-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضانيات
(9) المعاتبة
الإخوانية دكتور
عثمان قدري مكانسي - قد يخطئ الصديق مع
صديقه ، فهل يصرمه وينساه أو
يعفو عنه ويصفح ويوجد له
الاعذار أو يستعتبه فيعذر إليه
تصرفه معه بعد ذلك ؟ - يقول أبو الدرداء رضي
الله عنه : " معاتبة الأخ خير
من فقده ، ومَنْ لك بأخيك كله؟
" ولن
تجد أخاً كامل السمات وافي
الأوصاف ، والصبر على الصديق
مدعاة للاحتفاظ به . - وقال أوس بن حارثة
لولده ينصحه : العتاب قبل العقاب
( لا بد من التثبت من حقيقة
الصديق وتصرّفاته قبل اتخاذ
الموقف المناسب ) - وكتب رجل إلى صديقه :
الحال بيننا تحتمل الدالّة ،
وتوجب الأنس والثقة ، وتبسط
اللسان بالاستزادة . (ولم يكن
هذا القول من فراغ إنما من شعور
بالودّ يكتنف الرجلين) . - وقال إياس بن معاوية :
خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب
، فلما كان ببعض المناهل لقيه
ابن عم له ، فتعانقا وتعاتبا ،
وإلى جانبهما شيخ كبير من الحي .
فقال لهما الشيخ : - يحذّرهما من
العتاب ويأمرهما بنسيانه –
أنعِما عيشاً ، إن المعاتبة
تبعث التجنّي ، والتجنّي يبعث
المخاصمة ، والمخاصمة تبعث
العداوة ، ولا خير في شيئ ثمرتُه
العداوة . فقلت
للشيخ : من أنت؟ قال : أنا بن
تجربة الدهر ومَن بَلا
تـَلـَوُّنـَه . قلت للشيخ : ما أفادك
الدهر ؟ قال : العلمُ به . قلتُ له : فماذا رأيتَ
أحمدَ ؟ قال : أن يُبقيَ المرءُ
أُحدوثـَةً بعده . قلت: فلم أبرح ذلك الماء
( المكانَ) حتى هلك الشيخ
وصلّيتُ عليه . - وكتب رجل إلى صديقه
يعاتبه : ما أشكوك إلا إليك ، ولا
أستبطئك إلا لك ، ولا أستزيدك
إلا بك ، فأنا منتظر واحدة من
اثنتين : عُتبى تكون منك ، أو
عُقبى الغِنى عنك . . (وبهذا لم
يظلمه إنما وضع نقاط صحبتهما
على المحك ، فإما دوامها وإما
الاستغناء عنها ). - وفي هذا المعنى قال ابن
أبي فنن : إذا كنتَ تغضب من غير ذنْبٍ
وتعتِب من غير جُرم عليــّا طلبت رضـاك، فإن عزّنـي
عَدَدْتُك ميْتـاً وإن كنتَ
حيـّاً قنِعـْتُ وإن كنـْتُ
ذا حاجة
فأصبحتُ من أكثر
الناس شيّاً فلا تَعْجَبَـنّ بمـا في يديـْك
فأكثـر منه الـذي في يديـّا ( إن استعلى عليك من
ظننتَه صاحباً ، فأهمله وكأنه
لم يكن موجوداً أصلاً) . وهذا آخر يبسط المعنى
نفسه بأسلوب أشدّ مضاء من
السابق : " قد حميتُ جانب الأمل
فيك ، وقطعتُ الرجاء لك ، وقد
أسلمني اليأس منك إلى العزاء
عنك ، فإن نَزَعْتَ من الآن ،
فصفحٌ لا تثريب فيه ، وإن
تماديتَ فهجرٌ لا وصل بعده . (ولعلّي لست من هذين
الرجلين فلقد رأيتُني أنسى أعزّ
من ظننتُه صديقاً حين تناساني ،
ولم أعاتبه ، فلا يستحق ذلك
العتاب ). - وعاتب رجل صديقاً له
عامله بغير ما يجب من الحب
والودّ فقال: عَدَلْتَ من الرحاب إلى المضيقِ
وزرتَ البيتَ من غير
الطريقِ تجـود بفضل عدلـِك للأقاصي
وتمنعُـه من الخِـلّ
الشفيقِ لقـد أطْلَقـْتَ لي تُهَمـاً
أراها
ستحملني على مضض العقوقِ - ويؤكد هذا قول الشاعر
في المعنى ذاته : ولا خير في قُربى لغيرك نفعُها
ولا في صديق لا
تزال تعاتبه (ولماذا
يُسمّى صديقاً من يبيعك
ويتناساك وربما يفضل غيرك عليك
أو يتعمد بعد الصداقة تفاديك ؟.) - وتقول العرب لمن عوتب
فلم يُعتِب ْ ( استُرضي فلم يرضَ
) .. تقول : " لك العُتبى بأن لا
رضيتَ ( وهذا على وجه الدعاء بان
لا رضيت أبداً ) . - وعاتب رجلٌ أخاً له
تبيّن له بعد التجربة أنه لا
يستحق الصداقة وأنه أخطأ في
اختياره صديقاً
له : تأنـّينا إفاقتَك من
سُكر غفلتِك ، وترقّبنا انتباهك
من وَسَن رقدتك ، وصبرنا على
تجَرّع الغلظ فيك حتى بان لنا
اليأس من خيرك ، وكشف لنا الصبر
عن وجه الغَلَط فيك ، فها نحن قد
عرفناك حقّ معرفتك ، في تعدّيك
لطويل حقّ مَن غَلِط في اختيارك
. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |