-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضانيات
(8) الزيارة
والتلاقي د:
عثمان قدري مكانسي روى عثمان بن سودة عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال : " من عاد مريضاً أو زار
أخاً ناداه مناد من السماء : أن
طبتَ وطاب ممشاك وتبوّأت من
الجنة منزلاً " فهي دعوة من
نبي الحب والود إلى المسلمين
والبشرية جمعاء أن يتقاربوا
ويتزاوروا ، فَرَبّ السماء
سبحانه يجزيهم الحياة السعيدة
في الدنيا والمنزلة الرفيعة في
الدار الباقية . وكان يُقال : "امش
ميلاً وعُد مريضاً ، وامش ميلين
وأصلح بين اثنين ، وامش ثلاثة
أميال وزُرْ أخاً في الله " .
وهذه حكمة تدعو للقاء المثمر
للأخوة ، الداعم للصداقة .
والمسلم عنوان البر والإيجابية
في الحياة ، فما أجمل أن تزور
مريضاً وأن تصلح بين المتخاصمين
وأن تنشئ علاقة طيبة مع أخ لك في
الله؟! . وما أجمل قول علي بن
الجهم في الصحبة
والزيارة : أبلغْ أخاً ما تولّى اللهُ صحبَتَنا
أنّي وإن كنتُ لا ألقـاه
ألقاهُ وأن طرفيَ موصول برؤيته
وإنْ تباعد عن مثوايَ
مثواهُ الله يعلم أني لسـت أذكـُره
وكيف أذكرُه إذ
لستُ أنساهُ فصحبته في الله باقية
سواء لقيه أم غاب عن ناظره ، إنّ
قلبه موصول به متعلق برؤيته ،
وإنه دائماً معه في كل آن . وفي هذا المعنى يقول
أحدهم : قد جمعتنا وإياك أحوالٌ
لا يُزري بها بعدُ اللقاء ، ولا
يُخِلّ بها تنازحُ الديار . ويعتبر سهل بن هارون أن
من روعة الحياة أن تلتقي من
يمتاز بشمائل عالية وأخلاق
سامية : وما العيشُ إلا أنْ تطول بنائل
وإلا لقاء المرء ذي الخلق
العالي ويروي ابن قتيبة أنه قرأ
في كتب حكماء الهند أن ثلاثة
أشياء تزيد في الأنس والثقة : 1-
الزيارة في الرحل ( مكان الإقامة
) 2- والمؤاكلة ، 3- ومعرفة الأهل
والحشم ( أن يتعرف أهلك على أهل
المزور فتزداد الألفة وتتوثق
الصداقة ) . وكتب رجل إلى صديقه
يستحثه على الوصال :
مثـَلـُنا – أعزّك الله – في
قرب تجاورنا وبُعد تزاوُرنا ما
قال الأوّل : ما أقرب الدار والجوار وما
أبعد مع قـُربـِنا
تلاقينـا وكل غفلة منك محتملة ،
وكل جفوة مغفورة ،للشغف بك
والثقة بحُسْن نيّتك ، وسآخذ
بقول أبي قيس : ويُكرمها جاراتُها ، فيزُرْنها
وتعتلّ عن إتيانهنّ
فتعتذر وفي هذا المعنى كتب
أحدهم إلى أخيه يستزيره : طال
العهد بالاجتماع حتى كِدنا
نتناكر عند اللقاء ، وقد جعلك
الله للسرور نظاماً ، وللأنس
تماماً ، وجعل المَشاهدَ موحشة
إذْ خلَتْ منك . ولعل الرجل يهوى لقاء من
يحب ومن يستفيد منه ، ألم يقل
بشار بن بُرد في هذا : يسقط الطير حيث تلتقطُ
الحـَــبَّ
وتُغشى منازل الكرماء فالإنسان يأوي إلى من
يرتاح له فائدةً مادية أو
معنوية ، يقول الشاعر في هذا : تثاقلْتُ إلا عن يد أستفيدُها
وزَورةِ ذي وُدّ أشدّ به
أزري وقال رجل لصديقه : قد
تصدّيت لقائك غيرَ مرّة ، فلم
يُقضَ ذلك . فقال له الآخر : كل بر
تأتيه فأنت تأتي عليه ( تصله
وتنال خيره ) . ولعل والودّ والتفاهم
يزيد في الآصرة ويُقوّي العلاقة
خاصة إذا كان الرجلان متماثلين
، وقد أنشد الشاعر في هذا المعنى
بيتين لطيفين فقال : أزور محمّـداً ، وإذا التقينـا
تكلـّمَتِ الضمائر في
الصدور فأرجـع لم أَلُمْه ولم يَلُمنـي
وقد رضي الضمير عن
الضمير لكنّ كثرة الزيارات
وطول الزيارة يبعث الملل
والقـِلى في النفوس وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم "
زُرْ غِبـّاً تزدَدْ حبـّاً "
. وقد وصف الأصمعي صاحباً له
فقال : كان يكره الزيارةَ
المُمِلّة ، والقعدة
المُنسِيَة . وقد أنشد شاعر : إذا شئتَ أن تـُقلى فَزُر متتابعاً
وإن شئتَ أن تزداد حباَ
فزُرْغِبـاً وأنشد آخر بيتين
ممتلئين حكمة وأدباً ، فقال : أَقلِلْ زيارتـَك الصديــــقَ يراك كالثوب
استَجَدّه إنّ الصـديـق يُمِلـّـه
ألاّ يـزال يـراك عنـده وقد أخطأ الشاعر فلم
يجزم جواب الشرط ، ولو وضع (
يجدْك ) بدل يراك لاستقام الوزن
والمعنى . إلا أن زيارة الكريم
ولقاءه شفاء وراحة ، ولقاء
اللئيم مرض وسقام ، وهذا ما
أحسَن وصفَه شاعر متمكن ذو علم
بهذين النوعين المتناقضين من
الناس : وماليَ وجهٌ في اللئام ولا يدٌ
ولكنّ وجهي في الكرام عريضٌ أصِحّ إذا لاقَيتُهُـم ، وكأنني
إذا أنا لاقَيْتُ الّلئـامَ
مريـضٌ ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |