-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لِنُفْهِم نتنياهو أنَّ مَنْ يَدُقَّ الباب بْيِسْمَع الجَوابْ

بقلم: آصف قزموز

في الوقت الذي كان يتأهّب فيه المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط للقاء الرئيس أبو مازن، أعلن في تل أبيب عن عدم التوصل لأي اتفاق ما بين ميتشل ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن تجميد الاستيطان، لكنهما اتفقا على استمرار اللقاءات بينهما! وهي الصيغة المخفّفة التي تعوّدنا سماعها عند فشل كل لقاء.

نعم، هذه هي اللازمة المشؤومة التي ما زالت تصاحب كل خبر يصدر بعد لقاءات ومساعٍ لأي مسؤول دولي أو غير دولي مع رؤساء الوزراء الإسرائيليين المتعاقبين بشأن السلام مع الفلسطينيين في جميع المراحل المنفرجة منها والمأزومة، على حدٍّ سواء وهو ما يعكس السلبية المفرطة وحالة التعنّت الدائم التي تمارسها إسرائيل كسياسة دائمة تقرّب من العقيدة العنصرية أكثر منها كمواقف وسياسات فردية. وبالتالي ينتهجها كل مسؤول بصرف النظر عن منابته ومشاربه السياسية بين أقصى اليسار حتى أقصى اليمين. فلم تعد هذه العدوانية السياسية العمياء تمثل أفراداً بعينهم وإنما باتت تعبّر بصراحة وقحة عن عقل وجوهر تفكير المؤسسة الحاكمة في إسرائيل.  لذا نستطيع أن نلحظ أن المؤسسة الحاكمة تنطلق من رؤىً استراتيجية وعقائدية ممهورة بعقلية الاستيطان  والعنصرية المفجرة لأي طريق موصل للسلام، الأمر الذي يجعلها تحتفظ لذاتها بكل ما يمكن أن يشير أو يفهم منه احتمالات لتطور إيجابي في السياسة الإسرائيلية حتى لو كان ذلك الاحتمال مصبّه المستقبل البعيد جداً وغير المرئي. في حين نشهد بالمقابل الصورة المعاكسة تماماً، فهم يحرصون على إظهار أقصى ما يملكون من التشدد والتطرف والعدوانية، لكننا نحرص بالمقابل على إظهار أقصى ما لدينا من المرونة والتعبير عن النوايا الحسنة لمواقف ربما لم تولد بعد حد الاستمراء والادمان على خطب ودّهم وثقتهم ورضاهم بأننا جادون في السلام، مع أنهم يدركون بكل جوارحهم ومجساتهم صدق قولنا ومواقفنا الجادة من ذلك، وكأن المسألة باتت متوقفة على مدى اقتناعهم بأننا جادون بالسلام، مع أن الحقيقة المرّة ظلت تقول إن المشكلة هي أن يُقرّوا ويعترفوا بقبولنا شريكاً في السلام المطروح. فالواضح أنهم لا يثقون بقيام صفقة سلام سواء بيننا وبينهم، لسبب بسيط وهو أن السارق الذي استوطن حقوق الغير عنوةً لا يمكن أن يأمن سلاماً حقيقياً مع المسروق الذي سلبوه ذاته ليقيموا عليها ومنها ذاتهم وكيانهم الذي استصدر شرعيةً ورضىً دولياً، ورضينا به كالرضى بالبين الذي لم يرض بنا ويسعى لحذفنا وحتفنا بكل المعاني والأطماع.

هذه الاسطوانة المشروخة التي ما زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصر على التمسك بها للمزايدة السياسية وتسجيل النقاط في اطار الملعب الإسرائيلي الداخلي، لم تعد تؤخذ باعتبارات أحد ولا بأي احترام، بل إنها زادت الخطاب السياسي الإسرائيلي عُرياً وانكشافاً أمام الأطراف الدولية، حتى تلك التي طالما انحازت حدّ التحالف والمحاباة مع إسرائيل، الأمر الذي بات يؤشّر لنا كفلسطينيين بأن نُحسِّن تعاملنا ونطوِّر أداءنا السياسي وصياغة شعاراتنا الوطنية ومواقفنا بدقة، وعلى النحو الذي يضع سياسة التعنّت الإسرائيلي هذه في دائرة الهدف لأجل حشرها وتقويضها وتأليب الرأي العام الدولي عليها بما في ذلك الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الذي بات هو الآخر يضيق ذرعاً بها وبأعراضها وتداعياتها الثقيلة الظل والكلفة العالية، ولكي تخلق الأجواء المناسبة التي يمكن أن تساعد المسؤولين الأميركيين في الضغط على حكومة الاحتلال كي تتراجع عن سياساتها الاستيطانية القاتلة لعملية السلام المنشودة.

من هنا، نعود لنتبصّر ونتأمّل في ما قاله نتنياهو مؤخراً عن القدس إنها >ليست مستوطنة وإنما عاصمة تخضع للسيادة الإسرائيلية، ولا يمكن التشكيك بتلك السيادة" على حد زعمه، معتبراً أن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين سيكون صعباً بسبب رفضهم الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية"! الأمر الذي يجعلني اليوم أجرؤ على التساؤل بصوتٍ عالٍ: هل كان إشهار قبولنا المبكر بحدود دولة إسرائيل وحدود دولتنا المرتضاة سبباً في فتح شهية قادة إسرائيل أمثال نتنياهو للاستمرار في حالة التلكك والابتزاز الدائم لنا، من خلال سد كل طريق أو بصيصٍ مفضٍ لأمل فلسطيني في السلام والاستقرار، جاعلاً لسان حالنا معه "كلما انقضى سبب منك عاد لي سببُ"؟! وإلاّ، كيف يمكن أن نفسر حالة الهستيريا الاستيطانية التي تنتاب هؤلاء وأمثالهم بشكل متواصل وفي كل الآجال والمراحل؟! أوليس في هذا استخفاف في حقوقنا وفي المجتمع الدولي، وتعبير صارخ عن لامسؤولية رعناء مدججة بعنصرية محمولة على جبال من الكراهية السوداء التي تخلفها مثل هذه الأقوال وممارسات الاحتلال؟ السيد نتنياهو هو الأكثر معرفةً وتيقناً بالحقائق القائمة على الأرض. فهو العارف العالم علم اليقين أن مشروع الدولة العبرية قام من أساسه على فكر استيطاني صهيوني حمل بذور العنصرية حد الشوفينية. وبالتالي قضية الاستيطان لم تقف عند حدود القدس وحسب، وإنما تعدّت ذلك بكثير لتجتاح كل فلسطيننا التاريخية أرضاً وسماءً وفكراً وحضارةً وجذوراً. لكن لأن الشعب الفلسطيني سليل حضارة وتاريخ وثقافة تقوم على حبّ الحياة وكراهية الموت والحروب وكل من يمتطون صهوة الدماء سبيلاً لحياتهم وقهر الآخرين، ارتضى مصالحة تاريخية تضع حداً للموت وتعطي فرصة للحياة والعيش بسلام وتعايش مع الآخر على أسس من التوازن العقلاني والعدالة الحافظة للحقوق المشروعة للجميع، وليس على أساس ما يقوم به نتنياهو ويجهر به من "سَوْق الهَبَل على الشّيْطَنِهْ" لجعل لسان حالنا معه لسان حال من رضي بالبَيْن ولم يرضاه. فالسلام خيار استراتيجي يجب أن نظل متمسكين به لأنه سلاحنا الأقوى إلى جانب قوة حقنا المشروع في وجه هذا الصلف والتعنّت المتزايد. وإسرائيل تدرك جيداً حقيقة ذاتها والآخر، وانها أمام استحقاقات والتزامات توافق عليها المجتمع الدولي ونصّت عليها "خارطة الطريق" التي سترضخ لها تل أبيب إن عاجلاً أم آجلاً.

وليَعلَم نتنياهو ومن والاه في الفكر والسياسة، أن المتلككات ومفسدات السلام التي ما فتئ يمتشقها في وجه الفلسطينيين ويمتطي صهوتها كحواجز صد في مواجهة أوباما ورؤيته السياسية للحل، أن السلام الاقتصادي المزعوم كبديل عن الحل السياسي، إنما هو في الحقيقة لا يمكن أن يخرج عن المبدأ  القائل: إن "السياسة هي التعبير المكثّف عن الاقتصاد" مهما حاول نتنياهو وغيره الفصل ما بين هذين الوجهين للعملة الواحدة، وحتى إذا ما أردنا الحديث في أصول وجذور بدايات القضية، فإن حقائق التاريخ تقول بملء فيها حقائق مرّة تجرّعناها وتجاوزنا عنها لأجل السلام والتعايش البنّاء والمتوازن كمساومة تاريخية وليس لأننا ألغينا عقولنا أو كذبنا الكذبة وصدّقناها.

وإذا كان نتنياهو قد نجح في جعل لسان حالنا معه حال الرضى بالبَيْن الذي لم يرضانا، فإن عليه أن يعلم أن لسان حاله معنا مقولة "دافنينو سوا" و"اللّي بيته قزاز ما يرمي الناس بلحجار". وإن قبول الفلسطينيين بحل الممكن التاريخي في اللحظة التاريخية هو خيار فلسطيني بملىء وكامل الإرادة الوطنية الفلسطينية، ولا يمكن أبداً أن يعني جهل الفلسطينيين أو تجاهلهم لجذور حقهم التاريخي في فلسطين، وإنما ارتضوا بحل الدولتين الواقعي التزاماً بالشرعية الدولية، ونزولاً عند استحقاقات السلام العاقل الذي يحفظ ويؤمّن حقوقهم وحقوق الآخرين، في اطار تعايش بنّاء قابل للحياة ويضمن مستقبل الأجيال القادمة بلا استثناء. واللّي بِدُقّ الباب لازم يسمع الجواب.

asefsaeed@yahoo.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ