-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 22/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بسم الله الرحمن الرحيم

سيد قطب ضد العنف

الحلقة العاشرة والأخيرة

د. منير محمد الغضبان*

سنعرض سيد رحمه الله كما عرض نفسه عند القضاة , ونعرض أفكاره كما لخصها في محضر التحقيق , آخذين بالحسبان رأي الأستاذ الكبير محمد قطب الذي يرى أن ما ورد في العرض صحيح ( لماذا أعدموني ) لكن هناك نقص فيه ومنتزع من التحقيق

أولا : الحركة الإسلامية تبدأ من القاعدة

(... وبعد مراجعة ودراسة طويلة لحركة الإخوان المسلمين , ومقارنتها بالحركة الإسلامية الأولى للإسلام أصبح واضحا في تفكيري – وفي تفكيره ( يوسف هواش) كذلك – أن الحركة الإسلامية اليوم تواجه حالة شبيهة بالحالة التي كانت عليها المجتمعات البشرية يوم جاء الإسلام أول مرة

-  من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة الإسلامية

-  والبعد عن القيم والأخلاق الإسلامية

-  وليس البعد فقط عن النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية

وفي الوقت نفسه توجد معسكرات صهيونية وصليبية استعمارية قوية , تحارب كل محاولات الدعوة الإسلامية وتعمل على تدميرها عن طريق الأنظمة والأجهزة المحلية , بتدبير الدسائس والتوجيهات المؤدية لذلك الغرض

-  بينما الحركات الاسلامية تشغل نفسها في أحيان كثيرة بالاستغراق في الحركات السياسية  المحدودة المحلية كمحاربة معاهدة أو اتفاقية , أو كمحاربة حزب , أو تأليب خصم في الانتخابات عليه , كما أنها تشغل نفسها بمطالبة الحكومات بتطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية , بينما المجتمعات ذاتها بجملتها قد بعدت عن مفهوم العقيدة الإسلامية والغيرة عليها , وعن الأخلاق الإسلامية ولا بد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة وهي :

-  إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول

-  وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة

-  وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية .

-  وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم . قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي , لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به .) لماذا أعدموني/28و 29

 

ثانيا : لابد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج

( وفي الوقت نفسه , ومع المضي في برنامج تربوي كهذا , لابد من حماية الحركة من الاعتداء عليها من الخارج , وتدميرها ووقف نشاطها , وتعذيب أفرادها , وتشريد بيوتهم وأطفالهم تحت تأثير مخططات ودسائس معادية , كالذي حدث للإخوان سنة 1948 , ثم سنة 1954, وسنة 1957 , وكالذي نسمع عنه ونقرأ عنه مما يحدث للجماعات الأخرى , كالجماعة الإسلامية في باكستان , وهو يسير على نفس الخطة , وينشأ عن نفس المخططات والدسائس العالمية )لماذا أعدموني /ص29

 

ثالثا : وهذه الحماية تتم ( وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريبا فدائيا بعد تمام تربيتها الاسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق

-  هذه المجموعات لا تبدأ اعتداء

-  ولا محاولة لقلب النظام

-  ولا مشاركة في الأحداث  السياسية المحلية

وطالما الحركة آمنة ومستقرة في طريق التعليم والتفهيم والتربية والتقويم

وطالما الدعوة ممكنة بغير مصادرة لها بالقوة

وبغير تدمير لها بالقوة

وبغير تعذيب وتشريد وتذبيح وتقتيل

فإن هذه المجموعات لا تتدخل في الأحداث الجارية , ولكنها تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة لرد الاعتداء , وضرب القوة المعتدية بالقدر الذي يسمح للحركة أن تستمر في طريقها

-  إذ أن الوصول إلى تطبيق النظام الإسلامي والحكم بشريعة الله ليس هدفا عاجلا , لأنه لا يمكن تحقيقه إلا بعد

-  نقل المجتمعات ذاتها

-  أو نقل جملة صالحة  منها ذات وزن وثقل في مجرى الحياة العامة إلى فهم صحيح للعقيدة الإسلامية ثم للنظام الإسلامي .

-  وإلى تربية إسلامية صحيحة على الخلق الإسلامي

-  مهما اقتضى ذلك على الزمن الطويل والمراحل البطيئة ) لماذا أعدموني ,ص30

 

رابعاً: هذه هي صورة الحركة

( وأصبحت هذه الصورة للحركة الإسلامية واضحة في حسي تماما – كما أصبحت واضحة في حس الأخ هواش – وبقيت مهمة نقلها إلى أفراد ومجموعات أخرى من الإخوان بأية وسيلة , لبدء حركة على أساسها , وفي سنة 1962 بدأت الحركة فعلا ) لماذا أعدموني /ص31

 

خامسا : سيد قطب ضد التكفير

(...... وقد قلت له : إننا لم نكفر الناس , وهذا نقل مشوه , إنما نحن نقول : أنهم صاروا من ناحية الجهل بالعقيدة , وعدم تصور مدلولها الصحيح , والبعد عن الحياة الإسلامية , إلى حال تشبه حالة المجتمعات في الجاهلية , وأنه من أجل هذا لا يكون نقطة البدء في الحركة هي قضية لإقامة النظام الإسلامي ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس ) لماذا أعدموني /ص38

 

سادساً: تلخيص شامل لأفكار سيد رحمه الله :

(... وقد ذكرت ذلك من قبل ., ولكني ألخصه هنا قبل البدء بالتفصيلات

1-        المجتمعات البشرية بجملتها قد بعدت عن فهم وإدراك معنى الإسلام ذاته , ولم تبعد فقط عن الأخلاق الإسلامية , والنظام الإسلامي , والشريعة الإسلامية

ولإذن فأي حركة إسلامية يجب أن تبدأ من إعادة تفهيم الناس معنى الإسلام , ومدلول العقيدة , وهو أن تكون العبودية لله وحده , سواء بالاعتقاد بألوهيته وحده , أو تقديم الشعائر التعبدية له وحده , أ, التحاكم والخضوع إلى نظامه  وشريعته وحدها

2-        الذين يستجيبون لهذا الفهم يؤخذ بتربيتهم على الأخلاق الإسلامية , وفي توعيتهم بدراسة الحركة الإسلامية , وتاريخها وخط سير الإسلام في التعامل مع كل المعسكرات والمجتمعات البشرية , والعقبات التي كانت في طريقه , والتي لا تتزايل بشدة وبخاصة من المعسكرات الصهيونية والصليبية  الاستعمارية .

3-        لا يجوز البدء بأي تنظيم إلا بعد وصول الأفراد إلى درجة عالية من فهم العقيدة , ومن الأخذ بالخلق الإسلامي في السلوك والتعامل, والوعي الذي تقدم ذكره

4-        ليست المطالبة بإقامة النظام الإسلامي , وتحكيم الشريعة الإسلامية هو نقطة البدء , ولكن نقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها – حكاما ومحكومين- عن الطريق السالف إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة , وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله , فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل على إقامة النظام الإسلامي , وتحكيم الشريعة الإسلامية

5-        وبالتالي لا يكون الوصول إلى إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى , ولكن عن طريق نغير في تصورات المجتمع كله , وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة لا بد منها في حسهم

6-        في الوقت ذاته تجب حماية هذه الحركة , وهي سائرة في خطواتها هذه بحيث إذا اعتدي عليها وعلى أصحابها يرد الاعتداء

ومادامت هي لا تريد أن تعتدي , ولا أن تستخدم القوة في فرض النظام الذي تؤمن بضرورة قيامه – على الأساس المتقدم وبعد التمهيدات المذكورة – والذي لا يتحقق إسلام الناس إلا بقيامه , حسب مايقرر الله سبحانه , مادامت لاتريد أن تعتدي , ولا أن تفرض نظام الله بالقوة من أعلى , فيجب أن تترك تؤدي واجبها , وألا يعتدى عليها لا على أهلها , فإذا وقع الاعتداء كان الرد من جانبها )لماذا أعدموني ص 43-46

 

سابعاً: سيد ينضم للتنظيم الجديد خوفاً من تهور الشباب

وحين خرج سيد رحمه الله من السجن , وجد تنظيماً قائما ً , يبحث عن قائد , لكنه لا يحمل مواصفات التنظيم الذي يؤمن به , وكان بين خيارين أحلاهما مر

يحدثنا سيد رحمه الله عن اختياره الانضمام للتنظيم الجديد وأسبابه فيقول :

(وكنت أمام أمرين , إما أن أرفض العمل معهم , وهم لم يتكونوا على النحو الذي أنا مقتنع به , فلم يتم تكوين الأفراد وتربيتهم وتوعيتهم قبل أن يصبحوا تنظيما , وقبل أن يأخذوا في التدريب الفعلي على بعض التدريبات الفدائية

وإما أن أقبل العمل معهم على أساس تدارك مافاتهم من المنهج الذي أتصوره للحركة  وعلى أساس إمكان ضبط حركاتهم بحيث لا يقع اندفاع في غير محله , وبعضهم ينوي فعلا , وعقلية البدء بإقامة النظام الإسلامي من قمة الحكم قد تغلب على الفهم الجديد , وعلى عقلية البدء بإقامة العقيدة والخلق والاتجاه في قاعدة المجتمع  وقررت اختيار الطريق الثاني والعمل معهم وقيادتهم )لماذا أعدموني /ص49-50

وهنا مفترق الطريق بين سيد وبين كل التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تريد إقامة النظام الإسلامي بالقوة

إن سيد قطب ضد العنف كما يقول عن نفسه دون أن يحبره أحد على ذلك لكنه يؤمن برد الاعتداء عليه وعلى حركته حتى لا تباد من العدو

وحق الدفاع عن النفس مشروع في كل القوانين الوضعية والشرائع السماوية

(..... والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون , وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين , ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل .إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق . أولئك لهم عذاب أليم , ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) سورة الشورى الآيات 39-43

والآيات تؤكد أن الصبر أفضل , والسورة مكية وتعتبره العزيمة

وحين أخذ سيد برد الاعتداء فما عليه من سبيل , لكن الأفضل لو أخذ بالصبر , وهو الذي علمنا في موقعين أن الصبر أفضل

أولا ً: في حديثه عن كف اليد في سورة النساء , وأن المسلمين كانوا مأمورين بكف اليد ولو اعتدي عليهم .

ثانيا ً: في عرضه معالم في الطريق – وفي الفصل الأخير منه- هذا هو الطريق – وهو يعرض قصة أصحاب الأخدود

وما ندري هل عدل رأيه في آخر أشهر حياته , أم أن هذا الرأي كان عنده من قبل ؟؟

والأستاذ أحمد عبد المجيد قد يكون في كلامه ما يجيبنا على هذه السؤال

(.... وبعدها بدأت أجهزة المباحث تنشط تجاه الإخوان لتوجيه ضربة لهم , هذه وغيرها من الإشاعات , بدأت تثير عندنا الهواجس , حتى وصلت لاعتقال بعض الإخوان في القلعة في يوليو 1965 وبعدها كان اعتقال الأستاذ محمد قطب

وعند شعورنا بالقلق والخشية من تكرار ضربة مثل ضربة 1954, وتذكر الأهوال التي تصيب الإخوان من التعذيب والتشريد وغيره , ثم الخوف على هذا التنظيم الوليد من وأده في مهده , كل هذه الاعتبارات جعلتنا نفكر وما السبيل؟ 

هل نصبر ونسلم أنفسنا كما يحدث في كل مرة ؟

أم أن هناك وسيلة أخرى لرد هذا الاعتداء ودفعه أو سحقه إن أمكن ؟أو على الأقل للدفاع عن أنفسنا ؟

وتم بناء على ذلك عرض الموضوع ومناقشته مع الأستاذ سيد , وكان ملخص ماورد في عدة جلسات مايلي :

كانت هناك موافقة مبدئية من الجميع على رد الاعتداء والدفاع عن النفس , وذلك لحماية الدعوة , وقال الشهيد في ذلك :كسيوف بني هاشم في مكة

وبدأ السؤال عن الإمكانية والأفراد الذين يكونون على استعداد وذوي كفاءة معينة , وكان أكثر المتحمسين لذلك علي عشماوي , الذي عرض إمكانيات الأفراد في القاهرة والجيزة وعددهم وإمكانياتهم واستعداداتهم , واتضح بعد ذلك عقب الاعتقال أن كلامه هذا كان مبالغاً فيه )الإخوان وعبد الناصر , القصة الكاملة لتنظيم 1965, أحمد عبد المجيد /ص100

ونرجح بناءً على ماتقدم أن الأخذ برد الاعتداء إنما تم الاقتناع به في الأشهر الأخيرة من حياته

ثامنا ً: دراسة إمكانية رد الاعتداء :

وهذا من فقهه رحمه الله فإذا كان رد الاعتداء واجبا , لكن لابد من دراسة إمكانية هذا الرد حتى لا يأتي بمفسدة أكبر , ولا يحقق الهدف المأمول منه

لقد كان سيد رحمه الله ضد رد الاعتداء عندما رأى عدم إمكانية ذلك وهذا ما نلحظه في تقريره الأخير في ثلاث نقاط :

الأولى : إيقاف جلب الأسلحة من الخارج

(.... وفي الموعد الأول – على ما أتذكر لم يحضر صبري – لذلك لم يتم تقرير شيء في الأمر , وفي موعد آخر كان الخمسة عندي وتقرر تكليف علي بوقف إرسال الأسلحة من هناك حتى يتم الاستعلام عن مصدرها , وعن مصدر النقود الذي اشتريت بها , فإن كان مصدرها من غير الإخوان ترفض , والاستفهام كذلك عن طريق شرائها دفعة واحدة أو مجزأة وطريقة إرسالها وضمانات أنها مكشوفة أم لا ؟ وبعد ذلك يقال للأخ المرسل ألا يرسلها حتى نخطره بإرسالها ) لماذا أعدموني /ص51

الثانية : ليس لدينا الإمكانيات الآن

( ... المهم أن هذه كلها كانت تنذر بقرب ضربة واعتداء يقع على الإخوان , وعلى هذا التنظيم بشكل خاص , فقررنا الإسراع بالتدريب بقدر الإمكان , وانصرفنا على أنه ليس لدينا الإمكانيات الآن ) لماذا أعدموني /59,60

الثالثة : لا يقدموا على شيء إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة :

(.... ولكن الأمر في هذا كله سواءً في القضاء على أشخاص أو منشآت لم بتعد التفكير النظري كما تقدم .. ذلك أنه إلى آخر لحظة قبل اعتقالنا لم تكن لديهم إمكانيات فعلية للعمل – كما أخبرني من قبل – وكانت تعليماتي لهم :

أ لا يقدموا على شيء إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة

وكانت هذه هي صورة الموقف قبل اعتقالي , ولا أعلم بطبيعة الحال ماذا حدث بعد ذلك , إلا أنه واضح أنه لم يقع شيء أصلا ً , وقد كانت لديهم فرصة ثلاثة أسابيع على الأقل لو كانوا يريدون القيام بأي عمل ) لماذا أعدموني ص61

تاسعاً: هل كان سيد يخشى الإعدام ؟

لقد كان سيد رحمه الله يعرف أن حكمه الإعدام لمجرد تأسيس تنظيم سري يعمل على التربية والعمل لإقامة نظام إسلامي , وهو ما سنقرأه في هذه التقرير

ويهمنا أن نعرض في هذه الفقرة هذه المقدمة المختصرة التي كانت في بداية التحقيق :

تقرير وبيان , مقدمة مختصرة :

( لقد كتبت بيانا مجملا ً قبل هذا تنقصه تفصيلات كثيرة , كما تنقصه وقائع وبيانات كثيرة ولقد أسيء فهم موقفي وتقدير دوافعي في كتابة هذا البيان على ذلك النحو , وأرجو أ، يكون هذا التقرير الجديد المفصل مايفي بالمطلوب , ومايجعل موقفي مفهوما على حقيقته ,والله يعلم أنني لم أكن حريصاً على نفسي , ولا قصدت تخليص شخصي بذلك الإجمال , لكنني – ويجب أن أعترف بذلك – كنت أحاول أولاً وقبل كل شيء حماية مجموعة من الشباب الذي معي في هذه الحركة بقدر ما أملك لاعتقادي أن هذا الشباب من خيرة من تحمل الأرض في هذا الجيل كله , وأنه ذخيرة للإسلام وللإنسانية , حرام أن تبدد وتهدد , وإنني مطالب أمام الله أن أبذل ما أملك لنجاتهم , وأن ذلك البيان المجمل الذي لا يحتوي كل التفاصيل الدقيقة هو كل ما أملكه في الظرف الحاضر للتخفيف عنهم , وقد يشملني هذا التخفيف ضمناً , ولكن الله يعلم أن شخصي لم يكن في حسابي , وقد احتملت المسؤولية كاملة منذ أول كلمة , وقلت :

إنه أن يُقدم إنسان مسلم رأسه ثمناً لإعلان وجود حركة إسلامية وتنظيم غير مصرح به قام أصلا على أساس أنه قاعدة لإقامة النظام الإسلامي , أيا كانت الوسائل التي يستخدمها لذلك , وهذا في عرف القوانين الوضعية جريمة تستحق الإعدام )

فهو يعلم مسبقا رحمه الله أن قبوله لرئاسة حركة تدعو لإقامة نظام إسلامي جريمة لا تعاقب القوانين الوضعية إلا بالإعدام , لكنه حاول إنقاذ إخوانه من حبل المشنقة

عاشراً:الكلمة الختامية التي خطها قبل أن يودع الحياة :

( كلمة ختامية :

هذه أهم مايحضرني الآن عن أوجه نشاطي في الحركة الإسلامية منذ انضمامي لصفوف الإخوان , فإن كان هناك تفصيلات أو جوانب أخرى فيمكن تذكيري  بها بسؤالي عنها (1)

ويتبقى بعد ذلك كله كلمة ختامية أقولها سواء فهمت على وجهها الآن أم لم تفهم ، فمن واجبي التبليغ بها وهي تتلخص في النقط المختصرة التالية :

1-        إن العنف الذي عومل به الإخوان سنة 1954 بناء على حادث مدبر لهم وليس مدبرا منهم وهو حادث المنشية والذي عوملوا به دون سائر الأفراد أو الطوائف الذين اتهموا بمؤامرات لقلب نظام الحكم أو للتجسس أو لغير ذلك . العنف الذي يتضمن التعذيب والقتل والتشريد وتخريب البيوت ..هذا العنف هو الذي أنشأ فكرة الرد على الاعتداء إذا تكرر بالقوة . ولو كنا نعلم أن الاعتقال مجرد اعتقال ينتهي بمحاكمة عادلة وعقوبات قانونية حتى على أساس القوانين الوضعية المعمول بها ، لما فكر أحد في رد الاعتداء بالقوة . وأنا أعرف أنه ليس هناك قيمة عملية الآن لتقرير هذه الحقيقة . ولكنها حقيقة يجب أن أسجلها في كلماتي الأخيرة .

2-        إنه مما لا شك فيه أن تدمير حركة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المماثلة في المنطقة هدف صهيوني وصليبي استعماري .وهو وسيلة من وسائل تدمير العقائد والأخلاق في المنطقة ، وأنه تبذل جهود ومؤامرات مستمرة لتحقيق هذا الهدف . وأنه لو استخدم في معاملة حركة الإخوان أسلوب آخر غير ما حدث سواء في سنة 1954 أو في هذه المرة لأمكن تدمير المخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية في المنطقة بدلا من تدمير الحركة الإسلامية التي مهما قيل في أخطائها فإنها وقفت في وجه الإلحاد المادي والانحلال الخلقي التي كانت قد أخذت في المد بعد حركة أتاتورك اللادينية في تركيا ، وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط

3-        إنه أعقب ضرب الإخوان في سنة 1954 موجة من الانحلال الأخلاقي والاتجاه الإلحادي وستعقب ضربهم الآن موجة أشد لا يعلم مداها إلى الله ، فلحساب من هذا الانهيار؟ إن قطعا ليس لحساب هذا البلد . ولا حتى لحساب النظام القائم على المدى الطويل والنظرة الأبعد . فكل نظام في الدنيا وخصوصا النظام الناشئ في طور التجربة يحتاج إلى أخلاق ، ويحتاج إلى عناصر متماسكة العقيدة والخلق لتنصر به وتحرسه .ولا يحتاج فقط إلى مجرد القوة ، فضلا عن أن أعداء المنطقة الحقيقيين هم الذين سيجدون طريقهم سهلا في النهاية في وجه مجتمع منحل عقيديا وخلقيا . ومهما كانت الآذان الآن غير مستعدة لسماع هذا الكلام ، فإن من واجبي إبلاغه وتبرئة ذمتي بقوله .

4-        لقد سمعت عدة مرات من يقول وهل أنتم وحدكم المسلمون ؟ أولا يكفيكم المؤتمر الإسلامي ، وبرنامج نور على نور ، والمساجد تقام فيها الصلاة والناس يذهبون إلى الحج ...؟؟؟  ويجب أن أقرر :

إن الإسلام شيء أكبر من هذا كله . إنه نظام حياة كاملة وإنه لا يقوم إلا :

-  بتربية وتكوين للأفراد

-  وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس

-  بعد تربيتهم تربية إسلامية

-  إنه ليس مجرد أفكار تنشر أو تذاع بدون الأخذ بها في تطبيقها عمليا ً

-  في التربية أولاً..

-  وفي نظام الحكم والحياة أخيرا

-  وإن حركة الإخوان المسلمين كانت هي أنجح تجربة للتربية والإعداد

-  وإن أي خطأ في الطريق لا يبيح تدميرها

-  وخصوصا إذا كان الخطأ منها ناتجا عن خطأ في معاملتها .

-  ولقد أوردت في سنة 1952 القيام بتجربة مثلها في هيئة شباب التحرير ، وكان الاتجاه معي في أول الأمر ، ولكن في النهاية تغلب توجيه جمعية الفلاح الأمريكية ، وأشتاب المنتفعين الذين أرادوا هيئة التحرير بالصورة المهلهلة التي وجدت بها . والتي تخالف كل ما اتفقنا عليه بشأنها . وبقيت حركة الإخوان وحدها القائمة بهذا الواجب .

-  إن الإسلام لا يقوم ولا يوجد ، ليس فيه حركة تربية ، ثم قيام نظام إسلامي يحكم بشريعة الله في النهاية .

هذه في النهاية :

كلمات رجل مستقبل وجه الله ، يخلص بها ضميره ، ويبلغ بها دعوته إلى آخر لحظة والسلام على من اتبع الهدى .

السجن الحربي في 22 أكتوبر سنة 1965 

سيد قطب لماذا أعدموني 95-98.

 

وأخيرا : سيد قطب ضد العنف :

هاهو سيد في آخر كلماته التي خطها في حياته يعلن أنه ضد العنف . عنف الطغاة والمستبدين الذين يريدون أن يقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وعنف المستبدين الذين يريدون تحويل الأمة إلى عبيد يأتمرون بأمرهم ، يقولها بصريح العبارة وهو بين أيدي الطغاة وحبل المشنقة يتراءى له يقول :

إن العنف (2) الذي عومل به الإخوان المسلمون سنة 1954 .. ذلك العنف الذي يتضمن التعذيب والقتل والتشريد وتخريب البيوت ... هذا العنف هو الذي أنشأ فكرة الرد على الاعتداء إذا تكرر بالقوة .)

فهو يرفض العنف أصلا . ورد الاعتداء الذي آمن به هو ضد العنف الذي يريد إبادة الحركة الإسلامية .

وإذا كان رد الاعتداء عنفا . فهو لا يؤمن به في ظل حكم عادل ولو كان الحكم للقوانين الوضعية .

 ( ولو كنا نعلم أن الاعتقال مجرد اعتقال ينتهي بمحاكمة عادلة ، وعقوبات قانونية حتى على أساس القوانين الوضعية ، المعمول بها ، لما فكر أحد في رد الاعتداء بالقوة.

2- وحين يفكر برد العنف ، والاعتداء بالقوة ، إنما هو ضرب للمخططات الصهيونية  و الصليبية في المنطقة .

 ( إنه مما لا شك فيه أن تدمير حركة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المماثلة في المنطقة هدف صهيوني وصليبي استعماري . وهو وسيلة من وسائل تدمير العقائد والأخلاق في المنطقة )

3- وهو ضد العنف لأنه لا يؤمن بالانقلابات العسكرية للوصول إلى الحكم

وهو ضد العنف لأنه لا يؤمن بإسقاط الأنظمة بالقوة ..

وهو ضد العنف لأنه لا يؤمن بأن التغيير يأتي من الأعلى

(  وبالتالي لا يمكن الوصول إلى إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى . ولكن عن طريق تغير في تصورات المجتمع كله أو مجموعات كافية لتوجيه المجتمع كله ، وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة في حسهم ) لماذا أعدموني /ص44

وهو ضد العنف فلم يحمل تاريخه كله إهراق قطرة دم واحدة يحاسب عليها .

وهو ضد العنف لأنه أمضى حياته في السجون والمعتقلات فداء لفكرته التي آمن بها

وهو ضد العنف ، بل هو صحية العنف ، إذ قدّم دمه قربانا لربه ، واختار الإعدام على المناصب والحياة الآمنة الوديعة ، ولإنقاذ رفاقه من الموت ، ممثلا قول الشاعر :

تقضي المروءة أن نمد جسومنا      جسراً فقل لرفاقنا أن يعبروا

فكيف يرضى الدعاة إلى الله أن تؤثر فيهم هذه المقولة :

إن سيد صاحب الفكر المتطرف ، ومن دعاة العنف ، وهو يعلن براءته من ذلك كله ، ويختار أطول طريق للتغيير . وهو طريق التربية للمجتمع كله أو جله مهما امتد الزمن. لقد أحيا سيد قطب رحمه الله أمة بكاملها فيما نشر فيها من عزة وفقه للإسلام واعتزاز بدينه وحطم كل أساليب الأعداء في نشر الوهن والضعف في الأمة .

نحن لا ننفي أن بعض الاجتهادات التي أخذ بها سيد رحمه الله تتناسب مع طبيعة المرحلة التي عاشها ، وتختلف معه فيها ، إنما ريادة الأمة كانت في فقه التغيير والانطلاق ابتداءً من التربية . وانتهاء بنظام الحكم .

فنظام الحكم الإسلامي عند سيد رغم أهميته هو ثمرة التربية الدؤوب الطويلة ، وليس ثمرة العنف وفرض الأفكار بالقوة ، وندعو الدعاة إلى الله ، وندعو الخصوم ، وندعو المتطرفين من الدعاة الذين اتخذوا العنف والقوة وسيلة للتغيير أن يقرأوا آخر ما كتبه ، وآخر ما قاله ، في لحظات حياته وقبل أن يساق إلى المقصلة :

( ويجب أن أقرر أن الإسلام شيء أكبر من ذلك كله ، إنه نظام حياة كاملة ، وإنه لا يقوم إلا بتربية وتكوين للأفراد ، وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية .. إن الإسلام لا يقوم ولا يوجد في بلد ليس فيه حركة تربية ، ثم قيام نظام إسلامي يحكم بشريعة الله في النهاية ..

هذه في النهاية كلمات رجل يستقبل وجه الله يخلص بها ضميره ، ويبلغ بها دعوته إلى آخر لحظة ، والسلام على من اتبع الهدى .

السجن الحربي في 22 أكتوبر سنة 1965

سيد قطب لماذا أعدموني ص 88    

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــ

(1) يرى الأخوان على وهشام حافظ ناشرا هذه الوثيقة ما يلي : ( من ناحيتنا نحن فإننا نؤكد أن هذه الوثيقة أو الشهادة ، وهي الإجابة الكاملة على سؤال المحققين قد وصلتنا ، بخط الشهيد ، ونؤكد في نفس الوقت أنها ناقصة غير كاملة . فقد حرص أذناب النظام الطاغية على الاحتفاظ في مكان غير معروف ، عند شخص معروف بالجزء الخاص بالتعديل الذي تعرض له الشهيد سيد قطب ورفاقه ظنا منهم أن خلو الوثيقة أو الشهادة من تلك الصفحات السوداء سيبيض وجوه الطغاة وأذنابهم الذين لم يتركوا وسيلة عرفوها لتعذيب الشهيد سيد قطب إلا واستعملوها ولكن هل نجحوا في التأثير على روح الشهيد وضميره ؟ أبدا ! إنهم تمكنوا من جسده الفاني أما روحه فلم يقدروا أبدا عليها ولذلك أعدموه .كيف لا يعدموه أيتركوا جسده شاهدا على وحشيتهم ؟ يقول رفاق الشهيد سيد قطب في السجن قبل إعدامه : أنهم عذبوه عذابا شديدا ، وشوهوا جسده ووجهه ، يريدون بذلك الوصول إلى روحه ليتمكنوا منها . ولكن الله سبحانه وتعالى لم يمكنهم من روحه ، وأبلغ دليل على ذلك هو إعدامهم لصاحب في ظلال القرآن   . هشام ومحمد علي حافظ  ص 4،3، لماذا أعدموني

(2) لقد كانت القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي أعظم جرائم العنف التي لحقت البشرية وعندما اخترع الغرب القنبلة النووية أصبح القنبلة الذرية بمثابة عود ثقاب لإشعال القنبلة النووية . ونعود لنقول : ما جرى من عنف في مصر ضد الحركة الإسلامية ، يعتبر بمثابة عود ثقاب أو فتيل إذا قيس بما تلقته الحركة الإسلامية في سورية من عمليات الإبادة والاستئصال . ويكفي أنه تم قتل قرابة ثمانية عشر ألف في سجون النظام في سورية غير ما جرى في حماة من قتل عشرين ألفا من الآمنين العزل ، وسجن ثلاثين ألفا وتشريد مائة ألف آخرين.

ــــــــ

*باحث إسلامي سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ