-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"بقايا
صور" عريب
الرنتاوي يسكنك الحزن الشديد
وأنت تجول بين أطلال "الحركة
الوطنية الفلسطينية" في دمشق
وبيروت، بقايا فصائل ومنظمات،
ومناضلين اشتعلت رؤوسهم شيبا،
أقبية تحتضن المقرات المركزية
والمكاتب السياسية الهرمة،
يزيدها كآبة انقطاع التيار
الكهربائي حين تحين لحظة "التقنين"،
وأسئلة لا تنقطع عن مصائر "الرفاق"،
وشروحات لا غنى لمعرفة لأي
الأجنحة ينتمي هذا "الرفيق"
أو ذاك، فلكل فصيل جناحين على
أقل تقدير، واحد "مقاوم"
وآخر"مساوم"، مع أن الجميع
هنا وهناك انطلق من النقطة
ذاته، صوب الهدف ذاته، هنا كان
يوجد "مقر الشبيبة" ضاجا
بالحركة والحيوية، وهناك يرقد
بسلام مقر "الدائرة الحزبية"،
وعلى غير مبعدة منهما يقع "مقر
الفرع"، أما مكتب الإعلام
المركزي في الحي الراقي، فتلوح
من على شرفته الخلفية ملابس
فاخرة تشي بثراء أصحابها الذين
استوطنوا مقر الرفاق وحلوا
محلهم. وإن أنت عدت إلى "مرابع"
الفصائل في اليرموك أو المزرعة
في دمشق، أو على حواف المخيمات
في لبنان، تصدمك المآلات التي
انتهى إليه المثقف والثقافة،
الصحفي والصحافة، الإعلامي
والإعلام في الثورة
الفلسطينية، هؤلاء الذين كانوا
نجوما ذات يوم، ومقراتهم كانت
تضيق بالصحفيين والوفود من
مختلف الدول وشتى الألسنة،
ودّعوا العمل الفصائلي المنظم،
وصحفهم تحولت إلى منشورات تثير
الحزن والرثاء ولا تستثير فيك
أية شهية للقراءة، تستذكر على
الفور وصف بسام أبو شريف لبعض
صحف منظمة التحرير بـ"البعكوكة". بعضهم، حتى لا نظلم
بعضهم الآخر، توقف عن الحياة
منذ العامين 1982-1983، ما زال
مشغولا في البرهنة على خواء
وانحراف "زمرة عرفات - الوزير"
التي اتخذت هذه الأيام اسما
جديدا: "سلطة أوسلو"،
العالم يبدأ وينتهي من هذه
النقطة وإليها، عمر بأكمله
انقضى أو يكاد في مطاردة رهانات
إلغائية دامية، فيما موضوع
الرهان، حرية الشعب الفلسطيني
واستقلاله، يبدو أصعب منالا، و"الرفاق"
الذين باعدت ما بينهم صراعات
السياسة والجغرافيا والمحاور
العربية والمصالح الرخيصة، لم
ينتبهوا على ما يبدو إلى حقيقة
أن جدلهم العقيم لا يشبه من حيث
خوائه سوى "جدل بيزنطة". صور محزنة بلا شك، تشف
عن "شيخوخة" الحركة
الوطنية وتهرّوئها، وهي صورة لا
تعادلها في قسوتها على النفس
والعقل والضمير، سوى الصور
الآتية من رام الله...هنا ثوار
بلا ثورة، وهناك سلطة تأكل "ثوارها"،
هنا لغة خشبية تذكرك باللغات
السامية البائدة، وهناك لغة
مستهجنة وافدة على قاموسنا،
تحيل العدو صديقا والصديق عدوا...هناك
ترف المكاتب والسيارات
والمنازل والمرافقين حليقي
الرؤوس، وهنا بقايا مظاهر وصور
عن زمن غير الزمن تذكرك ببيوت
الإقطاعيين بعد الإصلاح
الزراعي في مصر. تدرك وأنت تستحضر شريط
صور طويل جدا عن المصائر
والمآلات التي انتهت إليها "الحركة
الوطنية الفلسطينية"، العلة
وراء ظهور لاعب جديد على الساحة
الفلسطينية: الإسلام السياسي
المسلح، فالحركة الوطنية
الفلسطينية المعاصرة، التي
انطلقت مطلع ستينييات القرن
الفائت، تلفظ أنفاسها الأخيرة،
من دون أن تحقق هدفها الرئيس:
تحرير الأرض والإنسان،
الاستقلال الناجز، وتحقيق
العودة وتقرير المصير وبناء
الدولة المستقلة وعاصمتها
القدس، تدرك أن الشعب الفلسطيني
مقبل لا محاولة، وإن طال الزمن،
على إطلاق موجه جديدة من النضال
الوطني التحرري، ففلسطين التي
تخضع لآخر استعمار وأطوله،
أكثرها همجية وبربرية على
الإطلاق، غير قابلة للإمحّاء عن
الخريطة السياسية والجغرافية،
والمؤكد أنها عصية على الاختزال
بدويلة الجدران والمعازل
والجسور والإنفاق، دويلة
البقايا والكانتونات. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |