-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
معاملة
أسرى الحروب عند بعض الشعوب
القديمة بقلم
سري عبد الغني عبد الله* تقديم
: يؤدي
قيام الحرب بين دولة ودولة أخرى
إلى وجود أسرى من إحدى الدولتين
، أو منهما معًا ، هؤلاء الأسرى
يصبحون تحت رحمة الدولة
المنتصرة ، وهي تتصرف فيهم حسب
ما تمليه أهواؤها ، أو حسب ما
تقرره التقاليد والأعراف
السائدة لديها . ومنذ
الأزمنة القديمة وحتى يومنا هذا
تتعدد طرق التعامل والتصرف مع
أسرى الحروب ، وتختلف حسب
الزمان والمكان ، وحسب ما تقرره
الديانات أو المعتقدات أو
القوانين . طرق
التصرف في الأسرى : ويمكن
لنا أن نوجز هذه قواعد وطرق
التعامل والتصرف مع أسرى الحروب
عند الشعوب القديمة فيما يلي : 1 ـ المن
2 ـ الفداء 3 ـ معاملة المثل 4 ـ
البيع 5 ـ
توزيع الأسرى على الجنود
كمكافأة لهم على حسن بلائهم في
المعارك التي خاضوها . 6 ـ
توزيع الأسرى على المعابد
للخدمة فيها ، أو يكونوا قرابين
لآلهة هذه المعابد و التي ما
أنزل الله بها من سلطان . 7
ـ الاسترقاق أو الاستعباد أي
يتحولون إلى عبيد يقومون بخدمة
السادة دون أن يكون لهم أدنى
حقوق تذكر . 8 ـ
التسخير أي استخدامهم في
الأشغال الشاقة المؤبدة مثل :
العمل في المناجم والمحاجر ، أو
تقطيع الجبال ، أو شق الطرق
والقنوات والمصارف ، أوتنظيف
الترع والمستنقعات ، دون أي
مقابل يذكر ، مما يؤدي إلى هلاك
معظمهم دون أي دية بالطبع . 9 ـ
القتل والذبح بأساليب همجية لا
إنسانية ، ومنها تقديمهم كطعام
للوحوش الضارية مثل : الأسود
والنمور والدببه كيفية
معاملة الدول للأسرى : كانت
الدول تتبع طرقًا مختلفة في
معاملة الأسرى ، من أهمها : ـ 1 ـ كان
المغلوبون في الحرب يباعون في
الأسواق ليكونوا عبيدًا ، فإذا
لم يكن في بيعهم ربح كبير تم
ذبحهم جهارًا عيانًا في ميدان
القتال ، وكان يحدث في بعض
الأحيان أن يقدم عُشر الأسرى
قربانًا إلى الآلهة الوثنية
المزعومة المتعطشة للدماء من
أجل إرضائها ، فيقتلون أمام
المعابد أو داخلها . 2 ـ
تقسيم جزء من الأسرى على الجنود
لتشجيعهم ورفع روحهم المعنوية ،
وكان الجنود يستبقون بعضًا من
الأسرى للقيام بخدمتهم أو خدمة
عائلاتهم ، وإذا كان الأسير
فتاه أو امرأة يجعلها ملك يمينه
، فيدخل بها وينجب منها دون أن
يعترف بأولاده منها ، وإذا كان
الجندي ليس في حاجة إلى كل ذلك
يبيع نصيبه من الأسرى في
الأسواق . أما
باقي الأسرى فكان الجنود يقطعون
رؤوسهم في ساحة القتال
ويقدمونهم إلى قادتهم أو إلى
حكامهم لمكافأتهم على عملهم ،
وكلما قدم الجندي عددًا أكبر من
رؤوس الأعداء استحق مكافأة أكثر
. ولذا
كان ميدان القتال عبارة عن
مجزرة كبرى غاب عنها الضمير
الإنساني ، مجزرة أو مذبحة أهم
ملامحها قطع أكبر عدد ممكن من
رؤوس الأسرى الذين لا حول لهم
ولا قوة لأنهم ينفذون تعليمات
حكامهم ، وفي حالة رفض أي جندي
لذلك تنسب إليه تهمة الخيانة
العظمى أو الهروب من ميدان
القتال في حالة الحرب ، وعقوبة
هذه الجريمة الإعدام بإطاحة
الرأس من فوق الجسد أو أن يقذف
به في براميل الزيت المغلي أو
يشنق أو ينفى من البلاد . 3 ـ كان
الأشوريون في بلاد العراق ، وهم
الذين اتصفوا بالقسوة وغلظة
القلب ، بجانب اتقانهم للفنون
العسكرية ، وقد أقاموا دولتهم
على القوة والشدة ، وكونوا
الجيوش الضخمة ، في الوقت الذي
قل فيه الزراع وأصحاب الحرف
لديهم ، هؤلاء كانوا بعد كل حرب
يذبحون أسراهم أثناء تأديتهم
الطقوس والشعائر الدينية ، ولعل
ذلك ما جعل أكثر من نبي يهودي
يقول عن الآشوريين : (ويل لمدينة
الدماء) ! أما
الأهالي من المدنيين في البلاد
التي غزاها أو احتلها أو انتصر
عليها الجيش الآشوري ، فهو أرحم
بهم مما يتبعه اليهود نحو هؤلاء
الساكنين الآمنين الأبرياء ،
فالتاريخ يحكي لنا أن الآشوريين
كانوا يتبعون مع المدنيين أحد
طريقتين : الطريقة
الأولى : أن يترك الأهالي من
الفلاحين والعمال والتجار
وتفرض عليهم الجزية أو السخرة . الطريقة
الثانية : تهجير أهل البلاد أو
جزء منهم إلى بلد آخر ، وإحلال
آخرين محلهم ، وهو ما نسميه
اليوم بالتهجير الجماعي ، ويبدو
أن هذا الأسلوب أول من ابتدعه في
التاريخ الجيش الآشوري ، وهذا
ما عمله عند استيلائه على
إسرائيل سنة 732 قبل الميلاد . ونذكر
هنا أن (بنوخذ نصر) ملك بابل
عندما دمر أورشليم عاصمة
الإسرائيليين قام بأسر عدد كبير
من اليهود ، وعندما عادوا إلى
التمرد وإثارة الشغب والقلاقل
مرة ثانية ، أرسل (بنوخذ نصر)
حملة عسكرية انتصرت عليهم عام 586
قبل الميلاد ، وقامت بأسر ملك
أورشليم وعدة آلاف من جنوده
،وأهل دولته وحكومته ، كما قامت
بأسر أكثر من ألف من الصناع
والزراع وأهل الحرف ، وأمر
بنوخذ نصر بنفي الأسرى جميعًا
إلى بابل ، وسخرهم جميعًا كعبيد
لخدمة الدولة البابلية . أنواع
لا إنسانية من القتل : كانت
طرق قتل الأسرى عند الشعوب
القديمة على أنواع عدة ، منها : أ ـ أن
يركع الأسير متجهًا بظهره إلى
من أسروه ، ويضرب بالهراوة على
أم رأسه ،ثم يطاح بها . ب ـ
بالنسبة للأشراف أو القادة أو
الزعماء فتصلم (تقطع) آذانهم ،
وتجدع (تشوه) أنوفهم ، وتقطع
أيديهم وأرجلهم (وأحيانًا يكون
ذلك من خلاف) . ج ـ في
بعض الأحيان كان يقذف بالقادة
والزعماء والحكام الذين تم
أسرهم في الحروب من أبراج عالية
إلى الأرض ، أو تقطع رؤوسهم
بالسيوف ، أو رؤوس أولادهم
أمامهم ، أو تسلخ جلودهم ، أو
تشوى فوق نار هادئة ، أو يلقى
بهم في النار ، أو في براميل من
الزيت المغلي . د ـ كان
ملوك الدولة السومرية العراقية
(4000) قبل الميلاد ، تقوم بإعدام
الأسرى ، وتضعهم في كومات
ليشاهدها الناس ، وهم في حالة
سرور ونشوة من انتصار جيش
بلادهم .. !!! معاملة
ومعاملة : عندما
كان اليهود ينهزمون ، ويصبح
بعضًا منهم أسرى ، فإن الدول
المنتصرة كانت تتخذ فيهم طرقًا
متعددة لعقابهم ، ومن هذه الطرق
: القتل بدم بارد ، أو الذبح في
ميدان القتال ، أو الرمي في
النار من مكان مرتفع ، أو يلقى
بهم أمام الوحوش المفترسة
الجائعة ، أو الاسترقاق الدائم
الذي لا انعتاق فيه ولا حرية مدى
الحياة مهما كانت الظروف
والأحوال ، أو التسخير في
الأعمال الشاقة ، أو حرق المدن
بما فيها من أطفال ونساء وشيوخ .. وإذا
تتبعنا تاريخ اليهود وحروبهم مع
الدول الأخرى نجد أن الدول
الأجنبية عندما كانت تنتصر
عليهم ، كانت تعامل أسراهم
معاملة أحسن وأفضل بكثير من
معاملة اليهود لأسرى هذه الدول . أدلة
واضحة: 1 ـ تقول
التوراة إنه : لما جاء داود
ورجاله إلى (صقلع) في اليوم
الثالث ، كان العمالقة قد غزوا
الجنوب كما قاموا بغزو صقلع ، ثم
أحرقوها بالنيران ، وسبوا
النساء اللاتي (اللواتي) فيها ،
ولم يقتلوا أحدًا لا صغيرًا ولا
كبيرا ، بل ساقوهم ومضوا في
طريقهم ، فدخل داود المدينة هو
ورجاله ، وإذا المدينة محرقة
بالنار ، ونساءهم وبناتهم قد تم
سبيهم . 2 ـ وعند
الآشوريين رأينا معاملتهم
للإسرائيليين حيث أنهم لم
يقتلوا السكان أو يحرقوهم
بالنيران ، بل كانوا ينفون
بعضهم ويبقون البعض الآخر في
مدنهم آمنين مطمئنين . 3 ـ
وعندما قام نبوخذ نصر البابلي
بغزو أورشليم هجر بعضهم ونفاهم
إلى بابل العراقية ، وهو ما
يعرفه التاريخ القديم باسم (السبي
البابلي) ، وفي واقع الأمر أنهم
لم يكونوا عبيدًا للبابليين
بالمعنى المعروف ، بل تركهم
أحرارًا يشتغلون بزراعة الأرض
والحرف والتجارة ، حتى أن
كثيرًا منهم لم يقبل أن يعود أو
يرجع إلى فلسطين في عهد الملك /
كورش الفارسي ، وفضل البقاء في
بابل العراقية ، حيث أن معظمهم
كون ثروات ضخمة ، وأصبح يمتلك
الكثير من الأراضي الزراعية
الواسعة ، وهذا كله يدل على حسن
معاملة الدول المنتصرة لليهود
المهزومين . ولعل
هذا يستدعي قراءة التاريخ
اليهودي بحيدة وروية و موضوعية
بعيدًا عن التعصب المقيت و
الانحياز والادعاء والأكاذيب ،
وهذا ما يتبناه جماعة من
المثقفين والباحثين في إسرائيل
نفسها في أيامنا هذه ، وهم ما
يطلق عليهم (المؤرخون الجدد) ،
وقد أصدروا بالفعل عدة مؤلفات
تحاول تصحيح التاريخ
الإسرائيلي بشكل علمي محايد ،
وقد جر عليهم ذلك الكثير من
المعارضة والتهجم من جانب الحرس
القديم في إسرائيل . 4 ـ لقد
عامل الفرس اليهود معاملة حسنة
، والدليل على ذلك أنهم سمحوا
لهم بالرجوع إلى فلسطين مرة
أخرى لمن أراد الرجوع ، كما سمح
لهم ببناء الهيكل مرة ثانية . 5 ـ كما
عاملهم القائد / الأسكندر
الأكبر المقدوني معاملة حسنة ،
وتركهم أحرارًا في دينهم
وطقوسهم . 6 ـ عين
اليونان (الإغريق) والرومان
حكامًا من اليهود عليهم ، ومعنى
هذا أنهم أعطوهم ما يشبه
الاستقلال الذاتي ، نضيف إلى
ذلك أن الرومان أعفوهم من أداء
الخدمة العسكرية الإلزامية لما
أبدوه من أسباب دينية تحول دون
انخراطهم في سلك الجندية . قسوة من
طراز فريد : لقد
اشتهر اليهود بقسوتهم في معاملة
أسراهم ـ كما يحدثنا التاريخ
القديم ـ فقد كانوا يعاملونهم
معاملة وحشية لم تعرفها البشرية
سواء في الزمن القديم أو الحديث
، وإليك بعض الأمثلة : ـ 1 ـ فقد
جاء في (سفر العدد) : فتجند
الإسرائيليون على مديان كما أمر
الرب ، وقتلوا كل ذكر ، كما
قتلوا ملوك مديان وجنودهم ،
وسبى بنو إسرائيل نساء مديان
وأطفالهم ، ونهبوا جميع بهائمهم
، وجميع مواشيهم ، وكل أملاكهم ،
وقاموا بحرق جميع مدنهم
بمساكنها وسكانها ، وجميع
حصونهم بالنار ، وأخذوا كل
الغنائم ، وكل ما استطاعوا أن
ينهبوه .. 2 ـ كما
جاء في ( سفر صموئيل ) : وأخرج
داود الشعب الذي يسكن مدن عامون
، ووضعهم تحت مناشير ونوارج
وفؤوس مصنوعة من حديد ، وأمر
بحرقهم في أتون الأجر (أفران أو
قمائن حرق الطوب ) .[سفر صموئيل ،
1 / 30 ] 3 ـ وجاء
أيضًا في التوراة عن هذه القسوة
، أن داود ضرب المؤابين ، وقيدهم
بالحبال ، ثم وطرحهم أرضًا ،
وقام بإعدام بعضهم ، وأخذ
معظمهم عبيدًا له . 4 ـ كما
ورد في (سفر الأخبار الثاني) : أن
(أمصيا) وهو ملك من ملوك بني
إسرائيل ، كان متشددًا ، اقتاد
شعبه ، وذهب إلى وادي الملح ،
وضرب من بني ساعير عشرة آلاف شخص
، كما تمكن من سبي عشرة آلاف
أحياء ، أخذهم كعبيد له ولشعبه ،
وقد قام بطرح الكثير من هؤلاء
على الأرض ، وأمر بتكسير عظامهم
، ثم أطاح برؤوسهم انتقامًا
منهم . 5 ـ كما
جاء في (المزمور) : وكانت الأطفال
تهشم رؤوسهم على الصخور ، أي أن
الإسرائيليين كانوا يهشمون
رؤوس أطفال أعدائهم في حروبهم
على الصخور دون أدنى شفقة أو
رحمة . 6 ـ و
أما في حالة الصلح : فإن الأجنبي
يصبح عبدًا مسخرًا لليهود ، حسب
ما جاء في (سفر التثنية / 20) : حين
تقترب من مدينة لكي تحاربها ،
استدعها للصلح (اعرض عليها
الصلح) ، فإن أجابتك ، وفتحت لك (أي
وافقت على السلام والصلح ورحبت
بك) فكل الشعب الموجود فيها يكون
للتسخير والاستعباد لك !!! 7 ـ كما
كان شق بطون الحبالى الأسرى من
أقسى الأعمال إلى اتصف بها
اليهود في معاملتهم لأسراهم ،
حيث تكرر ذلك مرات عديدة في
تاريخهم . 8 ـ نضيف
إلى ذلك ردمهم لجميع عيون الماء
العذب الصالح للشرب ، وحرقهم
للأشجار والنخيل والمزروعات . الخاتمة
: ونحب أن
نشير هنا إلى أننا قمنا بكتابة
بحث تحت عنوان (عندما ينتصر بنو
إسرائيل .. ماذا يفعلون ؟) ـ نأمل
أن يجد من ينشره ، تكلمنا فيه
تفصيلاً عما يقومون به من أعمال
بعيدة كل البعد عن الإنسانية
والقانون الإنساني عند
انتصارهم على من يحاربونه ،
ناسين أو متناسين أن الرحمة فوق
أي شيء ، وقد قمنا بمقارنة هذا
الموقف اللا إنساني بموقف
الإسلام الحنيف الذي يشدد ضرورة
معاملة الأسرى أحسن وأرقى وأنبل
معاملة . ولعل
القارئ يتذكر ما فعلته إسرائيل
بالأسرى المصريين في حرب يونيو
1967 م ، وهذه المسألة تثار بين
الحين والحين إعلاميًا ، ولكن
لا حياة لمن تنادي ، حيث أنه حتى
يومنا هذا لم يتخذ أي إجراء نحو
هذه المسألة ، إجراء من شأنه أن
يردع الجاني ، حتى يكون عبرة لمن
تسول له نفسه الإساءة بأي شكل من
الأشكال لأسرى الحروب في
المستقبل الذي نأمل أن يكون بلا
حروب يسوده السلام العادل بإذن
الله تعالى . وغني عن
البيان أن الإسلام الحنيف قد
وضع الكثير من القيم والمبادئ
التي تضمن حسن معاملة الأسرى ،
مما يؤكد أنه قد سبق العصر
الحديث باتفاقياته ومعاهداته
في هذا المجال . --------- بعض
أسانيد المقالة 1
ـ حسن ظاظا والسيد محمد عاشور ،
شريعة الحرب عند اليهود ، بدون
ناشر ، القاهرة ، 1976 م . 2
ـ حسن ظاظا ، الفكر الديني
الإسرائيلي ، القاهرة . 3
ـ التوراة ، الترجمة العربية . 4
ـ محمد أبو المحاسن عصفور ،
حضارات الشرق الأدنى القديم ،
القاهرة ، 1970 م . 5
ـ محمد جمال الدين مختار وآخرون
، مصر وحضارات العالم القديم ،
وزارة التربية والتعليم ،
القاهرة ، 1991 م . ــــــــ *
باحث ومحاضر في الدراسات لعربية
والإسلامية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |