-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ثرثرة
على ضفاف البلقان..بين فضائين عريب
الرنتاوي / بريشتينا للمفتي
ومؤسسة الإفتاء مكانة تتعدى
مألوف الوظيفة الدارج في
بلادنا، فهو "الممثل الشرعي
الوحيد" للإسلام والمسلمين
الكوسوفيين أمام الدولة، وهي
المؤسسة الأهلية المعتمدة على
عائدات الوقف وما يتجمع بين
يديها من تبرعات وعوائد
استثمارات، فلا صفة رسمية أو
حكومية للأوقاف والإفتاء في هذه
البلاد. ولأن
الدولة الناشئة لم تحظ بعد
باعتراف الغالبية العظمى من
الدول العربية والإسلامية، فإن
المفتي ودار الافتاء والاتحاد
الإسلامي، يلعبون دور "رأس
الجسر" أو "دورية
الاستطلاع المتقدمة"
للدبلوماسية الكوسوفية للوصول
إلى العالم العربي، حيث ترفض
قوانين بعض الدول العربية
الاعتراف بجواز السفر
الكوسوفي، وثمة رسل ومندوبين
وطلاب تبعث بهم مؤسسة الإفتاء
للدراسة في العالم العربي، راوح
عددهم ما بين 500 – 600 طالب
وطالبة. اللقاء
مع المفتي نعيم ترنافا كان
باكورة لقاءاتنا في بريشتينا،
زملائي في الرحلة النائب المصري
جمال زهران والنائب العراقي
علاء مكي والصديق الدكتور محمد
الأرناؤوط وأنا، وفي مكتبه
المدجج بالصحفيين ووسائل
الإعلام، استقبلنا بلسان عربي
مبين، وأخذنا الحديث مع فضيلته
إلى شتى ساحات الفضول والمعرفة. وأعترف
بأنني ما كنت لأتعرف على سماحته
أو لأخمّن بأن الرجل الذي يقف
أمامي هو سماحة مفتي الديار
الكوسوفية، لولا العمامة التي
علت رأسه (وحده) والمكانة
المحورية التي يحظى بها وسط حشد
من الرجال والنساء في مقره
العام، فالرجل يرتدي لباسا
غربيا وهو حليق الذقن، ويصافح
من يرغب بمصافتحه ذكورا وإناثا،
ولا يحيط اللقاء به بكثير من
الشروط المتعلقة بنوع اللباس أو
غطاء الرأس الذي يتعين على
النساء ارتدائه كما في حالات
كثيرة عندنا. عرض لنا
الأوضاع وحال المسلمين والدمار
الذي لحق بالمساجد والقتل
العشوائي للأئمة والحرق المنظم
لمنازلهم إلى غير ما هنالك من
مظاهر بربرية أحاطت بالحرب
المدمرة التي تعرضت لها البلاد،
ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن
مظاهر "التدين"
و"الأسلمة" في الدولة
الناشئة، مميزا بصورة غير
مباشرة بين إسلام أوروبي وآخر
شرق أوسطي، راجيا على ما يبدو أن
ندرك اختلاف الزمان والمكان. سألته
سؤالا مباشرا: كيف يمارس هو
شخصيا والمؤسسة التي يقف على
رأسها دورهما في مواجهة تحديين:
الأول، الحفاظ على "الهوية
الإسلامية" للكوسفويين في
مجتمع أوروبي / غربي بامتياز،
حيث النساء يظهرن زهدا شديدا في
ارتداء الملابس، وحيث تبدو
"الأشرفية والجميزة" في
بيروت، تبدو أماكن محافظة جدا
قياسا بأماكن السهر واللهو في
بريشتينا...والثاني، مواجهة
تيارات الغلو والتطرف التي تسعى
في شق طريقها إلى "الإسلام
الشعبي" الكوسوفي، مدعومة
بشبكات دعم وإسناد تنتهي
أطرافها في عواصم ومدن عربية
عدة. في
الجواب على التحدي الأول، أشار
المفتي إلى الحاجة لأخذ خصوصية
الإسلام الأوروبي بنظر
الاعتبار، لافتا إلى ما وصفه
بمظاهر إيجابية حيث المساجد تعج
بالمصلين على اختلاف أعمارهم
بمن في ذلك الشباب من دون أن
يبدو ذلك في مواجهة أو تناقض مع
مظاهر الحياة وأنماط السلوك
المنفتحة السائدة في البلاد،
لكأننا أمام ظاهرة جديدة في
علاقة المسلم بالمسجد، تشبه إلى
حد كبير علاقة المسيحي بالكنيسة
في معظم الدول الأوروبية /
الغربية، أي لكأننا أمام إسلام
أوروبي لا يختلف فقط عن إسلام
هذه المنطقة والشرق الأوسط
الكبير، بل ويختلف أيضا عن
إسلام الجاليات العربية
والمسلمة المنتشرة في أوروبا
والذي تأثر كثيرا بالصحوات
والمد السلفي الذي انطلق وتعاظم
منذ المنقلب الثاني لسبعينييات
القرن الفائت. أما عن
التحدي الثاني، فيتمثل في عشرات
الطلاب والدارسين الكوسفويين
الذين تلقوا علومهم وتعليمهم في
الدول العربية (بالمناسبة،
الفتاة الوحيدة المحجبة التي
قابلتها في بريشتينا كانت طالبة
في الأردن)، خصوصا السعودية (مكة
والمدينة)، هؤلاء يعودون إلى
بلادهم بأفكار سلفية متنشددة،
وهم يحافظون على صلاتهم بشبكات
ومؤسسات وجميعات في دولنا
العربية وبعض دول الجوار
(البوسة والهرسك)، يعملون لها
نظير مبالغ تزيد عن ضعف متوسط
الأجور، هؤلاء على قلتهم،
يشكلون هاجسا فكريا وأمنيا، لا
للإفتاء والمفتي والإسلام
الكوسوفي الخاص فحسب، بل
ولأجهزة الأمن متعددة الجنسيات
التي تعمل في كوسوفا والبلقان،
على الرغم من انعدام الحواضن
الاجتماعية والثقافية التي
تشجع على تكاثرهم وانتشارهم. ثمة
الكثير مما يمكن قراءته وتعلمه
من تجربة المسلمين الأوروبيين،
فهي تجربة فريدة لا تشبهها
تجربة أخرى، تركيا مثلا تقع على
هامش أوروبا وليس في قلبها،
والجاليات المسلمة التي يزداد
تعدادها باضطراد، تختلف كليا في
مبناها ومآلاتها والمؤثرات
التي تصوغ علاقاتها بالدولة
والوطن الأصلي والدين،
والإجابات التي توفرها لأسئلة
الهوية والاندماج تختلف عن تلك
التي تأتي بها تجربة شعوب راسخة
جذورها في قلب الفضاء الأوروبي
ثقافة وتاريخا وحضارة، وتنتمي
في الوقت ذاته إلى الفضاء
الإسلامي، والإسلام الأوروبي
بهذا المعنى، يمكن أن يكون
منطلقا لتطوير وإشاعة خطاب
إسلامي مدني ديمقراطي يوازي
ويعادل تجربة "المسيحيين
الديمقراطيين" في أوروبا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |