-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المأزق
الامريكي.. والأزمة اللبنانية معن
بشور
لم يكن اللبنانيون بحاجة
لأن يقرأوا او يسمعوا ما قاله
السناتور الجمهوري جون ماكين في
الكونغرس عن الازمة الوزارية في
لبنان وعن سبب تّمسك المعارضة
بحقيبة الاتصالات، لكي يدركوا
ان قطبة امريكية غير مخفية،
وحتماًً اسرائيلية، تقف وراء
الازمة الوزارية المفتوحة
تكليفاً وتأليفاً، فالمطالب
الاسرائيلية من الحكومة
العتيدة باتت معروفة، وقد أحسن
الرئيس المكلّف برفضها، ولكن
ليس من عادة تل ابيب ان تتوقف عن
الآعيبها حين تسمع كلاماً
زاجراً من نوع "حزب الله في
الحكومة... شاء العدو الاسرائيلي
ام أبى".
وليس سهلاً كذلك على
اللبنانيين ان يكتفوا
بالتفسيرات "الساذجة"
لزيارة السفير الامريكي السابق
زلماي خليل زاده الى لبنان في
هذه الظروف، خصوصاً أن الايام
الفاصلة بين زيارة السفير
الخبير بهندسة الحروب الاهلية
في افغانستان والعراق، وبين
اعتذار الرئيس المكلف لم تزد عن
عدد اصابع اليدين.
ومن يستمع الى اليوت ابرامز
– وهو اسم تردد كثيراً كاحد
كبار المسؤولين في ادارة بوش
الابن وتردد اسمه خصوصاً من
خلال علاقته بالملف اللبناني –
منتفضاً على مقالة كتبها للرئيس
الامريكي السابق جيمي كارتر في
الذكرى الثامنة لاحداث 11 ايلول
المؤلمة، منتقداً فيها
الممارسات الصهيونية في
الاراضي الفلسطينية المحتلة،
يدرك ان حزب "الحرب"
الامريكي لم يلق سلاحه تماماً
مع حقبة "التغيير" التي
اشاعتها أوهام وصول اوباما الى
الرئاسة، أو مع دعواته لاحلال
الحوار مكان الصدام، وللحديث عن
العنف بدلاً من الارهاب.
لذلك ارتفعت ايضاً اصوات
زملاء ابرامز من المحافظين
"الجدد" و "المتجددين"
في ذكرى 11 ايلول لتذكر
"بالحرب على الارهاب" –
كما يسمونها- وبعصرهم الذهبي
حيث كان شن الحروب
"الاستباقية" سمة
استراتيجيتهم التي اطلقوها
باسم "القرن الامريكي
الجديد" مع صديقهم الدائم
نتنياهو الذي خرج من رئاسة
الحكومة الاسرائيلية قبل وصول
حلفائه المتشددين الى البيت
الابيض عام 2000 وعاد الى رئاسة
الحكومة مع خروج هؤلاء من البيت
الابيض عام 2008.
ومن هنا تبدو مثل هذه
الاطلالات السريعة ضرورية لا
لكي نتذكر دوماً ان المشهد
السياسي اللبناني ما زال جزءاً
من مشهد اوسع يتحرك على المسرح
الاقليمي والدولي فقط، ولا
لمجرد ان ندعو الى مراجعة
الحسابات لدى الكثير ممن
تفاءلوا "بتغيير" جوهري
يحمله الرئيس الشاب في سياسة
امبراطورية بانت عليها ملامح
الشيخوخة بسرعة بعد ان بات
واضحاً ان اوباما لا يملك
"القدرة" على التغيير، هذا
اذا كان يمتلك اصلاً
"الرغبة" في التغيير،
خصوصاً عندما يكون الأمر
متعلقاً بمنطقتنا وتحديداً
بصراعنا مع العدو الاسرائيلي.
هنا بالذات، تنعدم، على ما
يبدو، الرغبة بالتغيير جنباً
الى جنب مع غياب القدرة عليه. فهذه
الاطلالة ضرورية ايضا لكي ندرك
ايضاً اننا نواجه ملامح هجوم
امريكي مضاد وجديد يشمل العالم
كله، ومنطقتنا تحديداً،
معلنا" انتهاء "الهدنة"
التي شهدتها الاشهر التسعة
الاولى من عام 2009.
ومصدر السياسة الهجومية
الجديدة لا يعود فقط، كما هي
العادة في السياسات
الاستعمارية، الى عمق المأزق
الذي تواجهه الدولة الاقوى في
العالم على مختلف الصعد، بل
يعود ايضاً الى ان أركان
الادارة الجمهورية السابقة،
وفي المقدمة منهم المحافظون
الجدد، بدأوا يستفيدون من تفاقم
مأزق إدارة اوباما في السياسة
الداخلية والخارجية، لكي
ينطلقوا في تنفيذ سياساتهم
القديمة – الجديدة، شكلاً
ومضموناً، كأمر واقع على ادارة
إنصب كل همها على تغييرات في شكل
هذه السياسات لا في جوهرها.
ونحن حين نتحدث عن مأزق
تعيشه الادارة الامريكية
سياسياً وعسكرياً واقتصادياً
واخلاقياً، فلأننا لا نريد
التحدث عن انهيار او سقوط
المشروع الامريكي برمته من جهة،
كما يقول بعض المغالين في
تفاؤلهم، كما لا نريد ان نبقى
اسرى تحليل يرى في القوة
الامريكية قدراً لا يمكن
مواجهته، وهو تحليل المغالين في
تشاؤمهم من جهة ثانية، بل لاننا
ندرك بالمقابل ان امريكا اليوم
هي اضعف من ان تفرض مشيئتها على
العالم كله، ولكنها اقوى من ان
يفرض احد مشيئته عليها.
لذلك تسعى قوى متنفذة في
مفاصل القرار الامريكي، بغض
النظر عن موقفها من الادارة
الحالية او موقف هذه الادارة
منها، الى ان تستفيد من هذا
المأزق، ومن عجز اوباما عن
تحقيق أي من وعوده، بما فيها
اغلاق معسكر غوانتانامو نفسه،
من اجل العمل على كل الجبهات
لتقويض المشهد الذي ادى الى فشل
بوش الذريع في السنوات الماضية.
هنا لا تبدو منطقتنا
العربية والاسلامية الجبهة
الوحيدة التي يتركز عليها
الهجوم الامريكي المضاد بدءاً
من تسعير الحرب في افغانستان،
ومعها باكستان مؤخراً، الى
تعزيز التناقضات التي برزت خلال
المشهد الانتخابي الايراني،
الى اشعال هشيم الحرب داخل
اليمن، والتهديد بالانفصال
اليها في السودان، وتوتير
العلاقة السورية – العراقية،
واعادة الاعتبار لمراكز قوى
عربية معروفة بمواقفها السلبية
من التقارب العربي – العربي،
فهناك ايضاً جبهات اخرى كامريكا
اللاتينية بدءا من انقلاب
هندوراس وصولاً الى الحملة على
تشافيز مروراً بجولة ليبرمان في
الحديقة الخلفية، او الصين عبر
استغلال الاحتجاجات الدينية
والعرقية، او روسيا التي ما
زالت تحارب سياسياً، واحياناً
عسكرياً، في مداها الاستراتيجي
الاضيق دفاعاً عن امنها القومي.
لكن منطقتنا مستهدفة بشكل
خاص، وخصوصاً في قضية الصراع مع
الكيان الصهيوني الغاصب الذي
تتركز الاستراتيجية الامريكية
المعتمدة حتى الان على ضمان
امنه وتطبيع العلاقات العربية
معه، وتصفية القضية الفلسطينية
بعناوينها الكبرى عبر الإجهاز
حركات المقاومة واضعاف القوى
الممانعة الى ابعد حد ممكن...
وهنا يبدو استمرار التركيز
على لبنان لوجود مقاومة على
ارضه ينبغي نزع سلاحها، ولوجود
فلسطينيين لاجئين في ربوعهم
ينبغي تهجيرهم، تحت شعار محاربة
التوطين، عبر تجديد الصراع
الدموي بينهم وبين بعض الفئات
اللبنانية، ولوجود عمق عربي
ممانع متمثل بسوريا ينبغي العمل
الدائم على إضعافها وترويضها
وخصوصاً من خلال لبنان.
وهكذا يتضح المشهد كاملاً...
فنخرج في تفسيراتنا من الحسابات
الصغيرة، والنكايات المقززة،
الى تفسير اكثر اتساعاً
وشمولاً، فنستفيد، عبر الوحدة
بيننا، من مأزق الادارة
الامريكية بدلاً من ان نكون
ضحايا له، ونغلق كل الثقوب التي
يمكن ان تدخل منها المياه إلى
سفينتنا فنغرق جميعاً.
وحينها ايضاً يبدو امراً
مستغرباً أن نختلف على وزير
نرفضه او اخر نفرضه.. في بلد لا
يقوم ابداً على ثنائية "الرفض
والفرض" المدمرة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |