-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حدود
سياسة أوباما الخارجية عبد
الستار قاسم مرت أشهر كافية للحكم
على اتجاهات السياسة الخارجية
للرئيس الأمريكي أوباما،
وبإمكان الباحث الآن أن يحدد
مرتكزات ومنطلقات هذه السياسة
للسنوات القادمة التي تشكل عهد
أوباما. نشط الرئيس الأمريكي في
بداية عهده على المستوى الدولي،
وأعطى انطباعات قوية بأن سياسته
الخارجية ستختلف عن سياسة سلفه
بوش، وشجع التفاؤل لدى العديد
من القادة وعامة الناس بوضع
عالمي جديد تخف فيه التوترات
وتقل الحروب. أدلى أوباما بتصريحات
عدة من شأنها تخفيف التوتر،
وتشجيع الدول والجماعات
المناهضة للولايات المتحدة أو
المختلفة معها على فتح باب
الحوار من منطلق الاحترام
المتبادل والمصالح المتبادلة.
وقام أيضا بالعديد من الزيارات
التي تعتبر ضرورية من أجل
التعرف على قادة الدول، وتطوير
الإحساس بمسؤولية الموقع،
وتذوق أجواء العلاقات العامة
التي تميز اللقاءات الدولية.
وقد تحدث الرئيس خلال جولاته
حول ما ينوي عمله سواء من ناحية
الأهداف أو المقاربات، وترك
هامشا بسيطا للاجتهاد. وفيما
يلي تلخيص لما استنتجته حول ما
يمكن فعله في السنوات القادمة: العراق وأفغانستان جعل أوباما أثناء حملته
الانتخابية الانسحاب من العراق
قضية انتخابية أولى استقطب من
خلالها تأييد أمريكيين أخذوا
يتحركون بصورة تصاعدية ضد الحرب
والوجود الأمريكي في العراق.
قال أوباما بأنه سيسحب قوات
بلاده من العراق معتبرا الحرب
في الأساس عبثية كلفت
الأمريكيين الكثير من الخسائر؛
وفي ذلك كان يتخطى طرح منافسه
الجمهوري حول الانسحاب
التدريجي من العراق. ظهر الآن
بعد مرور حوالي ثلثي السنة
الأولى من حكمه أنه يحاول
القيام بانسحاب تدريجي من
العراق، ولم يقرر الخروج من
العراق نهائيا ودفعة واحدة. ربما وجد أوباما أن
الخروج ليس بسهولة الدعاية
الانتخابية، وأن الولايات
المتحدة متورطة في الشؤون
الداخلية العراقية أكثر بكثير
مما كان يتصور. وجد الرئيس
الأمريكي أن بلاده قد صنعت
مشاكل وهموما للعراق كثيرة
ومعقدة، وأن إدارة الظهر لها لن
يخدم مصالح الولايات المتحدة
الأمريكية، وربما يظن الآن أن
البقاء في العراق بطريقة أو
بأخرى يساهم في استقرار الأوضاع
في الداخل العراقي، وينظم
علاقات العراق مع الجيران.
الصراعات الداخلية في العراق
متنوعة ومتعددة، والتخوفات من
جيران العراق واردة وهي تهدد
مصالح أمريكا. فأين الحكمة؟ هل
هي في تسهيل إقامة دولة كردية
مما سيؤدي إلى تدهور العلاقات
مع تركيا؟ وهل هي في إعطاء كركوك
خالصة للأكراد مما يؤجج أهل
السنة ويغضب حلفاء أمريكا من
أهل السنة؟ أم هي في دعم
الأغلبية الشيعية التي لا يؤمن
جانبها من حيث التحالف مع
إيران؟ أم هي في إغضاب إيران مما
يدفعها إلى رفع مستوى عملياتها
السرية في العراق؟ الاستقرار في
العراق يتطلب ميزانا
استراتيجيا حساسا للمحافظة على
التوازن بين مختلف القوى، وعلى
توازن بين مصالح مختلف دول
المنطقة مما سيدفع أوباما للبحث
عن معادلة يبقي من خلالها بعض
قواته في العراق. السياسة الخارجية
لأوباما في أفغانستان واضحة وهي
استمرار الحرب مع محاولة البحث
عن مخرج سياسي. ولهذا قرر أوباما
زيادة أعداد القوات الأمريكية
في أفغانستان، مع ضرورة دفع حلف
شمال الأطلسي نحو زيادة العديد
والعدة. لكن أوباما يصطدم الآن
بمقاومة أفغانية واسعة،
وبخسائر متزايدة في قوات بلاده
والقوات المتحالفة معها. وليس
من المستبعد أن الخسائر
المتزايدة ستؤدي إلى رد فعل في
الشارع الأمريكي يطالب بسحب
القوات الأمريكية والتخلي عن
فكرة الحرب على الإرهاب بشكلها
الحالي. السياسة الأمريكية في
أفغانستان الآن تسير على نفس
خطى بوش، وحتى أن السياسة
العسكرية التي وضعها بوش في
مواجهة طالبان باكستان هي ذاتها
القائمة الآن. القضية الفلسطينية تفاءلت الأنظمة الرسمية
العربية بعد خطاب بوش في جامعة
القاهرة، وبعد تأكيده بأنه جاد
في إنها الصراع العربي
الإسرائيلي. وقد ظن بعض
الفلسطينيين أن الدولة باتت على
الأبواب، وأن الإجراءات
العقابية الأمريكية ضد إسرائيل
ستنطلق. لكن من الواضح أن
السياسة الأمريكية حتى الآن
حيال هذا الموضوع لا تتعدى
التصريحات، ولا تتعدى المطالبة
بتجميد الاستيطان في الضفة
الغربية. صحيح أن نبرة أوباما
الكلامية ضد الاستيطان أشد من
نبرة بوش وكلينتون، لكن أوباما
لم يخرج حتى الآن عن الموقف
الأمريكي التقليدي القائل إن
الاستيطان عبارة عن عقبة في
طريق السلام، وهو موقف لا قيمة
له من الناحية العملية. إذا كان أوباما يعمل بجد
نحو إقامة دولة فلسطينية فإن
الموقف الصحيح المطلوب هو إزالة
الاستيطان وليس تجميد
الاستيطان، ومن ثم اتخاذ
إجراءات عقابية عملية ضد
إسرائيل إن رفضت ذلك. لكن أوباما
لا يتوقف عند تجميد الاستيطان
فقط، وإنما يحاول التخفيف من
طلبه هذا بالتأكيد على أن
الدولة الفلسطينية التي يتحدث
عنها ستكون منزوعة السلاح،
وبمطالبة العرب بضرورة تطبيع
العلاقات مع إسرائيل. وتاريخيا
معروف أن العرب يتجاوبون من
المتطلبات الأمريكية، أما
إسرائيل فتعتبر نفسها بمقام
المنسق مع أمريكا وليس بمقام
المستمع. أثارت لهجة أوباما
القوية ضد الاستيطان
الأوروبيين الذين شعروا بجرأة
جديدة تتنزل عليهم لمواجهة
إسرائيل لفظيا حول ذات المسألة.
أغلب الدول الأوروبية أخذت
تتحدث بقوة من أجل تجميد
الاستيطان، لكنها أيضا لم تتخذ
أي إجراء عملي من أجل إنجاز
المطلب. من ناحية أخرى، تستمر
أمريكا ومعها الدول الأوروبية
بالتنسيق استراتيجيا مع
إسرائيل بشأن قضايا حيوية مثل
الحرب على الإرهاب، ومواجهة
البرنامج النووي الإيراني،
ومواجهة قوة حزب الله
المتصاعدة. أي أن هذه الدول
تتحدث عن قضية صغيرة جدا منتقدة
إسرائيل بسببها، ولكنها تعمل
بدأب وتواصل مع إسرائيل حول
قضايا كبيرة جدا تتعلق بمستقبل
المنطقة ككل، وهذا ما يشير
بصورة تأكيدية إلى أن الولايات
المتحدة ما زالت تتبنى ذات
السياسة الأمريكية المعهودة
على مدى عقود من الزمن. روسيا كان هناك ظن بأن إدارة
أوباما ستتعامل مع روسيا بطريقة
جديدة مختلفة عن طريقة بوش على
اعتبار أنها دولة قوية عسكريا،
وذات قدرة على التأثير بالسياسة
الدولية بخاصة بعدما هاجمت
الجيش الجورجي بعزم وحزم. وقد
ولد هذا الظن أوباما نفسه عندما
زار روسيا، وأطلق عددا من
التصريحات حول ضرورة التعاون
الروسي الأمريكي. لكننا حتى
الآن لم نلحظ تطورا في العلاقات
الثنائية، ولم نسمع إلا عبارات
وفيرة من المجاملات التي لا
تحدد سياسات أو إجراءات. هناك تقدير في الولايات
المتحدة بأن روسيا غير مؤهلة
لكي تكون قطبا عالميا على نمط
الاتحاد السوفييتي. نظامها
القائم حاليا، وفق التقديرات
الأمريكية، لا تسمح للحكومة
الروسية بالعمل كما كان يحلو
للحزب الشيوعي السوفييتي،
وكذلك اقتصادها الذي يعتمد
بصورة كبيرة على الموارد
النفطية. يرى الأمريكيون أن
القيادة الروسية تتعرض لضغط
الجمهور الروسي الذي يتطلع إلى
وضع معيشي أفضل، وتحسب حسابا
للرأي العام، مما يضع على
كاهلها أولويات في البناء
الاقتصادي تتغذى على المتطلبات
المالية المترتبة على القطبية.
وحتى لو قررت روسيا أن تكون
منافسا قطبيا للولايات
المتحدة، فإن إمكاناتها
الاقتصادية المتوفرة والمتوقعة
في المستقبل المنظور لا تؤهلها
لذلك. المعنى أن التعامل مع
روسيا في ظل إدارة أوباما لا
يقوم على فكرة الاحترام
المتبادل بقدر ما يقوم على
مسألة توازن القوى. روسيا قوية
عسكريا، لكن اقتصادها لا يمكنها
من التصرف بالطريقة التي يشتهي
العسكر، وبالتالي القوة
العسكرية كامنة دون قدرة حقيقية
على مواجهة متواصلة، وأن الحرب
على جورجيا لم تكن لتقوم لو أن
القيادة الروسية قدرت بأنها
ستكون حربا طويلة. أي أن تلك
المبادئ التي أسمعها أوباما
للعالم تتراجع تدريجيا أمام
الوقائع والمصالح. إنما من
الممكن أن يعيد أوباما التفكير
بمسألة الدرع الصاروخية، وكذلك
بمحاولات أمريكا الدخول إلى
الدول المحاذية للحدود الروسية
لأن في ههذين الأمرين ما يستفز
روسيا مباشرة ويصورة عنيفة. الاعتقال واحترام
اديمقراطية تبدي سياسة أوباما نوعا
من الاسترخاء في اعتقال الأجانب
وتعذيبهم، وقراره إغلاق معتقل
غوانتنامو يؤيد ذلك. لقد وعد
بإغلاق المعتقل الذي أساء كثيرا
لسمعة الولايات المتحدة بخاصة
لدى منظمات حقوق الإنسان، وها
هو يعمل على التنفيذ. وصدر عنه
قرار مؤخرا يقيم لجنة للتحقيق
في تعذيب المعتقلين، الأمر الذي
يساهم في تعزيز الفكرة
الديمقراطية التي تقول أمريكا
إنها تدافع عنها. هذا وقد خطا أوباما خطوة
كبيرة في احترام الديمقراطية
عندما انتقدت إدارته الانقلاب
العسكري في هندوراس والذي أطاح
بالرئيس المنتخب زيلايا. على
الرغم من أن نظام زيلايا لا يروق
للولايات المتحدة، وعلى الرغم
من أن الانقلابيين يميلون
إليها، إلا أن أوباما دافع عن
المبدأ ولو إعلاميا. طالبت
أمريكا الانقلابيين بالتراجع،
وبعودة الرئيس المخلوع إلى
منصبه. وفي هذا تحول في السياسة
الأمريكية، ويعبر عن رؤية جديدة
للديمقراطية لم تكن موجودة في
عهد الرئيس بوش. أوروبا يبدو أن أوباما قد أصلح
الخلل الذي صنعه بوش في
العلاقات مع أوروبا، وأعاد
لأوروبا مكانتها في السياسة
الخارجية الأمريكية. كان يظن
بوش أن أمريكا هي أم الدنيا،
وعلى الآخرين أن يتعلقوا بأطراف
ثيابها، ولم تتورع إدارته عن
وصف أوروبا بالعجوز كنوع من
الاستهتار بآرائها، لكن يبدو أن
أوباما سيعود إلى الوضع
الأمريكي التقليدي والذي يحاول
دائما التنسيق والتشاور مع
الأوروبيين حول مختلف القضايا
الدولية. ولهذا سنشهد في فترة
أوباما انتعاشا في العلاقات
الأوروبية الأمريكية، الأمر
الذي سيساعد أوروبا أيضا على
اتخاذ مواقف موحدة. من المتوقع
أن تساهم هذه السياسة الأمريكية
في تحسين صورة أمريكا لدى
الأوروبيين. إيران وكوريا لا يبدو أن أوباما يعمل
على تغيير سياسة الولايات
المتحدة تجاه كوريا أو إيران
على الرغم من إبدائه رغبة في فتح
حوار مع طهران. موقفه من
البرنامج النووي الكوري واضح،
وعبر عنه بالقول إن أمريكا لن
تسمح بامتلاك كوريا للسلاح
النووي لأن ذلك يهدد أمن منطقة
شرق آسيا والمصالح الأمريكية
هناك. وما زالت السياسة
الأمريكية إزاء ذلك ثابتة من
حيث العمل مع دول المنطقة
لإقناع كوريا الشمالية بالتوقف
عن التطوير النووي، والعمل في
مجلس الأمن من أجل تشديد
العقوبات على كوريا الشمالية. الموقف ذاته ما زال
يتكرر تجاه إيران، ولا يختلف
فيه أوباما عن سلفه بوش. أمريكا
تهدد بتصعيد العقوبات، وترى أن
الديبلوماسية هي أفضل الوسائل
لوقف البرنامج النووي الإيراني.
لكن الأمر لا يخلو أيضا من
التهديد أو التلويح بالضربة
العسكرية. الخلاصة سياسة أوباما الخارجية
تؤكد على نقطة
حيوية وهي أن سياسة الولايات
المتحدة الخارجية عبارة عن
سياسة مؤسسية وليس سياسة شخصية،
ويخطئ من يظن أن هذه السياسة
تتغير بتغير الرئيس. وتؤكد أيضا
أن اللمسات الشخصية للرئيس لا
بد أن تظهر، لكنها ليست هامة إلى
درجة إحداث تغيير جذري في
السياسة الخارجية. واضح أن
أوباما ينتهج ذات السياسة
الخارجية المتعلقة بالملفات
الحيوية والهامة التي كان
ينتهجها بوش، والتي انتهجها
كلينتون من قبله، وإذا حصل
تغيير هامشي فهو في مسألة
احترام حقوق الإنسان وظروف
المعتقلات. واضح أن مقاربة أوباما
تختلف عن مقاربة بوش وعن مقاربة
كلينتون، وهي أقرب إلى قلب
المستمع أو المعني من مقاربة
بوش الفظة. أوباما يمتلك نعومة
الخطاب، ومهارة الأكاديمي في
إيصال المعلومة، لكنه في
النهاية مقيد كأي رئيس أمريكي
آخر بمصالح الولايات المتحدة
والمؤسسية الأمريكية، وبالرؤى
الأمريكية حول مختلف القضايا
العالمية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |