-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
استحواذ
الغرب على أسباب القوة وعرقلة
تطوّر الآخرين د.
بوفلجة غيات لقد
ولى زمن كان فيه الإعتقاد بأن
التطور العلمي حق أساسي لكل
الدّول والشعوب، وأن الدّول
المتقدمة تتطور وتفتخر
بتقدمها، وهي تشجع الآخرين،
وخاصة الدّول النامية على
التطور بدورها وأنها تساعدها
على ذلك. إلا
أن الوقائع على الأرض، أثبتت
حقيقة الأمر، أن الدول الغربية
لا تساعد الدول النامية على
التطوّر والتقدم من أجل
الإعتماد على نفسها، وبالتالي
الإستقلال عنها والمساهمة في
بناء الحضارة الإنسانية. حيث
أن الصراعات التي زادت حدّتها
مع نهاية القرن العشرين وبداية
القرن الواحد والعشرين، أثبتت
أن الدول الغربية تريد أن يبقى
التطوّر والتقدّم حكرا عليها،
وأنه لا يسمح لشعوب الدول
النامية، وخاصة الدول العربية
والإسلامية امتلاك تكنولوجيا
متطورة، في بعض الصناعات
الحساسة، كتكنولوجيا الذرة،
والصناعات الميكانيكية
والإلكترونية المتطورة ذات
الإستعمالات المتنوعة. بل
أكثر من ذلك أنها تسعى لعرقلة أي
تطوّر تكنولوجي واختراق علمي
مهم، وهو ما شاهدناه من استنكار
وتعبير عن القلق عند تجريب
إيران الإسلامية لأي نوع جديد
من الأسلحة، أو حتى الإنجازات
العلمية والتكنولوجية التي
اعتادت على الإعلان عنها دوريا. وهكذا
نلاحظ وجود مجالات علمية
وتكنولوجية يريد الغرب أن تكون
تبقى حكرا على الدول الغربية
وحليفاتها، ممنوعة عن الدول
العربية والإسلامية، بل حتى على
دول أخرى لا تدور في فلك الغرب. مجالات
ممنوعة على الدول العربية
والإسلامية: رغم
الحرية المظهرية التي تتمتع بها
الدول العربية والإسلامية، إلا
أن هناك مجالات محظور عليها
امتلاكها، كالتكنولوجيات
المتطورة، ومنها تكنولوجيات
الفضاء، وتكنولوجيا الذرة،
والحصول على الطاقة النووية. -
التكنولوجيا الميكانيكية: تعمل
القوى الغربية بكل السبل على
عرقلة الدول الإسلامية عن
امتلاك قدرات صناعية
وتكنولوجية، تسمح لها باكتساب
استقلاليتها، عن الدول الغربية
المصنعة، وليس بغريب أنها السبب
الرئيسي لعدم تمكن الجامعة
العربية من إيجاد تعاون وتقارب
سياسي وتجاري وصناعي بين
أعضائها، بل أن القوى الغربية
تعمل على إطالة الوضع الحالي
للدول العربية، المتسم بالضعف
والتخلف. وقد
قامت الجزائر بعدة محاولات خلال
الربع الأخير من القرن العشرين،
لجلب شركات أجنبية لتركيب
السيارات في بلادها، منها
محاولاتها مع شركتي "رونو"
الفرنسية، و"فيات"
الإيطالية، ومع ذلك فشلت كل
المحاولات، وانسحبت الشركتان
من تجسيد المشروعين بعد
الموافقة والشروع في الإنجاز،
رغم التشجيعات والتنازلات التي
قدمتها الدولة الجزائرية. وهو
ما جعل الرئيس الجزائري عبد
العزيز بوتفليقة في أحد زياراته
إلى إيطاليا يصرح ساخرا
ب"أننا نريد مجرد تركيب سيارة
على أراضينا، وليس امتلاك أسلحة
الدمار الشامل". الشيء
نفسه وقع بالنسبة لصناعة
الطائرات والمروحيات
بأندونيسيا، حيث فرض عليها حصار
لمنع تموينها من قطع الغيار
وتصنيعها. كلّ
ذلك دليل على وجود حصار على
الدّول العربية والإسلامية،
ومنعها من امتلاك صناعات
ميكانيكية متطورة، حتى ولو كانت
لأغراض مدنية. -
تكنولوجيا الفضاء: إن الحصار
مفروض على الدول العربية في
مجالات، مثل صناعة صواريخ،
وإرسالها إلى الفضاء، سواء
لأسباب مدنية أو عسكرية، وهي
عمليات غير مسموح بها بالنسبة
للدول العربية والإسلامية. أما
الدول الغربية فتعتز وتفتخر
أنها ترسل صواريخ إلى الفضاء
الخارجي، بل وتبني محطات مدارية
وفضائية دائمة بها. والمتتبع
للأحداث السياسية يشاهد ردود
أفعال الدول الغربية عند تجريب
إيران لإطلاق صواريخ إلى
الفضاء، ونفس الشيء مع كوريا
الشمالية. لذلك أن الغرب يعتبر
تكنولوجيا الفضاء حكرا عليه،
وهو لا يسمح للعرب والمسلمين
بامتلاكها. -
تكنولوجيا الذرة: من الممنوعات
على الدول العربية والإسلامية
أيضا، امتلاك القدرات النووية،
ولو كانت مدنية. وقد تم تحطيم
العراق، بسبب اتهامه بامتلاك
أسلحة الدمار الشامل، أو ربما
سعى إلى امتلاكها، أو أنه حتى
حلم بامتلاكها، فحق عليه القول
ووقع عليه التدمير. ونفس
الشيء بالنسبة لليبيا التي عانت
من الحصار والإعتداءات
العسكرية بسبب برنامجها النووي
الذي تمّ إحباطه في النهاية.
وليس بغريب أن كل الأحداث
الأمنية التي حصلت في الجزائر
بسبب امتلاكها لمفاعلين
تجريبيين، وعلميين رغبة في
التحكم في تكنولوجيا الذرة
لأهداف مدنية. مَن
الذين يتوجب منعهم من امتلاك
أسلحة الدمار الشامل؟ إن
التساؤل المطروح هو الأسباب
الحقيقية وراء الحصار ومنع
العرب والمسلمين عموما، من
امتلاك تكنولوجيا الذرة، رغم
كونهم مسالمين. إذ
الذين كانوا سببا في الحروب
الكبرى في العالم لم يكونوا
عربا ولا مسلمين، بل كانوا
دائما أوروبيين، إلى جانب
الولايات المتحدة الأمريكية. فالحروب
الإستعمارية قام بها
الأوروبيون، وراح ضحيتها
الأبرياء من العرب والأفارقة
والأسيويين والسكان الأصليين
لأمريكا الجنوبية. كما
أن الفاشيون والنازيون كانوا من
أوروبا، والحربان العالميتان
كانتا من طرف دول أوروبية مع
تدخل الولايات المتحدة في
مجراها، إلى جانب اليابان. وقد
أسقطت الولايات المتحدة
الأمريكية، قنابل نووية على كل
من هيروشيما وناكازاكي، وراح
ضحيتها عشرات الآلاف من
المدنيين الأبرياء. أما
الحرب الهندو- صينية، في
الفيتنام وكوريا وكمبوديا
ولاوس، فكانت نتيجة تدخل
الفرنسيين والأمريكيين في تلك
المنطقة، والتي راح ضحيتها
ملايين من الأبرياء. كما
نرقب الحرب الحالية في فلسطين
وأفغانستان والعراق، وغيرها من
الأماكن الساخنة في العالم،
وكلّها بسبب تدخل الولايات
المتحدة الأمريكية وحلفائها من
الغربيين، سرّا أو علانية،
لزعزعة استقرار أنظمة الدول
التي لا تستجيب لها في تحقيق
أهدافها، وترفض بسط هيمنتها
عليها. وهكذا
نلاحظ غالبية متاعب العالم
وحروبه ومآسيه، سببها سياسة
الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها. مع
ذلك فهي تسمح لنفسها بامتلاك
الأسلحة النووية والكيميائية
والجرثومية، وغيرها من الأسلحة
الفتاكة. في حين أنها تمنع
الشعوب المغلوبة على أمرها، حتى
بمجرّد الحلم بامتلاك
التكنولوجيا المتطورة، بما في
ذلك الصناعية والسلمية منها،
فما بالك بالتكنولوجيا
العسكرية. في
حين، أنه كان بالأحرى بالأمم
المتحدة، والمؤسسات التابعة
لها، منع الدول التي كانت سببا
لمآسي العالم من امتلاك تلك
الأسلحة، وتجريدها منها إن كانت
بحوزتها. وذلك عوض منع الدول
المسالمة، التي لم تدخل حروبا
استعمارية، ولم تمتلك ولم
تستعمل أسلحة الدمار الشامل،
مثل الدول العربية التي يقيم
العالم الغربي حصارا ضد
امتلاكها لأي تكنولوجيا متطورة. نفس
الشيء قد يحصل بالنسبة لإيران،
حيث الضغوط والتهديدات
المتزايدة، وللغرب القوة
والنفس الطويل الذي يسمح لها
بالإبقاء على الضغوط وهي في
تزايد مستمر. وهكذا يتضح ترسيخ
منطق عالمي يسمح للدول الصناعية
بامتلاك كلّ التكنولوجيات، بما
في ذلك تكنولوجيا الذرة،
المدنية منها والعسكرية، في حين
تمنع الآخرين من امتلاكها. وهكذا،
فإن قيام إيران بتجارب على
أسلحتها، عمليات تقلق غالبية
دول العالم بسبب هذه الإنجازات.
في حين أن تجريب الغرب وإسرائيل
والهند وروسيا لأسلحتهم
الفتاكة والخطيرة،
يعتبرونها إنجازات علمية.
كما تعاني كوريا الشمالية أيضا
من ضغوط سياسية واقتصادية
وإعلامية، لأنها جرّبت صواريخ
بعيدة المدى. وعلينا تصور قيام
دولة عربية بإجراء تجربة
صاروخية، أو أنها حققت إنجازا
علميا معتبرا، لقامت الدنيا ولم
تقعد. لقد
آن الأوان لكي تقوم الدّول
العربية والإسلامية باستخلاص
الدروس والعبر، والإعتماد على
نفسها لإيجاد قاعدة علمية
وصناعية متنوعة وقوية. فليس من
الحكمة القفز مباشرة إلى صناعة
أسلحة متطورة، وصواريخ عابرة
للقارات، وأسلحة ذرية، في وقت
تعاني فيه مجتمعاتها من الفقر
والحرمان والجهل والمرض، ولا
تستطيع الدولة تأمين أمنها
الغذائي، ولا صناعة حتى مسدس
ولا حتى بندقية، أو دراجة نارية.
ذلك أنه يجب التدرج في التطور
والتقدم وعدم حرق المراحل
والخطوات. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |