-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
السقوط
في الخطوة السياسية الأولى أ.د.
محمد اسحق الريفي ترى
جهات دبلوماسية غربية أن حركة
حماس لا تزال لم تقترب من العمل
السياسي، وأن عليها أن تخطو
الخطوة الأولى كي تصبح طرفاً في
عملية التسوية السياسية.
ويضغط المجتمع الدولي على
حماس بطريقة تعسفية للقيام بهذه
الخطوة، ويلح عليها بعض
المثقفين الفلسطينيين والعرب
أن تستجيب لهذه الدعوة الغربية،
فما حقيقة هذه الدعوة المشبوهة؟! العمل
السياسي للفصائل الفلسطينية من
خلال سلطة أوسلو مقيد بشروط
صهيونية وغربية، وهي شروط جائرة
تحقق المصالح الصهيونية وتخدم
المصالح الغربية ويتبناها ما
يسمى "المجتمع الدولي"
ويتولى مسؤولية فرضها على
الفصائل الفلسطينية الراغبة في
المشاركة السياسية.
وقد ازداد تشبث المجتمع
الدولي بتلك الشروط، ضاغطاً على
حركة حماس بعنف كي تلتزم بها،
بعد وصولها للحكم والسلطة
وتشكيلها الحكومة الفلسطينية
العاشرة في 2006. وأخطر
ما تتضمنه تلك الشروط الاعتراف
بما يسمى (إسرائيل)، الذي يعني
التنازل عن جزء كبير من الأراضي
الفلسطينية التي احتلها اليهود
والصهاينة في 1948، وهذا ما فعلته
منظمة التحرير الفلسطينية
عندما ولجت عالم السياسة
والتزمت بقواعد اللعبة
السياسية التي وضعها الصهاينة
والغربيون ضمن إطار عملية أوسلو.
ففي مقابل السماح لحركة فتح
المسيطرة على م.ت.ف. بالعمل
السياسي، كان على زعيمها الراحل
ياسر عرفات أن يعترف باسم م.ت.ف.
بما يسمى (إسرائيل)، واكتفت
الحكومة الصهيونية في ذلك الوقت
بالاعتراف بتمثيل م.ت.ف. للشعب
الفلسطيني، ولم يعترف الصهاينة
بالشعب الفلسطيني ولا بأي من
حقوقه. وتم
السماح بموجب ذلك للمنظمة
بالتفاوض مع الصهاينة والعمل
السياسي وفق المعايير
والمحددات الصهيونية والغربية،
واستمرت المفاوضات حتى بعد رحيل
عرفات وتولي محمود عباس رئاسة
حركة فتح ومنظمة التحرير
الفلسطينية. أدى ذلك
إلى تبني حركة فتح نهجاً
براغماتياً، التي حاولت
الاستفادة من توازنات القوى
الدولية، فبعد أن عولت دهراً
على الروس دون جدوى، رضخت فتح
للولايات المتحدة، زعيمة
المجتمع الدولي ورئيسة النظام
العالمي، وللاتحاد الأوروبي،
ولمحور الاعتدال العربي.
ووضعت فتح كل بيضها في سلة
الأمريكيين والأوروبيين،
وراهنت على الدعم الأمريكي
والغربي والعربي لمواصلة
احتكارها للقرار السياسي
الفلسطيني، وليس على تحقيق
الأهداف الوطنية الفلسطينية،
ولا مواجهة العدو الصهيوني.
فماذا جنت فتح سوى أنها
تحولت بفعل التيار المتصهين
المسيطر عليها إلى أداة لخدمة
المخططات الصهيونية؟! ولم يجن
الشعب الفلسطيني من وراء دخول
فتح إلى المعترك السياسي سوى
المعاناة القاسية والتضحيات
الجسيمة، إضافة إلى انخراط فئة
من مناضلي فتح وفصائل م.ت.ف. في
عملية حفظ أمن الكيان الصهيوني،
بالانضمام للأجهزة الأمنية
المتعاونة مع الاحتلال، إلى أن
أصبح الجنرال الأمريكي "كيث
دايتون" يتولى مسؤولية تدريب
كتائب تابعة لسلطة أوسلو وخلق
"فلسطيني جديد"، على حد
تعبيره، لتنفيذ الشق الأمني من
خريطة الطريق الأمريكية وتصفية
المقاومة، وذلك بعد اجتياز
المناضلين من هؤلاء "الفلسطينيين
الجدد" لفحص أمني صهيوني،
بحسب ما أشار إليه رئيس الموساد
السابق "افرايم هليفي" عند
حديثه عن دور الكيان الصهيوني
في دعم سلطة عباس وحكومة سلام
فياض. إذاً
هذه هي السياسية التي يضغط
المجتمع الدولي على حركة حماس
من أجل الاقتراب منها، والسياسة
بالمفهوم الغربي في هذا السياق
لا تعني رعاية المصالح
الفلسطينية أو الدفاع عن حقوق
الشعب الفلسطيني، ولكنها تعني
فقط الانخراط في التسوية
السياسية بالمحددات
والاشتراطات الصهيونية
والغربية، في مقابل الاعتراف
الغربي بالفصائل الفلسطينية
الملتزمة وإزالة أسمائها من
القائمة الأمريكية والغربية
للمنظمات الإرهابية، والسماح
لها بالمشاركة في سلطة أوسلو
والعمل السياسي تحت سقفها
والتفاوض مع الحكومة
الصهيونية، ليس لتحرير فلسطين
أو أي جزء منها، ولا لاستعادة
الحقوق الفلسطينية، وإنما فقط
لإدارة شئون الفلسطينيين
الواقعين تحت سلطة الاحتلال،
وذلك في كنتونات ضيقة محاطة
بالمستوطنات اليهودية وتخضع
للحواجز العسكرية الصهيونية
وتعزلها الجدر الصهيونية، ليظل
الفلسطينيون محاصرين من كل
الجهات وخاضعين اقتصادياً
وأمنياً وسياسياً وعسكرياً
للكيان الصهيوني. إذاً
الخطوة الأولى في الطريق إلى
العمل السياسي تتضمن السقوط
السياسي الكامل، الذي حول حركة
فتح إلى حركة استنزاف للشعب
الفلسطيني وقواه السياسية
والجهادية، وهذه هي حقيقة
الدعوة التي يرددها بعض
المثقفين الفلسطينيين والعرب
بطريقة تنم عن جهل متعمد بطبيعة
الصراع العربي–الصهيوني
وحقيقة المشروع الصهيوني، فقط
لإرضاء مجموعة معروفة من
الدبلوماسيين الغربيين، الذين
يترددون باستمرار على غزة،
محاولين تغيير وجهة نظر بعض
الإعلاميين الإسلاميين.
والغريب أن هؤلاء المثقفين
يقارنون الحالة الفلسطينية
بالصراع المسيحي الطائفي في
أيرلندا الشمالية وبمشكلة
الفصل العنصري "الأبرتهايد"
في جنوب أفريقيا، متعمدين نزع
الصراع العربي–الصهيوني من
سياقه الديني والتاريخي
والحضاري. ولذلك
فإن دعوة الفصائل الفلسطينية
إلى الاقتراب من العمل السياسي
– المقبول أمريكياً وغربياً
وصهيونياً – هي دعوة للسقوط
وإضاعة الحقوق، ولا قيمة
للتوازنات الدولية في ظل
التواطؤ الرسمي العربي ضد
المقاومة الفلسطينية، ولا قيمة
لعمل سياسي يشترط فيه التخلي عن
حق شعبنا في مقاومة الاحتلال
والعدوان الصهيوني.
التسوية السياسية لا تعيد
الحقوق إلى أصحابها العرب،
فبينما أجبرت المقاومة
الفلسطينية العدو الصهيوني على
الرحيل صاغراً من غزة دون أي
شروط، وكذلك الحال بالنسبة
للمقاومة الإسلامية في جنوب
لبنان، لم تتمكن مصر من استعادة
سيناء عبر السياسة، فقد تم
تحييد مصر عن الصراع العربي–الصهيوني،
بل فرض العدو الصهيوني على مصر
حماية أمنه ومحاصرة غزة ومنع
إدخال الأموال والأسلحة إليها،
وبقيت مصر فاقدة لسيادتها
الفعلية على سيناء، واستمرت
خيراتها في التدفق بثمن بخس على
الكيان الصهيوني. السياسة
سلاح قوي بيد الأقوياء فقط، وهي
وبال على الضعفاء، والثبات ورفض
الاستسلام سياسة ناجعة.
والعرب الرسميون فاشلون
سياسياً، ليس لأنهم ضعفاء فحسب،
بل لأن الأنظمة المعتدلة عميلة
للأمريكيين ومتواطئة مع العدو
الصهيوني ضد المقاومة، والشعب
العربي مشلول سياسياً، مع الأسف
الشديد. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |