن
والصوت مازال يبث الأخبار ..بعد
أن قسم الوقت بعد النشرة للحلم
والخيبة .وأرطال من الشتائم عن
أولئك الذين تآمروا لدفنه في
تربة غريبة . صار
الوطن حلماً عصياً على التحقق
.ولم يبق إلا اجتراع الذكريات
دفعة واحدة في حلق من أنهكهم
الجوع والعطش وترديد الشعارات ..
" كان
لدينا في فلسطين .." وتنام
بقية الجمل في حنايا القلب
لأنها ببساطة انكفأت إلى زمان
مضى .ومن عرف الزمان يعرف أن
العمر لا يستعاد مع الأرض .. كنوز
نكبتنا .. الرجال والنساء الذين
أشاعوا في ثنايا روحنا وهج
الذكريات عن وطن لم نراه .يودعون
مخيماتنا إلى مأوى يتسع أكثر
فأكثر ."انتقل إلى رحمة الله
الحاج .." وتنفتح الأكف على
سورة الفاتحة مثل صدفات لا لؤلؤ
فيها .."لم يأخذ معه شيئاً
"..لكنه خلف وراءه جبالاً من
الذكريات الجميلة والحزينة ..بل
والساخطة الغاضبة .. العمر
يمضي بنا . و فوق
ردهة السؤال تتقافز
الاستفهامات المتعجبة .. جمل
تتقاطر كلما انفتح باب الذات
كمتوالية لا نهاية لها .. أسئلة
عن الفارق بين حدود السياسة
وحدود التاريخ والجغرافية
.لماذا نغوص أكثر في وحل أولي
الأمر منا ، بينما ترتفع
الوحدات الاستيطانية ناهبة كل
شبر من ربوع أرضنا ؟.. لماذا
نمت حول مخيماتنا جدران من
الكراهية والخوف؟.. لم
تجتاح أطفالنا الكوابيس ؟..وكم
مرة وقعنا عن حافة اليأس
فالتقطتنا أكف الثوار لتعيد
إلينا بعض التوازن والثقة ؟.. الأرض
مدروزة بالطرق الالتفافية التي
تخنقنا .وصور الملتقين
.المتصافحين ..المتعانقين بين
لقطة وأخرى لعدسة الرؤية تكتم
أنفاسنا ..كيف يحدث هذا بعد كل
هذا الدم ؟..كيف ؟.. ويعجب
حفار القبور لم تزداد الأعباء
على كاهله كلما صعقتنا
"اتفاقية سلام " .. ذهبنا
العتيق يدفن في تراب الأحلام
المتخمرة .وشبابنا لا يجدون
تفسيراً لما جرى قبل ستين عاماً
..فكيف بما جرى بالأمس القريب ؟!
.. أما
أطفالنا فكم مرة
ألجمتنا أسئلتهم الصغيرة
الحائرة ..وهم يرون كفة الخير
والشر ممعنة في ميلها ..ورغم كل
ما نعرفه في قرارة أعماقنا عن
المأساة نقف عاجزين عن الإجابة
حين يباغتنا طفل بسؤاله " ما
النكبة ؟"..
--------- *
كاتب وشاعر مسرحي فلسطيني مقيم
بدمشق ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |