-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
وصية
الرجال في النساء الدكتور
عثمان قدري مكانسي
علاقة الزوجين أحدهما
بالآخر قائمة على المحبة
والودِّ والسكن والرحمة . قال
تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (21) ) (1)
فهما
صنوان يكمل أحدهما الآخر ،
فالرجل حريص على إسعاد شريكه في
العمل خارج البيت ، والمرأة
حريصة على تهيئة ما يسعد زوجها
داخله ، وعلى مر الأيام يكوّن
الزوجان فريق عمل متكافلاً يبذل
كل منهما جهده فيما يعود على
الاثنين بالحياة الطيبة .
والمرأة أضعف الطرفين ،
ونصفهما اللطيف ، ينضوي تحت
جناح الرجل القوي ، ويُسْلِم له
قياده ، ويلقي إليه زمامه ويذوب
فيه حناناً ورقة ولطفاً ،
ويؤثره على نفسه راحةً ، ويرى
ذاته فيه ، وأمانه بين يديه . . .
هذه هي المرأة التي وصّى
النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ
بها دائماً فقال : (( إني أحرّج
عليكم حقَّ الضعيفين : اليتيم
والمرأة )) (2)
، وتراه في حجة الوداع بعد أن
حمد الله تعالى وأثنى عليه ،
وذكـّر، ووعظ قال : (( ألا
واستوصوا بالنساء خيراً فإنما
هنّ عوانٌ عندكم ، ليس تملكون
منهنّ شيئاً غير ذلك )) (3)
.
وجعل الإحسان إليهنَّ من
سمات المسلمين ذوي الإيمان
الكامل والخلق العالي والشمائل
الحميدة فقال : (( أكمل
المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً (4)
وخياركم خياركم لنسائهم )) (5)
، وقد كان عليه الصلاة
والسلام يمشي فتأتي الفتاة
الصغيرة تأخذ بيده وتكلمه ،
وتنطلق به حيث شاءت ، وهو لا
يخالفها إلى أن تنتهي منه
فتتركه (6)
.
وحدَّد رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ حقَّ المرأة على
زوجها فقال حين سأله أحدهم : يا
رسول الله ما حقُّ زوجة أحدنا
عليه ؟ . أ ـ
(( أن تطعمها إذا طعمْتَ ، ب ـ
وتكسوَها إذا اكتسَيت ، ج ـ ولا تضرب الوجه ، دـ
ولا تقبّحْ (7)
، هـ ـ ولا تهجر إلا في
البيت )) (8)
.
ويقول في حديث آخر : (( ألا
إنَّ لكم على نسائكم حقاً ،
ولنسائكم عليكم حقاً ، فحقُّكم
عليهنَّ أن لا يوطئن فرُشَـكم
من تكرهون ، ولا يأذَنَّ في
بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهنّ
عليكم أن تحسنوا إليهن في
كسوتهن ، وطعامهنّ )) (9)
.
والنساء كالرجال ، فيهنَّ
الصالحة والطالحة ، والمطيعة
والناشزة ، وقد حثّنا رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نتخير
النساء الصالحات زوجات ، ذوات
ِالدين اللواتي يضعن خوف الله
تعالى وابتغاء رضوانه نصب
أعينهنّ ، هؤلاء فقط هنَّ
اللائي يبنين البيوت المسلمة ،
ويربين الأجيال المؤمنة . ولا
يكن هم الزوج البحث عن الجمال
والحسب والمال . . فهذه أمور
تتغير على مرّ الزمن وقد تعود
على الزوج بالحسرة والندامة حين
تدلُّ المرأة على زوجها بإحدى
هذه الصفات الثلاث . قال النبيُّ
ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((
تُنكح المرأةُ لأربع : لمالها ،
ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ،
فاظفر بذات الدين تربت يداك )) (10)
وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
يقول : افتقرت أيها الإنسان إن
لم تفعل ما أرشدتك إليه . ويؤيد
هذا الحديث ما قاله النبيُّ ـ
صلى الله عليه وسلم ـ في المعنى
نفسه : (( لا تزوّجوا النساء
لحسنهن ، فعسى حسنهنَّ أن
يؤذيهُنّ ، ولا تزوّجوهنَّ
لأموالهنّ ، فعسى أموالهنّ أن
يطغيهُنّ ، ولكنْ تزوَّجوهنَّ
على الدين ، ولامرأة جذماءُ (11)
سوداءُ ذات دين أفضل ))
(12)
، وأين الراحة والسعادة في بيت
صاحبته متكبرة تذل زوجها بكثرة
مالها أو جمالها الطاغي تعرضه
على الآخرين حيث ضعف الدين ،
وقلَّ الحياء ، أو بنسبها
الأصيل ومحتدها الشريف . . دين الفتاة سياجها من
حمـأة الزّمن
الرديء ،
وفـي الفسـادِ المُزبـد فاظفر بذات الدين ،
قد نـادى بهـا
طـــه ، رسـول الله دون
تردُّدِ لا تطلبنْ فيها
الجمال ، ولا الجـِدا
أو لا تقل
أرنـو لحُـسـنِ المحتِدِ إن الجمـال بغيـر
ديـنٍ محــنةٌ
والمال
يطغيـها، فلا تسـتبعــدِ والبحثُ عن حسبٍ
لمحـوٍ خسيسةٍ
يرديك في ذلٍّ ، وعيـشٍ
أنـكدِ (14)
.
والنبيُّ ـ صلى الله عليه
وسلم ـ نبّه الرجال إلى أن
المرأة خلقت من ضِلعٍ معوج ، فلا
يُنكر اعوجاجُها ولن يستطيع
الزوج أن يقيمها على الجادة
المستقيمة تماماً ، فهذا وضعها
وشأنها ، والتشديد عليها في ذلك
قد يؤدي إلى الشقاق والفراق .
فإما أن يصبر الزوج على ضعفها
فتستمر العشرة ، وإلا يصبر كان
الطلاق ، وهو - عليه الصلاة
والسلام - يدعونا إلى الترفق
بالنساء ، ومراعاة ضعفهن لنبني
بيتاً مسلماً قائماً على
التفاهم والتراضي فقال : (( إنّ
المرأة خُلقت من ضِلَع ، لن
تستقيم لك على طريقة ، فإن
استمتعت بها استمتعتَ بها وفيها
عِوَج ، وإن ذهبتَ تقيمها
كسرتها ، وكسرها طلاقها )) (15)
فأيُّ الأمرين يختار اللبيبُ
العاقل ؟
وعلى هذا فالمرأة المؤمنة
الصالحة كنزٌ يحافظ الزوج عليه
، وصاحبة ٌ يحرصُ على إكرامها
والإحسان إليها ، وقد يبدو منها
ما يسيء فهي من بنات آدم وحواء ،
مركـّبة كالرجال من النقصان ،
وكل ابن آدم خطّاء ، وخير
الخطائين التوّابون ، فإن بدا
منها ما لا يسر أحياناً فقد بدا
منها أشياء كثيرة تسرُّ ، وترفع
مقامها في عيني الزوج وأهله ،
فلا يحسنُ أن يكرهها الرجل
ويسيء معاملتها ، وأيُّ الناس
معصوم عن الخطأ ؟ . ومَن ذا الذي تُرضى
سجاياه كلها كفى
المرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه (16)
قال النبيُّ ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : (( لا يفرَكْ مؤمنٌ
مؤمنة ً ، إن كره منها خُلُقاً
رضي منها آخرَ
)) أو قال : (( غيرَه )) (17)
.
وحين نهى النبيُّ ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ضرب النساء (( لا
تضربوا إماء الله )) جاء عمر
رضي الله عنه إليه ـ صلى الله
عليه وسلم ـ يقول : (( ذَئِرْنَ
النساء على أزواجهن (18)
فرخّص في ضربهنّ )) (19)
فأطاف بآل رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ نساء كثير يشكون
أزواجهن ، فقال رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ : (( لقد طاف
بآل بيت محمد نساء كثير يشكون
أزواجهنَّ ، ليس أولئك بخياركم
)) (20)
.
فرخّص رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ بضربهنَّ ضرباً
تأديبياً لا يترك أثراً ولا
يصيب الوجه ، ويظهر الغضب فقط
دون أن يؤذي الجسد والنفس معاً ،
إذ كيف يضرب الرجل زوجته أو
يجلدها جلداً مبرّحاً دون رأفة
ولا رحمة وكأنها عبد من عبيده أو
ملك يمينه ، ثمَّ لا يجد حرجاً
في آخر الليل أو آخر يومه أن
ينام معها ؟!! قال ـ صلى الله
عليه وسلم ـ : (( يعمِد أحدكم
فيجلد امرأته جلدَ العبد ،
فلعلّه يضاجعها من آخر يومه )) (21)
وفي رواية للبخاري : (( يجامعها
)) (22)
وكثيراً ما يقع الرجال في هذا
الإثم نسأل الله السداد والرشاد
.
بل إنه ـ صلى الله عليه وسلم
ـ جعل الهجران قبل الضرب فإن لم
ينفع سمح بالضرْب الذي لا يؤذي
ولا يفسد ودّاً ، فإن أقرّت
المرأة بالخطأ فلْيكُفَّ الزوج
عن هجرانها وليمتنع عن ضربها .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((
فإن فعلن فاهجروهنَّ في المضاجع
، واضربوهنَّ ضرباً غير مبرّح ،
فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ
سبيلاً . . . )) (23)
.
والرسول عليه الصلاة
والسلام لم يتجاوز في تأديب
النساء ما قرره القرآن الكريم
الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه حيث قال سبحانه
: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ ) . أ ـ
(فَعِظُوهُنَّ ) . ب ـ
(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ ) . ج ـ
(وَاضْرِبُوهُنَّ ) . د ـ
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ
تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ
سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ
عَلِيًّا كَبِيرًا ) (24)
. (1)
الروم : 21 . (2)
رواه الحاكم برقم ( 211 ) ،
والبهيقي في السنن الكبرى
برقم ( 20239 ) ، وانظر : السلسلة
الصحيحة برقم ( 1015 ) . (3)
العوان : الأسيرات جمع
عانية ، وشبَّهها رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ
بالأسيرة لدخولها تحت حكم
الزوج ، ولا نملك منهن غير
الاستمتاع وحفظ الزوج في ماله
وولده ونفسه ، والحديث أخرجه
الترمذي برقم ( 1163 ) ، وانظر :
آداب الزفاف ص 270 . (4)
وحقيقة حسن الخلق : بذل
المعروف ، وكفُّ الأذى ،
وطلاقة الوجه . (5)
رواه أحمد برقم ( 7354 ، 9756 )
، والترمذي برقم ( 1162 ) ، وقال :
حديث حسن صحيح ، وانظر:
المشكاة برقم ( 3264 ) . (6)
روى أنس رضي الله عنه قال :
إن كانت الأمَةُ من إماء
المدينة لتأخذ بيد النبيِّ ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، فتنطلق
به حيث شاءت . رواه البخاري
برقم ( 6072 ) ، وأحمد برقم ( 11530 )
وغيرهما .
(7)
لا تقبح : لا تقل قبَّحك
الله ، لا تشتم ولا تهجرها
خارج البيت لتحفظ مكانتها بين
الناس . (8)
رواه أحمد برقم ( 19511 ، 19523 )
، وأبو داود برقم ( 2142 ، 2144 ) ،
وابن ماجه برقم ( 1850 ) ، وانظر :
المشكاة برقم
( 3259 ) . (9)
رواه الترمذي برقم ( 1163 ،
3087 ) ، وابن ماجه برقم ( 1851 ) ،
وانظر : آداب الزفاف للشيخ
الألباني ص 270 . (10)
رواه البخاري برقم ( 5090 ) ،
ومسلم برقم ( 1466 ) ، وأحمد برقم
( 9237 ) ، وأبو داود برقم ( 2047 )
وغيرهم . (11)
جذماء : مقطوعة اليد ، أو
شوهاء الخلقة . (12)
رواه ابن ماجه برقم ( 1859 ) ،
وعبد بن حميد في مسنده برقم (
328 ) ، والبزاز برقم ( 2438 ) ،
والبيهقي في السنن الكبرى
برقم ( 13247 ) . (14)
الأبيات للمؤلف من ديوانه
الثالث ، وهو مخطوط . (15)
رواه البخاري برقم ( 3331 ) ،
ومسلم برقم ( 1468 ) واللفظ له . (16)
البيت للشاعر العباسي
بشار بن برد . (17)
رواه مسلم برقم ( 1469 ) ،
وأحمد برقم ( 8163 ) . (18)
ذئرن : اجترأن على أزواجهن
. (19)
لم يكن رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ يضرب نساءه ،
إنما اكتفى بالهجر . (20)
رواه أبو داود برقم ( 2146 ) ،
وابن ماجه برقم ( 1985 ) ،
والدرامي برقم ( 2219 ) ، وانظر :
المشكاة برقم ( 3261 ) . (21)
رواه البخاري برقم ( 4942 ) ،
ومسلم برقم (2855 ) ، وأحمد برقم (
15788 ) ، والترمذي برقم ( 3343 )
وغيرهم . (22)
برقم ( 5204 ) . (23)
رواه الترمذي برقم ( 1161 ،
3087 ) ، وابن ماجه برقم ( 1851 ) ،
وانظر : آداب الزفاف ص 270 . (24)
النساء : 34 . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |