-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مسمار
القدومي ونعش فتح عريب
الرنتاوي لسنا في
وضع يؤهلنا للحكم على صدقية ما
بات يعرف بـ"محضر
القدومي"، نسبة إلى الوثيقة
التي أعلنها رئيس الدائرة
السياسية لمنظمة التحرير
الفلسطينية وقال فيها أن مؤامرة
استهدفت حياة الزعيم ياسر عرفات
وعدد آخر من قادة المقاومة،
نسجت خيوطها بين الرئيس عباس
ومحمد دحلان من جهة وأريئيل
شارون وشاؤول موفاز من جهة
ثانية، وبحضور استخباراتي
أمريكي رفيع المستوى في شهر
آذار من العام
2004 في منتجعات البحر الأحمر. لكننا
مع ذلك نعرف: (1) أن عرفات لم يقض
متزلجا على الجليد فوق جبال
سويسرا، بل مسموم في مقاطعته
المحاصرة والمدمرة، وعلى يد
الموساد الإسرائيلي...(2) ونرجح
أن يكون واحدا (أو أكثر) من نشطاء
الدائرة الضيقة من مستشاريه
ومساعديه قد تورط في مؤامرة
اغتياله من الرأس حتى أخمص
القدمين...(3) ونذكر بأن كثير مما
ورد في الوثيقة دفعة واحدة، سبق
لنا أن سمعناه وقرأناه –
بالمفرق – وعلى مراحل، بما في
ذلك حكاية التخلص من الرجل
و"الاغتيال النظيف"
و"الشعب الفلسطيني يستحق
قيادة أفضل" و"رجل ليس ذي
صلة" إلى غير مما كتب وقيل عن
مداولات بهذا الشأن جرت بين
أطراف المثلث المذكور في
المحضر...(4) والأهم من كل هذا
وذاك، أن معظم– إن لم يكن جميع -
ما ورد في الوثيقة بالمعنى
السياسي – لا الأمني – هو
البرنامج المعلن لتيار داخل
السلطة، سبق أن تمرد على عرفات
في غزة، وقبلها حاصره في كامب
ديفيد وانضم إلى جوقة الضاغطين
عليه، ناهيك عن أن كل ما ورد في
الوثيقة قد ترجم لاحقا،
باغتيالات واعتقالات وتصفيات،
وهو يتحول إلى سياسة رسمية
تتحدث عنها رموز السلطة للصحافة
العالمية بكل فخر واعتزاز، بل
وتدرجه في عداد المكتسبات
والمنجزات غير المسبوقة. نقول
ذلك ونحن نستغرب حفلة الردح
التي قوبلت بها الوثيقة
(المزعومة) من قبل جوقة من
المطبلين والمزمرين وأصحاب
المصالح، بالرغم من أن صاحبها
يتحدث عن محضر، وقد عرضه على
أعضاء في اللجنة المركزية قبل
ثمانية أو تسعة أشهر، وليس قبل
أيام فقط، وصاحب الوثيقة هو أحد
القيادات التاريخية في فتح التي
كان كثيرون ممن ينهالون عليه
اليوم بالشتائم والقدح والذم،
يخطبون وده قبل أيام، وليس
سنوات، وفي عمان وليس في بيروت
أو تونس أو دمشق، وبدل أن تبادر
"القيادة المسؤولة" للشعب
الفلسطيني إلى فتح تحقيق جدي في
هذه المزاعم والاتهامات، لجلاء
الغث من السمين، ومعاقبة
المتواطئ والخائن ومورّج
الأكاذيب والافتراءات، نراها
تنهال بالشتيمة وتسارع في تقطيع
الأواصر وحسم الخلاف من جانب
واحد وعلى طريقة الحروب
الاستباقية، بل ومن دون أن تكلف
نفسها عناء الإجابة عن أسئلة
التحقيق في جريمة اغتيال
الرئيس، ولماذا هذا الصمت، بل
ولماذا الصمت عن جرائم أصغر،
كان آخرها جريمة اغتيال كمال
مدحت في لبنان. لقد
أفضى توقيت إعلان
"الوثيقة"، أو بالأحرى
الإعلان عنها بعد خمس سنوات
تقريبا من وصولها إلى يد
صاحبها، إلى إفقادها مصداقيتها
تقريبا، سيما وأن مسافة أسبوعين
لا أكثر، باتت تفصلنا عن مؤتمر
فتح الذي سيعقد في الداخل بالضد
من إرادة القدومي بل وفي
مواجهته وبغرض تحجيمة هو
وحلفائه، لكأن المسألة برمتها
قد أدخلت في خانة النكايات
والمناكفات وصراعات السلطة
داخل فتح والمنظمة، وهذا اضعف
الوثيقة وافقدها الكثير من
بريقها. والحقيقة
أننا لا نتفق مع كل ما نسب إلى
القدومي من مبررات ساقها لتفسير
التأخير في نشر الوثيقة، ولا
ندري أي شعور كان ينتاب الرجل
وهو يشاهد من تآمر مع عدوه على
قتل شريك كفاحه ومشوار دربه
ياسر عرفات، يخوض انتخابات
الرئاسة الفلسطينية قبل أربعة
أعوام، ويحظى بثقة الشعب، لا
ندري كيف قبل القدومي انتخاب
أبو مازن في مناصبه المتعددة،
وهو المتيقن بأنه قاتل ياسر
عرفات، لا أدري ما الذي عناه
القدومي بحديثه عن "قانون
المحبة" الذي يعيد لفتح
لحمتها ووحدتها قبل أسبوع واحد
فقط، ومن عمان وعلى هامش اجتماع
اللجنة المركزية الذي جمعه مع
"أبو مازن"، وهل يقصد من
ضمن ما يقصد "محبة"
المتآمرين على حياة "أبو
الوطنية الفلسطينية
المعاصرة". الخلاصة
أننا أمام مشهد دال على تهالك
الحركة الوطنية الفلسطينية
وتهافتها، مجسدة على نحو خاص في
عمودها الفقري: حركة فتح، واحسب
أن هذا الفصل سيسجل في تاريخ
الحركة بوصفه المسمار الأخير في
نعشها، فإذا كانت اتهامات ترقى
إلى مستوى الخيانة العظمى، تصدر
عن الرجل الثاني فيها بحق الرجل
الأول، تقابلها اتهامات بالخرف
والهلوسة والهستيريا تصدر عن
رجالات الصف الأول والثاني
والثالث بحق الرجل الثاني في
الحركة والمنظمة، إذا كانت
اتهامات كهذه تمضي من دون وقفة
أو تحقيق أو محاسبة أو مساءلة،
فمتى تستيقظ الحركة، ومتى تدرك
أن البساط قد سحب من تحت أقدامها
تماما، وأنها تتحول يوما بعد
آخر، إلى مجرد كشوف أسماء على
لوائح الرواتب في سلطة تتحول
بدورها إلى "صندوق للتقاعد
والضمان الصحي والاجتماعي". وبخلاف
ما يعتبره البعض مخاوف من حدوث
انشاقات واسعة، عمودية وأفقيه،
ويحذرون منه، فإنني أطمئن
الجميع بأن أمرا كهذا – على
سوئه – لم يعد محتملا ولا
مرجحا، فلا حواضن عربية
وإقليمية لأي انشقاق، ولا زخم
وحيوية لدى أي من فصائل
المنظمة، لا فتح ولا فصائل
اليسار، تجعلها في وضع يمكنها
أو يدفعها للانشقاق، وكل ما
سيترتب على هذه الوثيقة /
الفضيحة، هو المزيد من الإحباط
واليأس والكفر بالعمل
الفلسطيني وفقدان الثقة بفتح
وقيادتها ومشروعها. حتى
الانشقاقات التي كانت تاريخيا
أمرا سيئا، أصبحت اليوم أمرا
متعذرا، فما لضرب في ميت إيلام
على مايبدو، وليست فتح وحدها من
اندمج بالسلطة وتماهى مع
حساباتها وأولوياتها وكشوفها،
فالفصائل وقعت في الشرك ذاته،
وهيهات أن تجد مناضلا فلسطينيا
واحدا غير مدرج على كشوف
الرواتب، ناهيك عن وسائل
"الاحتواء الناعم" التي
نجحت السلطة من خلالها في تدجين
الفصائل اليسارية والوطنية،
حتى بات جسم الحركة الوطنية
الفلسطينية عصيا على الاستجابة
للعلاج حتى وإن كان بالصدمات
الكهربائية والكي بالنار أو
الصواعق كتلك التي أنزلها
"أبو اللطف" على رؤوسنا
جميعا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |