-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
لقاء
نيويورك الثلاثي فشل أم نجاح لسياسة
أوباما الخارجية ؟! ... محمد
بهلول اتجهت
كل الأنظار مساء أمس (22 أيلول/
سبتمبر) إلى فندق "والدروف
استوريا" في أحد الضواحي
الفخمة لمدينة نيويورك، حيث
التئم شمل الرئيس الأمريكي
باراك أوباما والفلسطيني محمود
عباس ورئيس وزراء إسرائيل
بنيامين نتنياهو في لقاء قمة
ثلاثي هو الأول من نوعه في عهد
الإدارة الأمريكية الجديدة. وبمعزل
عن كل التوصيفات الإعلامية لهذا
اللقاء وهي صحيحة ومعبرة
بالمجمل ("مجرد لقاء لالتقاط
الصور"، "قمة رمزية"،
"قمة بلا توقعات") وأتت
التصريحات الرسمية وتسريبات
المصادر المطلعة لتؤكد هذا
الشيء، ولتؤكد أيضاً أن إصرار
الرئيس أوباما على اللقاء مع
غياب كل مؤشرات النجاح له، ما هو
إلا خبطة إعلامية على النسق
الهوليودي يحتاجها الرئيس
لتتصدر وسائل الإعلام بديلاً عن
خطة أمريكية شاملة للسلام في
الشرق الأوسط كان قد وعد بها في
خطابه الشهير في القاهرة (4
حزيران/ يونيو الماضي)، وما
إصرار الناطق الرسمي للبيت
الأبيض ـ معاكساً كل الإعلام
والمراقبين ـ على أن "الهدف
من القمة هو وضع أساس لاستئناف
المحادثات السلمية" إلا
تأكيداً على ذلك. ولكن
يبدو ـ وعلى عكس المتوقع ـ أن
الرئيس الفلسطيني عباس والذي
قدم تراجعاً كبيراً بموافقته
على حضور القمة بدون شروط، عاد
وقدّم تنازلاً إضافياً سمح
لرئيس الوزراء الإسرائيلي
نتنياهو أن يتفاخر مزهواً
"بأن حكومته والسلطة
الفلسطينية اتفقنا على ضرورة
استئناف محادثات السلام بأسرع
ما يمكن وأن هناك اتفاق عام على
القيام بذلك من دون شروط
مسبقة". أيام
قليلة بعد خطاب القاهرة، لم
تهدأ بورصة التوقعات الإعلامية
والتسريبات الصحفية على أن كلمة
الرئيس الأمريكي في المناقشات
العامة للأمم المتحدة سوف تتضمن
خطة أمريكية متكاملة لإنهاء
النزاع في الشرق الأوسط، وإحلال
السلام في المنطقة، كون حل هذا
الصراع هو معبراً إلزامياً
لحلول جذرية لكل بؤر التوتر في
المنطقة. موجة التفاؤل العالية
لم تستمر أكثر من شهرين، ومنذ
أواسط آب/ أغسطس الماضي تحولت
هذه الخطة الشاملة إلى مجموعة
مبادئ متكررة، وما الخطاب
المزمع إلقاءه من قبل الرئيس
الأمريكي أمام الأمم المتحدة
والذي تصفه وسائل الإعلام
الغربية بالخطاب الدرامكتيكي
والذي سيكون بما يخص الشرق
الأوسط، صورة كربونية عن خطاب
القاهرة، أي خطاب مبادئ وعلاقات
عامة دون تصوّر واضح لترجمته
على أرض الواقع. وأن اللقاء
الثلاثي ما هو إلا تعويضاً عن
فشل الإدارة الأمريكية من تقديم
أي اختراق على صعيد تقدم الحل
السلمي لأزمة الشرق الأوسط،
ولذلك فإن اللقاء عبارة عن
اجتماع بروتوكولي ذو طابع
ديكوري سيجهد الرئيس أوباما على
اصطناع تقدم وهمي ولفظي يبرر
ادعاءه حدوث تقدم في مسار
التسوية. من
المتوقع أن تجهد وسائل الإعلام
ذات الارتباط الوثيق بالإدارة
الأمريكية لتظهير اللقاء وكأنه
إنجاز نوعي واستغلال أي كلمات
وتصاريح أُطلقتْ فيه من أي من
الرؤساء الثلاث لإيهام الجميع
بأن تقدماً قد حصل مع أن الحقيقة
لا تعدو عن كون اللقاء حفلة
قصيرة لالتقاط صور ليس إلاّ،
ولكن مثل هذه الصور ستستخدم من
أجل إعادة إنتاج من جديد لصورة
الرئيس أوباما كرئيس واعد بلا
شك، لكن الصور نفسها لن تتمكن
بعد حين من الإجابة عن تكملة
الاستفهام وهو مقدرة الرئيس عن
تنفيذ ما يقول، هل هو رئيس تغيير
حقاً أم رئيس يقول كل ما من شأنه
إراحة أطراف الصراع وشعوبها
ولكن مع وقف التنفيذ. اليوم
يكون قد مضى ما يقل أياماً قليلة
عن عشرة أشهر من جلوس أوباما على
المكتب البيضاوي، أي تقريباً 20%
من مدة الرئاسة وهي نفسها ما
تمثل 40% من أيام سلطته الفعلية،
حيث التقليد الأمريكي لصناعة
الرؤساء يحتم على الرئيس أن
ينشغل في السنتين الأخيرتين من
ولايته الأولى في معركة إعادة
التجديد، أن المدة التي قضاها
الرئيس في البيت الأبيض ليست
بالوقت الطويل لكنها أيضاً ليست
بالوقت القصير على رئيس جاء
باسم التغيير ليحققه ولا يبدو
أنه نجح حتى الآن في أحداث أي
اختراق تغييري في أي من ملفات
الصراع الفلسطيني والعربي ـ
الإسرائيلي. الإدارة
الأمريكية نشطت منذ خطاب
القاهرة لتدشين استئناف
المفاوضات الفلسطينية ـ
الإسرائيلية لتحقيق رؤية
أوباما لحل الصراع في الشرق
الأوسط، ولكن الإدارة التي عجزت
طوال ستة شهور من تحقيق أي
اختراق في ملف الاستيطان لا
يعول على قدرتها في تحقيق
السلام الشامل. وأن اللقاء
الثلاثي الذي حصل بالأمس والتي
تحاول الإدارة تصويره كأحد
إنجازاتها لإرساء تسوية شاملة
في المنطقة هو في حقيقة الأمر
تعبيراً عن فشلها وليس نجاحها،
فبمعزل عن الكلام الدبلوماسي من
رسميي الأطراف الثلاثة، فإن
الحقيقة تكمن في أن الإدارة
تخلت طوعاً أو بالإكراه عن أهم
شرط من شروط الراعي أو الضامن
لعملية السلام بفقدانها ورقة
التأثير والضغط، وهو ما أشارت
إليه الصحافة الإسرائيلية خلال
اليومين الماضيين إذا
كانت الولايات المتحدة قد تخلت
أمام التصلب الإسرائيلي بداية
عن طرح رؤيتها للسلام في
المنطقة، فهي اليوم تتخلى عن
رعايتها للسلام، وما اللقاء
الثلاثي في نيويورك إلا تأكيداً
بطريقة ملتبسة عن هشاشة إصرارها
على ممارسة ضغوط على
"إسرائيل" في ملف
الاستيطان، وهي قادرة جداً على
ذلك عندما تقرر خطوات ضغط
ملموسة على صعيد العلاقات
الإسرائيلية الأمريكية، أن
اللقاء هو بداية الطريق نحو
الانسحاب الأمريكي من السلام في
الشرق الأوسط ولكن دون أن يعني
ذلك الانسحاب من عملية السلام
أو على الأدق "المفاوضات من
أجل السلام"، أن الإدارة
اليوم تعود لمواصلة طريق
الإدارات الأمريكية السابقة
والمتعاقبة منذ حرب 1967 وهو
مواصلة عملية السلام بدون خطة
أو أفق واضح. من
الجانب الآخر؛ حقق نتنياهو من
وراء اللقاء انتصاراً كاسحاً
وبالضربة القاضية على كل من
أوباما وأبو مازن، ولم يخف
الناطق بلسان الحكومة
الإسرائيلية ذلك عندما أكد
"أن صمود نتنياهو في وجه
الضغوط الأمريكية ورفض شروط
عباس للمشاركة في القمة، وأن
الأخير اضطر إلى الانكقاء
والانبطاح والتراجع عن شروطه،
كل هذا في وقت نجح نتنياهو في
الحفاظ على العلاقات المتميزة
بين إسرائيل والولايات
المتحدة". إن
الإنجاز الذي حققه نتنياهو
بتراجع الإصرار الأمريكي عن ملف
الاستيطان، وتراجع الشروط
الفلسطينية عن عدم المفاوضات
قبل التجميد الكامل للاستيطان
سيزيد بلا شك من شهيته، وسيجعله
يتمسك أكثر فأكثر بشروطه
المعلنة، القدس عاصمة أبدية
لإسرائيل، الاعتراف بيهودية
الدولة، واللا انسحاب إلى حدود 4
حزيران/ يونيو 1967 ... الخ. ومن
المفيد الإشارة إلى أن تصلب
أكثر قادم في المرحلة المقبلة،
مع تأكيد نتنياهو (20 أيلول/
سبتمبر) "أنه سمع من الإدارة
الأمريكية تأييداً لطلبه
باعتراف الفلسطينيين بيهودية
"إسرائيل"، وأنها اعتبرت
ذلك شرطاً ضرورياً للتوصل إلى
سلام حقيقي". الأيام
المقبلة ستشهد مزيداً من القوة
والتصلب الإسرائيلي وهو ما
سيتيح لها إجراء مفاوضات مع
الفلسطينيين من دون شروط مسبقة
وبأقل قدر من التدخل الأمريكي،
وحكومة نتنياهو مقبلة على إعادة
إنتاج تقاليد وسياسيات
الحكومات الإسرائيلية
المتعاقبة منذ اتفاق أوسلو حتى
اليوم والقائمة على إدارة
مفاوضات عقيمة وبلا أفق مع
الفلسطينيين، وإعطاء الوقت
والفرصة للمستوطنين لفرض وقائع
جديدة على الأرض. على
الجانب الفلسطيني؛ جاءت موافقة
الرئيس عباس للمشاركة في القمة
والتخلي عن شروط الإجماع
الفلسطيني المقرّة في
الاجتماعات المتلاحقة للجنة
التنفيذية لمنظمة التحرير
وآخرها اجتماع (10 أيلول/ سبتمبر)
مفاجئة للأوساط الرسمية
والشعبية الفلسطينية والعربية.
التبريرات التي ساقتها الأوساط
المقربة من الرئيس عباس أكدت
أنه تجاوب مع الضغوط الأمريكية،
وأظهرت وسائل الإعلام
الفلسطينية المقربة من الرئاسة
الفلسطينية تصريحاً لمصدر
أمريكي رفيع المستوى (21 أيلول/
سبتمبر) أن "الإدارة
الأمريكية أبلغت الرئيس
الفلسطيني بأنه في حال تمسكه
بموقفه الرافض لعقد لقاء القمة
في نيويورك، فإنه سيظهر أمام
العالم بالرافض للسلام، مما
يفقده الكثير من التأييد
والشرعية التي يمنحها إياه
المجتمع الدولي". أما
المعلق في الشؤون الفلسطينية في
صحيفة (هآرتس) آفي يسخاروف أكد
في (21 أيلول) "أن عقد القمة
يضعف مكانه الرئيس عباس في
أوساط شعبه (لاحظ هنا شعبه وليس
المجتمع الدولي) مشيراً إلى
حقيقة أن الولايات المتحدة التي
حضّت عباس على تسلق شجرة عالية
من الشروط، وأوهمت الفلسطينيين
أنها إلى جانبهم هذه المرة، ولن
تتهاون مع "إسرائيل" هي
التي أرغمته على القفز، ولذا
فإنه الخاسر الأكبر من
القمة". بلا
شك أن الشعب الفلسطيني هو
الخاسر الأكبر من وراء هذه
القمة، فاللقاء الثلاثي غير
مفيد طالما أن الاستيطان متواصل
في القدس والضفة الفلسطينية
المحتلة، ويزرع الأوهام في صفوف
الرأي العام ودول الجمعية
العامة للأمم المتحدة بفك
الحصار الدولي عن حكومة اليمين
واليمين المتطرف برئاسة
نتنياهو، وتغطيه على سياستها
العدوانية التوسعية في القدس
والضفة وحصارها لقطاع غزة. إن
اللقاء أعاد الفلسطينيين إلى
مرحلة الدوامة، مفاوضات بلا أفق
وغول استيطاني يقضم الأرض وتصلب
إسرائيلي غير مسبوق، مع ما
يعنيه ذلك من تسعير الانقسام
العبثي المدمّر، وصراع السلطة
والنفوذ بين فتح وحماس. ولعل
المراقب لم يستغرب في بيان حماس
لإدانة اللقاء (21 أيلول/ سبتمبر)
العودة إلى لغة الرئيس منتهي
الصلاحية، وتأثيرها على الحوار
الوطني الشامل المأمول في
القاهرة بعد أيام. اليوم
من حقنا أن نتساءل مرة أخرى؛ في
ظل مفاوضات بلا أفق وحوارات بلا
نتائج من يحمي المشروع الوطني
الفلسطيني ؟! ... ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |