-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 05/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


محطات صغيره في حياة إنسان عادي

المحطة رقم (1)

ولادة الذاكرة 

الجزء الثالث 

المهندس هشام نجار

الإخوة والأخوات:

هذه المحطة هي الأخيرة من محطات ولادة الذاكرة، وسأنتقل بعدها إلى محطات الصبا والشباب وتمتد من عام 1951 وحتى عام 1958 وهو تاريخ دخولي مرحلة الدراسة الثانوية وفيها تنشط شقاوة الطلبة كما يعلم القراء وسأدون عن هذه الشقاوة المدرسية ولكنها شقاوة تبقى في حدود الإحترام.

في عام 1950 إنتظمت في الصف الثاني بدأت أشعر بأني أكثر إعتماداً على نفسي، وبدأت البي إلى حد ما مطالب البيت من شراء خضار ولحمه وطعام قطتي لولو {الرجاء قراءة مدونة حكاية قطتين والتي شاركت القطه لولو في فكرتها} حيث لم يكن الهاتف يقوم بهذه المهمه بعد، فلم يكن في البلده أكثر من 40 خطاً هاتفياً تشغل دوائر الحكومه نصف هذا العدد ،كان الإتصال يدوياً، فكل جهاز هاتف مزود بذراع صغيره يديرها طالب المكالمه بيده، فيقوم عامل السنترال في البريد بتأمين الوصلة بين الخطين.

 

  

تلفون أيام زمان - وتلفون اليوم مع آلة تصوير وفيديو

وألعاب الكترونية وبريد الكتروني ومزايا لا تعد 

ولا تحصى بجهاز لا يزيد حجمه على الكف.

ذكرت ذلك الواقع لأبين للقراء الكرام كم تقدم علم الإتصالات اليوم حيث صار الخليوي في متناول الأطفال الصغار يتصلون بأية بقعه في العالم ناهيك عن إرسال الصور الثابته والمتحركه إلى أي مكان في العالم. لم يكن الهاتف نادر الوجود في الباب فحسب، بل كان الراديو أيضاً، وكانت العائله التي تملك مذياعاً تتباهى به أمام الجيران والمعارف والأصدقاء. في أحد الأيام عاد والدي من حلب ومعه صندوق من الكرتون بحجم غسالة الألبسة الكبيره، فتحنا الصندوق بلهفه فإذا هو الراديو، كان شكله أنيقاً من ماركة ماركوني الإنجليزيه ذو ثمان موجات تتوسطهم عين بلوريه يطلق عليها العين الساحرة يصبح لونها أخضر بعد دقيقه من تشغيله عندها يصبح الراديو جاهزاً للبث. أهم إذاعات ذلك الوقت، محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية (تحولت إلى إذاعة لندن عقب الإعتداء الثلاثي على مصر عام 1956) الإذاعه المصريه، وإذاعة شرقي الأردن من عمان والقدس وإذاعة دمشق وكانت بقوة 50 كيلوات فقط. أشبع الوالد رغبته بسماعه الأخبار السياسيه، والوالدة وأنا والإخوة كنا نستمتع بالتمثيليات والأغاني، أهم مذيعي إذاعة دمشق في تلك الأيام عصام حماد، عبله الخوري وتوفيق حسن، وكان مدير الإذاعه الشاعر الكبير صاحب الصوت الرائع الأمير يحيى الشهابي، وأهم التمثيليات الإذاعيه السورية كانت مستوحاة من التقاليد الدمشقية من تأليف حكمت محسن وإخراج تيسير السعدي وتمثيل أنور البابا وكان يتقمص شخصيه نسائيه وبرنامج لاغاني تراثيه تحت اسم نشوة الماضي.

 

إخوتي وأخواتي:

 لم تكن بيوت بلدة الباب مجهزه بحمامات ولكن كان في البلده عدة حمامات عامه تخصص في الصباح للنساء ومساءاً للرجال، كنت أنا وأخي رضوان وأسامه من حصة الوالدة، والإخوة الأكبر من حصة الوالد, تجهز الوالدة بقجة الحمام تساعدها مربيه كبيره بالسن تركية الأصل أسمها عيشه تعيش معنا وكانت نعم المرأة الصالحة ولكني كنت أعترض على أن اكون من حصتها في تغسيلي ولكن دون نتيجة, حيث تغسل رأسي بالماء والصابون أكثر من عشرين مره وتدعى الغسلة الواحده بـ التم، ثم تختم عملها بتم إضافي من منقوع البيلون وهي تربة غضاريه ينقعونها بالماء لتصبح سائل كثيف بني اللون. والحقيقة أن منقوع البيلون يفوق الشامبوات في جعل الشعر كالحرير خالياً من الدهون والقشرة, ثم يأخذوني إلى البراني لأجلس على المصطبة المحجوزة لنا ملفوفاً بالمناشف وأنا كالشوندره المسلوقة.

نظام الحمامات متشابه وينقسم الى 3 اقسام البراني وتتوسطه بركة الماء وعلى محيطه تتوزع المصاطب والوسطاني والجواني وحرارته مرتفعه وفيه خلوات عديده وكل خلوه فيها جرن حجري كبير تش تبك طاسات الحمام فيه كل يغرف منه قبل الآخر, لاحظ نظام الإناره الطبيعي في الجواني.

من أهم الصداقات الحميمه التي نسجتها عائلتنا مع أهالي الباب كانت مع عائلة الأستاذ المرحوم محمد علي المغربي والأستاذ المغربي من جذور ليبيه وقد سافر عدة مرات لليبيا للتعرف على اقربائه واستطاع بهمته وصبره ان يعيد ما انقطع رغم مرور مئات السنين على إقامة اجداده في سوريا، تم تكليفه بتدريس مادة العلوم في ثانوية البحتري، يروي أحد طلابه هذه القصة عنه فيقول: جمعنا الأستاذ المغربي في المختبر ليقوم أمامنا بتشريح أرنب، وما أن خدره وسن شفرته حتى سقط مغشياً عليه، فنقله طلابه إلى غرفة الإسعاف في المدرسه، وفي اليوم الثاني سأل الأستاذ عن الأرنب فأجابه أحد طلابه: لاتقلق لقد قام زميلنا بتشريح الأرنب بدلاً عنك، ثم أخذه إلى بيته فطبخه وأكله. كنا نسمي الأستاذ المغربي بــ " عمو الحجي"، وكان مشهوراً بسرد نكات من واقع الحياة، كان يزورنا في البيت ونجلس متحلقين حوله في أرض الحوش على كراسي صغيره من القش، وما ان يبدأ بسرد نكاته حتى يبدأ هو بالضحك ويكاد أن يقلب على ظهره وسط دهشة السامع وكنت أضحك على ضحكته دون أن أفهم مضمون النكتة، إلا أن ضحكي كان يزداد عندما تكون النكته مكرره أمامنا للمرة العاشرة وهو لا يمل من الضحك عليها، وكان يرافق روايته للحكاية تقطيعه لقش الكرسي من الأسفل، وما ان يقوم مودعاً إلا ويكون قد قضى على القش كله، رحمه الله.

في أحد أيام 1950 وبينما كنا في حصة الدرس فإذا بصوت كهدير الرعد خرجنا مسرعين إلى الباحه مع باقي الفصول دون استئذان لنتبين مصدر الصوت فإذا بنا نرى طائره صغيره تكاد تلامس سطح البيوت وكانت مكشوفه بحيث نستطيع تمييز قائدها بوضوح بنظارته المحكمه وقبعته الجلديه بينما كانت يده تلوح لنا وسط تصفيق التلاميذ وحماسهم، عرفنا بعدها أن الطيار من أهالي بلدة الباب وأسمه كامل الشهابي، دار الطيار دورتين فوق البلده ثم أقفل راجعاً إلى قاعدته في حلب، وبعد شهرين من هذه الحادثه جاءنا الخبر المؤلم بإستشهاد الطيار بسقوط طائرته أثناء تدريبه لضباط مستجدين حزنت عليه سوريا وخاصة أبناء بلدته الباب، سميت القاعده الجويه في حلب بأسمه تخليداً لذكراه.

وفي نفس العام وصل إلى الباب فريق سينمائي ليصور أول فلم سوري عنوانه: عابر سبيل بطولة المطرب السوري المعروف نجيب السراج، تحكي قصة الفلم شخص فقد حبيبته فراح يبحث عنها في كل المحافظات السوريه وأقضيتها. كانت المجموعه السينمائيه بحاجه إلى حمار أبيض جميل عليه بردعه أنيقة يركب عليه بطل الفلم بلباسه العربي باحثاً عن حبيبته في بساتين الباب، وجدوا ضالتهم عند إحدى العوائل فأعطوهم الحمار لقاء السماح لكل أفراد العائلة بمشاهدة الفلم مجاناً أثناء عرضه في الباب فوافقوا. بعد عدة شهور وصلت نسخه من الفلم إلى الباب، سبق عرض الفلم دعايه كبيره أين منها دعاية فلم ذهب مع الريح وكازابلانكا، كل ذلك من أجل عيون الحمار الجميل, ذهبت مع والدتي وصديقاتها لحضور الفلم، وجلسنا في البلكون المتواضع ذو العشر مقاعد فقط، بدأ العرض وشعرت في البدايه بملل واضح، فلم أحضر الفلم للاستماع إلى أغاني نجيب السراج العاطفيه، وإنما حضرت لغاية أسمى وهي تشجيع حمار البلده الجميل ذو البردعه الأنيقه، وفجأة أطل الحمار علينا يمتطيه البطل نجيب السراج بلباسه البدوي فضجت الصاله بالتصفيق والصفير ووجدت نفسي أصفق بعفويه صادقه لهذا الحمار الجليل، وعلامات الفرح بادية على محياي تصاحبها الحسد من هذه الشعبية الكبيرة التي يحظى بها.

في أواخر عام 1951 صدرت التعليمات من وزارة المعارف لوالدي للانتقال إلى حلب لإدارة مدرسه الثانويه الخامسه وهي مدرسه محدثه في حي الجميليه. استقبلت الخبر بين الحزن والفرح، فالحزن كان لفراق بلده زرعت فيها طفولتي ونميت فيها ذاكرتي، والفرح لأني سأعيش في بلده كبيره وجميله وفيها كل الكماليات التي يحتاجها الإنسان. استقبل أهل البلده الخبر بحزن شديد، فأولموا لنا الولائم، وأقاموا لنا السهرات، وودعونا إلى مشارف البلده ليغادر القطار بذلك محطة ولادة الذاكره منطلقاً إلى محطة الصبا والشباب فإلى اللقاء  .

المهندس/ هشام نجار

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ