-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رمضانيات (13)

الهدايا

الدكتور عثمان قدري مكانسي

نحن اليوم في روضة من رياض إحدى أمهات كتب العربية " عيون الأخبار " لابن قتيبة الدينوري رحمه الله  أقرأ ما جمعه تحت عنوان " الهدايا " فوجدت أدباً وأخلاقاً وعلماً ، فأحببت أن تعيشوا معي بعض هذا الجمال الذي آنسني وأمتعني :

- قال مكحول : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" تصافحوا ، فإن المصافحة تُذهب غِلّ الصدور ، وتهادَوا ، فإن الهديّة تَذهبُ بالسخيمة "  وعن الحسن قال : : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولو دُعيتُ إلى ذراع أو كُراع لأجبتُ ، ولو أُهدِيَ إليّ ذراعٌ أو كُراع لقبلت" والكُراع يد الشاة .وفي حديث آخر " تهادَوا تحابّوا ، فإن الهديّة تفتح الباب المُصْمَتَ ، وتَسُلّ سخيمة القلب " .

- وروى الزبير بن بكّار عن عمّه قال : كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد الله بن صفوان ، ما يكادان يفترقان ، وكان عمروٌ يبعث إلى الحارث كل يوم بقربة من ألبان إبِله ، فاختلفا يوماً ، فأتى عمروٌ أهله فقال : لا تبعثوا إلى الحارث باللبن ، فإنّا لا نأمن أن يردّه علينا . وانقلب الحارث إلى أهله ، فقال : هل أتاكم اللبن ؟ قالوا : لا . فأرسل إليه يقول : يا هذا ؛ لا تجمعَنّ علينا الهجر وحبسَ اللبن . فقال عمروٌ : إمّا إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري ، فحملها إليه .

-  وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له بنعلين وكتب إليه : بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك غنىً عنهما ، ولكنّي أحببتُ أن تعلم أنك منى على ذكر .

وقال أحد الشعراء يصف أثر الهديّة في النفس :

إنّ الهـديّـة  حـُلـوة     كالسحر تجتلب القلوبا

تُدني البغيض من الهوى     حتى تُصيّـرَه قريـبا

وتُعيـدُ مضّـغِن  العدا       وة بعد نـُفرته حبيباً

- وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : مَن أُهديَتْ إليه هديّة وعنده قوم فهم شركاء فيها . فأهدى إليه صديق ثياباً من ثياب مصرَ وعنده أقوامٌ فأمر برفعها ، فقال له رجل : ألم تخبرنا أن مَن أهديَتْ له هدية وعنده قوم فهم فيها شركاء؟! فقال : إنما ذلك فيما يُأكل ويُشربُ ويُشمّ ، أما في ثياب مصر فلا .

- أما الشاعر خلف الأحمر فقد جاء صديق له من سفر ومعه خير كثير ، فقال له : أين هديتك لي ؟ فقال له نفسي لك هديتي . ولم يُهده شيئاً فقال خلف :

أتاني أخ من غيبــة كان غابَهـا     وكنت إذا ماغاب أنشُـــدُه ركـْبــاً

فجاء بمعــروف  كثـير فدسّـه      كما دسّ راعي السوء في حضنه الوطبا

فقلت لـه : هل جئتَنــي بهديـّة      فقال : بنفسي ، قلت أتحِفْ بهـا الكلبا!

هي النفس لا أرثي لهــا من بليّة     ولا أتمنّى أنْ رأيت لهــا قــُربــا

فكان هجاؤه قاسياً لا يليق أن يصدر من رجل يدّعي الصداقة ، ولم يلتمس لأخيه عذراً .

- وحدّثنا الخليل بن أحمد الفراهيدي قال : إن وداع الخزاعيّة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ماجزاء الغنيّ من الفقير ؟ قال : " النصيحةُ والدعاء " فقالت : يُكره ردُّ اللَطَف ؟ ( هل ترد الهديّة ) قال : " ما أقبحه ! ، لو أهْديَتْ إليّ ذراعٌ فقبلتُ ، ولو دُعيتُ إلى كُراع لأجبتُ ، تَهادَوا فإنه يُضعف الحُبّ  ( يُضاعفه ) ويَذهب بغوائل القلوب " .

- وأهديَت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا ، وهو أمير العراق ، فَصـًفـَّتْ بين يديه ، ففرّقها بين جلسائه وهو يقول  منشداً :

لا تَبْخَلَـَنّ بدنيا  وهي مقبلـةٌ     فليس يَنقُصُها  التبذيرُ والسَّرَفُ

فإن تولّتْ فأحرى أن تجود بها     فالحمد منها إذا ما أدبَرَتْ خَلَفٌ

فكان في تصرفه وقوله حكيماً .

- وقال بعضهم : إن الهدية من الصغير إلى الكبير كلما لطُفَت ودقّت كان أبهى لها ، ومن الكبير إلى الصغير كلما عظُمَتْ وجلّتْ كان أوقع لها وأنجح .

وكتب أحد الشعراء يمدح أميراً ويعتذر أن هديته لا تتعدى المديح :

بدولة جعفر حَسـُن الزمـانُ    لـنا بك كل يوم مِهرجـانٌ

ليوم المهرجان  بك اختيـالٌ     وإشراق ونورٌ يُسـتـبـانُ

جعلتُ مودّتي لك فيـه وشياً     وخير الوشْيِ ما نسج اللسانُ

- وبهذ المعنى يرسل أحدهم هدية بسيطة لا يُحسن غيرها – كيساً من الملح وآخر من حُمّيض-  إلا أنها عنوان الحب والإكبار ، فقال : لولا أن البضاعة قصّرَت بي عن بلوغ الهمّة لأتعبتُ المسابقين إلى بِـِرّك ، وكرهتُ أن تُطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فبعثت إليك بالمبتدإ بيُمنه وبركته ( الملح ) والمختوم بطيبه ورائحته ( نبات الحُمّيص أو غيره ) .وبهذا المعنى أهدى الطائي الحسنَ بن وهب قلماً وكتب إليه :

قد بعثنا إليك أكرمك اللـــه بشـيء فكـُن ذا قـَبـولٍ

لا تقِسه إلى  ندى كفّك الغمـــر ولا نَيْلك الكثير الجزيلَ

واغتفـِرْ قـِلّة الهديّـة منّي     إن جُهدَ المُقلّ غير قليـلِ

- وبهذا المعنى كتب أحدهم إلى صديقه يعتذر عن صِغَر هديته : إن تصفحتُ أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى السادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء ، وإن قَصَّرَت الحالُ عن قدرك فقد رأيتُني إن أهديتُ نفسي فهي مِلكٌ لك ، لا حظّ فيها لغيرك ، ورميتُ نفسي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرَها منك ، فكنتُ إن أهدَيتُ شيئاً منه كالمُهدي مالَكَ إليك ، ومنفقٌ نفَقَتَك عليك ، وفزعتُ غلى مودّتي وشكري فوجدْتُهما خالصَين لك قديمَين غير مستحدثين ، ورأيت إن أنا جعلتُهما هديّتي لم أجَدّدْ لهذا اليوم الجديد بِرّاً ولا لـَطـَفاً ، ولم أَقِسْ منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكرُ مقَصّراً عن الحقّ ، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقةُ ، ولم أسلك سبيلاً ألتمس بها بِرّاً أعْتَدّ به أو لَطَفاً أتوصّل إليه إلا وجدْتُ رضاك قد سبقني إليه ، فجعلْتُ الاعترافَ بالتقصير عن حقّك هدية لك ، وقد قلت في ذلك :

إن أُهْدِ نفسي فهي من مِلْكِهِ    أو أُهْدِ مالي فهو من مالهِ

- وسخر دعبل الشاعر من أضحية صديقه الهزيلة التي أرسلها إليه في العيد  :

بعثتَ إليّ بأضحيّة     وكُنتَ حَرِيّاً بأن تفعلا

ولكنّها خرَجَتْ غثّة    كأنك أرْعَيْتَها  حرملا

فإن قبل الله قُربانها    فسبحان ربك ما أعدلا

- ولما قدم معاوية المدينة منصرفاً من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان بن أمية بهدايا من كُسىً وطيبٍ وصِلاتٍ من مال، ثم قال لرسله : ليحفظْ كل رجل منكم ما يرى ويسمع الردّ . فلما خرج الرسل من عنده قال لمن حضر : إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم . فقالوا أخبرنا يا أمير المؤمنين . قال :

1- أما الحسنُ فلعلّه يُنيل نساءَه من الطيب ، ويُنهِبُ ما بقي مَن حضرَه ، ولا ينتظر غائباً .

2- وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قُتل مع أبيه بصفّين .فإن بقي شيء نحر به الجُزُرَ وسقى به اللبن .

3- وأما عبد الله بن جعفر فيقول لخادمه : يا بُدَيح ؛ اقضّ به دَيني ، فإن بقي شيء فأنفذ به عِداتي ( وعودي ) .

4- وأما عبد الله بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب ، فإن بقي شيء ادّخره لنفسه ، ومانَ به عيالَه ،

5- وأما عبد الله بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يُسبّح ، فلا يلتفت إليه ، ثم يعاوده الرسول ، فيقول لبعض كُفاته : خذوا من رسول معاوية ما بعث به ، وصَله الله وجزاه خيراً ، ولا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أُحد ، ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول : ارفعوا ؛ لعلي أعود بها على ابن هند يوماً ما .

6- وأما عبد الله بن صفوان فيقول : قليل من كثير ، وما كل رجل من قريش وصل إليه هكذا ، رُدّوا عليه ، فإن ردّ قبلناها ( أهدوه ، فإن قبل هديتنا قبلنا هديته ).

فرجع رُسُلُه من عندهم بنحو مما قاله معاوية ، فقال معاوية : أنا ابن هندٍ ،  أعلم قريش بقريش .

ويقول عثمان :أعتقد أن هذه القصة موضوعة لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة

- وقال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه : إن فلاناً يُقرئك السلام . فقال : هدية حَسَنة.

- وقال يونس بن عبيد : أتيتُ ابن سيرين ، فدعوتُ الجارية : أين سيدك؟ فسمعته يقول : قولوا له : إنه نائم – يريد سأنام - ؛ فقلت : معي خبيص ( نوع من الحلوى ) فقال : مكانك حتى أخرج إليك .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ