-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الجريمة
والعقاب ! قراءة
في الموقف الأوروبي من تقرير
غولدستون صبري
حجير* بغضِ النظر
عن الدراما السياسية التي وضعنا
بها سحب تقرير غولدستون عن منصة
البحث ، وما رافق هذا السحب من
معارك سياسية وإعلامية ،
وتجاذبات عصفت في الساحة
الفلسطينية ، كانت جبهته الأوسع
والأشمل الشارع الفلسطيني في
الوطن المحتل والشتات ،
بمكوناته الجماهيرية والمدنية
والإنسانية
، والقوى الفصائلية
الفلسطينية بما فيها قيادات
وقواعد حركة فتح ، وعلى الجانب
الآخر ، رئاسة السلطة
الفلسطينية ، التي بدت منعزلة
ومرتبكة ومضطربة ، حاولت حرف
اتجاه المعركة الى اتجاهات
جديدة ضدّ حركة حماس ، في موضوع
التوقيع على الورقة المصرية
للمصالحة الفلسطينية ، ويبدو أنها
نجحت الى حدّ ما في هذا ، لأنها
استطاعت أن توظف هذه المعركة في
كسب قيادات وقواعد من فتح ، في
هذا المضوع الحساس والدقيق الذي
يلامس مشاعر الشعب الفلسطيني
وأحاسيسه الوطنية . الموضوع
الأساسي الذي أشعل المعركة ،
موضوع سحب تقرير
غولدستون وإعادة طرحه من جديد
في 16 تشرين الأول أكتوبر2009 على
مجلس حقوق الإنسان في جنيف ،
وإقراره بأغلبية كبيرة ،
بموافقة 25 دولة . أخذت
تداعيات تقرير غولدستون تظهر
على الجانب الصهيوني ، كما
أظهرت جلسة اجتماع مجلس الوزراء
الصهيوني يوم الأحد 18 – أكتوبر
الجاري –
مدى
الإرباك والرعب الذي أصاب
الحكومة الصهيونية ، والذي بدا
واضحاً من خلال تصريحات نتنياهو
وعدد من وزرائه . نتنياهو حاول
رفع معنويات الصهاينة ، حيثُ
أشار في تصريحاته أعقاب جلسة
حكومته " أنه سوف يخوض معركة
دبلوماسية طويلة الأمد ضدّ ذلك
التقرير واسقاط الشرعية
القانونية عن ( الإتهامات ) التي
أدانت اسرائيل في مجلس حقوق
الإنسان في جنيف ! تقفُ الحكومة
الصهيونية إذاً وجهاً لوجه أمام
متغيرٍ دوليٍّ جديدٍ ، وفي
تصادم مع جبهة مدنية عالمية ،
تنصفُ الى حدّ ما الحقوق
الإنسانية للشعب الفلسطيني ،
وتضع المجرمين الصهاينة أمام
مقصلة القوانين الإنسانية بعد
استهتار وامتهان للقيم
الإنسانية دام طويلاً ، وتأصل
في نفوسهم ، بناءً
على موروث ثقافي عنصري مستمدٌ
من نصوص أسفار العهد القديم
المزور والمحرّف التي
تدعوهم الى القيام بكل أساليب
القتل والوحشية والإبادة
الكاملة للأغيار ، وبناءً على
ما تختزنه نفوسهم في تكوين
شخصيتهم المعبأة بأمراض عنصرية
ودموية ، ونفسية توسعية ،
وروح عدائية للآخرين ! ما يجدر
ملاحظته أنّ الدول الأوروبية
المشاركة في مجلس حقوق الإنسان
بجنيف مارست عملية خلط واضحة
بين سلوكها السياسي من جهة ،
وبين شعاراتها المبدئية في حقوق
الإنسان من جهة أخرى ، في محاولة
لإجهاض التقرير ، وهو ما يكشف ،
بما لا يدع مجالاً للشك ، أن مساهمتها
في صياغة مبادئ حقوق الإنسان ،
عبر التارخ المعاصر ، كانت
مساهمة سياسية أكثر منها مساهمة
أخلاقية وفكرية ، تعبر عن
واقعها الفكري وفلسفتها تجاه
حقوق الإنسان ، فأثبتت في موضوع
غولدستون انها في هذا الميزان
القيمي ، مارست ازدواجية في
المعايير بشكل لا إنساني ، وهذا
ما يتوافق مع رأي الفيلسوف
الفرنسي ( فوكو ) الذي وصف عصر
التنوير في أوروبا
بأنّه لم يخلف أنواراً بقدر
ما يخلف قيوداً وأغلالا ! . فمعظم
الدول الأوروبية امتنعت عن
التصويت ، بدلا من التصويت الى
جانب التقرير وفاءً لمباديء
حقوق الإنسان ، واستجابة لرغبات
المجتمع المدني الأوروبي الذي
غصّت فيه الشوارع والساحات ،
أثناء العدوان الصهيوني على
قطاع غزة ، بقيت الحكومات
الأوروبية مرتهنة بعقدة معاداة
السامية ! منذ جولة
نيتنياهو الأخيرة الى بعض الدول
الأوروبية ، إضافة الى اتصالاته
على الخطوط
الساخنة ، التي
أجراها مع الرؤساء
الأوروبيين ، قُبيلَ جلسة مجلس
حقوق الإنسان في جنيف ، تسود
أوروبا مناخات مضطربة اتجاه
حكومة نتنياهو المتطرفة ، بسبب
موقفها الرافض لوقف الإستيطان ،
وممارساتها القمعية في القدس
الشرقية ، تبشر بتداعيات باتت
شبه متوقعة ، قد يكون لها تأثيرٌ
واضحً على المكونات المشتركة
للنظام الأوروبي الموحد
ومؤسساته ( الإتحاد الأوروبي )
ما يحققُ بالضرورة توجهاً
أوروبياً مغايراً لما كانت
تتخذهُ الحكومات الأوروبية ، في
مواقفها اتجاه الإعتداءات
الإسرائيلية الوحشية على الشعب
الفلسطيني ، وقد ترتسم صورة
لتحولات استراتيجية أوروبية
مغايرة تلبي الى حدّ ما اتجاهات
الرأي الأوروبي ، وهو ما يستوجب
أن يتحقق مسبقاً ظهور حركة
تغيرات في المواقف العربية
والفلسطينية ، مما قد يؤدي الى
تغييرات سياسية أوروبية في
المواقف إذاء الحصار المضروب
على قطاع غزّة ، وإذاء القضية
الفلسطينية ، بما يجعل
الأوروبيين أكثر تحررا من عقدة
معاداة السامية ، فالمناخ
السياسي الأوروبي يتقدم الى
المنطقة العربية بناءً على ما
تحققه قوة التفاعلات السياسية
العربية ، وعلى ما تقتضيه
المصالح الأوروبية ، وبما يؤمن
حماية أمن ( اسرائيل ) ، بالتوازي
مع وقع الحركة الأمريكية
المتثاقلة بخطوات جورج ميتشل ! حسب تصريحات
نتياهو وأعضاء حكومته الداعية
الى حرب دبلوماسية شرسة ، فإن
معركة إيصال تقرير غولدستون الى
المحكمة الجنائية الدولية
بحاجة ، أولا وقبل أي شيء آخر ،
الى توافق في الجانب الفلسطيني
على حتمية مواصلة المعركة
السياسية والقانونية
والانسانية ، ومن ثمّ تضافر
جهود المجموعة العربية
والإسلامية ودول عدم الإنحياز
في دعم واسناد الموقف الفلسطيني
والإنساني ، إضافة الى تحرك
فاعل وقوي من مجموعات الضغط
المدنية والسياسية في أوروبا ،
ومنظمات حقوق الإنسان العالمية
. وهو ما يستوجب حركة جماهيرية
فلسطينية وعربية واسلامية في
أوروبا ناشطة ، حركة واسعة
ومنظمة ، تستطيع استنهاض مؤسسات
المجتمع المدني الأوروبي ،
واستحضار الضمير والقيم
الأوروبية الإنسانية ،
والتأكيد على عوامل التضامن
المشتركة في مواجهة الحكومات
الأوروبية ، وإظهار مدى
التطواطؤ على القيم الإنسانية
التي مارستها تلك الحكومات ، في
وقوفها السلبي تجاه تقرير
غولدستون . ـــــــــ *كاتب
فلسطيني مقيم في السويد ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |