-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العلاقات
الإيرانية – الأمريكية
اللاتينية .. مشروع
استراتيجي موازن للهيمنة
الأمريكية عياد
البطنيجي* تعمل
إيران على تعزيز علاقاتها
التجارية والعسكرية وتوطيد
التعاون المشترك على أصعدة
متعددة مع عدد من الدول
اللاتينية في طليعتها فنزويلا
وبوليفيا ونيكاراجوا
والإكوادور. حيث إن تطوير
وتفعيل التعاون الإيراني مع هذه
الدول أمست من أولويات السياسة
الخارجية الإيرانية، بغية
تشكيل تحالف سياسي مضاد للهيمنة
الأمريكية.
هذا التحالف، الذي يقع ضمن
المجال الحيوي للولايات
المتحدة الأمريكية، يضم إيران
وعددا من دول أمريكا اللاتينية،
وبخاصة مع قيادات اليسار الجديد
المناهض للعولمة، وسياسات
الليبرالية الجديدة،
والرأسمالية المتوحشة. يثير
التقارب الإيراني مع المنظومة
اللاتينية استياء ومخاوف أركان
الإدارة الأمريكية
والإسرائيلية. فحصول إيران على
الدعم الدبلوماسي من هذه
الزعامات السياسية اليسارية
التي وصلت إلى سدة الحكم في
أمريكا اللاتينية، خلال
السنوات القليلة الماضية،
يشكل رافعةً سياسيةً
ودبلوماسيةً لطهران فيما يخص
المسألة النووية. زد على ذلك، إن
هذا التقارب يعتبر كسرا لمساعي
العزلة الدولية التي ترمى
الولايات المتحدة والدول
الغربية من ورائها إلى إجبار
إيران على وقف تخصيب
اليورانيوم. وهو من المنظور
الأمريكي يشكل تحديا سافرا
لسياستها هذه. والحقيقة
ليس التقارب الإيراني مع الدول
اللاتينية هو فقط ما يثير
المخاوف الأمريكية
والإسرائيلية، بل يمكن القول إن
حركية ونشاط السياسية الخارجية
الإيرانية في هذه الغضون يؤرق
واشنطن وتل أبيب معا، فكلاهما
يعملان على مراقبة ورصد سياسة
إيران الخارجية ودبلوماسيتها
بشكل كبير جدا، وكلاهما يرصدان
ميزانيات ضخمة لهذا العمل. هذا
التطور الجديد في العلاقات بين
إيران ومنظومة الدول
اللاتينية، جعل الولايات
المتحدة وإسرائيل تدقان ناقوس
الخطر، ولا تترددان في التحذير
العلني مما يعتبره الجانبان
"الغزو الإيراني لأمريكا
اللاتينية". ومن
المقرر أن يزور ليبرمان أميركا
اللاتينية وأفريقيا أيضا في
إطار «حملته الدبلوماسية
للتصدي لتنامي نفوذ إيران».
ويعتزم نائب
وزير الخارجية داني ايالون
بالتوجه إلى واشنطن لإجراء
محادثات في البيت الأبيض ووزارة
الخارجية بغرض محاربة النفوذ
الإيراني الذي يزداد باضطراد.
وحتى وزير الخارجية
الإسرائيلية الجديد، أفيغدور
ليبرمان، "فقد دق ناقوس الخطر
في وزارة الخارجية حينما طلب من
موظفي الوزارة التركيز أكثر على
تعميق وتوطيد الصلات والعلاقات
المثمرة مع أفريقيا وأمريكا
اللاتينية بسبب تحولهما إلى
مناطق صديقة لإيران". لذا،
يعكف مكتبه حاليا على إعداد خطة
شاملة من خلال تجميع ملفات
كاملة عن عدد من الدول التي سوف
تشملها جولات ليبرمان القادمة،
لإمكانية إقناعها بما تقوم به
إسرائيل ضد طهران، ومن ثم
الحصول على تأييدها بطرق
مختلفة، تبدأ من إبرام صفقات
سياسية إلى عرض مساعدات
إسرائيلية في مجالات مختلفة،
بحسب ظروف كل دولة، والهدف
الوحيد من ذلك هو الحصول على
موقف داعم للسياسة الإسرائيلية
ضد البرنامج النووي الإيراني،
والذي تراه إسرائيل موجها ضدها
في المقام الأول.
ويبدو أن التحفظات والمخاوف
الأمريكية مفهومة بحكم ضغوط
الجغرافيا السياسية، لاسيما
وأن التمدد الإيراني يقع في
الحديقة الخلفية والمجال
الحيوي التاريخي للولايات
المتحدة الأمريكية، وفي
خاصرتها التي تكنّ لها مشاعر
الغضب والكره والإحباط الذي
يسود دول أمريكيا اللاتينية
جراء سياسات واشنطن إزاء هذه
البلدان التي ما فتئت واشنطن
تتعامل معها باستغلال وعنصرية
واستعلائية.
إن عامل الجغرافيا السياسية
الذي يثير مخاوف واشنطن هو نفسه
يثير مخاوف تل أبيب. فالمسافة
بين إسرائيل وإيران 1200 كم2
تقريبا، والهواجس التي تؤرق
العقل الاستراتيجي الإسرائيلي
تتجسد فيما كشفته وثيقة رسمية
إسرائيلية نشرت في 27مايو / أيار
2009، إذ يشتبه بأن فنزويلا
وبوليفيا زودتا إيران
باليورانيوم، ومن هنا تأتي ضغوط
وكثافة عامل الجغرافيا
السياسية. ولكن
هل هذا هو العامل الوحيد
والمحدد للسياسة الإيرانية
تجاه بلدان أمريكيا اللاتينية،
أي الحصول على اليورانيوم، أم
هناك عوامل أخرى ؟ وهل المخاوف
الإسرائيلية محصورة فقط
بالجانب النووي، أم أن للمسألة
جونب أخرى؟ يمكن
القول إن السياسة الخارجية
الإيرانية تتشكل بعدة محددات،
تلعب دورا في تشكيلها واتخاذها
هذا المنحى وذاك الشكل. فثمة
محددات تنبع من البيئة
الإقليمية، وأخرى تنبع من
البيئة الدولية، وثمة محددات
تنبع من الايدولوجيا،
والقيادة، والمصلحة القومية
التي تؤثر في عملية صنع السياسة
الخارجية. وهنا نطرح التساؤل
التالي نحاول الإجابة عليه في
غضون هذا المقال، وهو: ما هي
المحددات الرئيسية في توجيه
السياسة الإيرانية تجاه منظومة
الدول اللاتينية؟ لعبة
القط والفأر لا شك
أن إيران لم تَعُد دولة عادية
كباقي دول العالم، لكنها أمست
قوة إقليمية لا يستهان بها،
وأمست دولة مثيرة للجدل
بسياساتها الخارجية وكثافة هذه
الأخيرة، وبخاصة أن طهران لم
تَعُد تكتفي بمحيطها الإقليمي،
بل صارت تسعى لتوطيد علاقاتها
مع كل دول العالم، وفي شتى أرجاء
الأرض. وفي ضوء
هذه الرؤية،
استطاعت إيران أن تنشئ
منظومة علاقات دولية في عدة دول
مهمة ومحورية في نظام السياسية
الخارجية لواشنطن وتل أبيب:
فثمة تنافس بين هذه الأطراف
الثلاث (إيران، أمريكا
وإسرائيل) في
جمهوريات آسيا الوسطى
والقوقاز، حيث تظهر طهران
كمنافس على
خط النفوذ الأمريكي
والإسرائيلي في هذه الجمهوريات
الغنية والقابعة على ثروات
هائلة. فكل من واشنطن وتل أبيب
تعملان على الحيلولة دون سقوط
هذه الجمهوريات الناشئة على
أنقاض الاتحاد السوفيتي السابق
في يد طهران، ومنع تمدد
النفوذ الإيراني هناك. وبالتالي
فمقابل الحضور الأمريكي القوي،
نجد أيضا حضورا إيرانيا منافسا
وقويا يتحدى نفوذ كلا من واشنطن
وتل أبيب. فالتنسيق
العسكري والاستخباراتي
الأميركي - الإسرائيلي يبدو
جلياً في بعض بلدان آسيا الوسطى
ضمن النشاط المضاد ليس فقط
لإيران بل أيضا لروسيا
والصين. فإسرائيل مثلا تتمتع
بعلاقات متينة ووثيقة
بأذريبجان وأوربكستان، وجورجيا
وتركمنستان، كمنافس لإيران في
هذه الدول ودول أخرى تقع ضمن
أسيا الوسطي، لأهداف
إستراتيجية بالطبع. وثمة
تنافس آخر في
أفريقا، فإيران
تقوم بتحركات واسعة في
القارة الأفريقية بما في ذلك
دول حوض النيل، وذلك علي
المستوي الثقافي والاقتصادي
والسياسي، وهي تسعي لإقامة بعض
التكتلات مثل التكتل الأفريقي
الآسيوي، كما أن هناك تحركاتٍ
إيرانيةً للعب دور محوري في
أفريقيا من خلال بعض الدول مثل
زيمبابوي. وكذلك
الحال مع إسرائيل، إذ تشكل
أفريقيا مجالاً حيوياً لها من
الناحية الإستراتيجية،
فالدراسات تشير إلى أن هناك
أهدافا قديمة للإسرائيليين في
أفريقيا وتركز معظمها في إيجاد
بيئة محيطة ببيئة الوجود
لإسرائيل تضمن هذا الوجود
وتدعمه، هذا التواجد
الإسرائيلي قد يكون معيناً لا
ينضب لما للقارة الأفريقية من
مزايا إستراتيجية وثروات
طبيعية. لذا، فإسرائيل تتابع
بكل قلق تزايد النفوذ الإيراني
على مقربة منها ومن الطرق
البحرية المؤدية إلى ميناء
إيلات، وتحديدا في الدول
المشاطئة للبحر الأحمر. وتحاول
إيران وإسرائيل
أن تفرضا هيمنة سياسية
واستخباراتية على أفريقيا،
وبخاصة الساحل
الشرقي لأفريقيا المطل على
البحر الأحمر عبر بوابة
اريتريا. وقس على ذلك في كلٍ من
العراق وأفغانستان وغيرها من
الدول التي تشهد منافسة
إسرائيلية-أمريكية مع إيران. يبدو من
هذا العرض أن ثمة قاعدةً تجرى
عليها الأطراف الثلاثة، وهي:
فأينما وجدت مواطئ الأقدام
الإسرائيلية والأمريكية، لابد
أن يكون ثمة مواطئ للأقدام
الإيرانية. العكس أيضا صحيح، أي
أينما وجدت إيران يجب أن توجد
إسرائيل وأمريكا. ومن هنا توضح
لنا هذه القاعدة دوافع السياسية
الخارجية الإيرانية تجاه
المنظومة اللاتينية: تحدي
الهيمنة الأمريكية
والإسرائيلية، بغية خلق نقاط
للتنافس مع كليهما(أمريكا
وإسرائيل) يمكن استغلالها إما
في اتجاه الحرب أو اتجاه
التسوية. نحن إذن
أمام لعبة قط وفأر. ومن هنا، ليس
غريبا أن تنتقل المنافسة بين
هذه الأطراف في إطار منظومة دول
أمريكا اللاتينية. فما يحدد
علاقة طهران بهذه الدول هو
علاقة هذه الأخيرة بما تسميه
طهران بقوى الاستكبار العالمي
وأعداء الجمهورية الإسلامية،
ومواقف الدول من جمهورية إيران
الإسلامية، وهذا أصل من أصول
السياسة الخارجية لإيران. وإيران
تستغل بشكل كبير مشاعر الغضب
والإحباط السائدة في أوساط
الشعوب اللاتينية من جراء
السياسات الأمريكية إزاء هذه
البلدان، والاستغلال الاقتصادي
والسياسي الذي وقع عليها
تاريخيا بفعل الإدارات
الأمريكية المتعاقبة، فضلا عن
الاختراق المخابراتي والانقلاب
على الأنظمة المناهضة لواشنطن،
كل ذلك كان سببا في بروز ظاهرة
اليسار الجديد الناقم على
واشنطن وسياساتها، مما أدى إلى
ظهور صداقات وتحالفات بين هذه
الدول وإيران. ولعلها ليست
مصادفة أن التقارب هذا يرجع إلى
تشابه نفس المعاناة ونفس الظروف
التي تكبدتها إيران بفعل سياسات
واشنطن وغيرها من الدول
الأجنبية، فظروف الاستغلال،
والاستعلاء، والتدخل، والحصار،
وإتباع استراتيجي فرض العزلة
على دول أمريكا اللاتينية هي
نفس الظروف التي تعرضت لها
طهران من قِبل الدولة نفسها:
أمريكا. لا شك
أن طهران في سعيها لتنمية
علاقاتها بالدول
اللاتينية لا تبدأ من فراغ،
فهناك تعاون بالفعل في العديد
من المجالات السياسية
والاقتصادية والفنية والعلمية
والثقافية والاقتصادية، وهو
تعاون له تاريخ، إلا أنه أخذ
زخما في الأونة الأخيرة، وبخاصة
بعد بروز اليسار الجديد، وأزمة
الملف النووي الإيراني، وحرب
أفغانستان والعراق. إذن
هناك رغبة من قِبل إيران مع
الدول في التعاون وتوطيد
علاقتهما، وهي
واضحة في الاستفادة من
الخبرة الإيرانية في قطاع
التكنولوجيا، والنفط، ومجال
صيانة معامل تكرير النفط،
بالإضافة إلى الخبرة الإيرانية
في مجال الاستكشافات
البترولية، واستغلال الإمكانات
البتروكيماوية والغاز، وأيضًا
الاستفادة من قدرة إيران
المتطورة في مجال الدفاع
والاستخدامات العسكرية. دوافع
السياسة الخارجية الإيرانية
تجاه دول أمريكا اللاتينية التوجه
الإيراني نحو دول أمريكا
اللاتينية يأتي في سياق التحول
في أهداف السياسة الخارجية
الإيرانية، من مجرد محاولة
مواجهة الظروف المحلية الطارئة
وتلبية الاحتياجات في ظل معطيات
الوضع القائم، إلى محاولة
التعرف على المناخ الدولي
المحيط وتهيئته بما يحقق أكبر
قدر ممكن من المصالح الإيرانية،
أي الانتقال من التسليم بالواقع
إلى تغييره بما يخدم المصالح
الإيرانية. وما شجع إيران على
ذلك هو مأزق الإمبراطورية
الأمريكية، وما رتبت له سياسات
إدارة بوش إلى حد كبير من تحول
إيران إلى لاعب أساسي، فضلا عن
الحنكة والذكاء الذي تتمتع به
القيادة الإيرانية التي
استفادت بالفعل من الوضع القائم
وبخاصة أخطاء واشنطن. وبالرغم
من أن هذا
الهدف يتجاوز القدرات
والإمكانيات الإيرانية، إلا أن
إيران لا تكل ولا تمل من محاولة
استغلال الثغرات في النسق
الدولي لخدمة إستراتيجيتها
الشاملة، وإن عجزت عن تغييره
فيكفيها الحفاظ على الذات،
وبخاصة في
حالة الضعف بغية عدم تضييع
انجازات الثورة، أي الانتقال من
إستراتيجية الهجوم في حالة
القوة إلى إستراتيجية الدفاع في
حالة الضعف، وهكذا دواليك. إن أبرز
سمة من سمات الموقف الإيراني من
النسق الدولي بعد انهيار
الاتحاد السوفيتي، هي رفض
الاعتراف بالتحول المثير في
النسق الدولي لصالح أمريكا.
فطهران ترى
أن النسق الدولي القائم على
مبدأ الأحادية القطبية الذي
يعكس التفرد وغطرسة القوة التي
تنتهجها واشنطن يلحق بها
أضرارًا بالغة ويهدد مصالحها
القومية، ومن هنا ما فتئت طهران
تسعى إلى بلورة
اتجاه يكرس التعددية
القطبية، ومن ثَم فإنها ترفض
الاعتراف بتفوق الولايات
المتحدة الأمريكية عالميا
وترفض تكييف سياستها على هذا
الأساس. وفي
ضوء ذلك، ترفض إيران النسق
الدولي القائم المهيمن عليه
أمريكيا، لذا فرضت هذه الأخيرة
حصارا اقتصاديا وسياسيا على
إيران، هذا فضلا عن الطوق
الأمريكي الملتف كالثعبان حول
إيران. ومن هنا، ما فتئت إيران
تبحث عن كل منطقة وكل ثغرة تسمح
لها بأن تواجه الحصار الغربي
والأمريكي بخاصة. ومن هنا أيضا
سعت إيران مع أطراف دولية
رئيسية ولاسيما الصين وروسيا
ودول أمريكا اللاتينية بغية
تخفيف الآثار السلبية للنفوذ
الأمريكي على أمنها واقتصادها،
أملا في أن تحول دون تعزيز قيام
نسق دولي أحادي القطبية يقوم
على التفوق العسكري والسياسي
للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ضوء هذه الرؤية، دعا علي
أكبر هاشمي رفسنجاني الصين
والهند بالعمل سويا إذ قال لهما:
" إذا عملنا معا فسيكون لنا
القول الفصل في القضايا
الدولية". واضح من
هذا السياق أن متغير البيئة
الدولية، أي ما يشكله التحدي
الأمريكي لإيران، أحد
المتغيرات الرئيسية في توجيه
سياسة إيران الخارجية. وما
محاولة إيران في منافسة واشنطن
على النفوذ في أمريكا اللاتينية
إلا ويأتي ضمن هذا الإطار من
المناكفة والتحدي لسياسة
واشنطن ورفض الاعتراف
بانفرادها على النسق الدولي. وهكذا،
أمسى الصراع الأمريكي-
الإيراني على مناطق النفوذ
اللاتينية لعبة صفرية، أي أن أي
مكاسب إيرانية أو حتى روسية أو
صينية في هذه المنطقة القريبة
من البوابات الجنوبية لأمريكا،
يعد بمثابة خسارة فادحة
لأمريكا. وكلا الطرفين(إيران،
ودول أمريكا اللاتينية) أيضًا
يعانيان من تربص الدول الكبرى
بهما وبثرواتهما، ويسعيان من
أجل اللحاق بالعالم الأول
والتغلب على المشكلات التي تعوق
التنمية الاقتصادية
والاجتماعية.
وهذا ما دفع الطرفان على
التعاون، وقد علت أصوات بالفعل
من قِبل كلا الطرفين تطالب
بــالتقارب مع بعضهما على
اعتبار أن التعاون المتبادل
سيسمح للطرفين بتشكيل جبهة في
وجه العدو المشترك: أمريكا. أهداف
أخرى من
المنظور الإيراني، نجد
بالإضافة للبحث عن قوى موازنة
جديدة، ثمة
أهداف أخرى تتمثل في التالي: 1. أهداف
سياسية: تسعى إيران لنهج
إستراتيجية توسيع دائرة الدول
الصديقة، وتضييق دائرة الدول
الأعداء. وبالتالي تتمثل
الدوافع السياسية في رغبتها
في كسب تأييد دول أمريكا
اللاتينية للمواقف الإيرانية
في المحافل الدولية، وبخاصة
أحقيتها في امتلاك تكنولوجيا
نووية سلمية. وتجدر الإشارة في
هذا السياق، أن كوبا وفنزويلا
كانتا من طليعة الدول التي صوتت
بالرفض على قرار مجلس الوكالة
الدولية للطاقة الذرية الذي كان
يهدف إلى تحويل الملف النووي
الإيراني إلى مجلس الأمن
الدولي، مؤخراً. وهذا ما
يعطي إيران مساندة وسط
المعركة التي تختمر داخل
الوكالة بشأن مصير مشروعاتها
النووية . أضف إلى
ذلك، رغبة طهران في القيام بدور
يتجاوز الإطار القومي، بل حتى
الإقليمي للبحث عن دور دولي
للعب دور ليس إقليميا بل دوليا
مستقبليا، الأمر الذي يساعدها
على امتلاك العديد من الأدوات
التي تمكنها من المساومة في
مواجهة الضغوط الدولية
المتزايدة والملحّة عبر بناء
عدة محاور وتكتلات مناوئة
لواشنطن وترفض انفرادها
وهيمنتها على النسق الدولي،
بغية إعادة تشكيل توازنات القوى
بما يساعد على بزوغ نسق
دولي جديد متعدد الأقطاب
تكون فيه إيران قطبا يحسب له
الحساب. فضلا عن ذلك، إن إيران
تسعى من وراء توطيد علاقاتها مع
منظومة الدول اللاتينية إلى
استبدال علاقات بعض هذه الدول
مع إسرائيل وواشنطن وربط
سياساتها بطهران، وهو ما يعد
استفزازا وتحديا لإسرائيل
والولايات المتحدة الأمريكية. 2. أهداف
اقتصادية: لطهران أهداف
اقتصادية من وراء تعاونها مع
منظومة الدول اللاتينية، ومن
بينها ، الحفاظ على علاقاتها
بدول لاتينية فاعلة في منظمة
الدول المنتجة للنفط ( أوبك) كـ
فنزويلا التي تكاد تكون مواقفها
متطابقة ومواقف طهران في كثيرٍ
من الأمورِ، كل ذلك بغية التحكم
في أسعار النفط
وتوزيع الحصص ورفع الإنتاج
أو تخفيضه. زد على ذلك هدف تفعيل
منظمة أوبك لتعبّر قراراتها عن
الدول المنتجة وليس المستهلكة
للنفط، حتى تمسي سياسة هذه
الدول متطابقة وسياسة طهران.
بالإضافة إلى رغبة طهران في
الوقت ذاته في الانفتاح
الاقتصادي وجذب الاستثمارات
اللاتينية إليها، وتعزيز
التبادل التجاري والاتفاق على
التنسيق في استكشاف الموارد
الاقتصادية، فضلا عن ذلك، فإن
دول أمريكا اللاتينية تعتبر
سوقا مواتية لتسويق المنتجات
الإيرانية. عراقيل
وتحديات ليس
معنى ذلك إن الطريق ممهد بشكل
كامل أمام نمو العلاقات
الإيرانية مع منظومة دول أمريكا
اللاتينية، والتوجه الإيراني
نحو تشكيل
تحالف وتكتل مع هذه المنظومة
بغية إحداث صدع في النسق الدولي
القائم لصالح إيران. فثمة
العديد من العراقيل والتحديات
التي تواجه الهدف الإيراني هذا،
وبخاصة في ظل الأوضاع
الدولية القائمة. فبالرغم
من المساعي
الإيرانية للتغلغل وتفعيل
تواجدها في العديد من مناطق
العالم ليس أمرًا جديدًا، إلا
أنه بات أكثر حساسية ليس فقط
بالنسبة لأعداء إيران
التقليديين(إسرائيل وأمريكا)،
ولكن أيضًا بالنسبة إلى العديد
من القوى الدولية والإقليمية
التي أمست تخشى على مصالحها من
جراء تمدد النفوذ الإيراني، مثل
الصين والهند والعديد من الدول
العربية والأوربية، وهذه الدول
باتت تتوجس من جراء النشاط
المتزايد للسياسة الخارجة
الإيرانية، وهذا يعني أن هذه
الدول لن تترك الساحة الدولية
لإيران فارغة لكي تصول وتجول
بها، لأن لهذه الدول مصالحها
السياسية والاقتصادية
وارتباطاتها الدولية. وبالتالي
لا يمكن لواشنطن أن تقبل
بالنشاط المتزايد لإيران ضمن
مجالها الحيوي، وهي بالتأكيد
سوف تحول دون ذلك، من خلال
أساليبها المتعددة، فلواشنطن
خبرة كبيرة في التعامل مع هذه
البلدان القابعة جنوبها وضمن
مجالها الحيوي، وهو ما يعني أن
مسرح التنافس سوف يتزايد على
هذه المنطقة: أمريكيا
اللاتينية. هذا من ناحية، ومن
ناحيةٍ أخرى، أن هدف إيران
المتمثل بإيجاد نسق دول متعدد
الأقطاب، وأن تكون إيران قطبا
دوليا فاعلا في إطاره، في
الحقيقة إن هذا الهدف يتجاوز
الإمكانيات والقدرات
الإيرانية، وبخاصة إذا أدركنا
أن الاقتصاد الإيراني يعاني من
نقاطِ ضعفٍ كثيرة، بالإضافة إلى
تدهور أسعار النفط في الآونة
الأخيرة وتأثير ذلك على
الاقتصاد الإيراني، ومن ثم على
سياستها الخارجية. وهو ما يعني
أن مساعي إيران لتعميق
تحالفاتها مع الصين والهند ودول
أمريكا اللاتينية وأسيا الوسطى
بالإضافة إلى أفريقيا، كل ذلك
ليس أمراً سهلا. فمثلا لا يمكن
للصين والهند أن تضحيا
بعلاقاتهما مع واشنطن من أجل
سواد عيون إيران، كلا من الهند
والصين يقدران السوق الأمريكية
الضخمة بالنسبة إلى صادراتهما
وأهمية رأس المال والتقنية
الأمريكيين لنموهما الاقتصادي،
لذلك فالصين والهند غير
مستعدتين للتضحية بهذه المزايا
لمجرد الوقوف في وجه واشنطن،
ولو كانت السوق الإيرانية تعادل
ثلث حجم السوق الأمريكية، وكانت
الموارد المالية والتقنية التي
تحتاجهما كلا من الصين والهند،
لكان هناك احتمالٌ أن يغري ذلك
الصين والهند بالانضمام إلى
إيران في تحالفٍ مضادٍ لواشنطن،
وقس على ذلك باقي الدول. خلاصة
القول، إن
السياسة الخارجية الإيرانية
تحاول في الآونة الأخيرة فتح
المزيد من دوائر التعاون مع دول
وتكتلات عديدة، سواء أكانت
إفريقية أم عربية وخليجية أم
لاتينية وغيرها، وأن هذا النشاط
يسير بالتوازي مع الضغوط
الغربية والأمريكية بخاصة بسبب
برنامجها النووي، إذ تهدف
التحركات الإيرانية إلى كسب
مزيد من التأييد الدولي
لمواقفها، وكسر طوق العزلة
المضروب عليها،فضلا عن تحدي
ومنافسة واشنطن. وهذا ما أعطى
العلاقات الإيرانية مع
المنظومة اللاتينية في الأعوام
الأخيرة زخما ملحوظاً في ظل
التطورات الراهنة التي يشهدها
العالم، وبخاصة صعود اليسار
اللاتيني وتقارب وجهات النظر
بين هذا الأخير وإيران فيما يخص
النظام الدولي الرأسمالي، ومن
هنا يأتي توطيد العلاقات بينهما
بمثابة رسالة من إيران إلى
الولايات المتحدة الأمريكية
مفادها، أن إيران لديها القدرة
على الانفتاح على العالم لتغيير
الصورة النمطية عنها، والتي
تصفها دائمًا بالتشدد، ولديها
القدرة على
تحدي الهيمنة الأمريكية
ومنافستها في عقر دارها:
أمريكيا اللاتينية. وبالرغم
أن التعاون الاقتصادي والتجاري
واضح في العلاقات الإيرانية-
اللاتينية، إلا أن هذا العامل
الاقتصادي ليس هو العامل الأهم،
فهذه الدول سواء من الناحية
الاقتصادية أو من الناحية
التقنية ليست بذات فائدة قصوى
لإيران. بمعنى آخر أن المتغير
الاقتصادي ما هو إلا متغير تابع
لمتغيرين رئيسيين؛ وهما
المتغير الإيديولوجي والسياسي.
فهذه العلاقة هي لأسباب
إيديولوجية وسياسية، لأن طهران
في حالة حرب باردة مع واشنطن.
لذا تجدها تسعى للاستفادة من
أقصى قدراتها وتبذل طاقاتها
الاقتصادية في أن يكون لها
أصدقاء سياسيون في أمريكا
اللاتينية والعديد من الدول؛
بغرض تحدي ومنافسة الهيمنة
الأمريكية. بالإضافة إلى غرض
الاستفادة من نفوذهم أو مكانتهم
وتواجدهم في أماكن مثل مجلس
الأمن الدولي ومنظمة الأمم
المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان
التابع للأمم المتحدة. وباقي
المحافل الدولية
الأخرى، بغية التصدي
للسياسات الأمريكية الموجه ضد
إيران. وفي
الحقيقة، أن إيران تسعى للخروج
من عزلتها السياسية
والدبلوماسية بمحاولتها
الانتصار بشكل ما على هذه
العزلة المفروضة عليها من قبل
واشنطن، وهذا
يشكل تحديا
للهيمنة الأمريكية
ومنافستها حيث
وجدت. ولهذا السبب سعت إيران
إلى إقامة وتوسيع العلاقات مع
المنظومة اللاتينية، كرسالة
وتحدٍ سافر للإدارة الأمريكية
وهيمنتها، بأن إيران قادرة على
تحدي واشنطن، وهي
قادرة أيضا على أن تصل إلى
العمق الأمريكي، ولف طوق سياسي
وأمني حولها كما تفعل واشنطن مع
إيران، في إشارة إيرانية مبطنة
تدلل على المساواة والندية مع
واشنطن، وهي انعكاسٌ لنظرة
إيران لذاتها وقيمتها الحضارية
المفعمة بتقدير الذات وتضخيمها.
وهي لذلك ( إيران) قادرة على أن
تلعب دورا ضمن المجال الحيوي
للولايات المتحدة الأمريكية:
أمريكا اللاتينية. ـــــــــــ *باحث
فلسطيني في العلوم السياسية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |