بقلم : عاهد ناصرالدين- فلسطين

رحم الله مجير الدين الحنبلي الذي ألف كتاب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ) فهما مدينتان لا تنفصل الواحدة عن شقيقتها,ورحم الله أبا جعفر المنصور الذي جعل بغداد عاصمة للخلافة الإسلامية،ورحم الله هارون الرشيد الذي عُرفت بغداد باسمه . 

إن للقدس مكانة كبيرة في نفوس المسلمين ؛ففيها المسجد الأقصى الذي ارتبط بالمسجد الحرام قبلة المسلمين ،وفتحت فتحا  قرآنيا في حادثة الإسراء والمعراج {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الإسراء 1، وفتحت فتح جهاد على يد الخليفة عمر بن الخطاب الذي نال شرف تسلم مفاتيحها بنفسه،وهي من البلاد التي لا تُشد الرحال إلا إليها ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد:المسجد الحرام،ومسجدي هذا،والمسجد الأقصى"رواه الشيخان والخليل لها مكانتها الكبيرة ؛ فيها المسجد الإبراهيمي المرتبط بإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن .

 ما أعظمك يا قدس !

ما أعظمك يا خليل الرحمن !

ما أعظمك يا بغداد الرشيد !

سقطت فلسطين وضاع المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي واحتُّل العراق وسائر بلاد المسلمين وارتُكِبت المجازر في كل من المسجد الأقصى والإبراهيمي وبغداد ؛ فالقدس تستصرخ وشقيقتها الخليل تشتكي كما بغداد الشقيقة الثالثة من احتلال يهود وأميركا .

في المسجد الأقصى وقف المصلون رافضين دخول وزير الخارجية المصري أحمد ماهر ويعلو صوت قائلا : " لا أهلا ولا سهلا ولا مرحبا بمن يشارك القتلة ويشارك ويرحب بذباحي المسلمين , لا أهلا ولا سهلا ولا مرحبا بك في بيت الله "،وفي بغداد الرشيد يقذف منتصر الزيدي بحذائه الرئيس الأميركي بوش ،وفي المسجد الإبراهيمي يصرخ رجل محتجا على  توني بلير مبعوث الإتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط  وصائحا 'أنت إرهابي'. وقائلا 'غير مرحب به (بلير) في أرض فلسطين'.

وكما أورد القدس العربي "ويكره الكثير من العرب بلير (56 عاما) لتأييده غزو العراق عام 2003 وصمته أثناء الحرب الاسرائيلية في لبنان عام 2006 ضد حركة حزب الله وما يرون أنه انحياز من جانبه لاسرائيل خلال فترة توليه رئاسة الوزراء في بريطانيا" . 

القدس والخليل وبغداد أخوات شقيقات شاكيات الظلم والإحتلال والقتل والتآمر ، وإنها رسائل قوية وصرخات مدوية  تنبعث  إلى أمريكا وبريطانيا ومن يساندهما  كلها تبين وبوضوح رفض الأجنبي والمحتل مهما قدم من مساعدات ، ذلك أن الحقيقة قد ظهرت وبانت والشمس لا تُغطى بغربال ، وآن الأوان لترتفع الأصوات المستنكرة والشاكية .        

إنه وإن وقعت أمة الإسلام في مآزق وصدمات ونكبات فسقطت صريعة لها هنيهات ولكنها سرعان ما أفاقت من هول الصدمة فعادت إلى رشدها ، وهاهي الأصوات ترتفع في كل بلاد العالم الإسلامي تأبى الظلم والذلة والمهانة مدركة أن الأمة إن أسلمت قضاياهم لغير أهلها لن تعود لها عزتها وكرامتها {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141

تتوالى العواصف  والأعاصير  على  الأمة الإسلامية في كل وقت وحين  بغزو عسكري تارة وبغزو ثقافي تارة أخرى  ، وفي  التاسع من نيسان  عام 2003م   سقطت بغداد، وسقط معها نظام  حاكم العراق ، ولم يكن  التاسع من  نيسان عام 2003م جحيماً خانقاً على  أهل  العراق فحسب ، بل على الأمة الإسلامية إذ ضيع تاريخهم وبعثر ثقافتهم وشردهم .

لقد سقطت بغداد يوم ضاعت فلسطين ويوم سقطت البوصلة السياسية  التي كانت تسير وراءها الأمة الإسلامية في سابق عهدها أيام الخلافة الإسلامية ، وعندما تفقد الأمة وحكامُها الإرادة السياسية وتصبح رهينة بأيدي أعدائها فإنها تخسر كل شيء ، ولن تكون قادرة على استعادة ما تفقده ، وبعدم وجود البوصلة السياسية  التي تحدد خط السير واتباعه على الخريطة السياسية العالمية،فتصبح في ذيل الأمم تابعة لها.

هذه البوصلة التي يمكن من خلالها الرجوع إلى المكانة التي يجب أن تكون عليها الأمة الإسلامية ؛فإن تم الهجوم عليها   فإن الأمة  بقيادتها السياسية الواعية  تكون بالوضع الآمن ، وإن تم احتلال قسم من أراضيها فإنها تعمل على استرداده ولو بعد حين .

وهل آن الأوان لأحفاد خالد وصلاح الدين وأبي عبيدة أن يعيدوا أمجاد أجدادهم العظام بإقامة الخلافة التي تحرر البلاد والعباد وتقيم الدين وتحمي البيضة والكرامة ، بلى والله لقد آن و إلا فمن للمسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها غير الخلافة ؟ من للمسلمين اليوم وهم يقّتلون صباح مساء في العراق وفلسطين وكشمير والشيشان وأفغانستان غير الخلافة ؟ من للمسلمين اليوم وأعراضهم منتهكة ونساؤهم يستصرخن صباح مساء وامعتصماه واإسلاماه واخليفتاه غير الخلافة ؟ من للمسلمين اليوم ليعيد المسلمين الى صدارة الأمم فيحملوا رسالة الإسلام رسالة هدى وخير للبشرية جمعاء غير الخلافة ؟

من للقدس ؟ من للخليل ؟ من لبغداد ؟ من للأخوات الشقيقات الشاكيات ؟؟

-------------------------