-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
وقفة
مع "خطاب بار إيلان" وما
بعده عريب
الرنتاوي أسهبت
بعض صحف تل أبيب العبرية في
تصوير آلام المخاض العسير الذي
مر به رئيس الوزراء بينيامين
نتنياهو قبل أن ينطق بالجملة
السحرية: "دولة فلسطينية
منزوعة السلاح"، حتى أن بعض
المقالات ذهبت في قراءة "لغة
الجسد"، جسد نتنياهو بالطبع،
أكثر مما ذهبت في قراءة الخطاب،
وفي ظني أن الأمر مقصود تماما،
ويأتي في سياق "استراتيجية
إعلامية" مدروسة، هدفها
التركيز على ما تسميه إسرائيل
بـ"التنازلات المؤلمة"
وصرف النظر عن "الشروط
المسبقة والثقيلة" التي أحاط
بها نتنياهو قبوله "المفخخ"
و"الملغوم" بالدولة
العتيدة، والتي تكاد تجعل منها
شيئا مشابها للسلطة القائمة
حاليا في رام الله، لا أكثر ولا
أقل. لم
ينشغل نتنياهو وهو يختار كلمات
خطاب بدقة عالية بسؤال: ما الذي
ستكون عليه ردة الفعل
الفلسطينية والعربية؟، فهذا
الأطراف التي ناشدها وخاطب
زعمائها، تحتل آخر قائمة من
اهتم نتنياهو بإرضائهم، الرجل
حرص أشد الحرص على "إطراب"
الرئيس الأمريكي باراك أوباما،
وقد أعطاه جملة من أربع كلمات:
"دولة فلسطينية منزوعة
السلاح"، وهو حرص أشد الحرص
على الاحتفاظ على وحدة حزبه
وسلامة ائتلافه الحاكم، ولهذا
السبب كرّس جلّ خطابه لتفريغ
قبوله بالدولة من أي مضمون،
وإثقاله بوابل من الشروط
التعجيزية المسبقة. نتنياهو
اليوم، يجد نفسه في ذات الوضعية
التي مر بها إسحق شامير بالأمس،
عشية مؤتمر مدريد وغداة الضغوط
الأمريكية القاسية التي مارسها
عليها الثنائي بوش الأب – بيكر،
ونتنياهو قرر على ما يبدو
الاهتداء والاقتداء بما فعله
سلفه وزعيم حزبه الأسبق: عدم
البقاء خارج اللعبة، والعمل على
إسقاطها من داخلها...الأول تعهد
بمفاوضات ماراثونية من العرب
تستمر لعشر سنوات، وهي استمرت
لعشرين سنة في واقع الحال،
والثاني سيدخلنا في جدل بيزنطي
حول "الدولة العتيدة"
لسنوات – وربما عقود – قادمة،
تكون إسرائيل خلالها قد فرضت ما
تريد فرضه من حقائق على الأرض،
تاركة للفلسطينيين "حق"
إقامة دولتهم في مناطق تواجدهم،
وفقا للتعبير الذي استخدمه
نتنياهو في خطاب بار إيلان، حيث
استبدل خط الرابع من حزيران 1967
بخطوط الكثافة الديموغرافية
الفلسطينية وهي في الغالب لا
تتعدى مناطق (أ و ب) وفقا
لتقسيمات أوسلو الشهيرة. خطاب
بار إيلان ليس خطوة في الاتجاه
الصحيح كما تصفه بعض العواصم
الغربية عن نفاق ورياء ومعايير
مزدوجة، خطاب نتنياهو باشتراطه
الاعتراف الفلسطيني بيهودية
الدولة والقدس ورفض حل مشكلة
اللاجئين، وإصراره عن نزع الدسم
والسيادة عن الدولة العتيدة،
واستمساكه بالتوسع الاستيطاني،
هو "إعلان حرب" وليس "بيانا
من أجل السلام"، وقد رفضه
الفلسطينيون كافة، بمن فيهم
أكثرهم تهافتا وهرولة، تساوقا
واتساقا. قد يقول
قائل بأن البيت الأبيض، ومعه
بعض العواصم الغربية، رأت في
"جهر" نتنياهو بعبارة
الدولة خطوة في الاتجاه الصحيح،
من دون أن يعني ذلك قبولها ببقية
الشروط التعجيزية والمسبقة
المرفقة بها، وهذا أمر قد يكون
صحيحا، وقد يقال أيضا بأن ترحيب
البيت الأبيض بالخطاب، إنما
يستهدف استدراج الرجل لمزيد من
المواقف التي تقربه من الإجماع
الدولي حول "رؤية الدولتين"
وهذا صحيح أيضا، بيد أن الصحيح
كذلك، والذي يتعين على الولايات
المتحدة وأوروبا أن تتنبها له،
هو أنه لا ينبغي إعطاء نتنياهو
الوقت الذي يريد من إجل التخلي
عن اشتراطاته البائسة، فمعركة
الرجل الرئيسية هي معركة كسب
الوقت، ومعيار الفشل والنجاح في
المواجهة يقاس بهذا العامل
تحديدا، إلى جانب جملة من
العوامل التي تتصل بمضمون
الدولة وماهيتها. في سياق
كهذا، فإن المطلوب من
الفلسطينيين أولا، أن يتصرفوا
على قاعدة أن المسافة بينهم
وبين حقوقهم غير القابلة للتصرف
ما زالت طويلة وبعيدة، وأن من
الإفضل لهم ولقضيتهم الوطنية،
أن يكفوا عن الصراع على سلطة لا
سلطة لها، وأن يتوحدوا في
الميدان لمواجهة خطر اليمين
الزاحف، وأن يتخلوا عن إملاءات
ما يسمى "المجتمع الدولي
واشتراطاته"، إذ ليس من
المعقول أن يكون موقف الحكومة
الإسرائيلية من الدولة
الفلسطينية ورؤية الدولتين
والاتفاقيات السابقة، بكل هذا
الصلف والوقاحة، وأن يطلب من
الفلسطينيين، ومنهم وحدهم فقط،
اعترافا "كريستاليا"
بالدولة العبرية والاتفاقات
المبرمة معها. يجب أن
تعطى الأولوية لاستعادة الوحدة
الوطنية، وليس لاسترضاء أحد،
أيا كان هذا الأحد، فلا يعقل أن
يقامر الشعب الفلسطيني بوحدته
الوطنية في حمأة مطاردة "سيزيفية"
لشبح حلول لا تأتي وتسويات لا
يراد لها أن تكتمل، ولقد كان
نتنياهو فجا وبشعا في تحريضه
الفلسطينيين على قتال بعضهم
البعض، فاليذهب الرجل ودعواته
ومبادراتها و"يده الممدودة"
إلى الجحيم، فنحن نعرف
والإسرائيليون يعرفون، بأنه
لزج ومراوغ وكاذب. أما
العرب، فالتكن ضالتهم باراك
أوباما والمجتمع الدولي، وليس
بينيامين نتنياهو، فهذا الذي
فتحنا له أبواب مدننا وعواصمنا
برهن من جديد بأنه لا يستحق ذلك،
وليكن البيت الأبيض هو العنوان
للحركة المقبلة، ولنستنفر
طاقتنا في تحذير واشنطن من "الشراك
والأفخاخ" التي يعدها
نتنياهو وفريقه بإحكام، وبهدف
إعادة انتاج تجربة شامير وشراء
الوقت الذي يريد، ولنخرج من
كوابيس وأوهام "الأخطار
الافتراضية" و"المحاور
الاصطناعية" فالتهديد للأمن
القومي العربي معروفة مصادره
وأشكاله، ومن المعيب أن نبقى
نتلهى بمعارك ومخاوف، ستظل
جانبية وضئيلة متضائلة، أمام
جسامة التهديد الكامن في زحف
اليمين الإسرائيلي. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |