-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"الاعتدال"
الأميركي.. و"التطرّف"
الإسرائيلي صبحي
غندور* بدا
واضحاً، في اللقاء الذي جمع
إعلاميين مع الرئيس الأميركي
أوباما وضيفه رئيس الحكومة
الإسرائيلية نتنياهو، أنّ هناك
درجة عالية من الاختلاف في
المواقف بين واشنطن وتل أبيب
حول المسألتين الأساسيتين في
المحادثات بينهما: إيران والملف
الفلسطيني. لكن، هل سيتصاعد هذا
الاختلاف ليصل إلى حدّ خلاف
تستتبعه إجراءات سلبية من
واشنطن ضدّ حكومة نتنياهو؟! ربّما
يكون من الأفضل عدم التسرّع في
تأكيد حصول ذلك رغم أنّ حالة
مشابهة حدثت عام 1991 في عهد جورج
بوش الأب حينما خرج الخلاف مع
حكومة شامير للعلن وقرّرت
الإدارة الأميركية آنذاك تجميد
القروض المالية المقرّرة
لإسرائيل من أجل وقف المستوطنات
والموافقة على حضور مؤتمر مدريد
الذي رعاه الوزير الأميركي
السابق جيمس بيكر. وسبب
الدعوة إلى عدم التسرّع ليس
نتيجة ضعف في إدارة أوباما أو في
مقدار جدّيتها بل على العكس،
فإنّ الحكومة الإسرائيلية هي
التي ستسعى لعدم وصول الأمور مع
إدارة أوباما لحائط مسدود
وستتجنّب تصعيد الاختلاف إلى
حدّ الخلاف والتصادم. فالملفات
المختلَف عليها الآن بين واشنطن
وتل أبيب، هي ملفات جوهرية تمسّ
الأمن الأميركي مباشرة
والمصالح الأميركية والحروب
الأميركية الجارية الآن، ولا
يمكن تأجيل البحث في هذه
الملفات أو تكرار ما كان يحدث في
الإدارات الأميركية السابقة من
إهمال لملف الصراع العربي/الإسرائيلي
إلى السنة الأخيرة من حكم
الرئيس الأميركي. وما
تفعله إدارة أوباما في سياستها
الخارجية بالشرق الأوسط هو
تطبيق عملي لما نادت به توصيات
لجنة بيكر/هاملتون منذ أكثر من
سنتين، حيث كانت هذه التوصيات
تعبيراً عن قناعات لعدد كبير من
خبراء السياسة الخارجية
الأميركية المنتمين للحزبين
الديمقراطي والجمهوري معاً. أيضاً،
إدارة أوباما تتمتّع بتأييد
دولي واسع في حركتها من أجل
تحقيق تسوية شاملة في الصراع
العربي/الإسرائيلي وفي إقامة
دولة فلسطينية مستقلة، إضافةً
إلى تعبير أكثر من ثلثي
الأميركيين عن ارتياحهم لكيفية
تعامل إدارة أوباما الآن مع
مسائل السياسة الخارجية. إنّ
الاختلاف الحالي الحاصل بين
واشنطن وتل أبيب ليس في المواقف
من الملفين الإيراني
والفلسطيني فقط، بل هو اختلاف
في الرؤى وفي المنطلقات وفي
الغايات حول كل السياسة
المتعلّقة بالشرق الأوسط
وأزماته القديمة والحديثة. فبينما
جاءت غالبية الأميركيين بإدارة
جديدة تتّصف بالاعتدال وترفض
الاستمرار في نهج الحروب
العسكرية وتدعو خصوم أميركا
لحلّ الأزمات عن طريق التفاوض،
جاءت غالبية الإسرائيليين
بحكومة يمينية متطرّفة لا تقبل
بحلّ الدولتين ولا يعترف بعضها
بالاتفاقات السابقة مع
الفلسطينيين، وهي حكومة تريد
التصادم العسكري مع إيران
والاستمرار في الحروب على حركات
المقاومة بفلسطين ولبنان، ولا
تريد أصلاً الدخول في تسوية
شاملة أو في اعتماد المبادرة
العربية كخطّة للسلام. إذن،
غاية حكومة الإسرائيليين
الحالية ليست تحقيق سلام أو
تسوية أو الحدّ من الصراعات في
المنطقة، وليست طبعاً تسهيل ما
تريده إدارة أوباما من مفاوضات
مع إيران من أجل إعادة تطبيع
العلاقات الأميركية/الإيرانية،
وتوظيف إيجابي لدور إيران المهم
في أفغانستان والعراق والصراع
العربي/الإسرائيلي. لذلك،
ستماطل حكومة نتنياهو كثيراً
قبل أن تسلّم بالأمر الوقع
الأميركي الجديد المدعوم من
كافّة الأعضاء الدائمين في مجلس
الأمن ومن الرأي العام العالمي
بأسره. وسيحاول نتنياهو قبض
الثمن الباهظ عسكرياً ومالياً
لإسرائيل قبل إعلان قبوله بمبدأ
حل الدولتين، وسيجعل القبول
بهذا المبدأ مرتهناً بشروط
إسرائيلية عبّر عن قسم منها في
لقائه مع الرئيس أوباما، وسوف
تزداد لائحة الشروط كلما ازدادت
عليه الضغوط الأميركية. لكن
مشكلة حكومة نتنياهو هي أنّها
تتعامل الآن مع إدارة أميركية
تحمل رؤية واضحة لما تريد
تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط
ككل، ودور إسرائيل في هذه
الرؤية هو دور "المنفّذ" لا
"الشريك" كما كان الحال مع
الإدارة السابقة. فعلى إسرائيل
"تنفيذ" طلب أميركا بعدم
القيام بأي تصعيد عسكري ضدّ
إيران أو في المنطقة الآن. وعلى
إسرائيل "تنفيذ" القبول
بمبدأ حل الدولتين والمشاركة في
مؤتمر دولي سترعاه اللجنة
الرباعية، ويكون في موسكو على
الأرجح خلال هذا الصيف، ويستهدف
اطلاق المفاوضات لتحقيق تسوية
شاملة على كل الجبهات. فالطرف
المضطرّ للتراجع الآن هو
الحكومة الإسرائيلية وليس
الإدارة الأميركية، إذ أنّ
إدارة أوباما لا تقدر على
التراجع في هاتين المسألتين (إيران
والدولة الفلسطينية) موضع
الخلاف مع تل أبيب، بينما أمام
حكومة نتنياهو إمّا خيار
التجاوب مع "الرغبات
الأميركية" أو تحمّل ضغوطات
أميركية ودولية أشدّ وأقسى من
تلك التي حصلت في مطلع
التسعينات ودفعت إسرائيل إلى
المشاركة بمؤتمر مدريد
والتسليم بمبدأ "الأرض مقابل
السلام". الخيار الآخر أمام
نتنياهو هو الاستقالة ومجيء
حكومة أخرى تقبل بالمطالب
الأميركية أو الشروع في
انتخابات إسرائيلية جديدة. طبعاً،
حتى لو تجاوبت إسرائيل الآن مع
المطالب الأميركية، فإنّ ما قد
يحصل هو العودة إلى المماطلة في
تنفيذ التعهّدات والغرق في
التفاصيل بحيث يتمّ مع مرور
الزمن تعطيل الأهداف. ولقد
عرّفنا القرآن الكريم
في سورة البقرة على نمط من
هذا التراث الثقافي اليهودي حيث
يتمّ تعقيد الأمور التفصيلية
لمنع تحقيق الهدف، كما حصل مع
قوم النبيّ موسى عند سؤالهم
المتكرر عن أوصاف البقرة
المأمورين بذبحها.. لتأجيل
المطلوب منهم!! إنّ
التسوية الشاملة للصراع العربي/الإسرائيلي
أصبحت ناضجة الآن في ظلّ الرؤية
التي تحملها إدارة أوباما
ونتيجة الظروف المساعدة لها على
الأصعدة الدولية والعربية وحتى
على صعيد خصوم السياسة
الأميركية. فالأطراف العربية
بمختلف مواقفها ومواقعها جاهزة
الآن للدخول في تسوية شاملة إذا
قامت على أسس المبادرة العربية
وقرارات الأمم المتحدة، لكن
المشكلة هي في انعدام الموقف
الفلسطيني الواحد بسبب أيضاً
انعدام الموقف العربي الواحد.
فالانقسامات والصراعات العربية
هي أفضل دعم تحصل عليه حكومة
نتنياهو في الظرف الحالي، وما
يظهر أحياناً من مواقف عربية
تتحدّث عن أولوية "الخطر
الإيراني" يخدم كثيراً حكومة
نتنياهو إقليمياً ودولياً
ويطرح علامات استفهام كبيرة عن
غايات هذه المواقف في وقتٍ لا
تُدعَم فيه هذه الطروحات من
قِبَل الإدارة الأميركية نفسها!! ثمّ ما
الحكمة من تبنّي بعض الأطراف
للشروط الموضوعة على "حركة
حماس" من أجل قبول مشاركتها
في حكومة وفاق وطني فلسطيني،
بينما تتعامل هذه الأطراف وكل
القوى الدولية مع حكومة نتنياهو
رغم ما فيها من قوًى لا تريد حلّ
الدولتين ولا تعترف باتفاقيات
سابقة وتهدّد
بتهجير الفلسطينيين من
الأراضي المحتلّة في العام 1948؟! فالأجدر
بهذه الأطراف العربية أن لا
تكون أصلاً مادّة توظيف لدى "محور
الاعتدال" في واشنطن أو "محور
التطرّف" في تل أبيب!! ـــــــــــ *مدير
"مركز الحوار العربي" في
واشنطن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |