-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
القدس
والأقصى..إلى أين ؟ د
/ لطفي زغلول – نابلس لا
يمكن لأية افرازات احتلالية ،
وهي كثيرة ودائمة وخطيرة ، وقد
دخل الإحتلال الإسرائيلي لما
تبقى من فلسطين عام 1948 ، عامه
الثالث والأربعين ، ان يجعل من
القدس الشريف والأقصى المبارك
قضية ثانوية ، او ان يتمكن من
وضع ملفهما على رف النسيان ، او
بصحيح العبارة ان لا يكونا مهوى
افئدة المنتمين اليهما عقيدة
وتاريخا ، برغم كل الاساليب
القمعية التي تنتهجها السياسات
الاسرائيلة المتمثلة باغلاق
القدس واغتصابها وتهويدها ،
وبرغم النوايا الشريرة التي
تتربص بالمسجد الأقصى المبارك . لقد
ظلت القدس بالنسبة للفلسطينيين
قضية ذات ابعاد متعددة . فالى
جانب كونها عاصمة سياسية
لدولتهم الفلسطينية العتيدة
التي يصرون ان تتبوأ مكانها على
خارطة العالم السياسية ، فهي
قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة
اشقائهم الروحية في العروبة
والاسلام . وحسبها انها أولى
القبلتين وثالث الحرمين
الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم
محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها
عرج الى السماء . الا
ان الايمان بالحق والاصرار على
استرجاعه من قبل اصحابه
الشرعيين شيء ، وما جرى وما زال
يجري على ارض القدس من تغييرات
اساسها التهويد الجغرافي
والديموغرافي من قبل الاحتلال
الاسرائيلي هو شيء آخر . وهذا
الشيء الآخر له خطورته كونه
يأتي تنفيذا لمخطط افتراس القدس
المستمر ، هذا المخطط الذي تفرز
كل حركة من تحركاته تحديا سافرا
للعرب والمسلمين اينما كانوا
وتواجدوا بعامة ، والفلسطينيين
بخاصة . الا
ان الاخطر من ذلك ان السياسة
الاسرائيلية ايا كانت الوان
طيفها تستثني الحديث عن القدس
من اية تسوية مع الفلسطينيين ،
ولا تشكل من منظورها مدخلا الى
اعتراف الانظمة العربية
والاسلامية باسرائيل او
التطبيع معها . ان إسرائيل تصر
على ان تكون القدس موحدة
وعاصمتها التاريخية ، وخارج
اطار أية تسوية . لقد
تمادت السياسات الاسرائيلية
كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ،
وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ،
كون هذا الفعل الاسرائيلي لا
يلقى ادنى رد فعل عليه من قبل
الانظمة العربية والاسلامية ،
والتي اصبحت قضية القدس لا تحتل
ادنى مساحة من اجنداتها
السياسية أو غير السياسية ،
الامر الذي اضاء ضوءا اخضر
مستداما للحكومات الاسرائيلية
كي تعمل براحتها على تنفيذ كل
مخططات تهويد القدس ، وانتزاعها
شبرا شبرا من ايدي اصحابها
الشرعيين ، ولتصبح اسرائيل
قيّمة على مقدساتها التي يفترض
انها وقف لكل المسلمين . واسرائيل
في هذه الايام تعمل ، فيما يخص
القدس ، في ثلاثة اتجاهات بغية
تحقيق ثلاثة اهداف استراتيجية .
الهدف الاول يتمثل في تحقيق
مشروع القدس الكبرى متوغلة ما
ينوف عشرات الكيلومترات خارج
حدود بلدية القدس باتجاه البحر
الميت . وهذا لا يتسنى لها الا
على حساب مصادرة المزيد من
الاراضي الفلسطينية ، بالاضافة
الى ما سبق وصادرته من اراض
اقامت عليها حزاما استيطانيا
حول القدس على مدى سنوات
احتلالها . والهدف
الثاني ، وهو ليس منفصلا عن
الهدف الاول ، ويتقاطع معه في كل
النقاط ، ويتمثل في إيجاد قدس
ذات طبيعة جغرافية وديموغرافية
تهويدية ، يصر الاسرائيليون ان
لا تكون على اجندة مفاوضات الحل
النهائي ،هذا اذا ما كتب لها ان
تكون ، اضافة الى كونها تحول دون
تحقيق الحلم الفلسطيني بان تكون
عاصمة دولتهم العتيدة . واذا
كان هذان الهدفان الاول والثاني
يخصان الى حد كبير الفلسطينيين
ودولتهم وعاصمتهم ، فان الهدف
الثالث الذي نحن بصدده يخص
العالمين العربي والاسلامي ،
ويتمثل في خلق اجواء عاصفة
مشحونة بالتشنج تحيط بالمسجد
الاقصى المبارك ، ومسجد قبة
الصخرة المشرفة اللذين كانت
المخططات الصهيونية لهما
بالمرصاد منذ الاحتلال
الاسرائيلي للقدس عام 1967 . ومن
هذه الامثلة التي لا حصر لها
محاولة احراق الاقصى في آب
اغسطس من العام 1968 ، وشق النفق
في اساساته ، وما تخطط له بخصوص
المصلى المرواني ، وآخرها لا
أخيرها ما يجول في افكار
متدينيها حول اقتسام حرم المسجد
الأقصى المبارك . وفي هذه الأيام
أخذت جماعات يهودية متطرفة تدعو
إلى اقتحام المسجد الأقصى
والصلاة في باحاته . ونحن
لا ننسى الحملة التحريضية لهدم
الاقصى كتعويض للمستوطنين عن
اخلاء قطاع غزة من الاستيطان ،
واجلاء المستوطنين عنه . وقد وزع
مؤخرا اعلان تتصدره صورتان :
الاولى لمستوطنين وجنود اثناء
عملية الاجلاء والاخلاء .
والثانية عبارة عن رسم تخيلي
لجرافة عملاقة تقوم بهدم قبة
الصخرة المشرفة وما يجاورها من
منشآت تابعة له . وهناك تعليق في
اسفل الصورتين نصه : التعويض
قريبا في " جبل الهيكل " ،
أي المسجد الاقصى . وهنا تتمثل
خطورة الربط بين الانسحاب من
قطاع غزة وهدم المسجد الاقصى -
لا سمح الله - لبناء الهيكل
المزعوم على انقاضه . وهذه
هي الاجواء المشحونة بالتوتر
التي يعيشها الفلسطينيون
واياديهم عل قلوبهم ، خشية ان
يلحق الاذى والمكروه بثالث
الحرمين الشريفين ، وخشية
ابتلاع اولى القبلتين ، اضافة
الى الهموم المستدامة الاخرى
التي ما انفك يفرزها الاحتلال ،
وعلى سبيل المثال لا الحصر هدم
المنازل الفلسطينية في القدس ،
والتهديد بهدم المزيد . الا ان
الهم الاكبر الذي يعيشه
الفلسطينيون يتمثل في لا مبالاة
الانظمة العربية والاسلامية
السياسية بكل هذه الاحداث
الخطيرة على ساحة القدس
ومقدساتها . واذا
كانت هذه الانظمة السياسية لم
تعد تولي قضية القدس والاقصى
المبارك الاهمية التي تستحقها
لاسباب باتت معروفة لكل ذي رأي
ورؤيا وبصر وبصيرة ، فان السؤال
المتعدد الجوانب الذي يطرح نفسه
بالحاح هنا : وماذا عن ادوار
منظمة المؤتمر الاسلامي ،
والازهر الشريف ، وكليات
الشريعة وهيئات الافتاء ، وكل
المؤسسات والمنظمات الاسلامية
الاخرى ذات الشأن ؟ . اليست
القدس والاقصى جزءا لا يتجزأ من
العقيدة والتاريخ الاسلاميين ؟
. اين هو الصوت الاسلامي الذي
يفترض به ان يعلو مدافعا عن
مقدسات المسلمين ؟ . وفيم
الانتظار اذا كان هذا السكوت
انتظارا ، والى متى ؟ . وفي
ذات السياق فثمة لوم كبير يقع
على الاعلامين العربي
والاسلامي بكل اشكالهما
المقروءة والمسموعة والمرئية .
هناك اهمال وتجاهل ولا مبالاة
وعدم اكتراث بموضوع القدس
والاقصى . ان المتتبع لهذا
الاعلام وبخاصة البرامج
المرئية الفضائية ، ومقالات
الرأي في الصحافة ، سوف يصدم كون
القدس والاقصى لا يشكلان ادنى
اهتمام لديهم ، وليسا على ما
يبدو مدرجين على اجندة اهتمامات
هؤلاء الكتاب الذين شغلتهم
موضوعات اخرى ، او انها استحوذت
على اقلامهم لسبب او لآخر. وتبقى
القدس واقصاها هما فلسطينيا في
الدرجة الاولى . صحيح
ان القدس هي عاصمة الدولة
الفلسطينية العتيدة ، وان
الدفاع عنها يقع في الدرجة
الأولى على كاهل الفلسطينيين
الذين بذلوا الغالي والنفيس من
أرواح شهداء خيرة أبنائهم ، وما
زالوا يبذلون ، وهذا شرف لهم
خصهم الله به ، كونهم جغرافيا
مواطني هذه الأرض المقدسة ،
وأصحابها الشرعيين . إلا
ان الملاحظ ان العالمين العربي
والإسلامي ، والقدس الشريف
بأقصاها المبارك وصخرتها
المشرفة ، لم يعودا يشكلان
أولوية مدرجة على أية أجندة
سياسية لهما ، ولا حتى ثانوية .
ان ما تقدمه الأنظمة العربية
والإسلامية لا يكاد يذكر مقارنا
بما تفعله الحكومات
الإسرائيلية الواحدة تلو
الأخرى في مجال تهويدها جغرافيا
وديموغرافيا . ومثالا لا حصرا
هدم منازل أصحابها التاريخيين ،
أو مصادرتها ن أو احاطتها بحزام
استيطاني له أول وليس له آخر . ان
القدس ليست ملك الفلسطينيين
وحدهم ، وكذلك الأقصى المبارك
والصخرة المشرفة . انها ملك
المسلمين ، فهي جزء لا يتجزأ من
عقيدتهم السمحة وتاريخهم
المجيد . وانطلاقا من هذه
الحقيقة الثابتة فان الدفاع
عنها واجب عربي وإسلامي قبل ان
يكون واجبا واهتماما فلسطينيين
. وكلمة
اخيرة . لقد مني العرب والمسلمون
في القرن العشرين المنصرم ،
والقرن الحادي والعشرين الحالي
بالكثير الكثير من الخسائر من
سياداتهم وحرياتهم واستقلالية
قراراتهم وكرامتهم وخيرات
بلادهم واوزانهم السياسية
والاقتصادية والثقافية جراء
فرقتهم وانقسامهم وتعاديهم ، أو
جريهم وراء المكاسب المادية
التي سرعان ما تذوب في انهيار
اسواقهم المالية . ولم
يبق لهم الا عقيدتهم ومقدساتهم
التي اصبحت في مرمى الاستهداف ،
ويخشى لا سمح الله ان يستهينوا
بها ، فتسلب منهم . والقدس
والاقصى ناقوسا خطر ما زالا
يقرعان ليلا نهارا لعل الآذان
تسمع ، والعيون ترى ، والألباب
تعي وتستوعب هذا الخطر المحدق
بالعقيدة والتاريخ والتراث .
وعندها يحق لنا ان نسأل : القدس
والأقصى إلى أين ؟ . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |