-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 13/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مع الشيخ الموسوعة

محمد سعيد الطنطاوي

الدكتور عثمان قدري مكانسي

أذن لصلاة العصر في مكة المكرمة ، وكنت أجهز نفسي للسفر إلى المدينة المنوّرة عشاء بعد أن أديت وزوجتي نُسُك العمرة هذا الصيف ، وكان شهر تموز قد أطل علينا وما نزال في مكة المكرمة .

قبل يومين كنت والشيخ الدكتور منير الغضبان حفظه الله تعالى في بيته حين جاء ذكر الشيخ محمد سعيد الطنطاوي ، الذي يعتبره الشيخ أبو عامر – منير – أستاذه إذ قال : أرى نفسي بين يديه تلميذاً صغيراً وإن كان مَن حولي يكنّون لي التقدير والاحترام ويستفيدون من دراستي لسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فإن أحسست في نفسي ما لا يليق بها من شعور بالذات زائد - لجأت إلى الجلوس بين يديه لألمس حقيقة قوله تعالى " وفوق كل ذي علم عليم " لقد تعلمت منه التواضع والأخلاق ، والصراحة دون مصانعة ، ولن تجد في عالمنا الحاضر مثله في سماته هذه ، والثالثة منها خاصة .

وكان الشيخ أبو عامر قد ترجم لأستاذه الطنطاويّ كثيراً من حياته وأعماله جلاّها في حلقات أربع منشورة في موقع علماء سورية أنصح بالعودة إليها لما فيها من فائدة ملموسة وعظات محمودة .

قلت : إننا كنا نستعد للرحيل إلى مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام حين هاتفني أخي الأستاذ " مجد مكي " حفظه الله تعالى يعرض عليّ مرافقته في زيارة قصيرة للأستاذ محمد سعيد الطنطاوي ، فوجدتها فرصة ظريفة ألتقي فيها الشيخ الذي أعرفه عن بعد منذ أكثر من أربعين عاماً حين كنت ضابطاً في الجيش عام ثلاثة وسبعين ، يجاور سريتي ضابط من الكسوة يحمل شهادة جامعية من كلية الشريعة في دمشق لم أره منذ افترقنا ، وكان لطيف المعشر دمث الأخلاق يكبرني بعشر سنوات – أطال الله عمره وحسن عمله – هو الشيخ " محمد الأصفر" حدّثني كيف كلّم – وهو في لبنان- جنياً من نجْدٍ على لسان فتاة كان دخل هذا الجنّيّ جسمها سجيناً ، وكان الحديث مستفيضاً دلّ على أن هذا الجنيّ تعلم الفقه والأمور الشرعية على يد الشيخ محمد سعيد الطنطاوي في أحد مساجد الرياض – وللقارئ أن يطالع القصة في موقع أدباء الشام بعنوان " كلمت جنياً " ففيها ما يستحق القراءة – إنّ معرفتي سطحية جداً بهذه الموسوعة المتحركة ، فلِمَ لا أراه رأي العين ، وأكلمه فأفيد منه حفظه الله تعالى .

كان البيت في بناء يضم شققاً عديدة ، وقف الأخ مجد – أبو أحمد – يقول بصوت مرتفع أمام المكرار " الميكرفون " حين سأله الشيخ من أنت : أنا مجد مكي يا أستاذ ، قالها مرات عديدة بصوت مرتفع ونغمات مختلفة ممدودة مرة وسريعة مرة أخرى ، فقد أثّر الزمن في سمع الشيخ وبدنه ، هذه هي الحياة ، ألم يقل الله تعالى في الآية الرابعة والخمسين من سورة الروم " الله الذي خلقكم من ضعف ، ثم جعل من بعد ضعف قوة ، ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة ، يخلق ما يشاء ، وهو العليم القدير ." وصعدنا الدرج ووقفنا أمام لبيت ، ففتح لنا الباب شيخ جاوز الثمانين ، نحيف يميل إلى الهزال ، إلا أن فيه بعض القوة ، سلمنا عليه ، فقادنا إلى غرفته المتواضعة ، وأجلسَنا على طرف طاولة فوق كراسٍ بلاستيكية قائلاً تفضلوا بالجلوس حيث شئتم واتركوا لي هذا الكرسي . كان جو الغرفة حاراً يخفف من شدة حرارته مروحة السقف – على ما أظن – فلم يكن في بيت الشيخ مكيّفات كما اعتاد الناس للتخلص من حر مكة اللاهب ، وسألنا إن كنا نرغب في علبة قشطة ، فاعتذرنا متعللَين بالشبع ، فوافق قائلاً : لا ينبغي للمسلم أن يُدخل الطعام على الطعام . وأخبرني الأخ أبو أحمد أن الشيخ نباتيّ الطعام .

قدمني إليه : هذا الأخ عثمان مكانسي من حلب ، وهو شاعر . فقال الشيخ سعيد إذاً أنت تعرف الشاعر " ابن مكانس " المصري من القرن الثامن الهجري ، كان قبطياً نصرانياً ، فأسلم وهو في العشرين من عمره ، تولى الوزارة للمماليك في بلاد الشام ، ومات في الخمسين من عمره مسموماً . وذكر الشيخ بعض أبيات تنسب لهذا الشاعر .

كأنك ترى الشيخ حين يحدثك ينظر أمامه إلى الأرض ، وكأنه يقرأ من كتاب ، فينساب حديثه دون تكلّف ..

حين كتبت هذا المقال عدت إلى كتاب تاريخ الأدب العربي للمرحوم الدكتور " عمر فرّوخ " فاستخرجت هذه الأبيات لابن مكانس المصري هذا :

هل من فتىً ظريـفِ    مُعـاشـر لـطيـف

يسـمع مِن مقـالـي    مـا يُرخِص اللآلـي

اسلُك مع الناس الأدب    تجد من الدهر العجبْ

لا تُغضِب الجليـسـا    لا توحِـشِ الأنيسـا

لا تصحَب الخسيسـا    لا تُسـخِط  الرئيسـا

فهاكَهــا وصيّــه    تصحَبهــا التحيـة

تحمِلهـا الـكــرامُ    إلـَيـْك،، والسـلامُ

يمتاز الشيخ الطنطاوي بالفكاهة والمرح وسرعة البديهة ، أخبرته بقصة أخينا محمد الأصفر مع محدثه الجني ، ثم سألته : أكنت تعلم أنك أستاذ الثـّقلين ؟ قال بسرعة وذكاء : كنت أعلم أنني أستاذ هذا الإنسي ، وأشار إلى الأخ مجد ، وأنا الآن أشعر بوجودك معنا .. فضحكنا جميعاً .

لم يكن معي شيء من شعري ، فأنا لا أحفظ منه إلا القليل ، إنّ ذاكرتي ضعيفة وأنا في عهد الشباب ، فماذ أقول فيها وقد تجاوزت الستين ؟! وسألته أيقرض الشعر ؟ قال : لا ولكنني أحفظ منه الكثير ، وحدثنا أنه في بداية خمسينات القرن الماضي التقط ورقة ممزقة من صحيفة ملقاة على الأرض فيها شعر فحفظه على التوّ، وأسمعناه فكان قدر ثلاث صفحات !! وكان قصةَ حبيبين تزوّجا بعد عناء ، وكان عرسهما في الشتاء ، وموقد الفحم في غرفتهما ينفث سًمّ ثاني أوكسيد الكربون ، فغرقا في بحرين ، أولهما الحب وثانيهما الاختناق بهذا الغاز ، ولم يحس الأبوان بذلك إلا بعد ساعات ، وكان صباح هذه الليلة مأتماً .

وحدّثنا ومضات زمنية وإشعاعات فكرية . ذكرتني بقول الأستاذ عبد الفتاح أبي غدة - رحمه الله - فيه : " محمد سعيد الطنطاوي من رجال القرن الثاني أو الثالث الهجريين ، مضى أقرانُه ونسُوه . " .

أخذنا الحديث فسمعنا المؤذن يصدح معلناً دخول المغرب ، فصرفـَنا من بيته بالتي هي أحسن أو بأختها ، فلا بد من وضوئه بعد كل أذان ، وهناك شابان يطرقان بابه فيأخذانه للصلاة في المسجد لكل فريضة . فاستصغرت نفسي ، وتذكرت أننا – وأقصد الكثير من الناس – يستسهلون الصلاة في البيت ، ولا يصلون في المساجد إلا قليلاً .

أمام باب العمارة توقفت سيارة نزل منها شابان في العشرينات ، فقال الأخ مجد : هذان من يحمل الشيخ إلى المسجد دائماً .. سلمنا عليهما ، فردّا السلام بوجه باشّ ، وابتسامة حلوة ، فدعونا لهما ، ولوالديهما اللذين ربياهما على عون المسنّ وغوث الملهوف ... كما تدين تُدان . أليس هذا صحيحاً ؟؟

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ