-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بَر
الشام .. بَر مصر في
" الفصل " و " الوصل " بسام
الهلسه
* "بَر" كلمة آرامية
تعني "إبن".. لكنها ليست
المقصودة هنا؛ بل "بَر الشام"
التعبير الذي يطلقه المصريون
على بلاد الشام جرياً على ما
يقولونه عن أرض مصر "بَر مصر"،
الذي كتب عمن سطوا عليه الروائي
المصري "يوسف القعيد"
روايته المميزة "الحرب في بَر
مصر" والتي أخرجها "صلاح
أبو سيف" في شريطه السينمائي
المهم "المواطن مصري".
ولا يعمم المصريون استخدام
هذا التعبير تجاه الأقطار
العربية الأخرى؛ فلا يقولون "بَر
ليبيا" ولا "بَر السودان"
ولا "بَر اليمن"؛ فهو خاص
بالشام ولها وحدها. مثله أيضاً مصطلح "القطرين"
الذي يعنون به مصر والشام،
فلذلك لقبوا "خليل مطران"
بـ"شاعر القطرين" لأصوله
الشامية من جهة ولإقامته في مصر
من جهة ثانية. "والشام ومصر"
هما "القطران" اللذان
عناهما الشاعر "أحمد فؤاد نجم"
(الفاجومي) في قصيدته التي غناها
توأمه الراحل "الشيخ إمام
عيسى": تسلم عين الشعب الزين في عمَّان وفي القطرين *
*
*
و"الشام" المعنية في
الحديث المصري هي سورية
الطبيعية كلها بدولها الثلاث
القائمة (سورية، الأردن، لبنان)
وقسميها السليبين (الجنوبي:
فلسطين، والشمالي: لواء
الاسكندرون). لكنك إذا قلت "الشام"
في أحد هذه الأقطار فسيفهم أن
المعني هو "سورية" فقط، أما
إذا قلتها في "سورية"
فسيفهم أن المقصود هو "دمشق"
أقدم المدن التي ظلت مأهولة في
العالم حسبما نعلم، والتي أدت
عبر التاريخ المديد دوراً
مميزاً كمدينة تجارية- حرفية-
ثقافية ذات صلات متنوعة مع
العديد من البلدان والأقاليم... لكن العرب كانوا هم أول
من جعلها عاصمة سياسية لدولة: في
العهد الأموي منذ مؤسسه الأول
"معاوية بن أبي سفيان"، ثم
في العصر الحديث في عهد الملك
"فيصل بن الحسين" (1918م-1920م)
وحتى الآن. *
*
*
قيل ان اسم "الشام" جاء
من "شما" التي تفيد معنى
العلو والارتفاع.. ومنها "سما"
و"سمو" و"سماوات" و"أشم"
و"شماء" وهي متماثلة في
اللغات الشقائق: الكنعانية
والآرامية والعربية مع تبديل
معروف بين حرفي "الشين" و"السين"
كما في "قدش" الكنعانية، و"قاديشا"
الآرامية، و"قدس" العربية. وكان مؤرخ عربي قديم قد
ذكر أن اسم "الشام" إنما
اشتقه العرب من "شمأل"
نظراً لوقوع سورية "شمال"
جزيرة العرب.. وهذا لا يتعارض مع
المعنى السابق؛ فأراضي "الشام"
مرتفعة بالنسبة لإقليم "الحجاز"
الذي يتصل بها من الشمال عند
مدينة "معان" الحالية
جنوبي الأردن. * *
*
ترجع صلات مصر بسورية
ومدنها ونواحيها إلى عهود موغلة
في القدم.. وقد حفظت لنا الآثار
والمدونات التي عثر عليها
الكثير من أخبارها منذ الألف
الثالث قبل الميلاد وما تلاه.
وهي صلات حفزتها دواع ثقافية،
وأمنية- استراتيجية، وتجارية.
وقد مرت هذه الصلات عبر طريقين:
بري -عبر شبه جزيرة سيناء
والنقب، وبحري -عبر المتوسط
والأحمر.
وخلال تاريخ طويل سارت
القوافل والسفن في الاتجاهين
حاملة الناس والبضائع والمعارف
والعقائد والغزاة. فعلى سبيل
المثال، ثمة خبر يرويه المؤرخون
عن أقدم أسطول بحري معروف، أرسل
في عهد الملك "سنفرو" (مؤسس
الأسرة الرابعة الحاكمة في مصر
2613-2494 قبل الميلاد، ووالد الملك
"خوفو" باني الهرم المشهور)
إلى سورية لجلب الأخشاب، فعاد
الأسطول محملاً بأربعين سفينة. *
*
*
وعلى مدى السنين اللاحقة،
استمرت الصلات بين القطرين (مع
صلاتهما بالأقطار والأقاليم
الأخرى بالطبع خصوصاً: بلاد
الرافدين والجزيرة العربية) ولم
تقطعها التغيرات التي طرأت
فيهما، ولا القوى والدول
الغازية التي تعاقبت عليهما من
خارج المنطقة مثل: (الفرس،
الإغريق، الرومان، الروم
البيزنطيين).
وفي العصور الوسطى كانت
وحدة القطرين التي عززها ووثقها
الفتح العربي الإسلامي في القرن
السابع الميلادي، هي التي
مكنتهما من صد وهزيمة الغزوتين
الكبيرتين الجائحتين (الفرنجة
والمغول).
أما في العصر الحديث فإن زحف
"إبراهيم باشا" (ابن "محمد
علي باشا" والي مصر) على الشام
ودحره للأتراك العثمانيين
منها، كان العامل الذي أثار ذعر
الدول الاستعمارية –خصوصاً
بريطانيا- وفتح أذهانها على ما
تعنيه وحدة القطرين من نهوض قوة
فتية قادرة على الوقوف في وجه
مصالحها وأطماعها في المنطقة،
فكونت التحالف الدولي الذي أرغم
"إبراهيم باشا" على
الإنسحاب من الشام عام 1840م
والإنكفاء في مصر. وآنذاك خطرت
ببال وزير خارجيتها "بالمرستون"
فكرة توطين اليهود في فلسطين
ليكونوا عازلاً بين الشام ومصر
يمنع قيام وحدتهما مجدداً. وهي
الفكرة التي تحولت إلى مشروع
فعلي جرى المباشرة بتنفيذه بعد
احتلال بريطانيا لفلسطين في
الحرب العالمية الأولى بإصدار
"وعد بلفور" عام 1919م، وفتح
فلسطين أمام الغزوة الصهيونية
اليهودية التي أدى قيام دولتها
"إسرائيل" في العام 1948م -ولأول
مرة في التاريخ- إلى قطع التواصل
الجغرافي البري بين القطرين.
جرى الرد على هذا الخطر
الجاثم المستفز وغيره من
الأخطار الإمبريالية
الاستعمارية التي أحدقت
بالمنطقة في الخمسينيات،
بإقامة الوحدة السورية المصرية
(في شباط- فبراير 1958م) فيما عرف
بـ"الجمهورية العربية
المتحدة" برئاسة "جمال
عبدالناصر" إبان صعود المد
التحرري القومي الوحدوي. لكن فك
الوحدة بينهما (في أيلول- سبتمبر
1961م) أكد على أهمية التواصل
الجغرافي البري الذي كان "غيابه"
عاملاً أساسياً في نجاح
الانفصال.
وفي السبعينيات من القرن
الماضي، كانت "حرب رمضان" (تشرين
أول- أكتوبر 1973م) آخر محاولة
كبرى لتنسيق "الصلات"
والقيام بعمل مشترك ضد "إسرائيل".
وهو عمل صاغ ملحمة عظيمة آزرها
كل العرب الذين تأججت لديهم
مشاعر العزة والكرامة وروح
الأمة القادرة على الاستجابة
للتحديات وبناء المصير.
ومع أن التطورات اللاحقة
التي قادها "السادات"،
عصفت بهذا الإنجاز وعزلت مصر عن
سورية والعرب بتوقيع اتفاقية
كامب ديفيد (1979م)، إلا أن ارث
التاريخ والحقائق الجغرافية
والمكونات الحضارية والمصالح
المشتركة، تستوجب التذكير
دائماً بما بينهما من "صلات"
ينبغي التأكيد عليها
واستدعاؤها بقوة لا كماضٍ عتيق
آفل، بل كحاضر حي نامٍ يلح على
استعادة حيّز وشرط ومجال "الوصل"
بينهما (فلسطين)، وإنهاء حاجز
"الفصل" الذي تجسده "إسرائيل"
بين البرّين. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |