-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 29/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


القدس والأقصى..إلى أين ؟

د / لطفي زغلول – نابلس

لا يمكن لأية افرازات احتلالية ، وهي كثيرة ودائمة وخطيرة ، وقد دخل الإحتلال الإسرائيلي لما تبقى من فلسطين عام 1948 ، عامه الثالث والأربعين ، ان يجعل من القدس الشريف والأقصى المبارك قضية ثانوية ، او ان يتمكن من وضع ملفهما على رف النسيان ، او بصحيح العبارة ان لا يكونا مهوى افئدة المنتمين اليهما عقيدة وتاريخا ، برغم كل الاساليب القمعية التي تنتهجها السياسات الاسرائيلة المتمثلة باغلاق القدس واغتصابها وتهويدها ، وبرغم النوايا الشريرة التي تتربص بالمسجد الأقصى المبارك .

لقد ظلت القدس بالنسبة للفلسطينيين قضية ذات ابعاد متعددة . فالى جانب كونها عاصمة سياسية لدولتهم الفلسطينية العتيدة التي يصرون ان تتبوأ مكانها على خارطة العالم السياسية ، فهي قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة اشقائهم الروحية في العروبة والاسلام . وحسبها انها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها عرج الى السماء .

الا ان الايمان بالحق والاصرار على استرجاعه من قبل اصحابه الشرعيين شيء ، وما جرى وما زال يجري على ارض القدس من تغييرات اساسها التهويد الجغرافي والديموغرافي من قبل الاحتلال الاسرائيلي هو شيء آخر . وهذا الشيء الآخر له خطورته كونه يأتي تنفيذا لمخطط افتراس القدس المستمر ، هذا المخطط الذي تفرز كل حركة من تحركاته تحديا سافرا للعرب والمسلمين اينما كانوا وتواجدوا بعامة ، والفلسطينيين بخاصة .

 الا ان الاخطر من ذلك ان السياسة الاسرائيلية ايا كانت الوان طيفها تستثني الحديث عن القدس من اية تسوية مع الفلسطينيين ، ولا تشكل من منظورها مدخلا الى اعتراف الانظمة العربية والاسلامية باسرائيل او التطبيع معها . ان إسرائيل تصر على ان تكون القدس موحدة وعاصمتها التاريخية ، وخارج اطار أية تسوية .

لقد تمادت السياسات الاسرائيلية كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ، وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ، كون هذا الفعل الاسرائيلي لا يلقى ادنى رد فعل عليه من قبل الانظمة العربية والاسلامية ، والتي اصبحت قضية القدس لا تحتل ادنى مساحة من اجنداتها السياسية أو غير السياسية ، الامر الذي اضاء ضوءا اخضر مستداما للحكومات الاسرائيلية كي تعمل براحتها على تنفيذ كل مخططات تهويد القدس ، وانتزاعها شبرا شبرا من ايدي اصحابها الشرعيين ، ولتصبح اسرائيل قيّمة على مقدساتها التي يفترض انها وقف لكل المسلمين .

واسرائيل في هذه الايام تعمل ، فيما يخص القدس ، في ثلاثة اتجاهات بغية تحقيق ثلاثة اهداف استراتيجية . الهدف الاول يتمثل في تحقيق مشروع القدس الكبرى متوغلة ما ينوف عشرات الكيلومترات خارج حدود بلدية القدس باتجاه البحر الميت . وهذا لا يتسنى لها الا على حساب مصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية ، بالاضافة الى ما سبق وصادرته من اراض اقامت عليها حزاما استيطانيا حول القدس على مدى سنوات احتلالها .

والهدف الثاني ، وهو ليس منفصلا عن الهدف الاول ، ويتقاطع معه في كل النقاط ، ويتمثل في إيجاد قدس ذات طبيعة جغرافية وديموغرافية تهويدية ، يصر الاسرائيليون ان لا تكون على اجندة مفاوضات الحل النهائي ،هذا اذا ما كتب لها ان تكون ، اضافة الى كونها تحول دون تحقيق الحلم الفلسطيني بان تكون عاصمة دولتهم العتيدة .

واذا كان هذان الهدفان الاول والثاني يخصان الى حد كبير الفلسطينيين ودولتهم وعاصمتهم ، فان الهدف الثالث الذي نحن بصدده يخص العالمين العربي والاسلامي ، ويتمثل في خلق اجواء عاصفة مشحونة بالتشنج تحيط بالمسجد الاقصى المبارك ، ومسجد قبة الصخرة المشرفة اللذين كانت المخططات الصهيونية لهما بالمرصاد منذ الاحتلال الاسرائيلي للقدس عام 1967 .

ومن هذه الامثلة التي لا حصر لها محاولة احراق الاقصى في آب اغسطس من العام 1968 ، وشق النفق في اساساته ، وما تخطط له بخصوص المصلى المرواني ، وآخرها لا أخيرها ما يجول في افكار متدينيها حول اقتسام حرم المسجد الأقصى المبارك . وفي هذه الأيام أخذت جماعات يهودية متطرفة تدعو إلى اقتحام المسجد الأقصى والصلاة في باحاته .

 ونحن لا ننسى الحملة التحريضية لهدم الاقصى كتعويض للمستوطنين عن اخلاء قطاع غزة من الاستيطان ، واجلاء المستوطنين عنه . وقد وزع مؤخرا اعلان تتصدره صورتان : الاولى لمستوطنين وجنود اثناء عملية الاجلاء والاخلاء . والثانية عبارة عن رسم تخيلي لجرافة عملاقة تقوم بهدم قبة الصخرة المشرفة وما يجاورها من منشآت تابعة له . وهناك تعليق في اسفل الصورتين نصه : التعويض قريبا في " جبل الهيكل " ، أي المسجد الاقصى . وهنا تتمثل خطورة الربط بين الانسحاب من قطاع غزة وهدم المسجد الاقصى - لا سمح الله - لبناء الهيكل المزعوم على انقاضه .

وهذه هي الاجواء المشحونة بالتوتر التي يعيشها الفلسطينيون واياديهم عل قلوبهم ، خشية ان يلحق الاذى والمكروه بثالث الحرمين الشريفين ، وخشية ابتلاع اولى القبلتين ، اضافة الى الهموم المستدامة الاخرى التي ما انفك يفرزها الاحتلال ، وعلى سبيل المثال لا الحصر هدم المنازل الفلسطينية في القدس ، والتهديد بهدم المزيد . الا ان الهم الاكبر الذي يعيشه الفلسطينيون يتمثل في لا مبالاة الانظمة العربية والاسلامية السياسية بكل هذه الاحداث الخطيرة على ساحة القدس ومقدساتها .

واذا كانت هذه الانظمة السياسية لم تعد تولي قضية القدس والاقصى المبارك الاهمية التي تستحقها لاسباب باتت معروفة لكل ذي رأي ورؤيا وبصر وبصيرة ، فان السؤال المتعدد الجوانب الذي يطرح نفسه بالحاح هنا : وماذا عن ادوار منظمة المؤتمر الاسلامي ، والازهر الشريف ، وكليات الشريعة وهيئات الافتاء ، وكل المؤسسات والمنظمات الاسلامية الاخرى ذات الشأن ؟ . اليست القدس والاقصى جزءا لا يتجزأ من العقيدة والتاريخ الاسلاميين ؟ . اين هو الصوت الاسلامي الذي يفترض به ان يعلو مدافعا عن مقدسات المسلمين ؟ . وفيم الانتظار اذا كان هذا السكوت انتظارا ، والى متى ؟ .

وفي ذات السياق فثمة لوم كبير يقع على الاعلامين العربي والاسلامي بكل اشكالهما المقروءة والمسموعة والمرئية . هناك اهمال وتجاهل ولا مبالاة وعدم اكتراث بموضوع القدس والاقصى . ان المتتبع لهذا الاعلام وبخاصة البرامج المرئية الفضائية ، ومقالات الرأي في الصحافة ، سوف يصدم كون القدس والاقصى لا يشكلان ادنى اهتمام لديهم ، وليسا على ما يبدو مدرجين على اجندة اهتمامات هؤلاء الكتاب الذين شغلتهم موضوعات اخرى ، او انها استحوذت على اقلامهم لسبب او لآخر. وتبقى القدس واقصاها هما فلسطينيا في الدرجة الاولى .

صحيح ان القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة ، وان الدفاع عنها يقع في الدرجة الأولى على كاهل الفلسطينيين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أرواح شهداء خيرة أبنائهم ، وما زالوا يبذلون ، وهذا شرف لهم خصهم الله به ، كونهم جغرافيا مواطني هذه الأرض المقدسة ، وأصحابها الشرعيين .

إلا ان الملاحظ ان العالمين العربي والإسلامي ، والقدس الشريف بأقصاها المبارك وصخرتها المشرفة ، لم يعودا يشكلان أولوية مدرجة على أية أجندة سياسية لهما ، ولا حتى ثانوية . ان ما تقدمه الأنظمة العربية والإسلامية لا يكاد يذكر مقارنا بما تفعله الحكومات الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى في مجال تهويدها جغرافيا وديموغرافيا . ومثالا لا حصرا هدم منازل أصحابها التاريخيين ، أو مصادرتها ن أو احاطتها بحزام استيطاني له أول وليس له آخر .

ان القدس ليست ملك الفلسطينيين وحدهم ، وكذلك الأقصى المبارك والصخرة المشرفة . انها ملك المسلمين ، فهي جزء لا يتجزأ من عقيدتهم السمحة وتاريخهم المجيد . وانطلاقا من هذه الحقيقة الثابتة فان الدفاع عنها واجب عربي وإسلامي قبل ان يكون واجبا واهتماما فلسطينيين .

وكلمة اخيرة . لقد مني العرب والمسلمون في القرن العشرين المنصرم ، والقرن الحادي والعشرين الحالي بالكثير الكثير من الخسائر من سياداتهم وحرياتهم واستقلالية قراراتهم وكرامتهم وخيرات بلادهم واوزانهم السياسية والاقتصادية والثقافية جراء فرقتهم وانقسامهم وتعاديهم ، أو جريهم وراء المكاسب المادية التي سرعان ما تذوب في انهيار اسواقهم المالية .

ولم يبق لهم الا عقيدتهم ومقدساتهم التي اصبحت في مرمى الاستهداف ، ويخشى لا سمح الله ان يستهينوا بها ، فتسلب منهم . والقدس والاقصى ناقوسا خطر ما زالا يقرعان ليلا نهارا لعل الآذان تسمع ، والعيون ترى ، والألباب تعي وتستوعب هذا الخطر المحدق بالعقيدة والتاريخ والتراث . وعندها يحق لنا ان نسأل : القدس والأقصى إلى أين ؟ .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ