-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
يحاكم إرهاب الديمقراطيات
الغربية ؟ ولاء
سعيد السامرائي افتتح الغرب الديمقراطي
القرن العشرين بالحرب العالمية
الأولي التي نشرتها دول الحلفاء
علي العالم عنوة مثلما يفتتح
نفس هذا الغرب القرن الحادي
والعشرين بالحرب الشاملة علي
المنطقة مبتدئا بالعالم
الإسلامي والعربي, أفغانستان
والعراق. كانت الحرب العالمية
الأولي تبيت لمعاهدة سايكس ـ
بيكو وهذه الحرب الجديدة تعلن
بصفاقة عن رغبتها في إعادة
ترسيم الشرق الأوسط الكبير ـ من
النيل إلى الفرات ـ بحسب رغبات
واشنطن وتل أبيب. لقد استعمل تعبير
الديمقراطيات الغربية بكثرة مع
تصاعد الحرب الباردة بين
القطبين الاتحاد السوفييتي
والولايات المتحدة وحلفائها في
معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)
بعد الحرب العالمية الثانية.
وهو ما يزال يستعمل رغم أن هذه
الدول شنت حروبا طاحنة كلفت
البشرية بدءا بأوروبا الملايين
من القتلى من العسكريين
والمدنيين. فقد قتل في الحرب
الأولي التي تسميها الأدبيات
الأوروبية الانكليزية
والفرنسية خاصة بالمجزرة أكثر
من عشرة ملايين بين قتيل وجريح
من العسكريين ومقتل عشرة ملايين
من المدنيين جراء العمليات
العسكرية. وشارك في الحرب
الثانية 92 مليون عسكري ومجند
مدني من النساء والرجال. أما
الخسائر فهي تتراوح بين 35 ـ 60
مليون قتيل بضمنها المدنيون،
دون حساب الخسائر الاقتصادية
وتدمير الدول والهويات الوطنية
لبعض الدول وتفكيكها علي أسس
عرقية وأيديولوجية. وبعد حربين
إباديتين لهذا الغرب نالت
مجازره الجزائر والهند الصينية
وفييتنام لتضاف إلى قائمة
القتلى عدة ملايين أخرى ينام
الغرب عليها مرتاح الضمير وهانئ
البال. لكن العجيب أن أياً من
عسكريي هذه الدول والمخططين
لهذه الحروب والإبادات
والمجازر التي يتباكي الغرب
اليوم علي الدفاع عنها في
العراق وفلسطين ودارفور وإيران
لم يحالوا إلى محاكم، وإذا
أحيلوا مثلما حدث للجنرالات
الألمان من كايتل إلى غورنغ
وشوليتز وكيسلرنغ ودونتز فإن
هؤلاء قد عوملوا معاملة أسري
حرب ولم يعذبوا علي طريقة أبو
غريب أو غوانتنامو رغم إبادتهم
لليهود أو لغير اليهود
ولإعلانهم الحرب علي أوروبا
والعالم. بل لقد أعيد استخدام
الجلادين من النازيين في مساعدة
الجيش الأمريكي سواء في أمريكا
اللاتينية أو في حروب ومجازر
أخرى لتمكنهم من تكنولوجيا
التعذيب والإبادة، مما دعا
الكيان الصهيوني أحيانا
لمتابعتهم والقصاص منهم. كذلك لم نسمع أن
العسكريين الأمريكيين الذين
أبادوا ثلاثة ملايين فييتنامي
قد واجهوا المحاكم العسكرية ولا
يأتي الإعلام علي سيرتهم ولا
التاريخ الذي يدرس في المدارس
للطلاب في هذه الدول. ورغم إبادة
مليون ونصف مليون جزائري في حرب
التحرير علي يد الجيش الفرنسي
ووجود الوثائق التي تشهد علي
إبادات جماعية ومقابر جماعية في
معظم المدن الجزائرية منها
مدينة سطيف وسعيدة وغيرها
اللتين عرفتا مجزرتين قتل فيهما
45 ألف جزائري عام 1945 في يوم
الانتصار علي النازية. وقد رفض
نيكولا سركوزي الرئيس الجديد
الاعتذار الذي تطالب به الجزائر
عن حقبة الاستعمار التي دامت 130
عاما، قائلا انه يفتخر بتاريخ
فرنسا كله بمعني الاستعماري منه
المرافق للإبادة الجماعية
للبشر. واستنكارا لهذا الموقف
استقالت مجموعة من المؤرخين
الفرنسيين المرموقين من
وظائفها في احد مراكز التوثيق
للهجرة احتجاجا علي المعايير
المتناقضة لنفس المكاييل. هذا التناقض الأخير
والصارخ تمارسه الديمقراطيات
علي مواطنيها ممن أجرموا سواء
بحق شعوبهم أو بحق الآخرين فلقد
تساهل القضاء مع رينيه بوسكيه -
موظف كبير يعينه رئيس الجمهورية
- تحت الاحتلال الألماني والذي
ساعد النازيين في ملاحقة
المقاومين الفرنسيين وشارك كما
تقول الوثائق الفرنسية بتهجير
يهود فرنسا-فال ديف- إلى معسكرات
الاعتقال النازية في ألمانيا،
وقد زورت له شهادات بمساعدة
المقاومة الفرنسية وحكم عليه
بعد نهاية الحرب حكما مخففا لم
يؤثر علي استمراره بالوظيفة
وبقي إلى النهاية صديقا حميما
للرئيس فرانسوا ميتران قبل أن
يغتال لكي لا تحاكمه الجمعيات
اليهودية في فرنسا ويفضح عملاء
الألمان. ومن الأمثلة الفرنسية
الأخرى والصارخة هو مثل الجنرال
أوساريس الذي اعترف بممارسته
التعذيب للجزائريين مع الضباط
الفرنسيين وقد قوبلت اعترافاته
بالاستهجان لأساءتها لتاريخ
فرنسا والجيش الفرنسي
واستهجنته بالأخص مجموعة
المحافظين الجدد الفرنسيين
الذين يرفضون اعتذار فرنسا
للعرب في الجزائر متحججين بان
فرنسا قد جلبت الحضارة للجزائر.
كما يتضح اليوم دور المرتزقة
الفرنسيين في مجازر رواندا في
أفريقيا التي حدثت قبل سنوات
وهنا لم نسمع كلمة من وزير
الخارجية برنار كوشنير صاحب (حق
التدخل الذي اخذ به مجلس الأمن
فيما بعد لإنشاء محكمة العدل
الدولية) في شؤون الدول لأسباب
إنسانية ولم نسمع منه أي كلمة
تخص الفلسطينيين ولا العراقيين.
كذلك لم تتحمس لا الولايات
المتحدة صديقة الجنرال بينوشيه
ولا حليفاتها الديمقراطية في
أوروبا لمحاكمة الدكتاتور
بينوشيه الذي أزاح بمجزرة رهيبة
نظام الرئيس الشيلي سلفادور
اليندي من الحكم بالتعاون مع
المخابرات الأمريكية وبعون قوي
من نيغروبونتي صاحب فكرة فرق
الموت. وضغطت الولايات المتحدة
علي بلجيكا قبل بضع سنوات لتغير
احد قوانينها الذي يسمح لأي
إنسان برفع دعوي ضد انتهاكات
حقوق الإنسان. وهكذا فلت شارون
جزار صبرا وشاتيلا وعدد من
العسكريين الإسرائيليين من
الوقوف أمام محاكم في بلجيكا
وأخري في بريطانيا ممن تنطبق
عليهم قوانين جرائم الحرب
والجرائم ضد الإنسانية. لقد كان
الإعلام الغربي خجلا للتعرض
لبينوشيه أو لبوب دينار ـ مرتزق
فرنسي وتاجر سلاح في أفريقيا ـ
ولبوسكيه وحتى مع سلوبودان
ميلوفيتس ولم تنظم الحملات
الدعائية مثلما نظمت حول دول
أخري مثل العراق وفلسطين ولبنان
وإيران ورؤساء أو شخصيات عربية
وإسلامية. لقد شن الإعلام
الفرنسي من بينها صحيفة
اللوموند في عهد جان ماري
كولمباني والقنوات التلفزيونية
ومراكز معروفه في باريس حملة
تشهير ضد الشهيد ياسر عرفات
بالتنسيق مع تل أبيب للإساءة
إلى سمعته وجعله شخصا غير مرغوب
للتفاوض والتحاور مع الجانب
الغربي. والإعلام الغربي له
مشاركة تامة في بروباغندا
الولايات المتحدة وتسويق
اعتدائها علي العراق وما تزال
مثلا القنوات الفرنسية والصحف
لحد الآن لم تكتب كلمة احتلال
بشأن الوجود الأمريكي في العراق.
الإعلام الغربي لم يقل كلمة
واحدة حول اعتبار غزة ذات
المليون ونصف فلسطيني كيانا
معاديا وفرض الحصار علي المدينة
مثلما لم يقل الكثير حول حصار
الشعب العراقي لمدة ثلاثة عشر
عاما. ونفس هذا الإعلام لا
يتردد بالتشهير بأي ناشط يحاول
فضح الحقائق التي تريد بعض
الأوساط السياسية طمسها مثل
المحامي المعروف جاك فيرجس الذي
ترافع في الثمانينات عن احد
ضباط الشرطة السياسية
الألمانية في فرنسا كلاوس باربي
إبان فترة الاحتلال لفرنسا. في محكمة نورمبرغ التي
شكلت بعد هزيمة ألمانيا ودول
المحور لمحاكمة قادة الجيش
الألماني عرفت جرائم الحرب
والجرائم ضد الإنسانية وكان
عملا مهما لمحاكمة من اقترفها.
وقد تم لأول مرة في التاريخ
تشريع مفهوم الإبادة الذي شمل
يهود أوروبا المعتقلين في
المعسكرات النازية والغجر
وأدين بضوئه كل القادة الألمان
بعقوبة الموت. ولو طبقنا اليوم
مفهوم الإبادة بحسب ما جري
ويجري للشعب الفلسطيني من
التهجير ورفض عودة اللاجئين
وتجريف المدن القديمة وسرقة
التراث والثقافة وإنكار الهوية
الفلسطينية للشعب الفلسطيني
واعتبارها أسطورة بحسب كتابات
شلومو بن عامي وزير الدفاع
السابق، فان هذا المفهوم يتطابق
كليا مع تعريف محكمة نورمبرغ
لمفهوم الإبادة وكذلك ينطبق علي
الجرائم المقترفة في العراق منذ
2003 ومقتل 1,800,000 مدني عراقي
وتهجير 5 ملايين، والقائمة ما
تزال لحرب لم تنته بعد. أليست
هذه جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية بالمعايير التي
وضعتها الديمقراطيات الغربية
في محكمة نورمبرغ؟ أن هذه الدول التي
يجمعها التاريخ الاستعماري
الإبادي ابتداء بشعب الهنود
الحمر إلى كل الحروب التالية
والحربين العالميتين وحروب
الهند الصينية والجزائر وحروب
أخري مارست التعذيب بشكل واسع
ومنظم، مارست التعذيب ضد من
تعتقد أن لديه معلومات تفيد
تقدم مجري الحرب وهكذا فعل
كلاوس باربي الألماني في مدينة
ليون الفرنسية مع قائد المقاومة
جان مولان الذي مات تحت التعذيب
فيما بعد. وكذلك فعل الجيش
الفرنسي في الجزائر مع جميلة
بوحيرد احدي النساء المقاومات
التي عذبها الفرنسيون لكي تعترف
ضد رفاقها. لكن ما يفعله الجيش
الأمريكي مع مستشاريه الصهاينة
اليوم في العراق في سجون مثل أبو
غريب وعشرات غيرها بناها
الاحتلال منذ أن وطأت جزمه بلاد
الرافدين لا يمكن إلا أن يكون ما
صورته هوليوود في أفلام ممتازة
للتعذيب الذي كان النازيون
يمارسونه علي ضحاياهم وصورته
علي أنه نوع من الشذوذ الجنسي
والعقلي. واليوم نري أن بعض
الديمقراطيات الغربية خصوصا
الولايات المتحدة وحليفاتها في
المنطقة تعيد الاعتبار والهيبة
لهذه الممارسات في فلسطين
والعراق وغوانتنامو. فمن الذي
يحاكم هذه الديمقراطيات ويقتص
لملايين الضحايا وانتهاكات
حقوق الإنسان ؟ ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |