-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضان
.. عادات وتقاليد نابلسية د
/ لطفي زغلول / نابلس
تنفرد مدينة نابلس جبل
النار بعادات وتقاليد خاصة بها
، أو أنها تتشابه إلى حد ما مع
بعض المدن الإسلامية مثل
القاهرة ودمشق ، وتذكيرا فقد
لقب المؤرخون مدينة نابلس بدمشق
الصغرى ، ومع ذلك تظل نابلس لها
خصوصيتها .
لقد اعتاد النابلسيون على
استقبال شهر رمضان المبارك من
كل عام هجري بفرح وسرور عظيمين .
ولا عجب في ذلك فهو شهر الرحمة
والمغفرة ، شهر الخيرات
والبركات ، شهر التوبة من
المعاصي والذنوب .
قبل أيام من ثبوت رؤية هلال
شهر رمضان المبارك الذي اعتاد
المسلمون في كثير من الأقطار
الإسلامية أن يحتفلوا به ، كان
النابلسيون يستعدون لهذه
المناسبة الكريمة بما يليق
بجلال حلول هذا الشهر المبارك .
بداية كان هناك موكب إخراج
مدفع رمضان من مخزنه . وعلى طول
سير هذا الموكب ، كان أطفال
نابلس وفتيتها يسيرون وراءه ،
وعلى وجوههم علامات الفرح
والسرور، حتى يصل موكبه إلى
المكان المعد له ، حيث يبدأ
القائمون عليه بتنظيفه وإعداده
استعدادا لعمله الذي يستغرق
طيلة الشهر المبارك وأيام عيد
الفطر السعيد . ولطالما كان
الأطفال والفتية وحتى فئات من
الكبار يتجمعون حول مدفع رمضان
حين انطلاقه ، حيث كانوا يهتفون
فرحين مسرورين .
تعود حكاية مدفع رمضان إلى
أحد سلاطين المماليك ويدعى خوش
قدم . كان هذا السلطان مغرما
بالمدافع . وفي أحد الأيام تلقى
مدفعا من أحد ولاته ، فأحب أن
يجربه ، وصادف الوقت غروب شمس
أول يوم من أيام رمضان وتحديدا
عند أذان المغرب . سر أهل
القاهرة من هذه المبادرة والتي
ظنوها مقصودة من قبل السلطان ،
فشكلوا وفدا بعد الإفطار لشكره
، فأمر بدوره أن يتكرر هذا
الإطلاق كل ليلة من ليالي رمضان
.
أما أسواق نابلس التجارية
فقد كانت تشهد تغيرا ملحوظا في
بضائعها المعروضة استعدادا
لهذا الشهر الفضيل . فنراها تعرض
ما لذ وطاب مما يشتهيه الصائمون
مثل قمر الدين والتمور والزبيب
والمكسرات والنقوع والمخللات ،
وتنتشر في أحيائها وقصباتها
محال صناعة القطائف التي تشتهر
بها نابلس ، وكذلك محال بيع
الزلابية والحلاوة القرعية .
كما أن باعة شراب السوس والخروب
والتمر الهندي يستعدون هم
الآخرون لإحياء موسمه ، إضافة
إلى مطاعم الحمص والفول
والفلافل . ومما يميز رمضان عن
غيره من الشهور العربية أن له
خبزا خاصا مزينا بحب البركة
والسمسم ، وكعك رمضان مشهور
ومعروف بتنوعه وأشكاله .
كما أن له أصنافا مخصصة
ومعينة من الحلويات الشرقية .
وقد اعتاد النابلسيون أن يخصصوا
ميزانيات خاصة على شرفه .
في أول يوم من أيام هذا
الشهر الفضيل ، وبعد صلاة العصر
، كانت الأسواق تزدحم بالصائمين
لشراء حاجاتهم . وتظل هذه الحال
حتى قبيل موعد الإفطار ببضع
دقائق ، حيث تبدأ الأسواق
تخلومن زبائنها . إعتاد النابلسيون عند
الإفطار والذين كان مدفع رمضان
ينهي صيامهم أن يذهبوا إلى
المساجد بعد أن كانوا يتناولون
حبات من التمر والماء وذلك
إحياء لسنة الرسول الكريم ،
ومنهم من كان يتناولها وهو في
المسجد بغية أداء صلاة المغرب .
كما اعتادوا أيضا استهلال
إفطارهم بهذا الدعاء : اللهم لك صمت وبك آمنت وعلى
رزقك أفطرت وصيام غد نويت ذهب الظمأ ، وابتلت
العروق وثبت الأجر إن شاء الله
ويمتاز رمضان عن غيره من
الأشهر الهجرية بما يلي : 1-
صلاة التراويح بعد صلاة
العشاء ، وأقلها أربع ركعات ،
وأكثرها عشرون . 2-
السحور قبل سويعات الفجر
إحياء لسنة الرسول الكريم ،
والحديث الشريف : تسحروا ففي
السحور بركة . 3-
ظهور المسحرين الذين كانوا
يجوبون حارات المدينة وقصباتها
كل في حارته ، ويقرعون طبلاتهم
لكي ينبهوا النائمين على وقع
أصواتها ، إضافة إلى مدافع
السحور والإمساك . 4-
سهرات رمضان العائلية التي
قد تمتد إلى السحور . وهنا نذكر
بعادة أساسها صلة الرحم والقربى
، اعتاد النابلسيون القيام بها
وهي ما يسمى بفقدة رمضان وهي
حلويات – مكسرات – فواكه –
ملابس – مجوهرات – وغيرها ،
كانوا يقدمونها لبناتهم
المتزوجات ، وأخواتهم ، وعماتهم
، وخالاتهم . 5-
وحين نذكر شهر رمضان فإننا
لا بد وأن نذكر معه ما يسميه
النابلسيون السوق نازل ، حيث
كان الأطفال والفتية ينزلون إلى
الأسواق والحارات حاملين
فوانيسهم المضيئة ، بعد أن
يكونوا قد تناواوا طعام الإفطار
وهم يرددون أناشيد خاصة بشهر
رمضان ، نذكر منها أنشودة السوق
نازل المشهورة – أنشودة رأس
السكر – أنشودة التاجر الذي ذهب
إلى مدينة حلب ، والذي اشترى كما
تقول الأنشودة لزوجته الجديدة
أساور من ذهب ، واشترى لزوجته
القديمة أساور من خشب – أنشودة
بنياتي بنياتي وهي حوارية بين
إحدى المنشدات ومجموعة الأطفال
– أنشودة مبيض أواني النحاس ،
وهي من المهن التي اندثرت أو
أنها كادت . 6-
إعتاد النابلسيون أن يشجعوا
أطفالهم في سن مبكرة على صوم
رمضان بدءا بما يسمونها "
درجات الميدنة " وهي ما يعادل
نصف نهار أو أقل بقليل . 7-
إعتاد أطفال نابلس في ذلك
الوقت أن يحمل كل منهم كيسا
صغيرا من القماش يضعون فيه كل ما
يحصلون عليه من مأكولات وحوائج
يخرجونها حين الإفطار
يسمونه كيس التحويجات . 8-
وفي شهر رمضان أيام وليال
مباركة : أولاها ليلة القدر ،
وتصادف ليلة السابع والعشرين
منه ، حيث كان النابلسيون
يحيونها في المساجد بدءا بتناول
إفطارهم فيها ، والإكثار من
الأدعية والصلوات وقراءة
القرآن الكريم حتى مطلع الفجر.
وكان هناك من يسافرون إلى القدس
ليحيوا هذه الليلة المباركة
بجوار المسجد الأقصى المبارك . ومن أيامه المشهورة
ذكرى وقعة بدر الكبرى ، حيث
انتصر المسلمون فيها على
المشركين في أول معركة يخوضونها
. وقد اعتاد النابلسيون
في اليوم السابع والعشرين من
الشهر الفضيل وغداة ليلة القدر
أن يؤموا مسجد الحنبلي في
المدينة عند صلاتي الظهر والعصر
، حيث تعرض على المصلين وسط
تهليلهم وتكبيرهم الشعرات
النبوية الشريفة ، الذين بدورهم
يقومون بتقبيل الزجاجة التي تضم
هذه الشعرات وعددها ثلاث . وتعتبرالشعرات النبوية
الشريفة من الرموز الدينية التي
تنفرد بحيازتها بعض المدن
الإسلامية ومنها مدينة نابلس . ومن هذه الرموز الدينية
والآثار النبوية الشريفة عصا
الرسول عليه السلام وبردته
وخاتمه وقوسه ونشابه وبعض من
شعراته التي نحن بصدد الحديث
عنها . ويروى أن هذه الشعرات
موجودة في عدة أماكن من العالم
الإسلامي كما أسلفنا ، ويقدر
عددها ما بين 50 - 60 . والثابت أن
هذه الآثار النبوية الشريفة
ومنها الشعرات النبوية كانت
بحوزة سلاطين بني عثمان
باعتبارها من رموز الخلافة
الإسلامية ، وكانت تنتقل
بالوراثة من سلطان إلى آخر . وهي حاليا موجودة في
سراي سلاطين بني عثمان في
استنبول في إحدى الغرف التي
يطلق عليها الغرفة المقدسة ،
وهي تضم كل آثار الرسول عليه
السلام . ولقد دأب السلطان عبد
الحميد الثاني على توزيع بعض
الشعرات النبوية على بعض
البلدان الإسلامية ، وكان له في
ذلك غايات وأهداف تتمثل في
كسب ود الناس ومحبتهم
وثباتهم على الولاء له وللسلطنة
. وقد اعتاد النابلسيون
أن يخرجوا زكاة أموالهم في هذا
الشهر الفضيل ، وذلك أسوة بكثير
من المسلمين في كثير من الأقطار
الإسلامية . واستعدادا للعيد الصغير
" عيد الفطر السعيد " ، كانت
هناك عادة درج عليها النابلسيون
في الأيام الأخيرة من شهر رمضان
، تتمثل في إحضار سعف النخيل
الذي يستورد من مدينة أريحا
بغية تزيين قبور موتاهم بها . إنها عادات وتقاليد حرص
النابلسيون على الإحتفاظ بها ،
وبرغم التطور الحداثي ، والتغير
الإجتماعي إلا أن هذه العادات
والتقاليد ما زالت قائمة ، وهي
بحد ذاتها تضيف جوا مميزا وخاصا
بالشهر الفضيل . وقد اكتسب
النابلسيون كثيرا منها
إبان الحكم الفاطمي
لمدينتهم . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |