-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الحقوق
الوطنية الثابتة للشعب
الفلسطيني الدكتور عبدالقادر حسين
ياسين* من الأهداف التي عني ميثاق الأمم المتحدة
بتأكيدها، الدعوة إلى تعزيز
وتشجيع الاحترام لحقوق الإنسان
والحريات الأساسية للجميع، دون
تفرقة أو تمييز بشأن العنصر أو
الجنس أو اللغة أو الدين. وكان أول تعريف دولي لحقوق الإنسان هو Universal Declaration of Human Rights "الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان"الذي صدر عن الجمعية
العامة للأمم المتحدة في كانون
الأول عام 1948. وقد أدرجت الحقوق
الواردة في هذا الإعلان في
اتفاقيتين دوليتين هما:
"اتفاقية الحقوق الاقتصادية
و الاجتماعية والثقافية" و
"اتفاقية الحقوق المدنية و
السياسية". وكانت الجمعية
العامة قد وافقت عليها بالإجماع
في عام 1966. وتلتزم جميع الحكومات
التي تصدق على الاتفاقيتين
التزاماً قانونياً بتطبيق كافة
حقوق الإنسان المدرجة في
الوثيقتين. ومنذ ذلك الحين اهتمت الأسرة الدولية
بشكل لم يسبق له مثيل بحماية
حقوق الإنسان الفردية
والجماعية. ونتيجة لهذا
الاهتمام تم وضع قائمة بحقوق
الإنسان الأساسية المعترف بها
دولياً . وقد ادرجت هذه الحقوق
في مواثيق ومعاهدات واتفاقيات
وبروتوكولات، ومع ذلك لازالت
هذه المواثيق دون تنفيذ. وطبقاً
للاتفاقية الخاصة بالحقوق
الاقتصادية و الاجتماعية و
الثقافية، تتحمل الدولة
المصدقة مسؤولية اتخاذ الخطوات
الضرورية ،على المستويين
الفردي و الدولي ، والتي تكفل
وضع الحقوق التي تضمنتها موضع
التطبيق الفعلي . ويأتي في مقدمة هذه الحقوق: الحق في العمل
والحرية في اختياره، وحق كل فرد
في التمتع بظروف عمل عادلة
ومناسبة، وحق تشكيل النقابات
العمالية و الانضمام إليها، وحق
الفرد في الأمن الاجتماعي ، وحق
الأسرة في الحماية و المساعدة.
كما تقرر هذه الاتفاقية في
فقراتها الأخيرة حق الفرد في
بلوغ مستوى معيشي ملائم ، وحقه
في توفير أعلى مستوى ممكن من
اللياقة البد نية و العقلية ، و
كذلك حقه في التعليم، وفي
المشاركة في الحياة الثقافية،
وفي التمتع بمزايا التقدم
العلمي. ولكن سواء كانت هذه الحقوق فردية أو
جماعية فإنها متممة لبعضها
البعض ، وأي انتهاك لهذه
الحقوق، بشكل منظم ومتكرر، وعلى
نطاق واسع ، يؤدي إلى اختلال
النظام العالمي. إن الصراع
العربي- الصهيوني مثالٌ واضحٌ
على أن انتهاك حقوق الإنسان
الأساسية يؤدي إلى النزاع و
اختلال النظام العالمي، ويشكل
تهديداً للأمن والسلام
العالميين. فقد حرم الشعب
الفلسطيني من حقه في تقرير
المصير والاستقلال
الوطني، وبصورة فردية يعيش أكثر
من أربعة ملايين فلسطيني تحت
الاحتلال الصهيوني و يتعرضون
لأشكال مختلفة من انتهاكات حقوق
الإنسان. غني عن البيان أن هذا الوضع قد تسبب ،
ولازال، في اختلال النظام
العالمي ، ولهذا فإن من البديهي
القول بأن تسوية الصراع العربي-
الصهيوني ستتم جزئياً عندما
يسود احترام الحقوق الأساسية
للشعب الفلسطيني. الحق في تقرير المصير : لمحة تاريخية ظهرت فكرة حق تقرير المصير جنباً إلى جنب
مع ظهور القومية في القرن
الثامن عشر، فقد جاء في تعريف
قادة الثورة الفرنسية لهذه
الفكرة بأن "حق الشعوب في
تقرير مصيرها هو حق طبيعي لكل
البشر". وهكذا تحول "الحق
الملكي الإلهي" إلى "حق
شرعي من حقوق الشعب". ولم
يقتصر حق الشعب على حقه في أن
يكون ممثلاً في الحكومة ، بل
أصبح الشعب هو السلطة التي تقرر
شرعية الإجراءات التي تقوم بها
الدولة. وخلال السنوات الأولى
من الثورة الفرنسية تبلورت فكرة
الانتخاب كوسيلة يقوم الشعب، من
خلالها، بالتعبير عن إرادته
بشأن أي تغيير مقبل في السيادة
على منطقته. لقد اعتبر تقرير
المصير في مرحلته الأولى بأنه
"حق الأمم في السيادة
التامة". غير أن ذلك المفهوم
ما لبث أن تطور واتسع بحيث أصبح
يعني حق كل الشعوب في تقرير
مصيرها السياسي ، و السعي من أجل
تطورها الاقتصادي و الاجتماعي و
الثقافي بكل حرية. وفي القرن العشرين ، و خلال الحرب
العالمية الأولى بالذات ، خطا
هذا المبدأ خطوات إلى الإمام
حيث سارع العديد من الدول إلى
المناداة بهذا المبدأ بهدف كسب
تأييد الشعوب و الأقليات
المختلفة لها. وفي عام 1917 اعترفت
ثورة أكتوبر الاشتراكية في
روسيا بحق تقرير المصير كمبدأ
سياسي. وأعلنت أن هدفها هو
"إقامة السلام على أساس حق
الأمم في تقرير مصيرها". وقد
تم تنفيذ هذا المبدأ فعلياً حيث
تم التخلي عن جزء كبير من
الأراضي التي كانت خاضعة لروسيا
القيصرية حتى قيام الثورة. وقد أكد لينين على حق الشعوب في تقرير
مصيرها بصورة واضحة لا يشوبها
لبس ولا إبهام، وعرَّفه بأنه
"حق إنشاء دولة مستقلة ذات
كيان سياسي خاص". يقول لينين:
".... من غير الصحيح فهم حق
تقرير المصير بأنه يعني شيئاً
غير حق الوجود كدولة مستقلة. يجب
على الاشتراكية أن تقيم،
بالضرورة ، ديمقراطية كاملة،
وبالتالي لا ينبغي لها أن تحقق
المساواة الكاملة بين الشعوب
فحسب ، بل أيضاً تحقق حق الشعوب
المضطهدة في تقرير مصيرها .إن حق
الشعوب في تقرير مصيرها يعني
الحق في الاستقلال بمعناه
السياسي ...إن رفض تطبيق مبدأ
تقرير المصير للشعوب في نظام
اشتراكي هو خيانة
للاشتراكية". وأكد توماس جيفرسون (1743- 1826)، الرئيس
الثالث للولايات المتحدة
الأمريكية والواضع الرئيسي
لوثيقة إعلان الاستقلال، على حق
الشعوب في تقرير مصيرها عندما
كان وزيراً للخارجية حيث قال
:" من المؤكد أننا لا نستطيع
أن ننكر على أي شعب ذلك الحق
الذي تأسست عليه أمتنا ، وهو أن
لكل أمة الحق في أن تحكم نفسها
بنفسها، وفقاً
للشكل الذي تريده". ومن المعروف أن الرئيس الأمريكي وودرو
ويلسون (1856 – 1924) قد نادى بفكرة
حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وفي
إعطاء هذه الشعوب سيادتها، بعد
الحرب العالمية الأولى، وقد
تضمن المشروع الذي وضعه لميثاق
عصبة الأمم نصاً واضحاً حول هذا
الحق. وفي رسالته المقدمة
للكونجرس الأمريكي بتاريخ 11
شباط ( فبراير) 1918 أوضح الرئيس
ويلسون " إن الطموحات القومية
يجب أن تحترم، والشعوب الآن لن
تحكم إلا بإرادتها . إن تقرير
المصير ليس مجرد تعبير، بل هو
مبدأ ضروري للعمل." غير أن حق تقرير المصير، كما جاء في أهداف
الحلفاء، لم يتم اعتباره مبدأ
لسياستهم خارج حدود أوروبا، أي
في مستعمرات العدو سابقاً في
إفريقيا و المحيط الهادي، حيث
تقيم"الشعوب المتخلفة"
التي "لا تستطيع حكم نفسها"
[كذا...!!]، و التي "لا يمكن
تطبيق حق المصير، وفق مفهومه
الأوروبي، عليها"، كما لم يتم
اعتباره "ملائماً" بالنسبة
للمنطقة العربية التي انحسرت
عنها السيطرة العثمانية ، والتي
قررت الدول الحليفة إخضاعها
لسيطرتها. بل أن هذا الحق لم يتم
تطبيقه في أوروبا ذاتها إلا في
وسطها وشرقها. وبانعقاد مؤتمر السلام في عام 1919 في باريس
تم القبول ب"حق تقرير
المصير" بشكل عام من قبل جميع
الأطراف المتحاربة بما فيها
الدول الكبرى. وفي عام 1941 اعتبره
"ميثاق الأطلسي" هدفاً من
أهداف السياسة الأمريكية -
البريطانية خلال الحرب
العالمية الثانية، وأكده في عام
1945 مؤتمر يا لطا حول أوروبا
المحررة، كذلك تمت صياغته كمبدأ
من مبادىء الأمم المتحدة في
مؤتمر سان فرانسيسكو بناء على
اقتراح من الاتحاد السوفييتي. الأمم المتحدة وحق تقرير المصير صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة
منذ عام 1950، سلسلة من القرارات
التي ساعدت في تطوير أحكام هذا
المبدأ . ولعل اهمها في هذا
المجال القراران التاليان: 1- القرار 1514 الصادر في 14 كانون الأول 1960
بشأن" منح الاستقلال للبلدان
و الشعوب المستعمرة"، وقد
اعتبر هذا القرار من قبل شعوب
آسيا و إفريقيا بأنه يشكل
قانوناً بالنسبة لكافة حالات
الاستعمار. 2- القرار 3103 الصادر في 12 كانون الأول 1973 ،
والذي تضمن ( إضافة إلى التأكيد
على القرار 2621 الصادر في تشرين
الأول 1970) تأكيداً على أن للشعوب
المستعمرة "حقاً طبيعياً في
النضال بكل الوسائل اللازمة و
المتوفرة لديها ضد الدول
الاستعمارية والسيطرة
الأجنبية، ممارسة بذلك حقها في
تقرير المصير". وعلى أن نضال
الشعوب الواقعة تحت السيطرة
الاستعمارية الأجنبية والأنظمة
العنصرية من أجل تحقيق حقها في
تقرير المصير و الاستقلال هو
" نضال شرعي و يتفق تماماً مع
مبادىء القانون الدولي". إن تراكم البيانات الرسمية و القرارات
والإعلانات الصادرة عن الجهات
المختصة في المجتمع الدولي،
بشأن تفسير ميثاق الأمم المتحدة
، يمكن أن توصف بأنها برهان على
العرف الدولي المشار إليه في
المادة 38. و يتضح من ذلك أن
قرارات الجمعية العامة تصبح
ملزمة حينما يتم تكرار تبنيها
على امتداد فترة زمنية حيث
تتحول إلى قانون دولي عرفي له
صفة القانون الملزم. وللتأكيد
على ذلك بالنسبة لحق تقرير
المصير، فقد جاء في تقرير
"اللجنة الخاصة بمبادىء
القانون الدولي فيما يتعلق
بعلاقات الصداقة و التعاون بين
الدول" : "إن غالبية المندوبين الذين شاركوا في
المناقشة أكدوا على أن مبدأ حق
تقرير المصير لم يعد مجرد مبدأ
أخلاقي أو سياسي، بل هو مبدأ
ثابت من مبادىء القانون الدولي
الحديث". و بهذا يكون حق تقرير
المصير قد أصبح قاعدة قانونية
من قواعد القانون الدولي من
خلال القانون الدولي العرفي،
وذلك بفضل القرارات المتتالية
التي صدرت بشأنه عن الجمعية
العامة. وهذا يعني أن هذا
القانون ينطبق على كافة الدول
بما فيها تلك الدول التي لم تقبل
به، إذ ليس لأحد أن يتوقع من
الدول المستعمِرة أن تصوت ضد
نفسها و ضد سياستها لدى طرح
موضوع كموضوع حق تقرير المصير. ويقول الدكتور ريتشارد فوك ، أستاذ
القانون الدولي بجامعة
برينستون الأمريكية ، في هذا
المجال:"إذا كان للمجتمع
الدولي أن يمارس مهامه بشكل
فعال، فإن ذلك يتطلب إيجاد سلطة
تشريعية خاصة لأجل ترجمة
الإجماع الهائل للدول إلى
قوانين والتزامات سلوكية، وذلك
رغماً عن المعارضة التي تبديها
دولة أو أكثر من الدول
الكبرى". وطالما تم الإقرار بالصفة القانونية لحق
تقرير المصير، فلا بد من تحديد
الشخصية التي ينطبق عليها هذا
الحق. فوفقاً لميثاق الأمم
المتحدة ينطبق حق تقرير المصير
على الدول والشعوب. ويقول تقرير
لجنة "مؤتمر سان
فرانسيسكو" أن الحقوق
المتساوية لكافة
الشعوب، وبالتالي حقها في تقرير
مصيرها، "يشمل في الميثاق كلا
من الدول و الشعوب". وهنالك العديد من القرارات التي تؤكد أن
حق تقرير المصير لا يقتصر على
الشعوب الخاضعة للاستعمار
المباشر، حيث أن العلاقات
الاستعمارية قد اتخذت مؤخراً
أشكالا أخرى ، وهي الأشكال
المعروفة ب"الاستعمار
الحديث" وذلك حين يتم استغلال
دولة ما رغم كونها دولة مستقلة،
أو حين يتم إخضاع الشعب في دولة
ما لمثل هذا الاستغلال ، رغم
إرادته. كما أن حق تقرير المصير
يشمل "حق الشعوب في السيطرة
على مواردها و ثرواتها
الطبيعية". وقد أوصت الجمعية
العامة للأمم المتحدة في قرارها
رقم 545 لجنة حقوق الإنسان بإدراج
الفقرة التالية: " يتضمن حق
الشعوب في تقرير مصيرها حق
السيادة التامة على ثرواتها
الطبيعية ومواردها. ولا يمكن ،
بأي حال من الأحوال، تجريد
الشعب من وسائل معيشته على أساس
أي حق يمكن أن تدعيه دول أخرى" ان حق الشعوب في تقريرمصيرها دون أي تدخل
خارجي يتطلب تعريف "الشعب"
كشرط سابق لتطبيق هذا الحق. يمكن
تعريف"الشعب" بأنه مجموعة
من الأفراد تتميز بميزات مشتركة
بينها ( الدين، العرق، اللغة،
الثقافة، و الإيديولوجية
السياسية) ويشعرون بأنهم ملزمون
بعدة عوامل، ويوحي سلوكهم
الجماعي بأنهم يتقاسمون بعض
القيم والأهداف التي يرغبون في،
ويستطيعون، ممارستها. إن تطوير كيان سياسي (دولة) يتطلب وجود ،
أو خلق، بنى
اجتماعية و اقتصادية و سياسية
قادرة على متابعة أهداف
المجموعة (الشعب)، وأخيرا
فان خلق دولة ومؤسساتها يفترض
مقدماً وجود الأرض التي ستقام
عليها الدولة. و بصرف النظر عن
الأسس التي يقوم عليها حق تقرير
المصير لا بد من توفر ثلاثة
عوامل ذات علاقة متبادلة: 1- الشعب 2- الأرض 3- الرابط الذي يربط بينهما. إن الفكرة الأساسية في حق تقرير المصير
تكمن في إعطاء الشعوب حرية
اختيار مصيرها دون قيد أو ضغط أو
إكراه، ولقد اقر هذا الحق على
الصعيد المبدئي و النظري ومن ثم
على صعيد القانون الدولي. وهكذا نرى أن مبدأ تقرير المصير قد أصبح
أحد المبادىء الأساسية التي
يرتكز عليها المجتمع الدولي في
الوقت الحاضر، وقلما تخلو وثيقة
هامة من الوثائق الصادرة عن
الأمم المتحدة أو منظماتها
المختلفة من التأكيد على ضرورة
احترام هذا المبدأ. لذا، فإن من
الضرورة بمكان دراسة العوامل
الثلاثة المكونة لحق تقرير
المصير(الشعب ، الأرض ،والرابط
الذي بينهما ) كما تنطبق على حق
الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره
في وطنه فلسطين. كانت فلسطين تشكل جزءاً من الإمبراطورية
العثمانية. وفي أثناء الحرب
العالمية الأولى التي شهدت
انهيار هذه الإمبراطورية دخلت
الجيوش البريطانية فلسطين
بقيادة الجنرال ادموند
اللينبي، واحتلتها عام 1918.
ولإضفاء شكل من الشرعية على
الاحتلال البريطاني لفلسطين
التي كانت خاضعة للدولة
المهزومة في الحرب العالمية
الأولى أوجدت نظام الانتداب.
وقد نصَّ على هذا النظام ميثاق
"عصبة الأمم" الذي شكل
جزءاً من معاهدة فرساي، ومن ثم
عهدت "عصبة الأمم" رسمياً
إلى بريطانيا بالانتداب على
فلسطين. تحالفت السلطة البريطانية المنتدبة مع
الحركة الصهيونية العالمية
التي كانت تهدف إلى إقامة
"وطن قومي" لليهود في
فلسطين. وقامت السلطات
البريطانية بوضع البلاد في
أجواء سياسية وإدارية تضمن
تنفيذ وعد بلفور الذي تعهدت
بموجبه الحكومة البريطانية ( من
طرف واحد) في الثاني من تشرين
الثاني 1917 بإقامة وطن قومي
لليهود في فلسطين. وغني عن البيان أن هذا التصريح باطل
لأسباب متعددة من أبرزها أن
لريطانيا لا تملك فلسطين و ليس
لها حق التصرف في مصير شعبها
وأرضه. وعلاوة على ذلك، فإن
التصريح لا يكتسب صفة الالتزام
القانوني، لأنه صادرٌ من جانب
واحد و ليست فيه التزامات
متقابلة ، حيث صدر في شكل رسالة
من وزير خارجية دولة إلى أحد
رعاياها. فليست له ، والحالة هذه
، صفة الاتفاق الدولي ، وفق ما
تنص عليه "معاهدة فيينا
الخاصة بقانون المعاهدات
الدولية". والأهم من ذلك أن
هذا التصريح يهدف الى تحقيق
غاية غير مشروعة مخالفة للقانون
الدولي ومناقضة لقواعده. فالتصريح ،اذن ، يفتقد الى كل مشروعية
دولية ، وهو لا يفسر الا بأسباب
سياسية عبر عنها جيمس بلفور
نفسه حين قال: " إذا أراد
المرء أن يطبق مبدأ حق تقرير
المصير منطقياً و بصدق، فعندئذ
يجب تسليم مستقبل فلسطين
للأكثرية القائمة في فلسطين ( أي
العرب)". و لكنه أضاف : " إن
وضع اليهود في كافة الدول
استثنائي و يخرج عن القواعد
العادية. ولذلك فمبدأ حق تقرير
المصير ( على الرغم من أن تفسير
المبدأ تفسيراً حرفياً لا يؤيد
ذلك) يجعل قضية اليهود
استثنائية". وكان من نتائج
هذا التصريح أن وُضعت فلسطين
تحت الانتداب البريطاني الذي
أقرته "عصبة الأمم" دون
موافقة سكانها الذين واجهوا
موقف المنظمة الدولية بالرفض و
الاحتجاج و المقاومة. فمنذ عام
1919 عبر الشعب الفلسطيني بوضوح و
جلاء تامين عن رفضه القاطع
للبرنامج الصهيوني الهادف الى
إقامة وطن يهودي في فلسطين. وقد
بينت هذا الرأي لجنةKing-Crane كنغ كرين
الأمريكية التي انبثقت عن مؤتمر
الصلح في باريس على الشكل
التالي: "إذا كان هذا المبدأ ( تقرير المصير) هو
الذي سيسود و تكون ،بالتالي، رغبات سكان فلسطين حاسمة
بالنسبة إلى مستقبل بلادهم،
فيجب أن لا ننسى أن سكان فلسطين
غير اليهود، الذين يشكلون تسعة
أعشار جميع السكان تقريباً هم
بصورة جازمة ضد البرنامج
الصهيوني بأكمله". وتظهر
العرائض التي تلقتها اللجنة بأن
الفلسطينيين "لم يتفقوا على
أمر أكثر من اتفاقهم حول هذا
الموضوع. إن إخضاع شعب بهذا
الرأي إلى هجرة يهودية غير
محدودة و إخضاعه إلى ضغط
اجتماعي و اقتصادي متواصلين من
أجل التخلي عن أرضه يشكل خرقاً
للمبدأ المشار إليه ولحقوق هذا
الشعب". ومن مظاهر تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في
أرضه وسيادته عليها مقاومته
لبيع أراضيه للمهاجرين اليهود
بالرغم من الإغراءات المالية
الكبيرة ، وبالرغم من الوسائل
التي اتبعتها السلطة المحتلة
لتكرهه على ذلك. فحتى آخر أيام
الانتداب البريطاني لم يتمكن
اليهود من امتلاك سوى 5,76 بالمئة
من مجموع أراضي فلسطين، مع
العلم أن قسماً كبيراً من هذه
الأراضي باعها إقطاعيون من غير
الفلسطينيين ، وخاصة عائلة سرسق
اللبنانية المعروفة. وقد اتخذت مقاومة الشعب الفلسطيني
للاحتلال البريطاني والمخططات
الصهيونية شكلاً متقدماً من
أشكال المقاومة وهو الكفاح
المسلح. فتعددت الانتفاضات
المسلحة عام 1920 و 1929 و 1933 و أكبر
هذه الانتفاضات المسلحة و أهمها
على الإطلاق هي الثورة الشعبية
المسلحة التي امتدت من عام 1936
إلى عام 1939. وقد رافق هذه الثورة
إضراب سياسي كبير لعله أطول
إضراب من نوعه في التاريخ إذا
استمر 174 يوما ،ً وشلَّ كل مرافق
الحياة. وقد كانت هذه الثورة
الشعبية المسلحة أجرأ تحد
للإمبراطورية البريطانية في
العصر الحديث. وجابهتها السلطة
البريطانية بأشد أنواع القمع
كنسف الإحياء (نسف مدينة يافا
القديمة) و فرض العقوبات
الجماعية على القرى والمدن.
وكانت حصيلة هذه الثورة حوالي
خمسة آلاف شهيد وخمسة عشر ألف
جريح. وعلى الرغم من جميع هذه التضحيات
المستمرة و الباهظة جرِّد
الشعبُ الفلسطيني وحرم من حقه
في تقرير مصيره في وطنه. ولكن
مأساة الشعب الفلسطيني لا تقف
عند حد تجريده من حقه في تقرير
مصيره بل تتعدى ذلك إلى إخراجه
بالقوة و الإرهاب من وطنه. إن
إخراج شعب فلسطين كان هدفاً
أساسياً من أهداف الحركة
الصهيونية، وعندما سمحت الظروف
عام 1948 عملوا على تحقيق هذا
الهدف بأبشع ما عرف من أساليب
الإرهاب المادي و النفسي. و بعد
قيام الكيان الصهيوني عام 1948
استمرت السلطات الإسرائيلية في
تحقيق أهدافها الرامية إلى
تصفية الفلسطينيين. فقد اتبع
العدو كافة أساليب العنف
والإرهاب و الحرب النفسية
لإجلاء الفلسطينيين عن وطنهم. ومن أساليب الحرب النفسية التي اتبعها
الصهاينة لإرغام الفلسطينيين
على ترك وطنهم التحذيرات التي
كانت توجهها الإذاعات اليهودية
السرية (وبخاصة إذاعة الهاغانا)
من أن أمراض التيفوس و الكوليرا
ستتفشى بينهم بقوة إذا بقوا في
البلاد. كما لجأوا إلى استعمال
مكبرات الصوت لدعوة الاهالي إلى
مغادرة مدنهم وقراهم في فترات
محددة وإلا تعرضوا للقتل. في مناطق واسعة تحت الاحتلال الإسرائيلي
عملت القوات الصهيونية على جناح
السرعة لخلق حقائق الأمر الواقع
، إما بوضع مستوطنين جدد في
البيوت و المزارع الفلسطينية أو
بتهديم المنازل كلياً. ومع
نهاية عام 1948 كان مخطط ثيودور
هيرتزل المحكم لإخراج
"السكان المعدمين" عن طريق
"حرمانهم من كافة مجالات
العمل و الاستخدام" قد اكتسب
معنى جديداًَ في السياسة التي
أعلنتها دولة إسرائيل بصورة
رسمية. ففي رسالة مؤرخة في الأول
من آب 1948 إلى الوسيط الدولي
الكونت فولكه بيرنادوت أنكر
وزير خارجية إسرائيل، موشيه
شاريت، على الفلسطينيين كل حق
في العودة ، وتذرع طبعاً ب
"الاعتبارات الأمنية".
لكنه أضاف ،على نحو ذي مغزى، ما
يلي: "من الوجهة الاقتصادية، إن إعادة دمج
العرب العائدين في دورة الحياة
السوية، وحتى مجرد إعالتهم في
العيش، من شأنها أن تضعنا أمام
مشكلة يصعب تذليلها. وسوف يكون
من المتعذر تذليل صعوبات تأمين
السكن، وايجاد فرص العمل ،
والعيش." في عام 1895 تنبأ ثيودور هيرتزل في كتابه Judenstaat "دولة
اليهود" ، ب "ضرورة إبعاد
السكان المعدمين بحذر و احتراس
و تكتم" ، ولكن جهود خلفائه
عام 1948 لم تكن محترسة ولا متكتمة
أو حذرة، حتى في المرحلة الأولى التي
سبقت قيام "دولة اليهود" في
15 أيار1948. وهكذا جرِّدَ الشعبُ الفلسطيني من حقوقه
الأساسية، كالحق في حمل جنسية
بلاده و الحق في ممتلكاته. ولكن
أهم الحقوق التي حرم منها الشعب
الفلسطيني على الإطلاق ، هو
الحق في العودة إلى وطنه وحقه في
تقرير المصير. بيد أن الحق في
تقرير المصير ليس هو الحق
الوحيد الذي أضحى حقاً وضعياً
تكرسه المواثيق و المعاهدات
الدولية. فالحق في العودة إلى
الوطن قد أضحى بدوره حقاً
وضعياً راسخاً. إن الحق في
العودة إلى الوطن هو، من حيث
الأساس و الجوهر، جزء من حق
تقرير المصير، وقد كلفت هذا
الحق المواثيق الدولية. حق تقرير المصير كحق فردي : الحق في البقاء و الحق في العودة إن الحق الجماعي للشعب الفلسطيني في
تقرير المصير لا يلغي الحق
الفردي في ذلك الحق، أي لا بد أن
يمتلك الأفراد "حق
التعبير" لكي يتسنى لهم
ممارسة حقهم الجماعي في تقرير
المصير. و لهذا فإن حق مغادرة (أو
البقاء في ) البلد بدون
إكراه وممارسة الحريات المدنية
و السياسية شرط أساسي لا غنى عنهA Conditio sine qua non لممارسة
حق تقرير المصير. وضمن هذا
الإطار يمكن أن نفهم الصلة بين
خرق حق الفرد الفلسطيني وبين
الحق الجماعي للفلسطينيين في
تقرير المصير. إن الاقتلاع
القسري للأفراد من الأرض التي
يرتبطون بها ومنع عودتهم إليها
مخالف للقانون الدولي لحقوق
الإنسان لان ذلك هو الأسلوب
الوحيد ،بصورة جزئية، الذي يمكن
بواسطته تأمين الحق الجماعي في
تقرير المصير. وإذا كان حق تقرير المصير حقاً سياسياً
جماعياً فإن حق العودة هو حق
سياسي فردي، أي انه حق الفرد في
تقرير المصير. وقد أقرت الجمعية
العامة للأمم المتحدة العلاقة
القائمة بين حق العودة وحق
الفلسطينيين في تقرير المصير
وذلك في قرارها رقم 2535 الصادر في
تاريخ 10 كانون الأول 1969. إن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"
الذي أقرته الجمعية العامة
وأعلنته في العاشر من كانون
الأول 1948 هو أحد المصادر
القانونية لحق العودة . وتؤكد
المادة الثانية من الإعلان على
انه "يحق لكل إنسان أن يغادر
بلده أو أي بلد آخر [ويحق له] أن
يعود إلى بلده.." لقد أكدت الأمم المتحدة منذ عام 1948 ولغاية
يومنا هذا ، المرة تلو الأخرى ،
حق الفلسطينيين في العودة. وفي
عام 1948 اعترفت الجمعية العامة
في قرارها رقم 194 بذلك الحق
وطالبت إسرائيل بتنفيذ القرار.
من الجدير بالملاحظة أن إسرائيل
، في طلبها للانضمام إلى الأمم
المتحدة ، التزمت بتنفيذ ذلك
القرار وكان قبول عضويتها
مشروطاً بقبولها غير المشروط
بهذا القرار . وقد حرصت الجمعية
العامة على التأكيد على حق
الفلسطينيين في العودة إلى
وطنهم في كل دورة من دوراتها منذ
عام 1948 ولكن جميع هذه القرارات
ظلت دون تنفيذ . وبعد ؛ في تقرير لمراسلها في نيو يورك حول زيارة
بنيامين نتنياهو لواشنطن ,
وموقف اسرائيل من
المفاوضات ، ذكرت صحيفة
ٍ"الأوبزيرفر" البريطانية
أن المملكة العربية السعودية
تعمل على تعديل البند المتعلق
باللاجئين الفلسطينيين في
مبادرة السلام العربية، التي
أقرتها قمة بيروت في بيروت في
العام 2002. ويتركز التعديل حول
عودة اللاجئين إلى أراضي السلطة
الفلسطينية ، أو البقاء في
أماكن تواجدهم الحالية والحصول
على تعويضات، بعضها بتمويل
سعودي، وليس إلى قراهم ومدنهم
التي هجروا منها في حرب العام 1948
داخل إسرائيل. ويهدف التغيير في
هذا البند، الذي تم إبلاغ
إسرائيل بالسعي لتعديله، إلى
إزالة المعارضة للمبادرة. وذكرت
الصحيفة ان الملك عبدالله بن
عبدالعزيز، أمر بإجراء
التعديل، بعدما أوضحت إسرائيل
أنها لن ترد على مبادرة السلام،
حتى يتم شطب حق العودة للاجئين
الفلسطينيين. إنَّ هذه الخطط لا تنطلي على شعبنا الذي
يناضل منذ ستين عاما من أجل
إستعادة حقوقه الوطنية . ولكن ما
يُخيفنا ان يوافق محمود عباس
وحكومته العتيدة ، "باسم
الشعب الفلسطيني" ، علي
توقيع إتفاقيات تُفرط بالثوابت
الفلسطينية، فقد أدلى كل من
محمود عباس وسليم فياض بتصريحات
تؤكد انّ وراء الاكمة ما
وراءها، فتصريح عباس بانه "لا
توجد قوة في العالم بامكانها
الزام اسرائيل باعادة حتي لاجئ
واحد الي مناطق ال48" يثير
الشكوك، وتصريح فياض لهيئة
الاذاعة البريطانية بأنه "لا
يُمكن حل قضية اللاجئين الاّ
بموافقة اسرائيل" يُخيف.... انّ شعبنا الذي حنكته التجارب يعرف كيف
سيتصدي لكل من تسوول له نفسه
بالالتفاف علي حقوقه الوطنية
الثايتة، وليس حسب شريعة الغاب
التي تُحاول الولايات المتحدة
الأمريكية والعدو الصهيوني ،
بالتواطؤ مع "الزعماء"
العرب، فرضها على عشرة ملايين
فلسطيني. ــــــــــ *كاتب وأكاديمي فلسطيني
مقيم في السويد ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |