-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضانيات
(17) لا
تقصص رؤياك على إخوتك الدكتور
عثمان قدري مكانسي بدأ الإمام صلاة
التراويح بسورة يوسف عليه
السلام ، وكان صوته مريحاً ، فلم
يكن صوته جميلاً ولا قبيحاً
لكنّ تلاوته كانت جيدة وقراءته
هادئة ، لهذا قلت إن صوته كان
مريحاً ومما يزيد في راحة النفس
أن مكبر الصوت يملأ المسجد دون
جلبة أوضوضاء . قلت في نفسي وأنا أدخل
المسجد : لعل
الله يرزقني فكرة أدندن
حولها في خواطري الرمضانية إذ
لم أكن قررت الفكرة التي أدور
حولها ليوم الغد . فلما قرأ
الإمام قوله تعالى " يا بنيّ ؛
لا تقصص رؤياك على إخوتك " قلت
في نفسي – فقد كنا في الصلاة ولا
يجوز الكلام فيها بغير الصلاة –
جاءت الخاطرة فلا بدّ من
إنضاجها . ولعل القارئ يشاركني
اليوم الحديث عنها ، ويقدح زناد
فكره فيها ، فهلمّ إلى ما يفتح
الله بها علينا من خير نحن
نحتاجه جميعاً : 1-
لا بد من صدر حنون ذي خبرة في
الحياة يسدد خطوي ويشاركني
همومي – إن صح أنها هموم – أو
يشاركني خواطري وتفكيري حين
ألجأ إليه أستعين بمشورته
وخبرته . وسيدنا يعقوب عليه
السلام أيده الله بالحكمة وسداد
الرأي وفهم الحياة ، فقد عركها
وذاق حلوها ومرّها ، وهو نبي ابن
نبي وحفيد أبي الأنبياء ، والله
سبحانه وتعالى يلهمه الصواب ،
ويسدده بالوحي ، ثم إنه الأب
الحاني والصدر المشفق ، والوالد
المحب ، فنِعم المستشار هو
لولده يوسف عليهما السلام . 2-
لا بد من الحذر والحيطة في
كل الأمور ، ولا ينبغي للسر أن
يتجاوز صدر صاحبه إلا إلى
الأمين ، وإلا شاع وعرفه القاصي
والداني ، كما أن لكل منا خصوصية
يحتفظ بها ، ويخفيها عن الآخرين
ولو كانوا من المقرّبين . والأب
يهمس في أذن ولده " يا بني لا
تقصص رؤياك على إخوتك ." 3-
ولكنّ الأخ – عادة - محب
ويود لأخيه الخير والسعادة
والهناء ، فلماذا يحذر الأب
ابنه من إخوته ؟! لا شك أن الأمر
خطير إن عرفه إخوته فسوف
يحسدونه ، ويكيدون له . إن هذه
الرؤيا بشارة بالنبوّة التي
تهفو لها نفوس الإخوة جميعاً
فأبوهم نبيّ ، ولا بد أن يرثه في
النبوّة واحد أو اثنان أو أكثر ،
والجميع يحرصون على ذلك ، وليس
الكل أهلاً لهذه المكانة
العظيمة . وسيزداد الكره ليوسف
حين تتجاوزهم هذه المكانة – وهم
الكبار – إلى يوسف الفتى الصغير
، لا شك أن الله يختار من يشاء
ويصطفي من يريد لدعوته ، ولكن هل
يعي الجميع هذا الأمر ويرضونه ؟
أم تراهم يكيدون ليوسف ويأتمرون
به إيذاء وإقصاء؟
هكذا فكر بعضهم ثم نفّذه
جميعهم ، والله – سبحانه - يفعل
ما يشاء . 4-
" لا تقصص رؤياك على إخوتك
، فيكيدوا لك كيداً " ونلاحظ
فعل الكيد يتبعه المفعول المطلق
ليصف نفسية إخوة يوسف وما فيها
من الحسد والبغضاء لمن يعتبرونه
سلبهم أمراً يظنونه من حقهم "
الله أعلم حيث يجعل رسالته "
والإيمان الناقص إذا خالطه حقد
وحسد دفع بصاحبه إلى التصرف
المشين والحمق البيّن .
، والأب يعرف أبناءه وشدة
مكرهم ، ويعلم أيضاً أن الله
يحفظ عباده الصالحين ، إلا أنه
لا بد من الحذر وأخذ الحيطة على
مبدأ " اعقلها وتوكل "
فالتوكل وحده نقص واضح ،
والعقلُ دون توكل أكثر نقصاناً .
5-
ومن الذي يدفعهم إلى الكيد
الشديد لأخيهم ؟ إنه الذي أقسم
أن يغوي الناس أجمعين إلا من
عصمه الله وحفظه ، إنه الشيطان
الذي أقسم بالله ليحتنكَنّ ذرية
آدم وليضلنّهم وليزرعَنّ
البغضاء في قلوبهم فهو عدوّهم
الأول في هذه الحياة " إن
الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين "
إنه مَن أخرج أباهم من الجنّة
وحمل على عاتقه أن يأخذ من
استطاع منهم إلى النار . 6-
وهل يقدر الشيطان أن يفعل
ذلك مع أبناء الأنبياء ؟! وقد
ربّى يعقوب أبناءه على الإسلام
والإيمان ؟ ألم يوصِ هذا الأب
أبناءه أن يكونوا مسلمين
ويحيَوا مؤمنين ويموتوا على ذلك
" ووصّى بها إبراهيم بنيه
ويعقوبُ : يا بنيّ إن الله اصطفى
لكم الدين ، فلا تموتُنّ إلا
وأنتم مسلمون "
ألم يعاهدوه وهو على فراش
الموت أن يعبدوا الله وحده "
أم كنتم شهداء إذ حضرَ يعقوبَ
الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدون
من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله
آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
إلهاً واحداً ونحن له مسلمون
" بلى لقد عاهدوه بعد أن
تعلموا الدرس واعترفوا بخطئهم
أمام يوسف في مصر واعتذروا له
وأنهم كانوا خاطئين وسألوا
أباهم أن يستغفر لهم ذنوبهم . 7-
وليس شرطاً أن يكون أبناء
الأنبياء والصالحين مثلهم
فالهداية من الله ، فهذا قابيل
قتل أخاه هابيل حسداً ، وهذا ابن
نوح يدعوه أبوه عليه السلام أن
يؤمن ويركب معه سفينة النجاة ،
فأبى واستكبر وقال بلهجة الجاحد
المعاند : " سآوي إلى جبل
يعصمني من الماء " وتنكب طريق
الهداية فكان من المغرقين أهل
النار . 8-
والحياة علمتنا أن الإخوة
قد يكون بعضهم
أشد عداوة لبعض من الآخرين ،
فكم من بيوت هّمت وكم من دماء
للإخوة أريقت بأيدي إخوانهم
لمال أو أرض أو امرأة أو
منصب أو جاه . فلا بد أيها الأحباب من
الحذر والحيطة ، ولا بد أن يحفظ
الإنسان سرّه ، ولا بد أولاً
وأخيراً أن يسأل الله تعالى
العون والهداية
" فالله خيرٌ حافظاً ، وهو
أرحم الراحمين " ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |