-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فقه
التغيير (17) سرطان
التشرذم د.
خالد الأحمد من
الأمراض المستعصية لدى العرب
مرض التشرذم، الذي ينشأ عن
الأنانية وأولادها الإقليمية
والفردية والطائفية والشمولية،
وأول الأدلة عليه بضع عشرة دولة
عربية، بعضها لا يتجاوز عدد
سكانها سكان مدينة واحدة ... وخاض
الصهاينة عدة حروب مع الدول
العربية، كان الصهاينة يقاتلون
هذه الدول واحدة بعد الأخرى،
وظهر ذلك واضحاً في حرب (1967م)،
عندما بدأ الصهاينة بتدمير سلاح
الجيش المصري ، ثم دمروا الجيش
المصري في سيناء، والجيش السوري
يتفرج، حتى أكملوا على الجيش
المصري، انحرفوا على الأردن
وسلخوا الضفة الغربية منه،
وأخيراً توجهوا نحو الشمال،
فأخذوا الجولان، ويروى أن كتيبة
مظلات صهيونية قاتلت على
الجبهات الثلاث، لأن الأنظمة
العربية المتشرذمة كانت تنتظر
الصهاينة حتى يفرغوا من
المصريين ليتفرغوا للأردنيين،
ثم للسوريين، هكذا فعل بهم
التشرذم . ويؤكد الملك حسين في
كتابه حربنا مع إسرائيل أنه لو
أغارت الطائرات السورية
والعراقية والأردنية على الأرض
المحتلة في التاسعة صباح يوم
الاثنين الخامس من حزيران (1967)
لتغير مجرى التاريخ، لأن
الطائرات الصهيونية كانت
منشغلة بتدمير سلاح الجو
المصري، ولم يتركوا سوى اثنتي
عشرة طائرة لحماية سماء الأرض
المحتلة، ولأن الطائرات
الصهيونية العائدة من سماء مصر
تكون بدون صواريخ وبآخر قطرات
الوقود، ويمكن إسقاطها بسهولة،
يقول الملك حسين ولما اقترحنا
على السوريين أن نقوم بغارات
جوية، قال السوريون أنهم فوجئوا
بالحرب!!!، وأنهم في يوم تدريب
عادي،( انتهى كلام الملك حسين)،
وكانت أول غارة قام بها
السوريون في الثانية عشرة ظهراً
( بعد أن أكمل الطيران الصهيوني
مهمته في تدمير سلاح الجو
المصري ) . ومن أسباب النجاح
النسبي لحرب تشرين أنها بدأت من
الجبهتين معاً الجبهة السورية
والمصرية ... ثم حصل الافتراق بعد
ذلك .... كان
المفروض أن تكون الولايات
العربية المتحدة أقوى دولة في
العالم، كما
كنا نحلم بها ونحن طلبة في
المرحلة المتوسطة
لولا سرطان التشرذم،
والتشرذم ناشئ عن الشعور
بالأنانية المقيتة . وأول تشرذم
شهدته حركة الانفصال بين سوريا
ومصر، التي مزقت أول وآخر وحدة
شهدتها في حياتي بين العرب.
والشعورالوحدوي شعور سليم
فطري، والتشرذم سلوك مريض منافي
للفطرة ...
التشرذم
في الحركات الإسلامية : كان
المفروض أن أبناء الحركة
الإسلامية تخلصوا من أمراض
مجتمعهم، ليكونوا قدوة صالحة
للمجتمع نحو الوحدة والجماعة
القوية، لكن مع الأسف المؤلم أن
التشرذم موجود وبشكل سافر جداً
في الحركات الإسلامية، وهذا
يؤكد وجود الأنانية المعشعشة في
نفوس بعض أبناء الحركات
الإسلامية . لذلك تجد كثيراً من
العلماء، أو طلبة العلم، أو
رجال الحركة الإسلامية، كل منهم
جماعة مع تلاميذه، يوصيهم بعدم
الالتقاء مع الآخرين، وأحياناً
تتصارع وتتنابذ هذه الجماعات
بينها، وتكيل التهم والشتائم
لبعضها بعضاً ولا حول ولا قوة
إلا بالله .... وتعودنا أن نرى
ونسمع انقسام الحركات السياسية
في العالم العربي والإسلامي، بل
انقسام الحركات الإسلامية
وتشرذمها يوماً بعد يوم ....ومازال
التغيير السلبي مستمراً ولا حول
ولا قوة إلا بالله ... ومن المؤلم
أن تجد عدة حركات إسلامية،
أهدافها المعلنة واحدة، بل
متطابقة أحياناً، ومع ذلك
يستحيل دمج هذه الحركات معاً في
حركة واحدة، فماذا تفسر ذلك !!؟
أو تجد حركة واحدة انقسمت
حركتين لهما نفس المنهج ونفس
اللوائح الأساسية، ولا تختلفان
إلا بالزعامة !! الفردية
السبب الأول للتشرذم : من
مسلمات العمل الجماعي خضوع
الأقلية لقرار الأكثرية، ولا
يمكن أن تعيش أي جماعة معاً دون
الالتزام بهذا المبدأ، حتى داخل
الأسرة، الخلية الاجتماعية
الأولية، لابد أن يرضى كل فرد
منها بما يريده بقية أفراد
الأسرة؛ ولو كان خلافاً لرأيه،
ولولا ذلك لما بقيت هذه الأسرة
موحدة، تعيش في بيت واحد، وتأكل
طعاماً واحداً كل يوم
....
لكن عندما نجد زعيماً
متسلقاً يريد الزعامة، وعنده من
( الكارزمية ) ماتجعله يؤثر في
الآخرين، ينفصل عن جماعته الأم،
بأسباب واهية، حقيقة أمرها أنه
يرى نفسه هو الزعيم، ويجب على
الآخرين أن ينقادوا له، ولا
يستطيع أن يخضع لقرار الأكثرية،
لأن روح الجماعة ضعيفة لديه، أو
منعدمة ... يقول
أستاذنا محمد قطب يحفظه الله :
الإنسان المعاصر متورم، برزت له
نتوءات في جسمه من الخلف ومن
الأمام، تصطدم هذه النتوءات
بنتوءات الآخرين في الشارع،
لذلك تجد كل فرد يمشي وحده، في
شارع مستقل عن الآخرين، كي لا
يصطدم بالآخرين ...وهذه النتوءات
هي تضخم ( الأنا) تضخماً
سرطانياً ... العلاج
: وللتخلص
من هذه النتوءات لابد من الصوم
فترات طويلة، الصوم عن الطعام
والشراب، وغيرهما من الشهوات،
ومنها شهوة الزعامة، وتقليد
رسول الله صلى الله عليه وسلم في
طعامه وشرابه وتواضعه، وتطلعه
إلى الآخرة، وزهده في الدنيا،
والانتباه لقوله سبحانه وتعالى
{.... ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم
بمن اتقى }، ومنها أنه لا يجوز
للمسلم أن يزكي نفسه، وأن تعجبه
نفسه، ويرى أنه أهل لقيادة
الآخرين، وتولي أمورهم، والأصل
خلاف ذلك كله، وهو أن يرى المسلم
نفسه ضعيفاً، لا يقدر على تحمل
هذه المسؤولية العظيمة ... ومن
العلاج دراسة أحاديثه صلى الله
عليه وسلم، والعمل بمقتضاها،
ومنها ما أخرجه البخاري
والنسائي عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : [ إنكم ستحرصون على
الإمارة، وستكون ندامة يوم
القيامة، فبئست المرضعة وبئست
الفاطمة ]، يقول ابن حجر في
الفتح : ستحرصون على الإمارة
يدخل فيه الإمارة العظمى وهي
الخلافة، والصغرى وهي الولايات
على بعض البلاد،وهذا إخبار منه
صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع،
فوقع كما أخبر صلى الله عليه
وسلم، وستكون ندامة يوم القيامة
أي لمن لم يعمل بها بما ينبغي
ويوضح ذلك [ أولها ملامة،
وثانيها ندامة، وثالثها عذاب
يوم القيامة، إلا من عدل ] .
ونستخلص من هذا أنه لايجوز
للمسلم أن يرشح نفسه لأي منصب،
وإنما زملاؤه الذين يرشحونه ... وفي
صحيح مسلم باب النهي عن طلب
الإمارة والحرص عليها، أخرج فيه
عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم [
ياعبد الرحمن لاتسأل الإمارة
فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت
إليها، وإن أعطيتها عن غير
مسألة أعنت عليها ] يقول النووي
يرحمه الله : قال العلماء
والحكمة في أنه لا يولى من سأل
الولاية أن يوكل إليها، ولا
تكون معه إعانة كما صرح به، وإذا
لم تكن معه إعانة لم يكن كفئاً
ولا يولى غير الكفء . وفي
صحيح البخاري وضع ابن حجر باباً
سماه : باب من لم يسأل الإمارة
أعانه الله عليها وأورد الحديث
السابق، وباب آخر عنوانه : باب
من سأل الإمارة وكل إليها، ....
ومن وكل إلى نفسه هلك، وفي
الدعاء ( ولا تكلني إلى نفسي
طرفة عين ) ...
وعندما
نضع هذه المعاني أمام أعيننا،
ينظر كل منا إلى نفسه بمنظار
التواضع، ومنظاراستصغار النفس،
والنأي بها عن ما لا طاقة لها
به، والخوف من عذاب الله عزوجل،
والشعور بالمسؤولية العظيمة
الناجمة عن ( الزعامة )، وما
يتبعها من حقوق للناس ... ولابد
من القول أن العظمة في زماننا أن
تكون مرؤوساً ناجحاً، لا أن
تكون رئيساً فاشلاً، وقيام
المسلم بواجباته كمرؤوس، هذا ما
نتطلع إليه في التربية السياسية
للمجتمع المسلم، والتربية
السياسية : إعداد المواطن
المسلم الصالح الذي يعرف
واجباته فيؤديها طمعاً في ثواب
الله عزوجل، لا خوفاً من عقاب
الدنيا، ويعرف حقوقه فيسعى إلى
اكتسابها بالطرق المشروعة ... وليتق
المسلم ربه، ويخاف عذابه،
ويحافظ على أي تجمع قام على طاعة
الله عزوجل، وليحرص على أن لا
يوهنه ولا يضعفه، بل يحرص على
دعمه ومساندته ومساعدته على
البقاء ... فروح الجماعة فريضة في
ديننا الإسلامي، وديننا دين
جماعة لا دين فرد منعزل، ولابد
له من جماعة تقوم به كما أراد
الله عزوجل .... ومن
أسباب التشرذم : بعضنا
يظن أن أفراد الحركة الواحدة
يجب أن يكونوا متطابقين، أو
نسخاً مكررة من بعضهم، وهذه
مشكلة خطيرة تدفع إلى التشرذم،
وفي معرفتي أن أبناء أي حركة
يكفي أن يلتقوا في ( 55 % ) من
تفكيرهم، ويختلفون في الباقي،
ضمن أدب الاختلاف كما جاء في
كتاب طه جابر العلوني ( أدب
الاختلاف في الإسلام )
تجده على جوجل
ولو كان
أبناء الحركة نسخاً مكررة لكانت
حركة ماركسية ستالينية شمولية
...إلخ، أما الحركة الإسلامية
الراشدة فلابد أن يترك لأفرادها
مجال الإبداع والاختلاف
لتتلاقح الأفكار ويأتون
بالجديد، كما يسهم كل فرد في
مسيرة الحركة وليس قائدها فقط،
وباقي الأفراد مشجعون فقط .... لاعيب
في أن يختلف أبناء الحركة
الواحدة، بل الأفضل أن يكون
بينهم فوارق، وإنما العيب في أن
يجرنا الاختلاف إلى التنابذ
والتشرذم ... ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |