-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضانيات
(11) من
أساليب التربية النبوية الحـــوار بقلم
د . عثمان مكانسي قد يمر الرسول صلى الله
عليه وسلم في مكان فيرى أمراً
يستحق التعليق عليه ، أو يسمع
كلمة فيلقي الضوء عليها ، فتكون
هذه الكلمات من رسول الله صلى
الله عليه وسلم عظة وعبرة تؤثر
في نفوس أصحابه ، وقد يحاور
أصحابه ليصل معهم إلى فكرة
يثبتها في عقولهم ، أو يرشدهم
بها ويهذب نفوسهم ، ويدلهم على
طريق الخير الموصل إلى رضاء
الله تعالى . من ذلك ما رواه عمر
الفاروق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ
قال : قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم بسَـبْيٍ ، فإذا
امرأة من السبي ( الأسرى ) قد
تحلَّب ثديها إذ وجدت صبياً في
السبي ، فأخذته فألزقته ببطنها
فأرضعته . فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : { أترون هذه
المرأة طارحة ولدها في النار
وهي تقدر على أن لا تطرحه ؟ قلنا
: لا والله . قال : فالله تعالى
أرحم بعباده من هذه بولدها . وكثيراً ما كان السبي في
ذلك الوقت ، وكثيراً ما كانت
النساء يفعلن ذلك بأولادهن ،
فهذا أمر عادي ألفه الناس ، فهو
جزء من حياتهم اليومية ، ففقدوا
بهذه العادة التلذذ بمعنى
الأمومة والأبوة .. فنبههم رسول
الله صلى الله عليه وسلم - وهو
المعلم العظيم - إليها فتذكروها
، ثم قادهم إلى أهم من ذلك . قادهم إلى حب الله إياهم
ورحمته بهم ، فإذا الله تعالى
بقوته وعظمته وسلطانه ـ وهو ليس
بحاجة إليهم ـ يحبهم هذا الحب
الكبير ، أفلا يستحق ـ سبحانه ـ
أن يبادلوه حباً بحب ؟ ! هم عبيده
يحتاجونه في كل لمحة وحركة ، في
كل طرفة عين ونَفَسٍ ، نواصيهم
بيده ، ماض فيهم حكمه ، أفلا
يتوجب عليهم أن يخلصوا في
عبادته والإنابة إليه ، والعمل
بما يرضيه ؟!.. إنها لفتة عظيمة من
المعلم العظيم صلى الله عليه
وسلم . وهذا أحد أصحاب رسول
الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ أبو حكيم ـ
فيما يروي البخاري : يسأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم
ويحاوره قائلاً : يا رسول الله
من أبرُّ ؟ ( يريد أن يكون من أهل
الله الذين يبغون ثوابه ويخافون
عقابه ) . قال ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : أمك . ( كلمة واحدة تعبر
عن إرضاء الأم الكريمة ذات
الفضل العظيم الذي لا يدانيه
فضل ، فالجنة تحت أقدامها ) . قال : قلت : من أبرُّ ؟ (
أي من أبرّ بعدها
يا رسول الله
؟) قال صلى الله عليه وسلم :
أمك . ( إذن ففضلها كبير يا رسول
الله ، لا يدانيه فضل مهما علا
وسما ) . قلت : من أبرُّ ؟ ( من في
المرتبة الثالثة بعد الأولى
والثانية المخصصتين للأم حفظها
الله ورعاها ؟)\قال صلى الله
عليه وسلم : أمك . ( الله أكبر ،
إنها كلمة كررها رسول الله تنبئ
عن فضل الأم ، فهي نبع الحنان
ونهر الرحمة وسحائب الغفران ،
إرضاؤها خطير وإكرامها واجب
كبير ) . قلت : من أبرُّ ؟ ( أهناك
من أبره بعدها يارسول الله ؟ ،
هي في المقام الأول والثاني
والثالث ، هي باب الجنة ومفتاح
الخيرات . ) قال ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : أباك . ( فهو المربي
والأسوة الحسنة لأولاده ، يشقى
لأجلهم ويتعب لراحتهم ، رضاه من
رضى الرب ، وسخطه من سخط الرب
إكرامه واجب وحبه لازب ،
أدخلهما الله جميعاً جنته في
الفردوس الأعلى ) . ثم الأقرب فالأقرب
إنه الدين العظيم الذي يدعو
: إلى الإحسان والبر ، وإلى
التوقير والاعتراف بالفضل ،
والذي يدعو إلى صلة الأرحام ،
وبناء مجتمع المحبة والوئام .) . والحوار
الذي يقوم على طرح الأسئلة من
الرسول صلى الله عليه وسلم على
أصحابه ، أو من الصحابة على رسول
الله صلى الله عليه وسلم يثير
الانتباه ، ويحرك الذكاء ويقدح
الفطنة ، فتراهم يرتوون من
حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في
قالب من الاقتناع والحوار
الهادف . تعال معي لترى مصداق ما
قلناه : عن النعمان بن بشير ـ
رضي الله عنهما ـ أن أباه أتى
رسول الله ـ صلى اله عليه وسلم ـ
فقال : إني نحلت ( أعطيت ) ابني
هذا غلاماً كان لي . قال ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : أكلَّ ولدك نحلته مثل
هذا ؟ قال : لا . قال ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : فأرجعه . وفي رواية : (
اتقوا الله واعدلوا في أولادكم )
. وفي رواية : ( فلا تشهدني إذن ،
فإني لا أشهد على جور أبداً ) ،
وفي رواية ثالثة : ( فأشهد على
هذا غيري ) . ثم قال : أيسرك أن يكونوا
إليك في البر سواء ؟ قال : نعم . قال : فلا إذن {
متفق عليه ، وهو في رياض
الصالحين الحديث / 341 / . حوار هادف وضح فيه النبي
صلى الله عليه وسلم أن العدل بين
الأبناء مطلوب ، وأن البر بهم
يؤدي إلى برهم بوالديهم ، وأنه
كما تدين تدان . كما وضّح الحديث
أن على الإنسان ألا يشهد بغير
الحق والعدل ، وأن عليه تبصير
الناس بأمور دينهم ، وأن يكون
الداعية عوناً لإخوانه على
إرضاء الله عز وجل . ومن الحوار الذي أثرى
فيه الحديث عن فضيلة الصدقة
والحث عليها ، ما رواه عبد الله
بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : أيكم مال وارثه أحب إليه من
ماله ؟ قالوا : يا رسول الله ،
ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من
مال وارثه . فقال صلى الله عليه وسلم
: اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا
مال وارثه أحب إليه من ماله ،
مالك ما أنفقت ومال وارثك ما
أخرت . محاورة وضعت النقاط على
الحروف بأسلوب مقنع واضح لا
تعقيب عليه . ومن الأحاديث التي بينت
صغار الدنيا وهوانها على الله
تعالى : ما رواه جابر بن عبد الله
ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ مر بالسوق
... فمر بجدي أسكَّ ( الأسك : مصلوم
الأذنين ومقطوعهما ) ميت ،
فتناوله بأذنه ثم قال : أيكم
يحب أن هذا له بدرهم ؟ قالوا : ما نحب أنه لنا
بشيء . ( أو ما نصنع به ؟ ) قال : أتحبونه أنه لكم ؟ قالوا : والله لو كان
حياً كان هذا السك عيباً فيه ،
فكيف وهو ميت ؟! قال : فوالله ؛ للدنيا
أهون على الله من هذا عليكم . أسلوب حواري عملي ، يرى
رسول الله جدياً ميتاً ، مقطوع
الأذنين ، تزكم رائحته الأنوف ،
يمسكه من إحدى أذنيه ويعرضه على
أصحابه ، أن يشتروه بدرهم ،
فيأبوا ذلك ، وماذا يفعلون
بجيفة قذرة ؟ ولو كان حياً وهو
مقطوع الأذنين ما رغبوا فيه
فكيف وهو ميت ؟! وحين يصلون إلى هذا
القرار يعظهم الرسول صلى الله
عليه وسلم ، لو كانت الدنيا
تساوي عند الله جناح بعوضة ما
سقى الكافر منها شربة ماء ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |