-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
درّة
فلسطين ياسمين شملاوي طفلةٌ
تكتبُ بأصابع الوطن طلعت
سقيرق فاجأتني الكاتبة
الفلسطينية ياسمين شملاوي،
عندما قرأت لها قصة قصيرة جداً
بعنوان "الرحمة" .. تقول
فيها: "تحسس اليد بنعومة..
قلّبها برفق وحنان.. خط فوقها
قلباً وأشار لمساعديه:- من هنا
اقطعوها....!!!".. بعد قراءة هذه القصة يقف
القارئ عند الكثير، فالعنوان
مدهش حين يأتي موارباً ساخراً
مناقضاً للواقع معبراً عن الوجه
الصهيوني القبيح، ومضمون القصة
مدروس بعناية شديدة فنياً
وموضوعياً وهدفاً وتوجها.. فمن
هي درة فلسطين ياسمين شملاوي
تلك التي أثارت دهشة القاصي
والداني، وكانت ذات حضور
استثنائي بل احتفالي في
المنتديات والصحف.. وكيف
استطاعت أن تضع بصمة بهذا
الحجم، وهي ما تزال في مقتبل
العمر؟؟.. قلت لياسمين، الباقية
هناك في فلسطيننا سأكتب عنكِ في
واحدة من الصحف أو المجلات التي
تصدر في سورية.. فكان جوابها: "جميل
فهذا المقال يُتيح لي فرصة
التواصل مع شعب أبيّ عظيم.. أكنّ
له كل الاحترام والتقدير.."..
جواب يدلّ على جمال روح هذه
الكاتبة الزميلة.. لكن ألم أقل
في العنوان إن درة فلسطين
ياسمين شملاوي طفلة تكتب بأصابع
الوطن؟؟.. فكيف تكون زميلة وهي
طفلة؟؟.. يُعيدني هذا إلى السؤال:
من هي درة فلسطين ياسمين
شملاوي؟؟.. وُلدت ياسمين شملاوي في
فلسطين بتاريخ 03/07/1994.. كتاباتها
في القصة القصيرة جداً والشعر
والمقالة والبحث، دفعت اتحاد
الكتاب الفلسطينيين لإعطائها
العضوية كأصغر كاتبة، ثم جاء
الاعتراف الثاني من اتحاد
الكتاب العرب لتأخذ العضوية
كأصغر كاتبة أيضاً.. إبداعها فرض
ذلك بقوة.. وعن تأثير ذلك عليها
تقول: "لقد أسعدني هذا.. وهو
حصيلة ما زرعته من قبل.. ولكنني
مدينة أيضاً لأولئك الذين عانوا..
هذا الاعتراف يقودني لكي أكون
ناطقة باسم الفلسطينيين بطريقة
أوسع. "طبعاً لنا أن نتخيل
أن المتحدثة في الخامسة عشرة من
عمرها.. لكن هل اكتفت ياسمين
بذلك؟؟.. لا طبعاً، فياسمين
مقدمة برامج تلفزيونية، أيضاً
هي الأصغر عمراً بين المذيعين
والمذيعات في فلسطين.. لكن ماذا
تريد ياسمين أن تقول في برنامج
تلفزيوني؟؟.. في الحوار الذي أُجري
معها في فرنسا وترجمه الأديب
المغربي رشيد الميموني إلى
العربية وهو بعنوان "لقاء مع
طفلة كبُرت بسرعة أكبر"- وهو
الحوار الذي أعتمده في نقل
إجاباتها- تقول: " "في
برنامجي، أحاول أن أجعل الأطفال
سعداء. أحكي لهم عن الثقافة
الجميلة لنابلس. نتحدث عن
المستقبل وعن آمالهم." حين
تصل إلى مدينة (ليل) في فرنسا
خلال زيارة قصيرة تقول: "في
نابلس، ليس للأطفال تماماً لا
سماء ولا ماء ولا محيط. بوصولنا
هنا نحس بالطبيعة، بالسماء
الزرقاء. في فلسطين، ليست لدينا
حياة." ولكن كيف هي الأيام
التي يعيشونها في فلسطين؟؟..
تُجيب ياسـمين: "نهارنا
اعتيادي هذا يكون حين لا يموت
أحد، أو يُجرح أو يُعتقل.. شـيء
فريد من نوعـه لأنـه إذا لم يكن
هناك موت فهناك اعتقال..".. لكن
لماذا تكتب درة فلسـطين ياسـمين
شـملاوي تقول: لأكون صوت
الفلسـطينيين في كل مكان و: "حين
أرى أطفالاً أمواتاً دون أن
يكونوا قد ارتكبوا شـيئاً، فهذا
يجعلني أكتب.. هي صيحـة. أريد أن
أكون مسـموعـة. الكتابـة سـلاح..
سـلاح ضروري.. لأن الأسـلحـة
الناريـة لا تسـتطيع تغيير أي
شـيء. حين تقتل الأبرياء، فإن
هذا يجعلك كالآخرين." وتتلفت
هذه المبدعة الكبيرة عطاءً
الصغيرة عمراً لترى إلى الحرية
في فرنسا فتتمنى أن تعيش حرة في
بلادها وتسأل أليس هذا من
حقنا؟؟.. وتُطلق جملتها الصافية
كشمس فلسطين الواعدة "العالم
أكبر كفاية من أجل هذا".. هل هي
فلسفة كاتبتنا ياسمين؟؟.. جملة
ياسمين موحية مورقة صادرة عن
كاتبة مهمومة بقضايا شعبها، بل
لنقل مصرة على أن تُسمع صوتها
وصوت شعبها لكل العالم.. فماذا
عن كتاباتها؟؟.. اشتهرت تلك الدراسة
التي أجرتها ياسمين شملاوي
ميدانياً حول وضعية الأطفال
الفلسطينيين.. تقول في دراستها
هذه: "حينما شرعت في جمع
المواد لهذه الدراسة… كنت
مفعمة بالحيوية والنشاط..
يحدوني الأمل بأن أساهم بإنتاج
بسيط في فضح هذه المؤسسة
العسكرية الغاشمة التي وضعت وفق
شرائعها اللاأخلاقية استهداف
الطفولة الفلسطينية…. وكنت
كلما وقعتُ على المزيد من
المواد كلما شعرت بالألم والغضب…
وكأنني أسمع عنها أول مرة… وبعض
هذه المشاهد تمر أمامي لتُذكرني
بذكرى أحبة بالأمس كانوا كلهم
عوّادي… وقد هالني حجم ونوعية
هذه الممارسات.. وتسمرت في كثير
من الأحيان عاجزة تخونني
الكلمات في وصفها أو وضع
العناوين لها… ورغم طواعية
الكلمات لديّ… إلا أن قاموس
القتل والبطش وجرائم الحرب هو
قاموس شبه خاوٍ لديّ… وأظنه فاض
واغرورقت عيناه ورجفت فرائضه…
مما وقف عليه من مفردات جديدة
وكلمات عابرة.. وعبارات تركيبية
وبيانية… أقف وإياكم عند بعض
منها..:- *أطفال بلا طفولة… *طفولة
مع وقف التنفيذ… *طفولة
فلسطينية مبتورة... *أطفال
فلسطين والموت البطيء... *حرب
إبادة جماعية ضد أطفال فلسطين…
*جرائم حرب وقتل ممنهج ضد أطفال
فلسطين… *قتل أطفال فلسطين أصبح
رغبة وغاية لدى الجنود
الإسرائيليين… *العبثية
الطفولية الفلسطينية تواجه
بالعبثية العسكرية والفكرية
الإسرائيلية… *طفولة بريئة
تُذبح وتُنتهك أمام ومرأى
العالم الحر ودعاة حقوق الإنسان...
*أيدي إحتلالية تعبث بمقدرات
ومستقبل أطفال لا ذنب لهم سوى
أنهم فلسطينيو الهوية...".. دراسة ياسمين أصبحت
معروفة وكرّستها
ككاتبة محترفة،
وكنت أتمنى أن أنشرها
كاملة، لكن أجد نفسي مضطراً
للانتقال إلى عالم آخر من عوالم
غاليتي ياسمين شملاوي.. تلك
الكاتبة التي يحقّ لها أن تكون
زميلة نفخر بها.. والسنوات
الطويلة التي تفصل بيننا عمراً،
نضعها جانباً، حين نُحاور فكراً
وإبداعاً وإشراقاً بهذا
المستوى.. في قصتها "الساعة"
تقول ياسمين: "الاسم أبو
رياض، مجهول النسب والهوية.. تاه
عن أسرته أيام النكبة الوحشية..
وتبنته عجوز نابلسية.. يعتاش من
الشؤون ويبيع ماء الزهر وكحل
العيون.. يرتدي أكثر من خمس
ساعات في كل يد، واحدة تحمل
توقيت لندن وأختها توقيت طوكيو
وأمها نيويورك وأقاربها توقيت
هنا وهناك.. وعقاربها ترفض
الاعتراف بالقدس أو مصر أو
الشام…. كل ساعة منها تحمل
منقوشة جميلة، على اسم مدينة..
يلبسها يُعبئها.. يُفرغها..
يُلمعها ويمرح فيها ويختال..
فجأة يقترب من بعيد رجل عجوز...
أضاع الحال والأحوال... ويهمس
بالسؤال الذي ما كان على الخاطر
أو البال"ما الساعة يا ولدي"
احمر وجهه.. وتسارعت نبضات قلبه..
وتمتم يُداري سوأته…." "علمها
عند ربي أبتاه.." "... نجد أنّ درة فلسطين يا
سمين شملاوي لا تأتي بالمفردة
والتركيب والرمز والمضمون
والإيحاء إلا عن دراية ومعرفة
عميقة بالطريق الذي تسير عليه..
ننتبه فنجد أنها لا تترك أبا
رياض هذا يدخل في القصة ليكون
مجرد بطل عابر، بل هو بطل له
وظيفته.. وجملة "يُداري سوأته"
تختصر الكثير لتضع النقاط على
الحروف.. النماذج كثيرة، فدرة
فلسطين ياسمين شملاوي لها
الكثير من الكتابات والنشاطات،
ربما احتاج ذلك للكثير من
الصفحات للحديث عن إبداع طفلة
أو كاتبة احترفت الكتابة لتكتب
بأصابع الوطن كلها.. أختم هنا
بقصة لها تحمل عنوان "الشارع"
حيث: "في بلادي هو بيت لكل
يائس بائس مخذول.. وهو أيضاً
مسكن”لأبي فاروق” يفترش الأرض
ويلتحف السماء ويُراقب الفضاء،
ويحفظ بعض آيات الذكر والفرقان
يُتمتمها يُدمدمها وينشر بها
البركات… يُحب الجميع ويعشق
السميع، يُداعب الصغار والكبار
والأشجار والأحجار…! يحمل
الأقلام ويكتب الأشعار… ولا
يُتابع الأخبار.. وليس له أهل
ولا مال ولا دار.. يكتفي بأكل
القليل ولبس الكثير.. وفي يوم من
أيام الشتاء والثلج الذي ملأ
الأرض.. والفناء.. وُجد أبو فاروق
مفارقاً إلى العلياء.. يجلس إلى
جذع النخلة مبتسماً.. قابضاً على
قلمه وقد خطَّ آخر وصاياه..” "ما
أجمل الحياة..”".. أترك للقارئ هنا الوقوف
على جوانب وجماليات هذه القصة..
فقط أُشير إلى البداية اللافتة
فعلاً ، حيث علينا العودة إلى
العنوان ليكون البداية،
فياسمين تضع عنوان "الشارع"
وتبدأ فوراً بالقول "في بلادي
هو بيت لكل يائـس بائـس مخذول".. هل قدمت عن ياسمين
شملاوي درة فلسطين ما يكفي؟؟..
أظن أنّ هناك الكثير مما يُقال،
ربما نستكمله بحوار مع هذه
الكاتبة الاستثنائية في قادم
الأيام حسب اتفاقي معها.. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |