-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رواحل
العالم الافتراضي أ.د.
محمد اسحق الريفي أصبح
للإنترنت دور واسع ومهم في
التربية والتعليم والتعلم
الذاتي المفتوح، وفي التأثير
الفكري والوجداني والاجتماعي
على الجيل الناشئ، الذي يبدي
اهتماماً كبيراً بالإنترنت،
ويستخدم تطبيقاتها بكثافة،
ويقضي في فضائها وقتاً طويلاً،
ما جعل تحصين أبنائنا من أخطار
الإنترنت وتوظيفها في تربيتهم
مهمة صعبة بحاجة ماسة إلى رواحل. نتطلع
نحن العرب والمسلمين إلى
التغيير، والتربية هي وسيلة
التغيير الأنجع، وتُعد
الإنترنت من أهم وسائل التربية
وأكثرها فعالية في هذا العصر،
ولا سيما أنها توفر أنماطاً
تفاعلية من التعليم والتعلم
الذاتي الاستكشافي والمفتوح،
الذي يحبه أبناؤنا ويقبلون عليه
بشغف. ولذلك
فإن إهمال الإنترنت وعدم
توظيفها في تربية الجيل الناشئ،
والاقتصار فقط على وسائل
التربية التقليدية، خطأ فادح،
بل خطر كبير، لأننا إما أن
نستخدم الإنترنت في توعية
أبنائنا وتربيتهم بالطريقة
التي نريدها، وإما أن يستخدمها
أعداؤنا، لتجهيلهم وتفريغهم
ثقافياً وحرف فكرهم والتأثير
السلبي على وجدانهم. ولكن من
الذي يتحمل هذه المسؤولية
الكبيرة والخطيرة؟! الوقع
يقول أن الكبار يتركون أبناءهم
يعبثون كما يشاءون في فضاء
الإنترنت، خاصة في المنتديات،
والشبكات الاجتماعية، والشبكات
السياسية، وغيرها من المواقع
الإلكترونية العربية المنتشرة
بكثرة في العالم الافتراضي.
وتلك مصيبة كبرى، إذ كان
الأولى بالمربين والدعاة
النزول من أبراجهم العاجية إلى
العالم الافتراضي، لمخالطة
المراهقين والشباب، ومتابعة
أفكارهم واتجاهاتهم عن كثب،
ونصحهم وتوجيههم وتبصيرهم،
وتعليمهم وتربيتهم وحمايتهم من
الانفلات الأخلاقي، والانحراف
الفكري، والغلو والتطرف،
والتعصب الحزبي، وكلها أمراض
باتت تهدد الأمن والاستقرار
والسلام في مجتمعاتنا العربية. إن
استنهاض أمتنا يحتاج منا إلى
متابعة أبنائها في العالم
الافتراضي، والتواجد معهم
هناك، والقيام بأنشطة تربوية
وتعليمية تتسم بالاستمرارية،
ولا يستطيع الاستمرار في العمل
البنَّاء الهادف إلا نسبة قليلة
من الناس، الذين يمكن أن نسميهم
رواحل العالم الافتراضي أو
الرواحل الرقمية، استئناساً
بالحديث الشريف الذي قال فيه
رسول الله محمد صلى الله عليه
وسلم: "وإنما الناس كالإبل
المئة، لا تكاد تجد فيها
راحلة" (رواه البخاري).
وكما هو معلوم، فإن الراحلة
تتحمل عناء الطريق، وقلة الزاد،
وقسوة الأحوال والظروف، ... ولا
تختلف رواحل العالم الافتراضي
عن رواحل العالم الحقيقي، من
حيث الهمم العالية والقدرة على
البذل العطاء وتحمل المشقة،
ولذلك فإن نسبة الرواحل في
العالم الافتراضي أقل من واحد
في المئة (1%)، كما أشار الحديث
الشريف، وهي نسبة قليلة جداً،
ولكنها قادرة على تحقيق الفائدة
المرجوة وإحداث التغيير
المطلوب. ولذلك
علينا أن نبحث عن الرواحل
الرقمية، ونفسح لها المجال
للعمل، ونشجعها، ونشد على
أياديها، بل علينا أن نحرص على
أن نكون رواحل في عالمنا
الحقيقي وفي العالم الافتراضي
معاً، رغم ما للجمع بين هاتين
الصفتين من استنزاف للوقت
والجهد وتكدير صفاء الذهن ومن
المتاعب الكثيرة، ولا سيما أن
الذين ينشطون في العالم
الافتراضي يتعرضون في أحيان
كثيرة للهجوم من كائنات تعيش
هناك، فقدت أخلاقها وقيمها
ودينها، فأخذت تطعن في الظهر،
وتشوه الصورة، وتفتري
الأكاذيب، متسترة خلف أسماء
وهمية، ومتنصلة من أي مسؤولية
تجاه الآخرين.
ولكن يجب ألا تعقينا هذه
المتاعب عن القيام بواجباتنا
تجاه سكان العالم الافتراضي، بل
يجب أن تدفعنا إلى مواصلة
الدعوة والتربية والتعليم. في
العالم الافتراضي، يحتاج
المهتمون بتربية النشء
وتحصينهم إلى تنظيم أعمالهم
والتنسيق فيما بينهم، والعمل
على تكامل برامجهم وأنشطتهم،
وربما أيضاً توحيد جهودهم،
لضمان النجاح في إنجاز المهمات
وتحقيق الأهداف، وللوصول إلى
الطريقة المثلى في العمل
التربوي والدعوي في العالم
الافتراضي.
فمشكلتنا نحن العرب تكمن في
انتشار ممالك صغيرة في فضاء
الإنترنت، يتربع على عرش كل
واحد منها شخص يتصرف وكأنه ملك،
فيستبد بغيره، ويمجد نفسه،
ويسعى لزيادة عديد أتباعه...
وهكذا. ولكن
هذا لا ينفي وجود الكثير من
المواقع إلكترونية العربية
المفيدة، ولكن هناك نقص شديد في
الرواحل الرقمية التي تمارس
الدعوة وتستفيد من إمكانات
الإنترنت في التربية والتوعية
والتعبئة النفسية لأبناء
الأمة، وهناك نقص شديد في
المنابر الإلكترونية الجادة
والهادفة. ولقد
كنت من المبادرين إلى العمل
السياسي والثقافي والدعوي
والتربوي عبر المنتديات
الإلكترونية، وواجهتني مصاعب
جمة كادت تصيبني بالإحباط، غير
أنني لا أزال أؤمن بأهمية
المساهمة في تعمير العالم
الافتراضي العربي، وبضرورة عدم
تركه صحراء جرداء لا يقطنها سوى
الوحوش والهوام والأفاعي
والعقارب وشياطين الإنس والجن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |