-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أمة
واحدة أم شيع وأحزاب؟ د.
عبد العزيز المقالح كثيرة هي الآيات
القرآنية التي تكاد تشير مباشرة
إلى واقعنا العربي والإسلامي
المريض وما ينتجه في السنوات
الأخيرة بخاصة من تراكمات
التخلف الذاتي والموضوعي لأمة
أينما استدارت أو قلبت عينها
فلا ترى سوى ما يثير الحسرة
ويضاعف من معاني الخيبة
والإحباط. من بين تلك الآيات
القرآنية التي يمكن القول إنها
تكاد ترسم أوضاعنا العربية
والإسلامية الراهنة بقدر من
الدقة والدهشة آيتان صغيرتان في
أواخر سورة الروم تقولان: "ولا
تكونوا من المشركين، من الذين
فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب
بما لديهم فرحون"، لقد كانتا
تصوران حالة قوم آخرين وتحذران
المسلمين في وقت مبكر من أن
يقعوا في الحالة نفسها، وها هم
قد وقعوا وتلبستهم الحالة كأسوأ
ما يكون التلبس والتمثل. وأزعم أنه لو بحث
المفكرون والدارسون لأوضاع
الأمم عن صيغة دقيقة وعميقة
تصور أحوالنا لما وجدوا خيراً
من هذه السورة القرآنية التي
جاءت في سياق التحذير والنذير
وأصبحت بالنسبة إلينا اليوم في
سياق تصوير الواقع ورسم ما آل
إليه أمرنا في ظل الخلافات
المستشرية في الصفوف والتي لا
تقف عند حدود الجدل الفكري
والتحيز لأشكال من الانتماءات
المذهبية والطائفية والحزبية،
بل وصلت إلى حال من الانقسام
والتشقق التام في كيان الأمة
وفي روحها ودخلت في مرحلة
اقتتال دموي تتفاوت درجاته من
بلد إلى آخر، ومن جدلية حادة
التوتر لا يكاد يخلو منها قطر
عربي أو إسلامي، تناسى الجميع
معه الكليات الجامعة في الدين
والروابط الثابتة في الوطن
والعادات والتقاليد. إن المسلمين اليوم، وهم
يمارسون عبادة الصوم في شتى
بقاع العالم وما يرمز إليه من
وحدة روحية وشعورية لا يكفون عن
قتل بعضهم البعض تحت دعاوى ما
أنزل بها من سلطان، وباتوا أحوج
ما يكونون إلى الوقوف الحازم
تجاه هذه الصورة التي رسمتها
لهم كلمات القرآن الكريم وهم
يتمزقون شيعاً وأحزاباً
ويتقاتلون بلا هدف واضح جدير
بقطرة واحدة من سيل الدماء الذي
يجري هنا وهناك في غياب الرؤية
الصحيحة الجامعة التي جعلت
أعداداً محدودة منهم في زمن
الدعوة يغيرون وجه الحياة في
عالمهم، ويتغلبون في أقل عدد من
السنين على أعظم إمبراطوريتين
سادتا العالم القديم وكان لهما
شأنهما ونفوذهما السياسي
والاقتصادي والثقافي.
والمسلمون الآن وقد فاق عددهم
المليار خاضعون مستسلمون لا
يقدرون على شيء سوى التمادي
والإيغال في إفراز الجماعات
المتنابذة المتناحرة. والسؤال الذي لا يكف
شيوخ الأمة وشبابها عن طرحه على
أنفسهم وعلى الآخرين، هو: ما
الحل؟ وكأنهم لا ينتبهون إلى أن
الحل يكمن في الآية الثانية من
الآيتين السابقتين وهو أن لا
يكونوا "من الذين فرقوا دينهم
وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم
فرحون" وإذا ما التزموا بهذا
التوجيه القرآني واستعادوا
وحدتهم داسوا على خلافاتهم.
حينئذ يتغير حالهم وتتعدل
أوضاعهم، لأنه لا شيء يمزق وحدة
الشعوب ويدمر نسيجها العقائدي
والوطني كالانتماءات المذهبية
المنغلقة على ذاتها والطائفية
القائمة على تمزيق وحدة الوطن
والأمة وطغيان مفاهيم
الفيدراليات والكانتونات وما
تحمل معها من منافسات وحروب
أهلية، كانت ولا تزال وستبقى هي
الغاية والسبب في إسقاط كرامة
الأمة وتمريغ خدها تحت أقدام
الطامعين والغزاة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |