-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عندما
يعتني الإسلام بالإنسان ويصون
حرماته .. بقلم
: يسري عبد الغني عبد الله* تقديم : الذي يعرف الإسلام حق
معرفة يدرك تمام الإدراك أنه
كرم الإنسان ومنحه من الحقوق ما
يكفل له الأمن والأمان
والاستقرار ، وما يحفزه إلى
القيام بالمسئولية المنوطة به ،
وما يدفعه إلى القيام بمهامه في
الحياة على خير وجه ، وغني عن
البيان أن مهمة الإنسان هي
تعمير الكون ، وتحقيق الخير
والأمان لنفسه ولذويه ، ولذلك
كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان
وسخر له البر والبحر ، ورزقه من
الطيبات ، وحباه من الرفعة
والخير ، بحيث فضله على الكثير
من خلقه بنعمة العقل التي تميزه
على سائر المخلوقات ، والتي يجب
أن يستخدمها الاستخدام الأمثل
من أجل نشر الخير والسلام
والرخاء على البسيطة الأرضية . يقول تعالى : { ولقد
كرمنا بني آدم وحملناهم في البر
والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا
تفضيلا } [ الإسراء :70 ] . وكان الإنسان جديرًا
بهذه الأفضلية ، جديرًا بهذا
التكريم لما سيعهد إليه من
مسئولية ، وما سيلقى على عاتقه
من أمانة إلهية تعبت بحملها
السماوات والأرض والجبال
وأبينا أن يحملنها وأشفقنا منها
. يقول تعالى : { إنا عرضنا
الأمانة على السموات والأرض
والجبال فأبينا أن يحملنها
وأشفقنا منها وحملها الإنسان
إنه كان ظلومًا جهولا } [الأحزاب
: 72] . خلافة الإنسان على
الأرض : إن خلافة الإنسان على
الأرض وقيامه بمسئوليته فيها
نشر للحق وإحقاق له ، ودعوة إلى
الله قيوم السماوات والأرض ،
وأن خلافته هذه قد مهد لها العلي
القدير منذ أول وهلة وهيأ فيها
آدم (عليه السلام) لمهمة الخلافة
، فعلمه الأسماء كلها ، وكانت
الحكمة الإلهية قد اقتضت ذلك
حتى تنتشر ذرية آدم ، وفيهم
العاصي والمطيع فيظهر العدل
بينهم ، وهذه هي القضية الأولى
في حياة الإنسان وخلقه وخلافته . يقول تعالى : { وإذ قال
ربك للملائكة إني جاعل في الأرض
خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد
فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح
بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما
لا تعلمون . وعلم آدم الأسماء
كلها ثم عرضهم على الملائكة
فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن
كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا
علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت
العليم الحكيم . قال يا آدم
أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم
بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني
أعلم غيب السموات والأرض وأعلم
ما تبدون وما كنتم تكتمون } [البقرة
: 30 ـ 33 ] . الإسلام وصيانة الحقوق :
ولقد صان الإسلام حقوق
هذا الإنسان الذي هو خليفة
المولى عز وجل في معمورته
الأرضية ، في نفس الوقت الذي حفظ
جميع حرماته ، وحذر من الاعتداء
عليها بأي شكل من الأشكال أو تحت
أي مسمى من المسميات ، فصان حرمة
النفس ، وصان حرمة العرض ، وصان
حرمة المال فحرم الاعتداء عليه
أو أكله بالباطل . في حجة الوداع خطب
الهادي البشير محمد رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) في الناس فقال :
" أيها الناس إن دماءكم
وأموالكم عليكم حرام كحرمة
يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم
هذا ... ألا هل بلغت أللهم فشهد ،
كل المسلم على المسلم حرام دمه
وماله وعرضه " . فأما حق الحياة فقد صانه
الإسلام وذلك عندما صان حرمة
النفس الإنسانية ، وهدد هؤلاء
الذين يعتدون على حياة الآخرين
ظلمًا وعدوانًا ، حيث يقول
تعالى : { ومن يقتل مؤمنًا
متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا
فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد
له عذابًا عظيمًا } [النساء : 93] . ونهى الإسلام عن
الاعتداء على حق الحياة ، وقتل
النفس ، إلا بالحق ، ولذلك قال
جل شأنه : { ولا تقتلوا النفس
التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل
مظلومًا فقد جعلنا لوليه
سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه
كان منصورًا } [الإسراء : 33 ] . ويقول الرسول الكريم (صلى
الله عليه وسلم) : " لزوال
الدنيا أهون عند الله من قتل
مؤمن بغير حق " [ رواه ابن ماجه
في سننه ] متى يحل قتل المسلم ؟ : لقد تناولت السنة
النبوية المطهرة بيان ذلك الحق
الذي تقتل به النفس ، وفيما عداه
يكون الاعتداء عليها جرمًا
شنيعًا وعدوانًا صارخًا . في حديث رواه عبد الله
بن مسعود (رضي الله عنه) ، قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه
وسلم ) : " لا يحل دم امرئ مسلم
يشهد أن لا إله إلا الله إلا
بإحدى ثلاث : السيب الزاني ،
والنفس بالنفس ، والتارك لدينه
المفارق للجماعة " [رواه
البخاري ومسلم في صحيحيهما] . ويعتبر الإسلام أن
الاعتداء على النفس الإنسانية
الواحدة هو اعتداء على
الإنسانية بأسرها ، ولذلك يقول
الله تعالى : { ومن أجل ذلك كتبنا
على بني إسرائيل أنه من قتل
نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض
فكأنما قتل الناس جميعًا ومن
أحياها فكأنما أحيا الناس
جميعًا ولقد جاءتهم رسولنا
بالبينات ثم إن كثيرًا منهم بعد
ذلك في الأرض لمسرفون } [التوبة :
32] . لقد طلب المولى جل علاه
من رسوله الكريم محمد (صلى الله
عليه وسلم ) في سورة التوبة أن
يتلو على الناس نبأ ابني آدم
هابيل وقابيل ، روى أن آدم أمر
ولديه هذين أن يتزوج كل منهما
توأمه الآخر ، فسخط قابيل لأن
توأمته كانت أجمل ، فقال لهما
آدم : قربا قربانًا فمن أيكما
قبل تزوجها ، ففعلا ، فقبل قربان
هابيل بأن نزلت نار فأكلته ،
فزاد ذلك في حسد قابيل فقتل أخاه
هابيل . لقد قال بعض العلماء : إن
ابني آدم ليس معناه ابنيه لصلبه
، وإنما هما رجلان من بني
إسرائيل ، وكلنا أولاد آدم ،
ودليله على ذلك أنه قال عقب هذه
القصة : { من أجل ذلك كتبنا على
بني إسرائيل ...} [التوبة 32]. ومن أجل حادثة قابيل
وهابيل كتب الله عز وجل على بني
إسرائيل (وينصرف الأمر إلى جميع
البشر في كل زمان ومكان) أنه من
قتل نفسًا بغير أن تكون قتلت
نفسًا أو بغير أن تفسد في الأرض
فسادًا يوجب القتل كان كمن قتل
الناس جميعًا ، ومن أحياها أي
ومن كان سببًا في إحيائها كان
كأنه أحيا الناس جميعًا ،
ولكنهم بعد أن كتب الله عليهم
هذا التشديد الكبير من أجل
أمثال تلك الجناية ، وشفع الله
ذلك بإرسال الرسل إليهم تترى
بالآيات الواضحات كي يكفوا عنها
، إلا أن كثيرًا منهم ما زالوا
يسرفون في القتل . حق المال في الإسلام : وأما عن حق المال أو
الملكية في الإسلام فقد عني
الإسلام الحنيف بطرق تحصيل
المال من أي جهة وبأي طريقة
طالما كان مصدره شريفًا جاء
بالجهد والعرق ، والعمل الصالح
، فالعمل في الإسلام شرف وكرامة
، وحق وواجب على كل إنسان . كما دعا الإسلام إلى أن
نمهد الأرض ، وأن نزلل السبل من
أجل تعميرها وإصلاحها حتى نحقق
الاكتفاء الذاتي لأنفسنا ولا
نحتاج إلى الاعتماد على دول
أخرى تتحكم فينا وتسعى إلى
الهيمنة علينا واستغلالنا من أجل مصالحها الخاصة . وتمهيد الأرض وإصلاحها
وزرعها أمور وجه الإسلام أتباعه
إليها ، فاستنبات الأرض
واستثمارها على خير وجه يعني
نشر الخير والرخاء والنماء
والاستقرار ، فالأرض نعمة
موجودة منتشرة حيث أعدها ومهدها
لذلك ، المهم أن نعمل ونجتهد
ونخطط التخطيط السليم من أجل
الاستفادة السليمة للأرض التي
نعيش فوقها . قال تعالى : { ... فلينظر
الإنسان إلى طعامه . أن صببنا
الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقًا
. فأنبتنا فيها حبًا . وعنبًا
وقضبًا . وزيتونًا ونجلا .
وحدائق غلبا . وفاكهة وأبا .
متاعًا لكم ولأنعامكم .} [ عبس : 24
ـ32 ] إن الله سبحانه وتعالى في
هذه الآيات يلفت العقول إلى نعم
الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى
، فيطلب من الإنسان أن ينظر إلى
طعامه ومن أين نشأ ، فقد صب الله
تعالى الماء من السحب ، فكانت
النتيجة شق الأرض ، فأنبت
بقدرته فيها حبا ، وعنبًا ورطبا
، وزيتونًا ونخلا ، وحدائق
وافرة الثمر ، كل ذلك تمتيعًا
لنا ولأنعامنا ، المهم هو أن
نتنبه إلى هذه النعم ، ونسعى إلى
الاستفادة منها واستثمارها على
خير وجه ، وتنميتها بأفضل الطرق
العلمية الحديثة . وإذا كان الإسلام
يدعونا إلى تعمير الأرض
واستصلاحها ، وإلى ضرورة
التنمية لزراعية المستدامة
التي هي أساس الحياة ، فإنه في
نفس الوقت يدعونا إلى تحصيل
الأموال عن طريق الصناعة بجميع
أنواعها ، يقول تعالى : { لقد
أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا
معهم الكتاب والميزان ليقوم
الناس بالقسط وأنزلنا الحديد
فيه بأس شديد ومناف للناس
وليعلم الله من ينصره ورسله
بالغيب إن الله قوي عزيز } [
الحديد : 25] لقد أرسل الله تعالى
بالآيات الواضحات ، وأنزل معهم
الكتب السماوية ، والعدل ليقوم
الناس عليه ، كما أنزل الله
الحديد الذي هو من أهم المواد
الخام في الصناعة بجميع أنواعها
والذي فيه بأس شديد ، وفيه منافع
كثيرة للناس ، وليعلم الله ـ
باستعمال الأسلحة التي تصنع من
الحديد من أجل مواجهة أهل الظلم
والاعتداء ـ من ينصره بالغيب ،
أي معتقدًا بما وعده الله
بالنصر والجنة وهي أمور مغيبة ،
إن الله قوي عزيز . وأمر الله تعالى بتحصيل
المال أيضًا عن طريق التجارة ،
حيث قال تعالى : { يا أيها الذين
آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن
الله كان بكم رحيمًا} [النساء : 29]
. وكما نرى فهي دعوة لكل
الناس بأن لا يأكلوا أموالهم
بينهم بالباطل كالتعامل بالربا
الذي يمحق بركة كل شيء ويجلب على
المتعامل به في التجارة أو أي
نوع من المعاملات التجارية
الخراب والبوار ، أو كالقمار ،
أو اغتصاب الحقوق بالقوة أو
بالحيلة أو بالنصب والاحتيال ،
في نفس الوقت الذي يطلب منا الله
ألا نقتل أنفسنا إذا تعرضنا لأي
نوع من أنواع الخسائر التجارية
، فالحياة كلها مكسب وخسارة ،
فقد يكسب الإنسان اليوم ويخسر
غدًا ، فلا ضرر ولا ضرار في ذلك ،
المهم أن لا يتملكنا اليأس أو
الإحباط فنقتل أنفسنا معنويًا
أو ماديًا بتعريضها للتهلكة ،
واضعين في الاعتبار رحمة الله
الواسعة التي وسعت كل شيء ، وقد
وعدنا الله بفك الكرب مهما
اشتدت الأمور وتعقدت . ومطلوب منا الاهتمام
والحماية والعناية بالأموال أي
بالملكية سواء أكانت ملكية عامة
أو ملكية خاصة ، وقد دعت جميع
الأديان السماوية المكرمة إلى
ذلك دون استثناء ، فقد أنزل
المولى جل علاه جزاؤه وعقوبته
الرادعة على بعض الأمم ، وبعض
الناس الذين كانوا يأكلون
الأموال بالباطل ، وكانت
النتيجة أن أشاعوا الظلم والخوف
واليأس بين الناس ، كما أنهم
أكلوا الربا فعاقبهم الله على
سوء فعلهم أشد العقاب . قال تعالى : {فبظلم من
الذين هادو حرمنا عليهم طيبات
أوحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله
كثيرًا . وأخذهم الربا وقد نهوا
عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل
واعتدنا للكافرين منهم عذابًا
أليما } [النساء : 60 ـ 61] . إن من الأمور التي جعلت
الله تعالى يذيق بني إسرائيل
أشد المحن أخذهم الربا وقد
نهاهم الله تعالى عنه ، وأكلهم
أموال الناس بالباطل بدون وجه
حق ، وهذه دعوة لأن تكون التجارة
في أي زمان و مكان تجارة نظيفة
طيبة حتى يبارك الله فيها . إن الزراعة والصناعة
والتجارة يجب العمل على تنمية
جميع مجالاتها تنمية سليمة من
أجل سعادة الأفراد والمجتمعات
ورقيها واستقرارها ، وذلك عمد
الحياة الاقتصادية التي لا يمكن
أن يعيش بدونها أي مجتمع من
المجتمعات ، فكما يحتاج المجتمع
إلى الزراعة الواسعة لتوفير
المواد الغذائية ، فإنه يحتاج
إلى الصناعات الخفيفة والثقيلة
لإعداد ملبسه ومسكنه وأدواته
دون الاعتماد على غيره ، وزيادة
الإنتاج تدفع إلى تبادله مع
المجتمعات والأمم الأخرى التي
لا تقوم فيها الزراعة أو
الصناعة وذلك عن طريق التجارة ،
ومن هنا تأتي أهمية بل ضرورة
التكامل الاقتصادي بين الشعوب
العربية والإسلامية والتعاون
بينها ، ولو نفذت ذلك بصدق حقيقي
عملي لما احتاجت إلى أي قوة من
القوى التي تريد فرض هيمنتها
وأجندتها الخاصة علينا من أجل
مصالحها الخاصة . والإسلام حين يؤكد
الوصية بصيانة حق المال فإنه
يعمل على توثيق الحقوق بين
العباد وذلك بالوفاء بالعقود . يقول تعالى : { يا أيها
الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...} [المائدة
:1] ـ ومعنى (أوفوا ) أي وفوا وقوا
بجميع تعهداتكم كاملة دون أدنى
نقصان ، و(العقود ) جمع عقد ،
والعقد هو العهد الموثق ،
والالتزام بذلك أي الوفاء
بالعقود يؤدي إلى حسن العلاقة
بين الناس ، ووصول الحق لصاحبه ،
والبعد عن المشاحنات
والمخاصمات والخلافات . ويأمرنا الله تعالى
بالكتابة في حالة الدين ، يقول
الله تعالى : { يا أيها الذين
آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب
بالعدل ولا يأبى كاتب أن يكتب
كما علمه الله فليكتب وليملل
الذي عليه الحق وليتق الله ربه
ولا يبخس منه شيئًا فإن كان الذي
عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا أو
لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه
بالعدل واستشهدوا شهيدين من
رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء
أن تضل أحدهما فتذكر إحداهما
الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا ولا تسئموا أن تكتبوه
صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم
أقسط عند الله وأقوم بالشهادة
وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون
تجارة حاضرة تديرونها بينكم
فليس عليكم جناح ألا تكتبوها
وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار
كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه
فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم
الله والله بكل شيء عليم} [البقرة
: 282 ] . في الآية السابقة
يدعونا الله تعالى إنه إذا
تداينا بدين إلى موعد عيناه
فعلينا أن نكتبه لأن ذلك أوثق
وأدفع للنزاع ، وليكتب لنا كاتب
عادل لا يجور على أحد الطرفين ،
ولا يمتنع أحد الكتاب أن يكتب
لينفع الناس كما نفعه الله
بتعليمه الكتابة ، وليكن المملي
هو الذي عليه الحق وليتق الله
ولا ينقص من الحق شيئًا ، فإن
كان الذي عليه الحق لا يستطيع أن
يملل لقلة عقله أو ضعفه من صغر
أو كبر أو جهل فليملل قيمه أو
وكيله وليشهد على ذلك رجلان أو
رجل وامرأتان ، وإذا طلب
الشهداء لأداء شهادتهم فلا يصح
الامتناع عن ذلك ، ويدعون
المولى جل علاه أن نكتب الديون
والحقوق مهما كانت صغيرة أو
كبيرة على مواعيدها ، وذلكم
أعدل وأقوم للشهادة ، وأقوى
وأقرب أن لا نشكو ونتخاصم
ونتصارع ن إلا أن تكون تجارة
نديرها يدًا بيد ، فلا بأس من
عدم كتابتها . كما يأمرنا الله تعالى
في نفس الآية السابقة بالإشهاد
في البيع محافظة على الحقوق ،
فإذا تبايعنا علينا أن نشهد
شهودًا ، ولا نضر الشهود
والكتاب ، و من التزم بتلك
التعاليم ضمن حقه وحقوق الآخرين
بسهولة ويسر ، وهذا الالتزام
فيه اتقاء منا لله تعالى . ويحرم الإسلام تمام
التحريم التعامل بالظلم كالربا
، وهدد المتعاملين بالحرب ، كما
نرى ذلك في قوله تعالى : { يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وذروا
ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين .
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من
الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس
أموالكم ولا تظلمون ولا تظلمون .
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم
تعلمون . واتقوا يومًا ترجعون
فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما
كسبت وهم لا يظلمون } [البقرة : 278
ـ 281 ] . إن الذين يأكلون الربا
مستغلين حاجة الناس واحتياجهم
الشديد لا يقومون من قبورهم إلا
كقيام المصروع الذي يتخبطه
الشيطان ، ذلك عقابًا لهم على ما
كانوا يقولونه إنما مثل البيع ،
وفاتهم أن الله سبحانه وتعالى
أحل البيع وحرم جميع أنواع
الربا . أما الذي انتهى فله ما
سبق له أخذه ، ومن عاد إلى تحليل
الربا فله جهنم خالدًا فيها
أبدا ، وقد ذهب أكثر العلماء إلى
أن إثم الربا يكون على المعطي
والآخذ معًا ، وقال بعضهم : إنما
إثمه يقع على المعطي أي المتاجر
به ،أما الآخذ فهو مكره على
الأخذ ، تدفعه الحاجة إليه
دفعًا . والربا يذهب بركة المال
، ويجلب على صاحبه الخراب
والضيق ، أما المتصدق على
المحتاجين أو المفرج لكربة أخيه
فله الثواب الأعظم أضعاف مضاعفة
. إن الإسلام يحذرنا بشدة
من الربا وشروره ، وطالما كنا
مؤمنين إيمانًا صادقًا فعلينا
أن نخاف الله ونترك ما بقى لنا
من الربا في ذمة الناس فإن عصينا
فلنعلم أن الله يحاربنا ورسوله
الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)
، وإن تبنا فلنا رؤوس أموالنا ،
وعليه فلا نظلم أنفسنا ولا نظلم
أحدًا من عباد الله . يظل الإسلام دائمًا
وأبدًا دين يسر لا عسر ، دين
تكافل ، دين إحساس الإنسان
بأخيه الإنسان في كل زمان ومكان
، ومن هنا يطلب منا إذا كان
المدين لنا في حالة عسر ، فلا
مانع من تأخير مطالبته بما عليه
، حتى يفتح الله عليه وييسر
ظروفه وأحواله ، وإن تجاوزنا
عما لنا عنده فهو أحسن لنا إن
كنا نعلم ما فيه من الذكر الجميل
والأجر العظيم ، ولحذر يومًا
سنرجع فيه إلى العلي القدير
لتوفي كل نفس حسابها بالعدل
والقسط دون أدنى ظلم . وإلى جانب دعوة الإسلام
إلى صيانة الأموال بجميع
أنواعها ، فإنه وجه الإنسان إلى
إنفاقها في وجوهها المشروعة
وأداء الحقوق الواجبة فيها ،
فالمال مال الله يعطيه من يشاء
من عباده ، والإنسان مستخلف
عليه ، فعليه ألا ينسى حقوق
الناس فيه ، ومن هنا تحتم عليه
أن ينفق من حر ماله على : الفقراء
، والمساكين ، وأبناء السبيل ،
والأرامل ، واليتامى ، والمعثور
عليهم ، وأطفال الشوارع ،
والمرضى مرض عضال ... وغيرهم من
الفئات المستحقة للرعاية
والمساعدة ، وكذلك على
المشروعات الخيرية التي تعود
بالنفع والفائدة على المحتاجين
من أفراد المجتمع ، بالطبع فإن
الأقرباء أولى بالمعروف
والمساعدة . قال تعالى { فآت ذا
القربى حقه والمسكين وابن
السبيل ذلك خير للذين يريدون
وجه الله أولئك هم المفلحون } [الروم
: 38 ] حقًا إن الأقربين أولى
بالمعروف ، فإذا كنا من أصحاب
المقدرة واليسر فعلينا أن نوجه
مساعدتنا إلى أقاربنا الذين لهم
حق مشروع في أموالنا ، وبذلك
يتحقق التكافل الاجتماعي
والترابط الأسري، ويعيش جميع
أفراد المجتمع في سعادة وهناء
بعيدًا عن أي صراعات طبقية أو
أحقاد تدمر بنيان المجتمع ،
وبعد الأقارب يأتي المساكين
والمنقطعين ، وبالطبع ذلك أفضل
وأحسن من أن نكنز المال فنمنعه
عن أداء دوره في مسيرة التنمية
الاجتماعية أو نعطيه لهؤلاء
الذين يفسدون في المجتمع ، أو
يسعون إلى تدميره رافعين شعارات
متطرفة زائفة متعصبة ما أنزل
الله بها من سلطان . الإسلام وصيانة العرض : لقد صان الإسلام حرمة
الأعراض ، وحافظ على سمعة
وكرامة الناس ، وحذر من الظن
السيئ و الغيبة والنميمة ،
والوقوع في حق المسلم أو شرفه
وكرامته ، كما حرم السخرية
بالناس واللمز (أي يطعن الناس
بعضهم بعضا بالباطل ) ، والتنابذ
بالألقاب (أي يدعى الرجل أو
ينادى باسم أو لقب يكرهه ) ، وسوء
الظن بهم ، كما حذر من التجسس . قال تعالى : { يا أيها
الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم
عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا
نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا
منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا
تنابزوا بالألقاب بئس الاسم
الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب
فأولئك هم الظالمون .يا أيها
الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من
الظن إن بعض الظن إثم ولا تخسسوا
ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم
أن يأكل لحم أخيه ميتًا
فكرهتموه واتقوا الله إن الله
تواب رحيم } [ الحجرات : 11 ـ 12] . علينا أن نضع في
الاعتبار أننا جميعًا كبشر أخوة
في الله ، لا يجوز لنا بأي حال من
الأحوال أن نتصارع أو نتقاتل ،
بل من المحتم أن يكون احترام
بعضنا البعض أساس تعاملاتنا ،
لقد دعانا الإسلام إلى احترام
الآخر والتعامل معه بالتي هي
أحسن ، فمن الأولى والأجدى أن
يحترم كل واحد فينا الآخر بمعنى
آخر علينا أن نبدأ بترتيب بيتنا
أولاً ، ومن هنا يجب علينا أن
نتقي الله حق تقاته في أنفسنا
وفي أهلينا ، وفي مجتمعاتنا ،
وفي تعاملاتنا مع إخواننا في
الله ، لعلنا نرحم . ويحكي لنا علم أسباب
النزول أن طائفتين من بني الأوس
وبني الخزرج من سكان المدينة ،
اقتتلوا بالجريد والنعال عقب
نزاع ، فكره الله منهم ذلك ،
ونصحهم بتلك النصائح الجميلة
القيمة المفيدة التي إذا
اتبعناها قضينا على جميع الآفات
أو الأمراض الاجتماعية التي
تنخر ـ بكل أسف ـ في عظام
مجتمعاتنا العربية والإسلامية
، وقد ذكرنا لك في الفقرة قبل
السابقة نص الآيتين (11 ، 12 ) من
سورة الحجرات والتي تحوي هذه
التوجيهات القيمة . يطالبنا الإسلام أن لا
يستهزئ قوم بقوم عسى أن يكونوا
عند الله خيرًا وأفضل منهم ، كما
لا يصح ألا يستهزئ نساء بنساء
عسى أن يكن خيرًا منهن ولا يطعن
بعضنا على بعض ، كما لا يصح أن
نتعاير بألقاب السوء ، بئس
الاسم أن نسمى فاسقين بعد أن
نكون مؤمنين ، ومن لم يتب إلى
الله فأولئك هم الظالمون . ويطالب الله تعالى
المؤمنين أن يبتعدوا عن كثير من
الظن السيئ فإن بعضه إثم ، ولا
يتجسس بعضنا على بعض ، ولا يغتب
بعضنا بعضا ، أيحب أحدنا أن يأكل
لحم أخيه وهو ميت ؟ ، ما أعظم أن
نتقي الله حق تقاته ، إنه هو
التواب الرحيم . يقول الرسول الهادي
البشير (صلى الله عليه وسلم) :
"بحسب امرئ من الشر أن يحقر
أخاه المسلم " [رواه أبو داود
في سننه ] . ويقول أيضًا محذرًا من
الظن : " إياكم والظن فإن الظن
أكذب الحديث .. ولا تحسسوا ولا
تجسسوا " [رواه أبو داود في
سننه] . ويحرم الرسول الكريم (صلى
الله عليه وسلم )، الهادي إلى
الخلق القويم ، والذي أدبه ربه
فأحسن تأديبه ، والذي هو على خلق
كريم ، يحرم تتبع عورات الناس
بأي شكل من الأشكال ، أو تحت أي
ظرف من الظروف ، فيقول : " إنك
إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم
أو كدت أن تفسدهم " [رواه أبو
داود في سسنه] . وهكذا نرى مدى عناية
الإسلام بحقوق الإنسان وصيانة
حرماته والمحافظة عليها ، وقد
تربى وتعلم على هذه التعاليم
الإلهية القويمة الفاضلة
الرعيل (القادة) الأول من هذه
الأمة ، فصانوا الحرمات ،
وحافظوا على الحقوق ، وأفهموا
الناس واجباتهم بعد أن كانوا
المثل العلى والقدوة التي تحتذى
، وأدوا الأمانات فعاشوا حياة
سعيدة رشيدة تفيض عدلاً ورحمة
وحبًا وخيرًا وجمالاً وأمنًا . لقد ترعرت ضمائرهم على
الأمانة والحق وعاشوا حياة
مترعة (مملوءة) بالخير والحب ،
كانوا أمناء بمعنى الكلمة ،
يراقبون ربهم في السر والعلانية
، في كل زمان ومكان ، لا يخافون
ولا يخشون في الحق لومة لائم ،
ولا تغريهم الحياة الدنيا
الزائلة بزينتها وزخرفها
وبهجتها . ها هو رجل صالح من أهل
الإسلام ، وهو / عبد الله بن
دينار (رحمه الله) ، يقول لنا :
خرجنا مع عمر بن الخطاب (رضي
الله عنه) إلى مكة فعرسنا في بعض
الطريق (أي نزلنا للاستراحة)
فانحدر بنا راع من الجبل ، فقال
له : يا راعي ، بعني شاة من هذه
الغنم ، فقال : إني مملوك ، فقال
عمر (رضي الله عنه) : قل لسيدك
أكلها الذئب ، (بالطبع يريد
الفاروق عمر أن يختبر أمانة هذا
الراعي وتقواه) ، فقال الراعي :
فأين الله ؟ ، فما كان من عمر (رضي
الله عنه) إلا أن بكى بكاءً
شديدًا ، ثم غدا مع المملوك (مشي
معه) فاشتراه من مولاه ، وأعتقه
لوجه الله تعالى ، وقال : أعتقتك
في الدنيا هذه الكلمة ، وأرجو أن
تعتقك في الآخرة . وهكذا عاش الرعيل الأول
من هذه الأمة بأمانة كاملة لا
نظير لها ، فقد احترموا القيم
السامية التي تعلموها من دينهم
الحنيف ، وطبقوها أعظم تطبيق
على أرض الواقع المعاش دون نفاق
أو كذب أو ادعاء أو رفع شعارات
براقة مخادعة أساسها النفعية
والمصالح الخاصة ، والفوائد
المادية التي مهما حققوا منها
فهي رخيصة زائلة . ما أحوج أمتنا العربية
والإسلامية اليوم في كل مكان
وبالذات شبابها الصاعد ، بل ما
أحوجنا جميعًا إلى أن نأخذ
بتعاليم الإسلام التي جوهرها
العمل الجاد والحق والعدل
والمساواة والخير ، ما أحوجنا
إلى أن نطبق تعاليم الإسلام
ومبادئه القويمة التي إذا
التزمنا بها حققنا ما وصفنا
الله تعالى به بأننا خير أمة
أخرجت للناس . ما
أحوجنا إلى أن نعتصم بحبل الله
جميعًا ولا نتفرق فعلاً لا
قولاً ، من أجل أن تستقر الحقوق
، وينتشر الأمن والأمان ، وتصان
الحرمات ، ويفتح الله علينا
بركات من السماء والأرض ، ويتم
نصر الله لنا في كل المجالات ،
ولنضع جميعًا في الاعتبار أنه
لن يغيرنا الله ما لم نكن جادين
في تغيير أنفسنا ، والسعي الجاد
بها إلى الأحسن والأفضل . والله ولي التوفيق ،،، ـــــــــ *باحث
ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |