-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الجاسوسية
كوسيلة حربية عند
الشعوب القديمة (اليهود
نموذجًا) بقلم
: يسري عبد الغني عبد الله الجاسوسية
إحدى الوسائل الحربية التي
يستخدمها المحاربون لمعرفة
حالة العدو النفسية والمعنوية
والقتالية . وقد
عرفت الجاسوسية منذ العصور
الأولى عند الكثير من الأمم
القديمة مثل : آشور وبابل في
العراق ، وعند اليهود القدماء ،
كما عرفت مصر القديمة هذا
السلاح إذ كانت تراقب الداخلين
إليها من الدول الأخرى خشية أن
يكون فيهم بعض الجواسيس الذين
وفدوا ليتجسسوا على أحوال مصر . وتقول
التوراة في هذا السياق : "
فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمح في
مصر ، قال يعقوب لبنيه : لماذا
تنظرون بعضكم إلى بعض ؟ ، وقال :
إني سمعت أنه يوجد في مصر قمح ،
انزلوا إلى هناك واشتروا لنا
قمحًا ... فتذكر يوسف الأحلام
التي حلم عنهم ، وقال لهم :
جواسيس أنتم لتروا عورة الأرض
التي جئتم إليها ، فقالوا : لا ،
ياسيدي ... نحن أمناء وليس عبيدك
جواسيس. " [سفر التكوين ،
إصحاح رقم : 40 ، آية : 1 ] . وكان
المصريون يدفعون أمامهم وحدات
خاصة تسمى وحدات الكشف أو بلغة
عصرنا الحديث وحدات للاستطلاع ،
بهدف التجسس على قوة العدو بوجه
عام ، وتوزيعات قواته المسلحة ،
والعمل قدر الإمكان على أسر بعض
جنوده لاستجوابهم والاستفادة
بما يدلون به من معلومات ، كما
كان الضباط في الخطوط الأمامية
لمواجهة العدو يرسلون التقارير
الفورية الدورية إلى رؤسائهم في
مركز القيادة عن كل معلومة
عسكرية يتوصلون إليها عن العدو . ويؤكد
العلماء والباحثون في التاريخ
اليهودي أن الدين اليهودي هو
الدين الوحيد الذي دعا إلى
الجاسوسية ، ووضع لها نظامًا
وقواعد قامت الصهيونية
العالمية باستغلالها على أكمل
وجه ، كما أنها استفادت بوجه خاص
من قصص الجاسوسية التي وردت في
التوراة والتلمود ، وجعلت منها
خدمة دينية واجبة يزاولها كل
يهودي على أساس من الإيمان
العميق . [ فتحي الرملي ،
الصهيونية على مراحل الاستعمار
، القاهرة ، ص 9 وما بعدها ،
بتصرف بسيط من عندنا .] ويقال :
إن الجاسوسية عند اليهود بدأت
منذ أن أرسل نبي الله موسى (عليه
السلام) أثنى عشر رجلاً
ليتجسسوا على أرض فلسطين ،
وليعرفوا أخبارها وقوتها
الاقتصادية والعسكرية . تقول
التوراة : " ثم كلم الرب موسى
قائلاً : أرسل رجالاً ليتجسسوا
على أرض كنعان التي أنا معطيها
لبني إسرائيل !!! رجلاً واجدًا
لكل سبط من آبائه ترسل ، فأرسلهم
موسى ليتجسسوا على أرض كنعان ،
وقال لهم : اصعدوا من هنا إلى
الجنوب ، وصعدوا وتجسسوا على
الأرض " [سفر العدد ، إصحاح
رقم : 13 ] . وعندما
رجع الجواسيس من رحلتهم
التجسسية هذه أخبروا نبي الله
موسى (عليه السلام) بما شاهدوه ،
فقالوا إنهم ذهبوا إلى الأرض
التي أرسلهم إليها ، وحقًا إنها
تفيض لبنًا وعسلاً ، بالإضافة
إلى ثمرها الكثير ، غير أن الشعب
الساكن في الأرض معتز بنفسه ،
ومدن البلاد حصينة عظيمة جدًا . كما
أخبر هؤلاء الجواسيس نبي الله
موسى ( عليه السلام) بأنهم رأوا
بني عتاق هناك ... ولكنهم أكدوا
على عدم مقدرتهم غزو هذا الشعب
لأن أهله أشد منهم قوة ، ونتيجة
لذلك قرروا رسم خطة محورها
إشاعة مذمة الأرض التي تجسسوا
عليها بين بني إسرائيل ، مدعين
أن هذه الأرض التي تجسسوا عليها
أرض سوء ، وهي تأكل سكانها وتقمع
شعبها ، فيها إناس طوال القامة ،
وأنهم رأوا بأم أعينهم هناك
الجبابرة بني عتاق ، فكانوا في
أعينهم كالجراد ، وهكذا كانوا
هم في أعينهم . وعاد
نبي الله موسى (عليه السلام)
فأرسل مجموعة أخرى من الجواسيس
إلى أرض الأموريين ، وفي ذلك
يقول التوراة : " فأقام
إسرائيل في أرض الأموريين ،
وأرسل موسى بعض الأفراد
ليتجسسوا عليهم ، ثم قام
الإسرائيليون بغزوهم ، وأخذوا
قراهم ، وطردوهم من أرضهم " [سفر
العدد : 21 / 31 ] . ويحكي
التاريخ لنا أ يوشع أرسل هو
الآخر مجموعة من الجواسيس إلى
الدول المجاورة كما فعل موسى (عليه
السلام ) من قبله ، ويقول
التوراة في ذلك : " فأرسل يوشع
بن نون (أحد أنبياء بني إسرائيل )
رجلين جاسوسين ، قائلاً لهما :
اذهبا بسرية تامة ، وانظرا إلى
أرض أريحا ، واسألا هناك عن بيت
امرأة تدعى (راحاب) [جاسوسة
إسرائيلية] ، وأقيما عندها بعض
الوقت ، فوصلت أنباء الرجلين
إلى ملك أريحا ، الذي عرف بدوره
أنهما من بني إسرائيل وقد حضرا
بغرض التجسس ، فما كان منه إلا
أن أرسل جنوده إلى بيت (راحاب) ،
وطلبوا منها إخراج الرجلين على
وجه السرعة لأنهما جاءا بهدف
التجسس على البلاد " . وكذلك
أرسل يشوع (أحد أنبياء بني
إسرائيل أيضًا ) ، مجموعة من
الجواسيس ينتمون إلى قبيلة
إسرائيلية تسمى (بنودان) ، ويبدو
أن هؤلاء الجواسيس كانوا رجالاً
على درجة عالية من القوة والبأس
، يملكون مهارات خاصة تمكنهم من
التجسس وفحص كل ما تراه أعينهم
جيدًا ، مع إبلاغ قادتهم بكل
جديد على وجه السرعة ، وكانت
مهمتهم التجسس على المنطقة
الواقعة من جبل (إفرايم) إلى بيت
ميخا ، وعادوا بعد إنجاز مهمتهم
على أكمل وجه ، وسرعان ما تم
تكليفهم بمهمة تجسسية أخرى [
التوراة ، سفر القضاة ، 18 ] . واستمرت
عمليات التجسس الإسرائيلية
كوسيلة حربية حتى عصر نبي الله
داود (عليه السلام) ، حيث قيل إن :
بني عمون وافته المنية ، وتولى
الملك بعده جانون ابنه ، وقال
داود : أصنع معروفًا مع جانون بن
ناحاش كما فعل أبوه معي ، فأرسل
داود مجموعة من عبيده المشهود
لهم بالقوة والشجاعة ، وقابلوا
الملك الجديد ووضعوا أنفسهم تحت
إمرته واصفين أنفسهم بأنهم هدية
أرسها داود إليه ، وبعد مرور
فترة من الوقت اكتشف رجال الملك
أن هؤلاء العبيد إنما جاءوا
للتجسس على بلادهم ، فتم القبض
عليهم ثم حُلقت أنصاف لحاهم ،
وقُصت ملابسهم من الوسط ، وتم
تجريسهم في الميادين العامة ،
وبعد التحقيق معهم وقضائهم فترة
في السجن ، أطلق سراحهم . ولم
تقتصر أعمال الجاسوسية على
الرجال فقط بل تعدتها إلى
النساء أيضًا ، وقد جند اليهود
جاسوسات كثيرات لتخدمن الجيش ،
أو تخدمن جيوش الأعداء تحت شعار
الترفيه والخدمات العامة . وهنا
نحب أن نطرح السؤال التالي : هل
الجاسوسية أمر إلهي فرضه الله
تعالى على بني إسرائيل ، وبمعنى
آخر هل هي من الدين اليهودي ؟ يرى
رجال الدين اليهودي والباحثون
في الدراسات الإسرائيلية هذا
الموضوع على النحو التالي : أولاً :
إن الجاسوسية ليست أمرًا إلهيًا
، وإنما هي من اختيار وأعمال نبي
الله موسى (عليه السلام) وأنبياء
بني إسرائيل الذين جاءوا من
بعده ، والدليل على ذلك أن
الآيات التي تتكلم عن التجسس في
التوراة تبدأ بـ " إذا أردت أن
..." وهذا
يعطي نبي الله موسى (عليه السلام)
الخيار بين أن يرسل جواسيسه أم
لا ؟ ، ومن هنا كان إرسال
الجواسيس إلى أرض كنعان ليس من
قبيل الأمر الإلهي ، بل هو من
تخطيط وترتيب نبي الله موسى (عليه
السلام) نفسه . ثانيًا
: إن فكرة إرسال جواسيس كانت
فكرة غير صائبة ، أو غير ناجحة
كأساس للعمل الحربي بالنسبة
للإسرائيلين ، والدليل على ذلك
أن التوراة تحكي لنا أن عشرات من
الجواسيس كذبوا على موسى (عليه
السلام) ، أو أنهم لم يقدموا
معلومات صادقة في تقاريرهم
المرفوعة إليه ، وأن اثنين من
الجواسيس فقط لا غير كانا على
درجة لا بأس بها من الصدق . ثالثاً
: إن موسى (عليه السلام ) لم يكن
موفقًا في اختيار الجواسيس
بدليل أن غالبيتهم العظمى كانوا
غير صادقين في كلامهم ، بل أكدت
الشواهد بعد ذلك أن كذبهم كان
كذبًا بينًا . وبعض
اليهود والدارسين للشريعة
اليهودية يذهبون إلى أن
الجاسوسية كانت أمرًا إلهيًا
لموسى (عليه السلام) ، ويستندون
إلى أن المولى عز وجل عاقب بني
إسرائيل بالتيه في الصحراء لمدة
أربعين عامًا بسبب كذب جواسيسهم
!! ويرد
آخرون على هذا الرأي قائلين : إن
عقاب الله سبحانه وتعالى لبني
إسرائيل بالتيه في الأرض لم يكن
بسبب كذب الجواسيس ، وإنما كان
عقابًا لموسى من عند الله تعالى
لأن موسى قال : أنا الذي أخرجتكم
من مصر ، وكان الواجب عليه أن
يقول : إن الله هو الذي أخرجكم من
مصر . ويذهب
بعض المؤرخين إلى أن الجواسيس
الإسرائيليين الذين تم زرعهم في
أرض كنعان لم يكذبوا ، وذلك لأن
أرض كنعان في تلك الآونة كانت
على درجة كبيرة من الحضارة
والمدنية تفوق أي مدنية في
الشرق . ويضيف
بعض الكتاب إلى ذلك : أن
الجواسيس الإسرائيليين كانوا
قد تربوا في مصر على الذل
والعبودية ، وعليه فلم يعرفوا
للاستقلال معنى ، ولم يتعودوا
على الشجاعة والصدق ، ولم
يعيشوا في ظل الحرية ، وكان
لزامًا عليهم أن تكون كل هذه
الظروف قد أثرت فيهم عند قيامهم
بعملهم كجواسيس في بلاد أخرى . والله
تعالى ولي التوفيق ،،، ـــــــــ *
باحث ومحاضر في الدراسات
العربية والإسلامية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |