-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 30/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الطب بين الأمس واليوم

المهندس هشام نجار - أمريكا

إخوتي وأخواتي

في عام ١٩٤٩ كان عمري ستة سنوات, في ذلك العام اصبت بمرض التفوئيد وهو مرض في تلك الأيام يقع في دائرة الخطر فلم يكن هناك دواء ذو فعاليه ضده . كنا يومها نقيم في بلدة الباب التي تبعد عن حلب اربعين كم "أنظر مذكراتي تحت عنوان محطات صغيره في حياة إنسان عادي" أخذني والدي إلى حلب فورآ وعرضني على طبيبين والإثنين اجمعا على اني مصاب بالتفوئيد دون حاجتهما الى إجراء تحاليل وفحوصات كما يحصل اليوم وكان رأيهما صحيحآ ولكن المشكله كانت بالدواء حيث لم يكن لهذا المرض حينها دواءً متوفرآ بالصيدليات  فكل ماوصفوه لي كان مخفضات للحراره مع حميه غذائيه قاسيه  فكما هو معلوم ان جراثيم التفوئيد تتخذ من الأمعاء الدقيقه مقرآ لها عندها يصبح جدار الأمعاء رقيقآ كورقة السيجاره وان أي غذاء يصل الامعاء سيؤدي إلى ثقبها وبالتالي إلى وفاة المريض

عدنا إلى بلدة الباب واصدر والدي تعليمات صارمة وخاصة لوالدتي طالبآ منها التقيد بالحميه ثم الحميه ولا شيئ سوى الحميه , نفذت والدتي هذه التعليمات بدقه رغم تألمها الشديد لما آل إليه وضعي

 إستمرت هذه الحميه القاتله اعزائي القراء خمس واربعين يومآ متواصله كان غذائي الوحيد خلالها ماء الرز المغلي ثم سمح لى الطبيب بمعلقتي زبادي مع كأس من الشاي منقوع فيها كعكه محمصه ثم تلا ذلك إنتقالي تدريجيآ إلى الطعام الخفيف الخالي من اللحم

تصوروا اعزائي القراء طفل في السادسه من عمره يقضي خمس واربعين يومآ على ماء الرز بينما كانت حاسة الشم عندي تلتقط رائحة المشاوي والمقالي الى مطبخ سابع جار يبعد عن بيتنا فأبدأ بالبكاء فتأخذني والدتي بين ذراعيها محاولة ان تخفف عني هذه المعاناة

وبعد ان بدأت صحتي تدخل مرحلة النقاهه جاءت الأخبار من ان دواء التفوئيد قد وصل إلى حلب ولكن في الوقت الذي لم اكن بحاجة إليه

إخوتي واخواتي تغير الآن كل شيء فالتفوئيد إختفى من العالم او كاد وإذا اصيب احد به اليوم فإن المضاد الحيوي الخاص بمعالجة المرض يكفي للقضاء عليه  في خمسة ايام  ولا حاجة للحميه بل على العكس فالطعام يوصى به حتى لاتضعف مقاومة المريض

معالجات تلك الأيام كانت بسيطه ولكن بعضها كان فعالآ ولم تتغير حتى يومنا هذا فمثلآ معالجة معظم حالات الأنفلونزا كان بضع حبات من الاسبرين والشاي وعصير الليمون والراحه لعدة ايام كفيلآ بشفائها وإذا كان الرشح مقرونآ بنزله صدريه فعدة كاسات هواء أوما تسمى باللغه العربيه الفصحى "الحجامه" على الظهر كانت كافيه لتخفف الضغط على صدر المريض , وإذا كان احدهم يشكو من ارتفاع الضغط فعندها يجرى للمصاب تشريطآ بشفره حاده للظهر في موقع الحجامه  وتسمى باللغه العربيه الفصحى  "الفصاده "على ان يأخذ المعالج بكل اساليب التعقيم , ولكن الخطوره في الفصد إذا كان المصاب يعاني من ميوعه في الدم او مصاب بداء السكري فهنا يجب توخي الحذر. ولا زلت اذكر منذ طفولتي معالجة غريبه لإرتفاع ضغط الدم بإستخدام نوع من العلق النهري حيث يعلق عدد منها دفعة واحده على جبين المريض لتقوم بإمتصاص دمه  فتنتفخ العلقه من الدم الممتص ليصبح حجمها حوالى عشرة امثال حجمها الطبيعي ثم تسقط ميته 

اكتفي بهذا القدر قرائي الأعزاء عن الطب كما عايشته في طفولتي , ولأنتقل بكم الى المعالجه في زمننا الحالي

طبيبنا اليوم لا يمد يده على المريض قبل ان يطلب من مريضه كافة التحاليل والصور الشعاعيه والمقطعيه والفحص بالاشعه فوق الحمراء وفوق الصوتيه وتقنية الكشف عن الأورده الدمويه والى آخر ذلك من تقنيات تصب كلها ولاشك في مصلحة الجنس البشري , اما المستشفيات  في البلاد الغربيه وبعض المستشفيات في بلادنا العربيه فاصبحت المعدات الحديثه والآلات الالكترونيه هي يد الطبيب وعينه وحتى لسانه فهي تعطي النتيجه بصوتها بدلآ عن الطبيب ولكني لم اسمع حتى الآن انها بدأت ايضآ بكتابة الوصفه الطبيه للمريض وتوقيعها نيابة عنه وقد  تقوم  بمحاسبة المريض نيابة عن الطبيب ايضآ ..من يدر؟ الا ان ذلك قد يحصل قريبآ بينما يكون الطبيب خارج عيادته او في احد المصايف يقضي اجازته

إخوتي واخواتي كلنا مع هذا التقدم التكنولوجي ولاشك فلقد إستفدت منه مع عائلتي ولكن هذه الإستفاده لم تكن لتتم لولا اننا نملك تأمينآ صحيآ يغطي كشفية الطبيب والمستشفى والأدويه والتحاليل وغير ذلك من التكاليف

وهنا تكمن مأساة غالبية ابناء امتنا العربيه حيث لايملكون تأمينآ صحيآ يدفعون به غدر الأمراض , كما لا تستطيع هذه الاغلبي ذات الدخل المحدود ان تجد لها سريرآ واحدآ في مستشفاياتنا الحكوميه والمصنفه بنصف نجمه ناهيك عن مستشفاياتنا الخاصه المعدوده على الأصابع ذات السبع نجوم

 الإخوه والأخوات

لم يعد في بلادنا العربيه مستعمر نتهمه بحبسنا في دائرة المرض والجهل

ولكن يبدو ان الحكام مازالوا يطبقون نظريات المستعمر في شعوبنا... حكامنا اسخياء على دوائر مخابراتهم بميزانيه تبلغ مئات الملايين من الدولارات ولكنها تعجز عن وضع بطاقة تأمين صحيه واحده في يد من يحتاجها من ابناء هذه الأمه يذهب بها الى طبيب يطمئن اليه او إلى مستشفى يختاره بنفسه

إخوتي وأخواتي

مشهد تلفزيوني ناقد صور امام احد المستشفيات الحكوميه في بلد عربي عرض قبل ايام في إحدى الأقنيه الفضائيه يكشف عن  مئات من البشر رجالآ ونساءآ  واطفالآ يتكدسون على الارصفه امام المستشفى بإنتظار دورهم ليكشف عليهم طبيب المستشفى  لقد كان  منظرآ يقطع نياط القلب

لقد شاهدت هذا المنظر المؤلم وانا على بعد اثنا عشر الف كيلآ من المستشفى

 لكن يبدو ان الحاكم والذي يبعد قصره عن المستشفى المذكور ثلاث كيلومترات فقط لم تصله بعد اخبار المأساة.... ام تراه مشغولآ بترتيب شؤون خلافته؟

مع تحياتي

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ