-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 23/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رمضانيات (26)

القناعة والعفة

الدكتور عثمان قدري مكانسي

ذكرت في بعض رمضانياتي أننا سنقضي بعض السويعات في رياض كتاب " عيون الأخبار " لابن قتيبة الدينوري ، فتعال اليوم معي نتمتع بالنظر إلى هذه الروضة " العفة والقناعة " ونشم بعض ورودها العبقة  في هذا السفر الرائع مع شيء من التصرف  ، فما أروع أن يستنشق المرء عبير الأدب والأخلاق عله يستفيد منه أدباً وجمالاً .

-  فعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من يتقبل لي بواحدة أتقبل له الجنة " قال ثوبان أنا قال " لا تسأل الناس شيئاً "  قال فإن كان سوطه يقع فما يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه ، رواه ابن جرير الطبري . وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العملماء الطمعُ " فإذا كان ديدن العالم الطمع فاقرأ عليه الفاتحة.

-  قال عمر رضي الله عنه : (ليس من عبد إلا بينه وبين رزقه حجاب ، فإن اقتصد أتاه رزقه ، وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يُزَدْ في رزقه ) . أقول : ولقد تلمستُ هذا يقيناً فما عدوت ما قاله الفاروق عمر رضي الله عنه وحشرنا معه في زمرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .

-  قال أبو حازم المدنيّ وقد سأله بعض الملوك : ما مالُك؟ قال : الرضا عن الله ، والغنى عن الناس . وقد أخذ هذا المعنى أحد الشعراء ، فقال :

 

للناس مالٌ ولي مالان ، ما لََهمـا    إذا تحارس أهلُ المال أحراسٌ  

مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه    وماليَ اليأسُ ممـا يملك الناس

 

وقال غيره :

 

وإنّ قِراب البطن يكفيـك مِلـؤه      ويكفيكَ سوءاتِ الأمور اجتنابُها

إذا سُدّ بابٌ عنك  من دون حاجة      فَذرها لأخرى  لَيّـنِ لك بابُهـا

 

-  وترى أبا حازم ينأى بنفسه عن مد يده للآخرين فنفسه عزيزة لا ترضى سماع ما يشين أو أن يجد ردّاً قاسياً :

 

أوجعُ من  وخزة السنانِ   لذي الحجا وخزة اللسان

فاسترزق الله واستعنـْهُ    فإنـه خيــرُ مستعانِ

وإنْ نـأى منـزلٌ بِحُرٍّ    فمـِن مكان إلى مكـانٍ

لا يثبت الحرّ في مكانٍ    يُنسبُ فيـه  إلى الهوان

الحُـرّ حُرٌّ وإن تعَدّتْ    عليـه يَومـاً  يدُ الزمان  

 

-  بعض الرجال – ومن كان مع كتاب الله فهو الرجل – يقول : إن عامر بن عبد القيس العنبري كان يردد : أربعُ آيات من كتاب الله تعالى إذا تلوتهنّ مساء لم أبال على ما أمسي ، وإذا تلوتـُهن صباحاً لم أبال على ما أصبِح : 1- " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده " 2- " وإن يُرِدْك الله بخير فلا رادّ لفضله ، يصيب به من يشاء من عباده " 3- " وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها " 4- " سيجعل الله بعد عسر يسراً "

-  وكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يقول الحكمة فيصيب بها كبد الحقيقة : " لا تجعل بينك وبين الله منعماً عليك ، وعُدّ النعم عليك مغرماً "  وبعض الناس يعتبرون النعمة مغنما وينسون أنهم محاسبون عليها ، ونسوا قوله تعالى " ثم لتُسأَلُنّ يومئذٍ عن النعيم " وقال الأصمعي : أبرعُ بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيب الهذلي :

والنفس راغبة إذا رغّبْتَها      وإذا تُرَدّ إلى قليل تقنعُ

ولقد قيل : إن الإنسان يَسألُ فيُمنع ، ثم يـَسـأل فيُمنع ، والصبر ينتظر ناحية ويقول : لو صرتَ إليّ لكفيتـُك .

وكان يُقال : أنت أخو العز ما التحفتَ القناعة ،

ويُقال : اليأس حُـرٌّ ، والرجاء عبد .

-  قال بعض المفسرين في قوله تعالى : " فـَلـَنـُحيينّه حياة طيبةً " بالقناعة . وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه : يا بنيّ ؛ إذا طلبتَ الغنى فاطلبه بالقناعة ، فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مالٌ . وقال عروة بن أذينة بيتين جمع فيهما الحكمة الرائعة :

 

ولقد علمتُ – وما الإسراف في طمع-     أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى لـه ، فيُعَنّينـي تَطَلُّبـُه......     ولو قَعَـدْتُ أتانـي لا يُعَنّينـي

 

وقال أبو العتاهية في المعنى نفسه :

 

إن كان لا يُغنيك ما يكفيكا     فكل ما في الأرض لا يُغنيكا

 

-  وقد ذكروا أن أعرابية حجّت على ناقة ، فقيل : أين زادك ؟ قالت : في ضرعها .

وقد لخص الشاعر النمر بن تولب الرجاء في الله في بيتين بليغين فقال :

 

ومتى تُصبك خصاصة فارجُ الغنى     وإلى الذي يهب الرغائب فارغبِ

لا تغضبـَنّ على امرئ في مالـه      وعلى كرائم صلب مالك فاغضبِ

 

وشكا رجل إلى قوم ضيقاً فقيل له : شكوتَ من يرحمك إلى من لا يرحمك .

-  ومن روائع التصرف أن هشام بن عبد الملك قال لسالم بن عبد الله وقد دخلا الكعبة : سلني حاجتك . قال أكره أن أسأل في بيت الله غيرَ الله .

ورأى سالمٌ رجلاً يسأل الناس في موقف عرفة فقال له : أفي هذا الموقف تسأل غير الله ؟!.

وقال سليمان بن عبد الملك للإمام أبي حازم : سلني حاجتك . قال : رفعتها إلى من لا تُخذَل عنده الحوائج .

وبهذا يقول الشاعر :

 

لا تَضرَعَنّ لمخلوق على طمع     فإن ذلك ضعف منك في الدين

واسترزق الله رزقاً من خزائنه     فإنمـا هو بين  الكاف والنون

 

وقال ابن عباس : المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازة ، وإذا سأل الناسُ اللهً سألوا الناسَ .

وكان الحسن البصري يطرد من يسأل يوم الجمعة ، ولا يرى لهم جمعة.

ويقول محمود الوراق مرشداً ومسدداً :

 

فارغب إلى ملك الملوك ولا تكنْ      ياذا الضراعة طالبـاً من طالب

 

-  وكان بعض الكرام يعطي ويكره أن يسأله أحدهم مواجهة لأنه يضن بسائله أن يقف أمامه موقف الذل ، فيقول له : اكتب حاجتك في رقعة ولا تُذل وجهك أمامي . وهذا غاية الكرم وغاية الشهامة والكرامة .

وبذا المعنى تمثّل معاوية في هذين البتين :

 

وفتىً خلا من مالـه    ومن المروءة غير خالِ

أعطاك قبل سؤالـه     فكفاك مكروه الـسؤال

 

-  أما الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله تعالى فقصته مع الأمير سليمان بن حبيب بن المهلب تدل على إيمان راسخ وكرامة رفيعة ، فقد استدعاه الأمير إليه فأبى ، فكتب الخليل إليه :

 

أبلغ سليمـان أني عنه في سَعـَة     وفي غنىً غير أني لستُ ذا مال

شُحّـاً بنفسي ، إني لا أدرى أحداً     يموت هزلاً  ولا يبقى على حال

فالرزق عن قدَر لا الضعف يمنعه     ولا يَزيـدك  فيـه حَولُ محتال

 

فغضب سليمان وقطع سليمان عنه الراتب ، فبلغ الخليلَ ما فعله سليمانُ فقال :

 

إن الذي شق فمي ضامن    للـرزق  حتى يتوفّاني

حَرمتـَني  مالاً قليلاً فما    زادك في مالك حرماني

 

فبلغ هذان البيتان سليمانَ فخجل مما فعل وكتب إلى الخليل يعتذر إليه وأضعف الراتب .

-  وننهي جولتنا في هذه الروضة بما قاله أحد الشعراء في عفته ونبذ الطمع :

 

حسبي بعلمي لو نفعْ       ما الذل إلا في الطمعْ

من راقب اللهَ نـَزعْ       عن قبح ما كان صنعْ

ما طار شيء فارتفعْ       إلا كمـا  طـار وقعْ

 

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ