-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 15/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فَضالة بن عمير الليثيّ

الدكتور عثمان قدري مكانسي

       دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح يقود جيش الإيمان، فاستقبله البيت الحرام وأهله استقبالاً رائعا ًدلّ على أن دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها هو الذي ترضاه العقول السليمة.

      دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على ناقته القصواء حانياً ظهره، ساجداً لله عزّ وجلّ، شاكراً له فضله، متواضعاُ لعظمته وطاف حول الكعبة وهدم الأصنام كلها، وكبّها على وجوهها، فعاد الدين كما كان ديناً قيماً ملّة إبراهيم حنيفاً .

      وجاء الناس أفواجاً يعلنون الدخول في هذا الدين العظيم، ونبذ الشرك والتبرؤ منه، وعفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عمّن آذوه، وكادوا له، وأذاقوه العذاب ألواناً، فقال لهم قولته المشهورة: اذهبوا فأنتم الطلقاء العتقاء .

 وكان فضالة منهم أعلن لسانه الإسلام، وأضمر قلبه العداء للدين ورسوله، وبحث عن فرصة سانحة يدنو فيها من الرسول الكريم فيقتله ، فلم يجد خيراً من طواف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالكعبة، فدنا منه حذراً متأهّباً، نوى الغدر، وكانت عيناه وحركاته تنبئ عن ذلك، لكنّ الله تعالى عاصمٌ رسولـَه،(وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )  وحافظ ٌدينه ، أخبره بما نواه فضالة هذا وما بيّتَ له، فهل غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الرجل وأمر أتباعه أن يقتادوه إلى زنزانة تحت الأرض مظلمة، تفوح منها رائحة التعذيب والإرهاب، يقف عليها الزبانية المجرمون ؟!

     هل أمر بقتله فوراً، فأطلق حراسُه عليه سهامهم  وحرابهم، وقطّعوه بسيوفهم  إرباً إرباً ؟!

     ماذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؟

     وكيف تصرّف وهو ينظر إلى هذا الرجل الذي يدنو منه رويداً رويداً، يتربص به فرصة سانحة، لينقضّ عليه بخنجره المسموم وطعنته القاتلة ؟

     لما دنا منه فاجأه الرسول - صلى الله عليه وسلم-  قائلاً :

    أفضالة ؟

    فأجاب بسرعة دلّت على ارتباكه : نعم، فضالة يا رسول الله... ذكر كلمة يا رسول الله موحياً بإيمانه بالله ورسوله، ساتراً ما نابه من خوف كاد يكشف أمره، فينال عقابه.

    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (ماذا كنت تحدث به نفسك ؟).

    ازدادت نبضات قلبه إذ فوجئ بسؤال يكشف سرّه، ويعرّي نيّته الأثيمة، فقال موارياً: لا شيء .. ثم تذكر أن هذا مقام ذكر ودعاء وعبادة، هكذا يقول محمد، فاستدرك قائلاً: كنت أذكر الله...!! فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم- من حسن تخلص فضالة من هذا الموقف الصعب، وقال له : (استغفر الله..).

    لماذا قال لي استغفر الله يا فضالة، فهو إذن يعرف سبب وجودي هنا.. يا ويلي، كنت القاتل فصرت المقتول.. إن محمداً لا بدّ مقتصّ مني، لقد وقعتُ وَضِعتُ ولمّا أنفـِِّذ ما قررته...

    لكنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، الرحيم بالمؤمنين، العزيز عليه ما يعنتهم، الراغب بإيمان الناس جميعاً، حريصٌ على أن يدخلوا الجنة، وينجوا من النار جميعاً... مدّ يده الكريمة إلى صدر فضالة ودعا.

    ماذا قال يا رب حتى سكن قلبي وهدأ روعي؟! إن لـِيَدِه الشريفة على صدري برداً وسلاماً، ولذة ما تعدلها لذة، إنني أنظر إلى وجهه الشريف الوضاء فأراه يرقبني بمحبة وودّ فأغضّ بصري هيبة وإجلالاً.

    أين كراهيته في قلبي؟! لقد انقلبت حباً وشوقاً، حبّاً شديداً له، وشوقاً إلى استمرار لقائه. 

    أيها المسلمون، يا إخواني ويا أحبائي، والله ما رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يده عن صدري حتى ما مِن خلق الله شيء أحبّ إليّ منه.

    سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ما هذه القوة الإيمانية الدفاقة التي أشعر بها الآن؟ إنني الآن أسعد الناس فقد هداني الله للإيمان وأذهبَ عني ظلام الشرك والكفر، وتألق نورُ الحق في وجهي، فاطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى أنني الآن إنسان غيرُ الذي كنت، فدعا لي وعاد إلى طوافه، وتبعته أسأل الله العفو والمغفرة وأصلّي على رسوله العظيم ذي القلب الرحيم.

    قال فضالة: فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدّث إليها في جاهليتي وأجلس إليها الساعات الطوال فأغرفَ عندها من مستنقع الإثم ورجس الشهوة المحرّمة والضلالة، فنادتني كعادتها: أنْ هلم إليّ يا فضالة، هلمّ إلى من تحبك وتحبّها، وتأنس إليها وتأنس إليك،... إني أنتظرك على أحرّ من الجمر...

 

    إن الشيطان يدعوني على لسانها، ويسعى إلى طمس النور في قلبي وإعادتي إلى الغواية والفساد...فأجبتها بكل ما في النفس من طهارة ونقاء: لا...لا أنا غيرُ الذي كنت تعرفين، أنا فضالة المسلمُ ، فضالة المؤمنُ ، وابتعدت عنها قائلاً:

 

قالت هلمّ إلى الحديث فقلت لا        يأبـى عليـكِ  الله والإسـلام

لو ما رأيت  محمـداً وقبيـله        بالفتــح يوم  تكسّر الأصنام

لرأيت دين  الله أضحى بيّنـاً         والشرك يغشى وجهه الإظلام 

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ