-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
القضية
.. شجون وأشجان الجزء
الثاني د
/ لطفي زغلول – نابلس تناولنا
في الجزء الأول من حديثنا
العديد من شجون القضية
الفلسطينية . وها نحن نتناول
المزيد منها . فما من قضية في
العصر الحديث ، ولا حتى عبر
العصور شغلت مساحة من تاريخ
الإنسانية كما شغلتها القضية
الفلسطينية بأبعادها الإنسانية
، وتداعيات أشجانها . لا تمحي
من ذاكرة الفلسطينيين صورة
الإجتياحات العسكرية
الإسرائيلية سواء تلك التي تكون
في النهار ، وغالبا ما تكون في
الليل . وفي حقيقة الأمر ليس
هناك وقت معين لها ، إن الوطن
الفسطيني بمدنه وبلداته وقراه
ومخيماته مستباح من قبل جيش
الإحتلال . وكما هو المعتاد تسفر
هذه الإجتياحات والإقتحامات
والمداهمات عن مزيد من الشهداء
والإعتقالات وهدم المنازل بعد
تفجيرها . ولا
ينسى الفلسطينيون كيف كانوا
يحشرون بالعشرات في منزل واحد ،
ولا كيف كانوا يؤمرون للنزول
إلى الشوارع هم وأطفالهم في
البرد والمطر ، ولا كيف كان
أبناؤهم يساقون تحت أنظارهم وهم
معصوبو العيون ، مقيدو الأيدي ،
ولا كيف كان هؤلاء المساكين
يضربون بقسوة وبلا رحمة .
لقد ظلت القدس بالنسبة
للفلسطينيين قضية ذات أبعاد
متعددة . فإلى
جانب كونها عاصمة سياسية
لدولتهم الفلسطينية العتيدة
التي يصرون أن تتبوأ مكانها على
خارطة العالم السياسية ، فهي
قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة
أشقائهم الروحية في العروبة
والإسلام . وحسبها أنها أولى
القبلتين وثالث الحرمين
الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم
محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها
عرج إلى السماء . لقد
تمادت السياسات الاسرائيلية
كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ،
وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ،
كون هذا الفعل الإسرائيلي لا
يلقى أدنى رد فعل عليه من قبل
الأنظمة العربية والإسلامية ،
لقد أصبحت قضية القدس لا تحتل
أدنى مساحة من أجنداتها
السياسية أو غير السياسية ،
الأمر الذي أضاء ضوءا أخضر
مستداما للحكومات الإسرائيلية
أيا كان لون طيفها السياسي على
مدى ثلاثة وأربعين عاما كي تعمل
براحتها على تنفيذ كل مخططات
تهويد القدس ، وانتزاعها شبرا
شبرا من أيدي اصحابها الشرعيين
، والقيام بتهويدها جغرافيا
وديموغرافيا ، ولتصبح إسرائيل
قيّمة على مقدساتها التي يفترض
أنها وقف لكل المسلمين . ان قضية
القدس والمقدسات الإسلامية
تتجاوز كل تراكمات التقصيرات
العربية والإسلامية بحقها ، ولا
تغيبها من الذاكرة أو تعتم
عليها فهي تشكل مساحة شاسعة من
التاريخ والتراث والعقيدة .
والفلسطينيون وهم جزء لا يتجزأ
من الأمتين العربية والإسلامية
قد نذروا أنفسهم حراسا وأمناء
عليها وعلى مقدساتها . إن
نضالاتهم على شرفها واجب وشرف
لهم وبمثابة رسالة دائمة إلى
العرب والمسلمين ، وتذكير وهم
على ثقة بأن الذكرى تنفع
المؤمنين . وتظل القدس بركانا قد
يبدو أنه خامد في أحاسيس
أصحابها الشرعيين أينما كانوا ،
لكن احتمالات ثورته قائمة على
الدوام وليس لها وقت معين
. وأما
الحديث عن الأقصى المبارك فها
هم الفلسطينيون هذه الأيام
يصرخون ويتصدون مرة أخرى . وها
هي الحفريات جارية على قدم وساق
غير آبهة باحتجاجات
الفلسطينيين الذين يستقرئون
نذر المخاطر جراءها . إنها
استخفاف واستهانة بمشاعر
المسلمين في كافة أرجاء العالم
، والأقصى جزء لا يتجزأ من
عقيدتهم وتاريخهم المجيد . لقد
قصرت الأنظمة العربية
والإسسلامية تقصيرا فاضحا بحق
الأقصى ، وكأنه لا يعنيها . إنها
النوايا المبيتة للمسجد الأقصى
تحديدا ، سواء من تحت أساساته ،
حيث الأنفاق المتعددة
الإتجاهات والأهداف ، أو سواء
من حيث ما يحيط به ، والمقصود
باب المغاربة ، وهذه الأعمال
الخطيرة التي تقوم بها الجرافات
. ولا تقف
هذه الإجراءات العدوانية بحق
الأقصى عند هذه الحدود
، فإن ما يسمى " أمناء
الهيكل " ما زالوا يقفون
للأقصى المبارك بالمرصاد ،
يتربصون به ، ويتحينون الفرص
للإنقضاض عليه ، بغية هدمه
وإقامة " الهيكل " المزعوم
عليه ، وهم الذين قد جهزوا ما
أطلقوا عليه حجر الأساس ،
والذين طالما طافوا به في مدينة
القدس تحديا وتهديدا وتوعدا
وترهيبا . منذ أن
كان حريق الأقصى المبارك ، لم
تتوقف الإعتداءات عليه . فها هي
الأنفاق تحفر في أساساته . وها
هم المتطرفون اليهود يطالبون
باقتسام الأقصى بين المسلمين
وبين اليهود . وها هم يوجهون
سهام أطماعهم إلى المصلى
المرواني . وها هم يقتحمون باحات
الأقصى تحت حماية جنود الإحتلال
للصلاة فيها . إنه
مسلسل من التحديات لا ينتهي ،
يستهدف الأقصى المبارك . إلا أن
الأخطر من هذا كله تغاضي
الأنظمة العربية والإسلامية
عما يجري للأقصى ، الأمر الذي
أعطى ضوءا أخضرلمزيد من
التحديات التي تنصب عليه وعلى
بقية المقدسات الإسلامية
الأخرى . وما
زلنا في شجون القضية الفلسطينية
. ففي خطابه الأخير في جامعة بار
إيلان في مدينة بير السبع ، تحدث
بنيامين نتنياهو رئيس وزراء
الحكومة الإسرائيلة اليمينية
المتطرفة عن قضايا كثيرة تهم
المصالح الإسرائيلة . وفي حديثه
هذا تجاهل القضايا التي تهم
الشعب الفلسطيني ، ويعلق عليها
آمالا عريضة في استعادة حقوقه . تجاهل
فيما تجاهل حق العودة لأولئك
الذين يقبعون في مخيمات الشتات
، والذين أجبروا قسرا وإكراها
على ترك أراضيهم ومدنهم وقراهم
عام 1948 ، عام النكبة . تجاهل قيام
دولة فلسطينية عاصمتها القدس
الشريف ، ومن باب ذر الرماد في
العيون اشترط لقيامها ، إذا كان
لا بد أن تقوم ، أن تكون منزوعة
السلاح ، وأن تكون أجواؤها
ومعابرها الحدودية البرية
والمائية ضمن السيطرة
الإسرائيلية . وكذلك الحال
بالنسبة لمصادرها المائية
والمعدنية الأخرى . وطمأن
الإسرائيليين أن القدس سوف تبقى
موحدة ، وعاصمة أبدية لإسرائيل .
وأن المستوطنات سوف تبقى فيما
أسماها يهودا والسامرة . وفي
طرحه هذا تجاهل الشعب الفلسطيني
وما له من استحقاقات لا تسقط وإن
تقادم الزمن عليها . هذا الشعب
الذي بدونه وبدون استعادة حقوقه
لن يكون هناك أي سلام . وأخيرا
لا آخرا يتبقى اثنان من شجون
القضية الفلسطينية . الأول يخص
العلاقات الأميركية الإسرائيلة
. إذ يخطىء من يظن أن عهد الرئيس
الحالي باراك أوباما يختلف عن
عهد سابقه جورج دبليو بوش . إلا
أن لكل واحد منهما أسلوبه في
التعبير عن علاقته بإسرائيل .
ويقينا إن ما يسمى بالضغوطات
على إسرائيل فيما يخص الإستيطان
وحل الدولتين واستحقاقات خارطة
الطريق هي في حقيقتها غير جادة ،
ولعب في الوقت الضائع ، ونرجو أن
نكون مخطئين . أما
ثاني هذه الشجون فهو يخص
الأنظمة العربية التي كانت
القضية الفلسطينية تتبوأ سلم
الأولوية في أجنداتها السياسية
. إلا أنها ومع الأيام لم تعد
كذلك ، وقلبت هذه الأنظمة لها
ظهر المجن ، وتحولت إلى قضية
شؤون إجتماعية وإنسانية . لقد صمت
الصوت العربي عن تهويد القدس ،
والمكائد التي تحاك ضد المسجد
الأقصى المبارك ، والإستيطان
الذي افترس الوطن الفلسطيني ،
وترك الفلسطينيون يواجهون آلات
البطش العسكرية ليلا نهارا ،
وعلى مدى ثلاثة وأربعين عاما ،
ومن قبلها أعوام النكبة التسعة
عشر . هذه هي
شجون القضية الفلسطينية ، أو
لنقل هي جزء منها . أما أشجانها
ومآسيها وآلامها وأحزانها
فكثيرة لا تعد ولا تحصى . إن
الوطن الفلسطيني محتل محاصر
مستباح ، ولا تلوح في آفاقه أية
بادرة لأية حلول سياسية تعيد له
حقوقه المشروعة . إنه ما زال
راسيا في
مرافىء التيه والسراب . لعل غدا
آخر يلوح في أفقه ، ولعل شمسا
أخرى تشرق على أيامه . ولعل صحوة
تهب على ضمير الإنسانية . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |